لا تستقيم الأمور والنجاح فى أى منظومة فى حياتنا إلا بقيام كافة العناصر التى تتكون منها المنظومة بواجبها ، وطبقا لحجم جهد كافة العناصر يمكننا ان نتوقع نسبة النجاح ، ولكن مع شلل او موات كافة العناصر .. كيف ننتظر اى نجاح او كيف يمكننا البناء على نتائج هذه المنظومة المشلولة ؟ تماماً هذا ما يحدث لكثير من مجالات الحياة فى مصر ، والرياضة على وجه التحديد ، فبين إدارة رياضية عليا عشوائية وفاشلة فى التخطيط للمستقبل ، وإدارات للاتحادات المختلفة جاءت عن طريق الولائم والتربيطات ولا صلة لها بالفكر الرياضى أو الطموح أو الدراسة او حتى الاتصال بالحركة الرياضية العالمية ، وبين رياضيين قدامى ندر منهم من نجح فى تحقيق البطولات والتميز من خلال إدارة الاندية ومعظمهم يحرثون فى البحر ويجرون معهم رياضاتهم الى النسيان بسبب غياب التمويل ، وباقى إدارات الأندية إما منها ما هو قائم على الاستثمار الشخصى لأموال رجل أعمال لن يسعى أبداً لتحويل أمواله الى جيوب الآخرين بقدر ما يفكر فى مضاعفة هذه الأموال من خلال التلميع الإعلامى أو الدعاية لأنشطته على خلفية منصبه فى إدارة النادى أو التخلى عن النادى وتركه بدون تمويل أو تغطية مصروفات الأنشطة إذا ترك كرسى الإدارة ، على أرضية كل ما سبق وجدت الرياضة المصرية نفسها منذ بداية تسعينات القرن الماضى ، ومازالت تمارس حركتها المقيدة والمحدودة ، عدا عدد من الأندية أو الإدارات يقل عن عدد أصابع اليد الواحدة ، والتى تسبح ضد التيار وتجاهد فى ظل محاربة الجميع لها كى تتساوى جميع الإدارات والأندية فى الخيبة !! تناول الجميع كل مشاكل الرياضة المصرية وكرة القدم على وجه التحديد بالفحص دون أن نقدم فكرة أو حلولا يمكن تحقيقها ، وحتى عندما قدم البعض ذلك – حلولا ممكنة – لم تكن هناك أذن تسمع أو عقل يعى وحتى لو افترضنا وجود الاذن والعقل فليس هناك استعداداً من الجهات أو الأجهزة التنفيذية لتبنى أى مشروع شبابى او غيره لأسباب لا يعلمها إلا الله وهم بالطبع! وقضية المواهب هى قضية خطيرة ، فالموهبة هبه من الله موجودة على الارض بصورة غير منظمة لا يمكن ان ترسم لها خريطة انتشار او تتوقع لها نسبة محددة فى مكان ما ، لذا فكل دولة تحتضن مثل هؤلاء البشر وتكفل لهم الرعاية وتوفر لهم باقى عناصر التميز ليحققوا للأمة ما لا تحققه الدعاية والصناعات وباقى أدوات ووسائل الميديا ، كما انها تجمع كل فئات الشعب حولها ويصبح صاحب او صاحبة الموهبة قدوة ممتازة للشباب وغيرهم وبالتالى يتجسد الطموح ويتضاعف لدى باقى الرياضيين فى شخص الموهوب .. كل هذا فى الدول التى تسير وفق مناهج وخطط .. ونظام !!! ولكل ما سبق من أسباب يصبح إهمال المواهب وعدم العناية بإعدادهم هو جريمة فى حق الوطن ، بل يصبح الأمر كارثة وخيانة إذا تعامل المسئولين مع هؤلاء المواهب عمداً او بغير قصد بما يؤدى لحرمان الوطن من هذه الموهبة ، وهذا ما يحدث بالضبط فى مصر !! فعلى المدى القريب ، سمعنا عن الكثير من المواهب التى تم قتل موهبتهم بفعل فاعل او لعدم دراية وفهم الإدارة التى يفترض انها موجودة فى منصبها للتفتيش عن هذه الموهبة ورعايتها والتى تعتبر نادرة وكأنها إبرة فى كومة قش ، وبكل أسف فإن الادارة العليا لمثل هذه الادارات تعاملت مع هذا الإهمال كشاهد ما شفش حاجة او بإذن من طين وإذن من عجين أو ربما كان مدى وعيها وإدراكها بأهمية الرياضة والمواهب تماما كمستويات إدارة الاتحادات التابعة من حيث عدم تقدير أهمية وخطورة هذا الفعل ! وبين عدم الإدراك بأهمية الموهبة وبين إهمال العناية بها ، اختفت مواهب كثيرة بعد وقت قصير من ظهور موهبتهم دون ان يلفت نظرنا ذلك ، وليت الأمر توقف عند إهمال العناية الطبية البدنية ، إنما عدم إدراك الفوارق النفسية للموهوبين عن باقى رفقائهم سواء فى الأعمار أو نوع الرياضة تماما كالفوارق الفنية والبدنية ، ترسخ عند الجميع جهل المسئولين بكيفية التعامل مع هذه الثروة ، مما يقتل مسبقاً الامل فى نفوس الموهوبين فلن يغامروا بالسعى لإظهار مواهبهم فضلاً عن انخفاض كفاءة الموهوبين الذين يمارسون الرياضة بالفعل !! والحقيقة ان عدم العناية الصحية بمثل هؤلاء الموهوبين حرمت الرياضة والجمهور من الاستمتاع بموهبتهم لوقت أطول وخسارة عدد أكبر من البطولات سواء على المستوى المحلى او الدولى كنا نتوقعها كحصاد كسبناه من رعاية الموهبة ، والعناية الصحية ليست فقط العلاج وإنما كل من يخص رعاية الموهوب بدنياً ونفسياً ! ومن أشهر المواهب التى تركت الميدان بسبب الإصابة اسماء كبيرة فى كافة الرياضات وخاصة كرة القدم نذكر على سبيل المثال فقط : محمد عبده صالح الوحش والشيخ طه اسماعيل ومحمود الخطيب وعبد العزيز عبد الشافى وإبراهيم يوسف ولاعب كان واعدا مثل عاطف جاد ناشئ الزمالك وأحمد أيوب وإيهاب جلال حارس المرمى وهشام عبد الرسول وخالد بيبو ووليد صلاح الدين والملاكم محمد رضا والشافعى لاعب التنس الدولى الكبير وأحمد فيظى، وليس معنى ذلك أننا نرفض قضاء الله أو هو رفض للإصابة ولكن المعنى هنا هو أن العناية الصحية والعلاج كانا ضرورة رياضية وإنسانية تتطلبها حالة وموهبة اللاعب !! وربما اختفى من المجال الرياضى عدد ليس بالقليل من اللاعبين الموهوبين كان يمكن ان يشعلوا الملاعب ويفيدوا منتخبات مصر ولكن لسوء الوعى الإدارى وعدم فهم الفوارق النفسية وضرورة توجيه جهد خاص للمواهب ليس بقصد زيادة الدلع والتدليل ولكن بغرض مراعاة الحصول على أكبر قدر من موهبة صاحبها دون مغالاة فى الاستجابة للمطالب والإضرار بنفوس باقى اللاعبين ، بل والأهم معرفة كيف يمكن علاجهم نفسياً قبل العلاج البدنى والفنى ، لذا خسرت الرياضة المصرية الكثير من المواهب بسبب عدم فهم معنى الموهبة وما قد تتطلبه ، ومن أمثلة على من ترك المجال مبكرا بسبب عدم العناية النفسية بهم وعلاج مشاكل عدم الانسجام والتكيف مع النادى او المجتمع او تحمل أضواء الشهرة وسطوة المال : منصور حافظ ، محمد شبندر ، على خليل ، محمد عباس ، سمير فوزى ، ابراهيم سعيد (قدم) أيمن رشدى (طائرة) ، نهلة رمضان وعصمت منصور (أثقال) كرم جابر وبوجى (مصارعة) ، أحمد برادة (اسكواش) ، وهناك الكثير لم يتم ذكرهم ، فالأسماء السابقة مجرد نموذج !! وإذا كانت الفرصة قد ولت بالنسبة للأسماء السابقة فى الاستفادة منهم ، فلدينا الكثير من المواهب المعروفة والموجودة فى الملعب بالفعل والتى تتطلب التعامل المناسب الذى يحقق أكبر قدر من الاستفادة منهم ، ومنهم على سبيل المثال : جمال حمزة ، شيكابالا ، حازم إمام ، عفروتو ، ريعو والكثير والكثير من المواهب ، التى تتطلب الرعاية النفسية الملائمة لإنهاء صدامهم مع البيئة المحيطة ، فالاحتراف ليس فقط فى طريقة الادارة أو الاداء فى الملعب ، ولكن أيضا فى طريقة استثمار الموهبة وإزالة العوائق من أمام تميزها ونموها وأن نجاح الادارة هو ايضا فى استثمار المتوفر أفضل استثمار، ولا يجب ان ننسى أن هناك الكثير من المواهب التى فى طريقها للظهور وعلينا ان نوفر لها الأمان كى تعلن عن نفسها وتنمو وتتطور فى مناخ صالح للإجادة . وإذا كان الاستثمار فى الرياضة هو أنجح الاستثمارات على الاطلاق ، فلماذا – إن كنا حريصين كما نصرخ امام الميكرفونات والكاميرات – على مصالح البلاد ، بدعوة رجال المال لرعاية المواهب على ان يكون لهم حق بيعها او الاستفادة من بيعهم بنسبة ما ؟ وهكذا نضمن توفر السيولة التى اصبح الجفاف هو عنوانها فى الادارة الرياضية المصرية وغير الرياضية ، وفى نفس الوقت تتحقق الاستفادة للمنتخبات فى البطولات المختلفة الإقليمية والقارية والدولية !! فهل تتحرك الأجهزة لدعوة رجال الاعمال للقيام بذلك ؟ وهل نجارى العالم فى الاستفادة من المواهب التى نحن فى أشد الحاجة اليها فى ظل الاخفاق فى كافة المجالات ولم يتبق لنا إلا مجال الرياضة ، ام نضع الرياضة ضمن قائمة الاخفاقات والفشل لننهى آخر أمل عند المواطن يحصل على ما يسعده ولو من خلال جهود الرياضيين وإنتاجهم طالما انه فشل فى أن يسعد بإنجازاته وإنتاجه هو ؟؟؟