شهدت القاهرة انعقاد المؤتمر العالمى العاشر للإفتاء، تحت عنوان «صناعة المفتى الرشيد فى عصر الذكاء الاصطناعى»، الذى نظمته دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، بمشاركة نخبة من كبار العلماء والمفتين والخبراء من أكثر من 70 دولة. المفتى الرشيد عن أهمية ما قدمه المؤتمر لصناعة الفتوى فى عصر الذكاء الاصطناعى، يرى د. نظير محمد عياد مفتى الجمهورية، أن ثورة الذكاء الاصطناعى أحدثت تحولات غير مسبوقة، لكن الفتوى تحتاج إلى توظيف مسئول يوازن بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمى، محذرًا من مخاطر برمجة الفتوى دون ضوابط، ما قد يحول الدين إلى خطاب جامد منفصل عن مقاصده، مشددًا على أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يخدم المراحل التحضيرية للإفتاء، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعى، الذى يظل منوطًا بالمفتى الرشيد، كما دعا إلى وضع ميثاق عالمى يضبط استخدام التقنية على أساس العدل والرحمة. نموذج عالمى فيما يؤكد د. محمد الضوينى وكيل الأزهر، أن أوجه الاستفادة من الذكاء الاصطناعى، لا يمكن أن تكون بديلًا عن المفتى المؤهل الراسخ، الذى يحمل أمانة البيان عن الله، ويفهم مقاصد الشريعة وأحوال الناس المتجددة بعمق ودقة. ودعا «الضوينى» العلماء إلى إنشاء نموذج عالمى للمفتى الرشيد، قادر على التوفيق بين أصالة الشريعة ومتطلبات العصر الرقمى، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون أداة مساندة للاجتهاد البشرى، لا بديلًا عنه. الفقه والتكنولوجيا خلصت مناقشات المؤتمر،إلى رؤية متكاملة لتحقيق التوازن بين الاستفادة من مزايا الذكاء الاصطناعى وحماية أصالة الفتوى، تقوم على تأهيل المفتين علميًا وتقنيًا، تطوير منصات إفتاء رقمية تحت إشراف بشرى مباشر ووضع تشريعات وأخلاقيات واضحة لاستخدام التقنية فى المجال الدينى. وأشاد د. محمد البشارى، أمين عام المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، إلى أن الفتوى أصبحت وظيفة معرفية، تتطلب توازنًا بين النص الشرعى والواقع الرقمى والمستقبل التقنى، داعيًا إلى إعادة تأهيل المؤسسات الإفتائية لمواكبة التحولات. وشدد د. فايز مصطفى، من دار الإفتاء اللبنانية، على دمج الفقه والتكنولوجيا فى المناهج التعليمية وإنشاء منصات إفتاء موثوقة، فيما أكد د.محمد شاكر من الصومال على ضرورة أن يكون المفتى جسرًا يربط بين التراث والحداثة. وأوصى د.فايد محمد سعيد رئيس اللجنة الشرعية للمجلس الأوروبى بإنشاء منصات إفتائية تعتمد على الذكاء الاصطناعى تحت إشراف العلماء، مع تطوير قواعد بيانات شرعية مرجعية زمالة للإفتاء أعلنت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، على هامش مؤتمر الإفتاء العالمى العاشر بالقاهرة (12-13 أغسطس 2025)، عن إطلاق برنامج الزمالة الدولية للمفتين الشباب؛ مبادرة استراتيجية تهدف إلى إعداد جيل جديد من المفتين، يمتلك أدوات الإفتاء الرشيد، القادر على مواجهة قضايا العصر وفى مقدمتها النوازل المرتبطة بثورة الذكاء الاصطناعى. البرنامج، الذى يُعقد على مدار عام كامل، يمثّل منصة تدريبية دولية متكاملة، تتبنى منهجية علمية صارمة، تمزج بين الأصالة الفقهية والوعى بالواقع، تجمع بين التعلم الحضورى والتعليم عن بعد، مع تركيز على المحاور البحثية والمهارية والاجتهادية، التى تمكّن المشاركين من الانتقال من مستوى «المفتى المقلد» إلى «الفقيه المجتهد». ويستهدف البرنامج المفتين الشباب من مختلف القارات ممن لا يتجاوز عمرهم 40 عامًا، بشرط امتلاكهم مؤهلات شرعية معتمدة وخبرة عملية فى مجال الفتوى، بالإضافة إلى ترشيح رسمى من جهة إفتائية معتبرة وتخضع عملية القبول لاختبارات ومقابلات دقيقة، تضمن اختيار نخبة من الكفاءات القادرة على الإسهام فى تطوير الإفتاء المؤسسى فى بلدانها. ويقدَّم البرنامج فى أربعة محاور رئيسية: 1. البناء المعرفى: تأسيس قاعدة علمية متينة فى الفقه وأصوله، مع دمج العلوم الاجتماعية والإنسانية لفهم السياقات المعاصرة. 2. البناء البحثى والمنهجى: تدريب المشاركين على أساليب البحث العلمى واستقراء المسائل وتحليلها. 3. بناء الملكة الفقهية: صقل المهارات التطبيقية فى التعامل مع الاستفتاءات وصياغة الأحكام المنضبطة. 4. الاجتهاد والتجديد: تأهيل المفتى ليصبح مجددًا فقهيًا قادرًا على التعامل مع النوازل المعاصرة المعقدة، ومنها قضايا الذكاء الاصطناعى، البيوإتيقا، والعملات الرقمية، والإفتاء فى المجتمعات غير المسلمة. ويرى الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، فى تصريح خاص أن البرنامج يمثل «قفزة استراتيجية فى تأهيل القيادات الإفتائية، خاصة مع إدماج موضوعات الذكاء الاصطناعى فى التدريب، بما يضمن صناعة مفتى المستقبل، القادر على التفاعل مع قضايا عالمية مركبة برؤية شرعية متوازنة». ويعتمد البرنامج، على شبكة واسعة من التعاون المؤسسى، تضم كبرى المرجعيات الإسلامية والمجامع الفقهية حول العالم، فضلًا عن شراكات مع هيئات دولية، مثل اليونسكو والإيسيسكو، لتعزيز البعد الحضارى والحوار الثقافى فى الفتوى، كما تنشئ الأمانة «رابطة خريجى الزمالة»، لمتابعة المشاركين بعد التخرج، وتوفير منصة مستمرة لتبادل الخبرات والبحوث والنوازل. ومن المتوقع أن يثمر البرنامج خلال السنوات المقبلة شبكة من القيادات الإفتائية الشابة المؤهلة عالميًا، القادرة على تقديم خطاب دينى رشيد، يسهم فى استقرار المجتمعات وتعزيز التعايش ومع الحفاظ على ثوابت الشريعة ومقاصدها. وثيقة القاهرة و أطلق المؤتمر العالمى العاشر للإفتاء، «وثيقة القاهرة حول الذكاء الاصطناعى والإفتاء»، وهى مرجع أخلاقى وشرعى غير مسبوق على المستوى العالمى، يضع معايير وضوابط دقيقة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى صناعة الفتوى. الوثيقة، التى صدرت عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، جاءت استجابة للتحولات الرقمية الهائلة، التى تشهدها المجتمعات المعاصرة، إدراكًا لتأثيرات الذكاء الاصطناعى فى إعادة تشكيل ميدان الإفتاء، بما يحمله من فرص وتحديات، وهى تسعى إلى صياغة إطار توافقى يجمع بين المرجعية الشرعية الإسلامية والمبادئ الأخلاقية الدولية، لضمان أن تظل الفتوى الإسلامية مواكبة للعصر، دون التفريط فى الأصول ولا الانجراف وراء انحيازات التقنية. محاور رئيسية ومبادئ ضابطة تتضمن الوثيقة أبوابًا وفصولًا تحدد بوضوح المفاهيم الأساسية، مثل تعريف الذكاء الاصطناعى فى سياق الإفتاء، ترسيخ المقاصد الشرعية كإطار أعلى لاستخدام التقنية، التأكيد على أن الأصل فى الابتكارات الإباحة، ما لم يرد دليل على التحريم.، تتبنى مبادئ عالمية مثل: «عدم الإضرار، العدالة والإنصاف، الشفافية، المساءلة، حماية الخصوصية»، مع تكييفها شرعيًا بما يحفظ الهوية والقيم الإسلامية. وشددت الوثيقة عدم جواز ترك عملية الإفتاء كاملة للآلة، وإبقاء القرار النهائى بيد المفتى البشرى، بوصفه المسئول الشرعى أمام الله والناس وأوصت بإنشاء لجان شرعية وتقنية لمراجعة مخرجات الأنظمة الذكية، اعتماد آليات واضحة لتصعيد المسائل المعقدة إلى المفتى مباشرة. رؤية استشرافية وبحسب الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام لهيئات الإفتاء بالعالم، فإن وثيقة القاهرة تمثل خط الدفاع الأول، لضمان أن يظل الذكاء الاصطناعى خادمًا للفتوى، لا متحكمًا فيها، مؤكدًا أنها تضع العالم الإسلامى فى موقع المبادرة فى صياغة معايير دولية منطلقة من قيمه وأخلاقياته. وبهذا الإصدار، يكون مؤتمر الإفتاء العالمى العاشر، فتح فصلًا جديدًا فى مسيرة الإفتاء، جاعلًا من القاهرة منصةً لإطلاق أول ميثاق شامل ينظم العلاقة بين الفتوى والذكاء الاصطناعى، يضمن أن تبقى الفتوى ركيزةً للأمن الفكرى والاستقرار المجتمعى، فى زمن تزداد فيه تحديات المعلومة وسرعة تداولها. خارطة طريق خرج المشاركون فىالمؤتمر بحزمة توصيات شاملة تمثل خارطة طريق للعمل الإفتائى فى المرحلة المقبلة، مؤكدين أن هذه الرؤى لا تقتصر على التنظير، بل تمثل دعوة عملية لتحويل الأفكار إلى إنجازات ملموسة تعزز دور الإفتاء فى خدمة المجتمعات ومواجهة تحديات العصر. وشددت التوصيات، على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين جميعًا، نصرة أهلها واجب دينى ووطنى، مع الدعوة إلى تكثيف الدعم الإنسانى العاجل ورفع أى عوائق أمام وصولها. ورأت التوصيات ضرورة ترسيخ ضوابط فقهية وأخلاقية دقيقة تضبط الفتوى فى الفضاء الرقمى، التأكيد على أن المؤسسات الإفتائية الرسمية هى الحصن المنيع لحماية الشرع والفكر من الانحراف. وأكدت على أهمية وضع أطر أخلاقية صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعى، تنطلق من القيم الإسلامية. وأوصت الوثيقة بدمج التقنيات الحديثة فى خدمة الفتوى، من خلال تطوير تطبيقات ذكية تيسر الوصول إلى المصادر الموثوقة، تعزيز الاجتهاد العلمى الذى يحول النوازل المعاصرة إلى سوابق فقهية مدروسة، دعت إلى تبنى نهج الاستشراف الفقهى، عبر برامج بحثية متخصصة تدرس القضايا المستقبلية مثل التقنيات الغامضة والحرب الإلكترونية، بحيث يكون الإفتاء سبّاقًا فى معالجة المستجدات. وشملت التوصيات أهمية التأهيل المزدوج للمفتين شرعيًا وتقنيًا، إدراج مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعى والوسائط الرقمية ضمن مناهج إعدادهم. ولم تغفل التوصيات البعد الدولى، إذ دعت إلى تعميق التعاون بين هيئات الإفتاء ومراكز البحث والمنظمات الأكاديمية والتقنية، بما يسهم فى تطوير أدوات الإفتاء.كما جاء ضمن الرؤى المطروحة، تشجيع ابتكار أدوات ذكاء اصطناعى، تدعم الفتوى المعتدلة، وتطوير تطبيقات متعددة اللغات تيسر الوصول إلى الفتوى الصحيحة.