فى نفس اليوم الذى أحبطت فيه وزارة الداخلية مُخطط حركة حسم الإرهابية «الجناح المسلح لجماعة الإخوان»، (20 يوليو الجاري)، بعد رصد محاولات إحياء نشاطها وارتكاب عمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية فى الداخل، أطلقت قيادات الحركة فى الخارج دعوات لمُحاصرة السفارات والقنصليات المصرية بزعم «نصرة غزة وفك الحصار عنها». سلط بيان الداخلية عن «حسم»، الضوء على مجموعة من قياداتها الإرهابيين، وفى مقدمتهم يحيى السيد موسى، باعتباره أحد المؤسسين الأوائل والمشرف على الهيكل المسلح والعسكرى للحركة، وهو قيادى إخوانى ينتمى إلى ما يُعرف ب«تيار التغيير» فى الجماعة، صادر بحقه أحكام عدة تصل إلى الإعدام، فضلًا عن وجوده على رأس لائحة الإرهاب المصرية. باءت جميع محاولات يحيى موسى وقيادات الإخوان لزعزعة استقرار الدولة داخليًا خلال السنوات الأخيرة بالفشل، فقرروا التحرك عبر ذارعهم الخارجية الجديدة، مؤسسة/ حركة «ميدان» التى أنشأتها الجماعة لأهداف إرهابية، تحت غطاء «العمل الثوري». وعبر صفحتها بمنصة «فيسبوك»، أطلق يحيى موسى، الذى يشغل عضو المكتب السياسى ل «ميدان»، تحريضًا عامًا، دعا خلاله «مليون مصري» بالخارج إلى حصار السفارات والقنصليات المصرية؛ لتعطيل العمل بها ومنع دخول وخروج موظفيها؛ «حتى تفتح السلطات المصرية أبواب معبر رفح وتُدخل المساعدات إلى غزة». فيما صدر بيان آخر عن «ميدان»، تلى هذه الدعوات التحريضية يحمل توقيع القيادى فى تيار التغيير رضا فهمى، مؤسس الحركة ورئيس إدارتها، يُطالب فيه جميع الجاليات العربية والإسلامية فى الخارج للحشد والتظاهر وحصار السفارات المصرية بدعوى وقوف الحكومة والدولة المصرية خلف «تجويع أهل غزة» عبر تعمدها غلق معبر رفح، وهى السردية ذاتها التى تتفق مع المزاعم الإسرائيلية المُلقية باللوم على مصر؛ للتنصل من جرائمها الإنسانية. إسقاط الدولة.. الهدف الأساسى دأبت الحركة الجديدة على توظيف القضية الفلسطينية ومُعاناة أهل غزة؛ لغرض أساسى وضعته وهو «إسقاط الدولة المصرية ونظامها السياسى وإعادة حُكم الإخوان مُجددًا»، وهو الأمر الذى ظهر فى كثير من خطاباتهم وبياناتهم جليًا دون تأويل. وفى هذا الصدد، جرى تحليل مضمون عينة من منشورات صفحة «ميدان» على منصة «فيسبوك»، مُنذ بداية الشهر الجارى، وتحديدًا خلال الفترة من (1 - 21 يوليو)، وهى فترة تأتى فى سياق مُهم بين ذكرى ثورة 30 يونيو، وفض اعتصام رابعة 14أغسطس المقبل. يُظهر تحليل «30 منشورًا» خلال الفترة المشار إليها، أن أغلب البيانات والتحريضات حملت توقيع الثنائى «يحيى موسى، ورضا فهمي» باعتبارهما الأكثر فاعلية داخل هذا الكيان، لا سيما الأول الذى ركز فى حديثه المستمر على «الجيش المصري»، تارة يُشكك فى عقيدته وأخرى فى قدراته القتالية وثالثة يزعم وجود أزمة بين المؤسستين الرئاسية والعسكرية، لمحاولة إيهام أتباعه بوجود انقسام داخلى. وفى الوقت الذى برزت فيه المنشورات المحرضة على «محاصرة السفارات والقنصليات المصرية بالخارج»، استمر الحديث عن قضية التهجير وضعف الاقتصاد والمؤسسات الحكومية، لأغراض أربعة «التشكيك والتحريض والتشويه والإساءة». وبمقارنة الأهداف السابقة بما جاء فى «الوثيقة الفكرية» الصادرة فى 19 ورقة، وتحمل الملامح الفكرية لحركة «ميدان»، فقد نصت الرؤية الأساسية على «حشد طاقات التيار الإسلامى الثورى كنواة صلبة لمواجهة النظام المصرى وإسقاطه بتثوير الشعب». كما تُطالب الحركة بالتمسك بنظام الشريعة الإسلامية فى الحكم، وهى فى نظرهم توجب «الخروج على الحاكم»، بل تعتبر الأنظمة العربية أدوات للاستعمار، وترى فى «الثورة» حقًا واجبًا وشرعيًا للنهوض والتحرر والاستقلال، عبر سياسة العمل «اللامركزي» لتفادى عيوب المركزية الإخوانية القديمة التى سهل تتبعها وإضعافها. ميدان.. امتداد لتيار «الكماليين» العنيف تعود الجذور الأولى ل «ميدان» إلى عام 2022، تزامنًا مع المؤتمر الذى أطلقته ما تُعرف ب «جبهة التغيير» داخل الإخوان فى إسطنبولبتركيا، تحت اسم «شباب التغيير.. عقد من النضال وخطوة للمستقبل». المُلاحظ أن الحركة ترفع شعار «التغيير عبر العمل السياسى ودعم الحراك الثوري»، ورغم إطلاق منصاتها قبل عام ونصف تقريبًا إلا أنها نشطت بشكل كبير خلال العام الجارى، لاسيما منذ إبريل 2025، حينما كشفت عن «رؤيتها الفكرية» عبر موقع إلكترونى حديث يحمل الاسم ذاته. إلى جانب رضا فهمى ويحيى موسى، يبرز اسمان داخل حركة ميدان، هما الهاربان فى تركيا محمد منتصر، ومحمد إلهامى، الموجه إليهما تهم عدة داخل مصر تتعلق بالعُنف، حيث يشغلان أيضًا مناصب بالمكتب السياسى للحركة الجديدة. نشأت الحركة ومن قبلها «حسم» التى يشترك فى إدارتها أعضاء الإخوان ذاتهم، ومن قبلهما الجماعات الإرهابية التى تُعرف داخل هذا التيار ب «الثورية» أو «النوعية»، ك «كتائب حلوان»، و«مولوتوف»، و«ولع» و«العقاب الثوري» و«المقاومة الشعبية» على أفكار الأب الروحى لها «محمد كمال»، مؤسس الخلايا المسلحة للإخوان بعد فض رابعة عام 2013، وكلها تسير على نهج قادة «النظام الخاص» الأوائل داخل الإخوان. سعى كمال، مُنذ يناير عام 2015، إلى إحياء «النظام الخاص» برؤية مُسلحة تتسم مع الواقع الجديد الذى باتت فيه الجماعة معزولة عن الحُكم، حيث أعد بصحبة مجموعة من قيادات الإخوان فى لجنته الإدارية العليا، دستورًا للعمل العنيف تحت اسم «فقه المقاومة الشعبية»، يؤصل لمنهج حركات مُسلحة ويُشرعن لتحركاتها وانتشارها فى المحافظات المصرية. بعد مقتل كمال بما يقرب من 10 سنوات، تظل هذه الأفكار راسخة فى عقول قيادات «تيار التغيير»، حيث يُظهر فيديو منشور عبر صفحة ميدان على «فيسبوك» فى 8 يوليو الجارى، «جوهر عمل الحركة» الجديدة، كما جاء على لسان يحيى موسى، بقوله إن «شعب مصر ما زال موجودًا على أرضه ولم يغادر، حتى وإن تم اعتقال قيادات وكوادر، وما زال يوجد قيادات وكوادر الآن، لا يراها أحد، ولا يعرفها أحد، سنكون فى الخارج صوتًا لهؤلاء وداعمين لهم، ودائمى التواصل معهم، حتى تأتى الفرصة». يُضيف موسى فى حديثه: «التيار الإسلامى فى الداخل له دور وواجب، وهذا ما لمسناه مع إطلاق حركة ميدان، حيث وجدنا تجاوبًا وتفاعلًا هائلًا من الشباب المصرى فى الداخل فى مختلف مناطق الجمهورية، هناك جيل جديد فى مصر يريد تحرير بلاده سنلتحم مع هؤلاء، ونوجههم إلى البوصلة الصحيحة من أجل التغيير». لا شك أن هذه التصريحات تتسق كليًا مع حديث مجدى شلش، عضو اللجنة الإدارية العليا بالإخوان، وعضو مكتب الإرشاد سابقًا الهارب خارج البلاد، بعد مقتل صديقه الشخصى محمد كمال، فى أكتوبر 2016، وبعد ثلاثة أشهر فقط من تأسيس حركة «حسم» فى يوليو من نفس العام، حينما قال نصًا «أبناؤنا فى الشارع وبجميع المحافظات أُشربوا المعنى الثورى، ولا يمكن أن يتراجعوا عنه الآن، وأصبحت كل شعبة بالجماعة بها الثوريون الذين يمتلكون أدوات القوى». حملت بيانات ميدان، لفظ «الحراك الثوري»، وهو اللفظ ذاته الذى أوجده محمد كمال، وكثر وروده فى بيانات «حسم» المتتالية، وأرادوا به سلوك نفس مسار «النظام الخاص» الذى يعود تأسيسه ل «حسن البنا». فى هذا السياق، لا يمكن إغفال بأى حال من الأحوال، تلك الأعمال الإرهابية الشنيعة التى نفذتها «حسم» ضد الشعب المصرى، والتى طالت المدنيين قبل رجال الشرطة والقضاء، وفى مقدمتها تفجير معهد الأورام، الذى راح ضحيته 23 شهيدًا وعشرات المصابين، فى 4 أغسطس عام 2019. صحفى وباحث فى قضايا الإرهاب