فى ظل تصاعد التهديدات الأمنية والفكرية للجماعات المتطرفة، وظهور تحركات جديدة لجماعة الإخوان الإرهابية عبر تشكيلات سرية مسلحة مثل حركة «حسم» و«ميدان»، تتجدد مخططات إسقاط الدولة باستخدام العنف والفوضى المغلفة بشعارات دينية وفتاوى مفخخة. فى هذا السياق حذر خبراء فى شئون الجماعات المتطرفة والقانون الدولى، من محاولات بعض المنصات لنشر العنف والتخريب، تحت شعارات مزيفة.
منير أديب، الباحث فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، قال إن التنظيمات المتطرفة تلجأ لتكفير الخصوم ومن ثم تبرير استخدام السلاح ضد الحاكم والمجتمع بشكل عام، ومؤخرًا نشطت ميليشيات مسلحة مثل حركة «سواعد مصر» و«حسم» و«ميدان» لبث الفتاوى والآراء الهادفة لبث الفوضى وهدم الدولة. وأوضح أن الجماعات المتطرفة تحاول تصوير الشارع المصرى على أنه فى حالة صدام مع الدولة، وتخلط عن عمد بين الأهداف المشروعة للتغيير السلمي، وبين الممارسات التخريبية. واعتبر أديب أن من يتحدث باسم الدين، ويسعى فى الوقت نفسه لهدم الدولة لا يمكن وصفه إلا بالجهل. وأكد أن ما حدث فى مصر فى 30 يونيو 2013 كان تعبيرًا عن إرادة شعبية خالصة، وثورة فى مواجهة الفساد، وحكم جماعة الإخوان، بينما تحاول التنظيمات المتطرفة عن عمد الخلط بين الثورة وبين أعمال الهدم، لتبرير العنف ضد الدولة والمجتمع. وشدد أديب على أن الجماعات المتطرفة بعد أن فقدت بريقها وتأثيرها فى الشارع المصري، نتيجة لغياب مشروع سياسى واضح، لجأت إلى تبنى خيار العنف، من خلال الاعتصامات المسلحة، ثم أنشأت ميليشيات مثل «حسم» و«لواء الثورة» و«أرض الكنانة» وغيرها من المسميات لتنظيمات تتبنى «عقيدة الثأر» من المجتمع ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والشرطة، باعتبارهما الحصن الحصين للدولة. وأوضح أن محاولتهم للوصول إلى السلطة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الفوضى وهدم مؤسسات الدولة، باعتبار ذلك الخيار الاستراتيجى الوحيد المتبقى لديهم. وأكد أديب إن حركة «حسم» خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، مثلها مثل باقى تنظيمات العنف التى نشأت بعد عام 2013، لافتًا إلى أن الجماعة الأم وفرت مظلة أيديولوجية، وبيئة حاضنة لهذه التنظيمات، سواء من خلال الدعم التنظيمى أو المالى. وأوضح أن جماعة الإخوان، وتحديدًا القيادى محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد والمسئول عن اللجنة الإدارية العليا هو صاحب فكرة منصة «ميدان» التى دشنتها الجماعة لنشر فتاوى تعطى الشرعية للعنف. وأشار إلى أن كمال دعا إلى تصويت داخل مجلس شورى الجماعة لبحث استخدام «القوة»، وهو ما أسفر عن تشكيل لجنة شرعية أصدرت ما يسمى ب«بحث المقاومة الشرعية»، وأُرسل ذلك إلى المكاتب الإدارية بالمحافظات بهدف تأسيس الميليشيات المسلحة. فى ذات السياق، أكد سامح فايز الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية، أن التنظيمات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين لا تزال تظهر بأسماء مختلفة، فى محاولة للتخلص من الماضى الأسود للنظام الخاص الدموى الذى ارتبط بالتنظيم تاريخيًا، على أمل تمرير حركات مسلحة جديدة، على اعتبار أنها تمرد ثورى مسلح، وهى مسميات تستهوى الآلة الغربية الداعمة للحركات المتمردة فى دول العالم الثالث. وأشار إلى أن حركة «حسم» أنشأها تنظيم الإخوان فى فبراير 2014 فى أعقاب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، بهدف إشعال الأوضاع فى البلاد، وظهرت الحركة إلى العلن فى 2016 بعد عملية اغتيال مؤسسها، وعضو مكتب الإرشاد محمد كمال. ولفت فايز إلى أن ما ورد فى بيان وزارة الداخلية بعد إجهاضها مخطط حركة «حسم» يحمل دلالة مهمة، حيث أشار لأول مرة إلى حركة «ميدان» باعتبارها امتداد لحركة «حسم» أو الوجه الآخر لها، مشيرًا إلى أن هذا التطور يسلط الضوء على محاولات الجماعة لإعادة تدوير أدواتها بأسماء جديدة تخدم الأجندة نفسها. وأوضح فايز أن «ميدان» تأسست رسميًا عام 2021 عندما أعلنت عنها جبهة «تيار التغيير» المعروفة إعلاميا باسم «الكماليون»، خلال مؤتمر عقد فى إسطنبول فى العام نفسه، إلا أن النشاط الفعلى للحركة بدأ مطلع عام 2024، بالتزامن مع صعود «هيئة أحرار الشام» إلى سدة الحكم فى سوريا، وهو الحدث الذى أعاد إحياء طموحات جماعات الإسلام السياسى فى تنفيذ سيناريوهات مشابهة، بدعم من قوى غربية. وأكد الباحث أن حركة «ميدان» أطلقت مشروعها السياسى تحت مسمى «سيناريو ميدان للتغيير»، وهو مشروع يعتمد بالأساس على فكرة التغيير من خلال نشر الفوضى واعتماد الثورة المسلحة كوسيلة لإسقاط الدولة. ووفقًا لما يعلنه أعضاء المكتب السياسى للحركة، وعلى رأسهم رضا فهمي، العضو السابق بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، فإن التغيير لا يكون مجديًا فى نظرهم إلا إذا شمل هدم الدولة بالكامل، بما فى ذلك جميع مؤسساتها السيادية. من جانبه حذر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، من خطورة عودة نشاط الجماعات الخارجة عن القانون، وحركة ميدان التى تستهدف هدم الدولة المصرية، مؤكدًا أن هذه الأنشطة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصري، وتتعارض مع مبادئ القانون الدولى وسيادة الدولة، مشيدًا بدور الأجهزة الأمنية فى مواجهتها لهذه الجماعات الخارجة عن القانون. وقال مهران إن ما تقوم به هذه الجماعات لا يمكن وصفه بالعمل المشروع، بل هو عمل تخريبى يهدف إلى زعزعة الاستقرار وتدمير مؤسسات الدولة، مؤكدًا أن القانون الدولى يعترف بحق الدول فى الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الداخلية التى تستهدف النظام العام والأمن القومى. وأوضح خبير القانون الدولى أن مبدأ سيادة الدولة المنصوص عليه فى المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة، يعطى الدولة الحق المطلق فى حماية نظامها السياسى ومؤسساتها من أى محاولات للتخريب أو الهدم، وهذا الحق مكفول للدولة المصرية بموجب القانون الدولى والقانون الداخلى على حد سواء. وشدد على أن الأنشطة التى تقوم بها حركة ميدان والجماعات المرتبطة بها تخرج عن نطاق الحق فى التعبير أو الاحتجاج السلمى المكفول بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتدخل فى إطار الأعمال التخريبية التى تهدف إلى قلب نظام الحكم بالقوة. وأكد مهران أن هدف هذه الجماعات أصبح واضحًا، وهو الهدم والتخريب وليس الإصلاح أو التطوير، فالممارسات التى تقوم بها تستهدف تدمير البنية التحتية للدولة، وإضعاف قدرتها على أداء وظائفها الأساسية، وهو ما يتعارض مع المفهوم المشروع للعمل السياسى أو الثورى. ولفت إلى أن محاولة تصوير هدم الدولة كهدف ثورى مشروع، يعد تضليلًا خطيرًا يتنافى مع مبادئ القانون الدولي، لأن الثورات المشروعة تهدف إلى الإصلاح والتطوير، وليس إلى الهدم والتدمير، كما أنها تحترم إرادة الشعب ولا تفرض أجنداتها بالقوة أو العنف. 2