تحركات إسرائيلية لا تتوقف لزعزعة استقرار المنطقة ومحاولات مستميتة للاستيلاء على الدولة الفلسطينية سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة فى تحدٍ سافر للقانون الدولى والمطالبات بعودة الهدوء للمنطقة.. وفى مسعَى لفرض واقع جديد يعزز التوسع الاستيطانى ويقلص الوجود الفلسطينى.. وافق وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش على خطط لبناء مستوطنة جديدة تفصل القدسالشرقية عن الضفة الغربيةالمحتلة فى خطوة من المرجح أن تثير غضبًا دوليًا واسعًا. مصر من جانبها أدانت بأشد العبارات إعلانَ وزير المالية الإسرائيلى الموافقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية فى محيط مدينة القدسالمحتلة فى خطوة جديدة تعكس إصرار الحكومة الإسرائيلية على التوسع فى الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية وتغيير الوضع الديموجرافى للأراضى التى تحتلها، فى خرق فاضح وانتهاك سافر للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمواثيق الدولية. واستنكرت مصر، فى بيان صادر عن وزارة الخارجية، التصريحات المتطرفة الصادرة عن الوزير الإسرائيلى الداعية لفرض السيادة الإسرائيلية والتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية فى مؤشر جديد على الانحراف والغطرسة الإسرائيلية والتى لن تحقق الأمن أو الاستقرار لدول المنطقة بما فيها إسرائيل ما دامت لا تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطينى المشروعة. وشدّدت مصر رفضها القاطع لتلك السياسات الاستيطانية والتصريحات المستهجنة التى تصدر عن مسئولين فى الحكومة الإسرائيلية والتى تؤجج مشاعر الكراهية والتطرف والعنف، وجدّدت مصر تحذيرَها لإسرائيل من الانسياق وراء معتقدات وهمية بتصفية القضية الفلسطينية وتجسيد ما يسمى «بإسرائيل الكبرى»، وهو أمرٌ لا يمكن القبول به أو السماح بحدوثه. وتجدّد مصر التأكيد على أن التوجهات الإسرائيلية التوسعية تتعارض تمامًا مع الجهود الإقليمية والدولية الحثيثة الرامية لإرساء السلام العادل والدائم والشامل فى منطقة الشرق الأوسط بين جميع شعوب المنطقة، وإن أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال مخطط التهجير ومصادرة الأراضى وبناء المستوطنات ستظل محاولات يائسة ومصيرها الفشل. وتجدّد مصر تأكيدَها أنه لا بديل عن تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقًا لمبادئ القانون الدولى وقرارات الأممالمتحدة وأن استمرار إسرائيل فى اتباع السياسات الرافضة لتبنى خيار السلام بالمنطقة والإصرار على تبنى السياسات المتطرفة هو المصدر الرئيسى لعدم الاستقرار بالمنطقة. فى نفس السياق كشف تحقيق صحفى أكثر منه مقالًا، كتب أساتذة جامعة فى إسرائيل فى صحيفة هآرتس، أنه إذا كان الافتراض السائد بأن ضم الضفة الغربية يتطلب إجراء تشريعيًا رسميًّا، فإن الكنيست صوَّت لصالح إعلان بدا دراماتيكيًا وهو الاعتراف بحق الشعب اليهودى فى الضفة الغربية، أو كما يطلقون عليها فى إسرائيل يهودا والسامرة، وتعزيز تطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة ج. ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية الإعلان بأنه بداية ضم أراض يهودا والسامرة إلى دولة إسرائيل، لكن الحقيقة هى عكس ذلك، فهذا الإعلان ليس بداية، إنه ستار دخانى صمم لإخفاء حقيقة أن الضم قد حدث بالفعل، ليس فى إطار الدراما الدستورية، بل من خلال إجراءات بيروقراطية هادئة ومتسقة وغامضة. وأضافت البروفيسورة «ياعيل بيردا» من قسم علم الاجتماع والأنثروبولوچيا فى الجامعة العبرية، والدكتورة «تمار مجيدو» من قسم العلاقات الدولية والدراسات السياسية فى الجامعة نفسها، والدكتورة رونيت ليڤين- شنور من كلية الحقوق فى جامعة تل أبيب، بأن الادعاء أن إتمام الضم يتطلب إعلانا رسميا هو جوهر هذا الستار الدخانى، هذه الفكرة المضللة تمكن الحكومة اليمينية المتطرفة من التصرف فى الضفة الغربية كسلطة ذات سيادة دون دفع ثمن دولى، كما أنها تتيح للمعارضة معارضة الضم بالكلام فقط أو بدلا من ذلك، الشكوى من فشل الائتلاف فى المضى قدما فى الضم حسب الجهة الموجهة إليه، الافتراض الأساسى فى الخطاب العام الإسرائيلى الذى يشمل سياسيين من اليمين ومن يسار الوسط، هو أن الضم يتطلب إعلانا رسميا كتشريع أو إعلان عام يغير وضع الأراضى، يبدو أن هذا هو النهج الذى اتبعته دول أخرى أيضا، لكن هذا افتراض غير دقيق قانونيا فى الواقع، لا يتطلب ضم الأراضى إعلانا أو قانونا تشريعيا. وكما ذكرنا فى مقال أكاديمى نشر مؤخرا فى مجلة أكسفورد للدراسات القانونية، يكفى للاعتراف بأن الضم الكامل جارٍ وبالنظر إلى الإطار التنظيمى المعيارى الذى تدير به الدولة الأراضى والهيكل التنظيمى والآلية البيروقراطية للدولة والممارسة الرمزية للسلطة. وفى أبسط تعريف يعنى الضم فرض السيادة الإسرائيلية رسميا على أراضى فلسطينية محتلة، على رأسها الضفة الغربية كما سبق أن فعلت إسرائيل فى الجولان السورى المحتل ومزارع شبعا، لكنه فى الحالة الفلسطينية لا ينفصل عن إنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية وشطب حل الدولتين بالكامل، الضم يعنى أن تتعامل إسرائيل مع الضفة الغربية على أنها جزء من أراضيها السيادية، تنطبق عليها القوانين الإسرائيلية، لكن بدون الاعتراف بسكانها الفلسطينيين كمواطنين، أى أن الفلسطينيين سيصبحون سكانا بلا حقوق لا يحق لهم التصويت، ولا الترشح، ولا حتى التحرك بحرية من مدينة إلى أخرى بدون تصاريح أمنية من جيش الاحتلال. تبنت محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى الصادر فى يوليو 2024، الموقف القائل بأن الضم لا يتطلب إعلانا رسميا، وجدت أيضا أن إسرائيل ضمت بالفعل أجزاء على الأقل من المنطقة «ج»، بمعنى آخر يعد الضم غير المعلن الذى يتم عبر وسائل بيروقراطية ضما فعليا، أدت إجراءات الحكومة الإسرائيلية فى العامين الماضيين إلى إتمام إسرائيل ضم الأراضى بدون خارطة طريق سياسية أو تشريع، فعلت ذلك من خلال تغيير شامل لسلطة الهيئات الحكومية العاملة فى الأراضى، وهيكلية وأساليب سيطرتها عليها وكيفية استخدام الميزانيات المخصصة لترسيخ السيطرة الإسرائيلية وتعميقها. ولم يعد الجهاز العسكرى الذى حكم الضفة الغربية فى العقود الأخيرة حتى وقت قريب، والذى كان يعتبر نفسه خاضعا للقانون الدولى موجودا، فإذا كانت الضفة الغربية تعتبر حتى ما قبل عامين خاضعة للحكم العسكرى، فإنها اليوم تحكم من قِبل الوزارات المدنية الإسرائيلية تخضع الإدارة المدنية الآن ل«بتسلئيل سموتريتش»، الذى يشغل منصب وزير إضافى فى وزارة الدفاع. وزارات النقل والتعليم والزراعة، من بين وزارات أخرى تستخدم الجيش كمقاول فرعى لمشاريع تهدف إلى السيطرة على المنطقة «ج»، حتى أجزاء من المنطقة «ب». وفى الوقت نفسه، تم تعيين وزارات جديدة لتعزيز وتسريع عملية الضم، مثل نائب رئيس الإدارة المدنية نيابة عن حركة المستوطنين، الذى يقدم تقاريره إلى الوزير بدلا من الجيش، تم تفكيك المستشار القانونى المستقل للجيش وإخضاعه للقيادة السياسية، بكسره سلسلة القيادة اتخذ «سموتريتش» خطوة حاسمة نحو الضم،فقد نقل السلطة العسكرية على الشئون المدنية فى الأراضى المحتلة من قائد المنطقة الوسطى فى جيش الدفاع الإسرائيلى- القائد العسكرى للضفة الغربية- إلى سلطة مدنية إسرائيلية. نجد أنه لا يتم هذا الضم على صفحات الصحف، مع أننا حذرنا منه منذ توقيع اتفاقيات الائتلاف، بل من خلال صياغة الوثائق الإدارية، نقل بنود الميزانية وتغيير مبادئ التخطيط، تسريع إجراءات الترخيص، نقل الصلاحيات المتعلقة بالأراضى وتطوير البنية التحتية لصالح المستوطنات، دمج المستوطنات فى نظام البنية التحتية والقانون المدنى الإسرائيلى؛ هذه الخطوات ترسى سيادة مدنية إسرائيلية على الأراضى المحتلة. وفى ضوء هذا السياق، لا يمثل إعلان الكنيست الأخير، نقطة تحول بل على العكس، هو جزء من حملة تضليل إعلامى، فهو يزود الوسط السياسى برواية ملائمة، كما لو أن الضم يتطلب إعلانا مما يسمح له بمواصلة إنكار الواقع، كما لو أنه فى غياب الإعلان، لم يحدث أى ضم والأسوأ من ذلك، أنه يبرئ الأنظمة القانونية والإدارية والسياسية التى تمكن من تنفيذ الضم بشكل روتينى. هذا بالإضافة إلى أن الضم محظور تماما بموجب القانون الدولى، فإن البنية التحتية والهياكل الحكومية التى صممتها الحكومة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، تقوم على تمييز مما أسس دون منح السكان الفلسطينيين حقوقهم المدنية ومن خلال تمييز ممنهج ضدهم فى الميزانيات والموارد؛ إنها أيضا مشكلة ديمقراطية؛ الضم بدون حقوق هو نظام فصل عنصرى فى ظل أنظمة قانونية مختلفة وحقوق مختلفة، وتمثيل مختلف فى المؤسسات السياسية؛ فهذا نظام يميز بشكل هيكلى وممنهج. إنكار هذا الواقع من قبل المسئولين المنتخبين الذين يرفضون الاعتراف بحقيقة أن الضم قائم بالفعل، يسهم فى ترسيخ انتهاكات القانون وتآكل القيم الديمقراطية التى يفترض أنها تشكل أساس النظام السياسى الإسرائيلى، لكن تأثير الضم لا يقتصر على نظام الفصل العنصرى الموجه ضد السكان الفلسطينيين المهمشين، بل إنه يتسرب إلى داخل البلاد ويدمر أسسها؛ إن الزيادة الملحوظة فى العنف ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية وسلسلة الهجمات والحرق المتعمد من قبل مجموعات من المستوطنين، بعضها بدعم من الجيش يبشر بالتحول من نظام فصل عنصرى بقوانين منفصلة لفئات سكانية مختلفة، إلى نظام تصبح فيه سيادة القانون وهمًا، وتمارس فيه السلطة التنفيذية أو وكلاؤها السلطة وتتصرف دون عقاب، إلا فى حالات نادرة يرفض فيها موظف أو جندى تنفيذ الأوامر.