أيام قليلة تفصلنا عن الحدث الذى من الواضح أنه سيقلب موازين العالم كله رأسًا على عقب، 20 يناير.. يوم تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب على رأس السُّلطة العالمية.. أربع سنوات ستأتى فى ظِلِّ رئيس المكتب البيضاوى الأكثر جدلًا عالميًا والذى يَعِد القوَى الدولية بحقبة جديدة تحمل فى طياتها العديدَ من التصادمات بين الولاياتالمتحدة وأعدائها؛ بل أيضًا الحلفاء. لم ينتظر حتى يوم التنصيب ليثير الجدل بتصريحاته؛ بل بدأ منذ إعلان نتيجة الانتخابات نوفمبر الماضى ليشعل العالم ب«تغريداته» المعهودة؛ متوعدًا بأن العالم سيتغير بصورة كاملة فور نُطقه للقَسَم الرئاسى؛ بل يؤكد أن 20 يناير سيكون يومًا فاصلًا بين العالم قبل ترامب وبَعده.. ونحن هنا نرصد ونحلل خطوات رئيس المكتب البيضاوى الجديد وسياساته التى يَعد بها عقب يوم التنصيب لنفهم سَويًا كيف سيكون شكل العالم الجديد بعد «عودة ترامب». يتأهب العالمُ بأَسْره للولاية الثانية للرئيس الأمريكى المنتخَب دونالد ترامب، فى وقت تتسارع فيه الأحداث العالمية بوتيرة غير متوقعة بين اشتعال الشرق الأوسط واضطراب أوروبا بسبب الحرب «الروسية- الأوكرانية» وتذبذب سياسى وشيك فى أكبر القوَى الاقتصادية فى القارة العجوز، فضلًا عن بروز قوَى عالمية جديدة فى الأفق تتخذ خطواتها فى العالم القديم فى شرق آسيا. اشتعال العالم شرقًا وغربًا لم يكن بعيدًا عن الداخل الأمريكى الذى يشهد بدوره عدة أزمات داخلية محورية، منها الاقتصاد والهجرة على سبيل المثال وليس الحصر. دونالد ترامب الرئيس الأمريكى المرتقب لم ينتظر حتى عودته إلى البيت الأبيض يناير المقبل حتى يبدأ عمله مباشرة كرئيس لكبرَى القوَى العالمية؛ لكنه بدأها منذ إعلان النتيجة نوفمبر الماضى ب«تغريداته» المعهودة بإثارة الجدل داخليًا وخارجيًا، فكيف سيكون شكلُ العالم بَعد عودة ترامب؟ جحيم الشرق ولا يزال نهجُ ترامب «فوضويًا وغير قابل للتنبؤ»، ومن المتوقع أن تكون لسياساته المقترحة آثارٌ بعيدة المَدى، ليس فقط داخل الولاياتالمتحدة؛ ولكن على الصعيد العالمى أيضًا. وبات ترامب، ثانى رئيس أمريكى يتولى المنصب لفترتين غير متتاليين، مكررًا ما حققه سَلفه، ستيفن جروفر كليفلاند، الرئيس ال22 وال24 للولايات المتحدة. ودأب ترامب على وصف سياسته الخارجية بعبارات غامضة، مفضلًا شعارات مثل «أمريكا أولًا» على تقديم خطط تفصيلية. لكنه منذ أيام قليلة عمل على إثارة الجدل فى المنطقة العربية بعد تغريدة توعد بها بالجحيم للشرق الأوسط بأكمله حال استمرار معاناة حليفه إسرائيل من عدم رجوع المحتجزين لدى جماعة حماس لديارهم، لكن ما هى أدوات ترامب لتنفيذ تهديداته؟ صحيفة «يدعوت أحرنوت» نشرت مقالا بعنوان «ترامب يهدد حماس لكن ما النفوذ الذى يمتلكه؟»، حيث أوضح الكاتب أن تهديد ترامب للشرق الأوسط حال عدم إطلاق سراح المحتجزين فى قطاع غزة قبل تنصيبه فى 20 يناير المقبل، فسيكون هناك جحيم يُدفع ثمنه فى الشرق الأوسط، يهدف إلى «تسريع مفاوضات تبادل المحتجزين خلف الأبواب المغلقة». وأشار مقال الصحيفة الاسرائيلية إلى أن ترامب يمتلك خيارات عسكرية «محدودة» إلا أن لديه 3 خيارات للضغط على جماعة حماس. وتحدث الكاتب عن إمكانية فرض ترامب لعقوبات مالية على حماس وقطع التمويل عنها وإغلاق الجمعيات الإسلامية فى الولاياتالمتحدة، وقد يصل الأمر للضغط على بعض الدول الداعمة لحماس لوقف تمويل الحركة. وأضاف المقال أن إيران هى المنوطة بهذه التهديدات، وربما يستخدم ترامب حماس كمبرر لفرض العقوبات، ما قد يدفع طهران لحث الحركة الفلسطينية على إظهار مرونة فى المفاوضات. أما الخيار الأخير، وفق «يدعوت أحرنوت» فسيكون من خلال عدم مساهمة الولاياتالمتحدة فى إعادة إعمار غزة ما لم تقدم حماس تنازلات. ووفق مقال الصحيفة الإسرائيلية، فإن إنذار ترامب لم يصدر عن فريقه التفاوضى إنما من مبادرة مشتركة لإدارة الرئيس الحالى جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، على الأرجح. بايدن وخلفه ترامب لديهما مصلحة مشتركة ل«حل أزمة المحتجزين» لكن هذا الاحتمال ضعيف.. حيث إن من مصلحة بايدن أن يترك لترامب ميراثا ثقيلا يثبت من خلاله للشعب الأمريكى الخطأ الذى ارتكبه باختيار ترامب بدلًا من كامالا هاريس.. خاصة أن حزب الرئيس الأمريكى الحالى الحزب الديمقراطى لم يخسر الانتخابات الرئاسية فحسب ولكن أيضًا خسر الأغلبية فى الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ، مما عكس ميول الشعب الأمريكى بأن سياسة الديمقراطيين أصبحت غير مقبولة شعبيًا فى هذه المرحلة. ووفق تصريحات مسعد بولس، مستشار ترامب لشئون الشرق الأوسط، تعقيبًا على تهديد ترامب، أوضح أن أولوية الإدارة الأمريكية المقبلة الإفراج الفورى عن المحتجزين دون مزيد من التأخير. وقال بولس فى مقابلة مع صحيفة «لوبوان» الفرنسية إن إطلاق سراح المحتجزين يجب أن يكون منفصلًا عن القضايا المتعلقة بمستقبل غزة. لكنه لفت فى الوقت نفسه إلى أن الصفقة يجب أن تأتى فى إطار وقف إطلاق نار مؤقت، موضحًا أن ترامب ليس لديه أى نية لربط إطلاق سراح المحتجزين بمستقبل حكم قطاع غزة. أما عن دعم ترامب لخطة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لضم الضفة الغربية، فأكد بولس أن الرئيس الأمريكى المنتخب لم يتطرق بعد إلى هذه القضية علنًا، موضحًا أن «رؤية ترامب هى تحقيق السلام الدائم فى الشرق الأوسط». وأن المناقشات حول «خريطة الطريق المؤدية إلى دولة فلسطينية» ستكون جزءًا أساسيًا من المناقشات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل.. وفيما يتعلق بإيران، أشار مستشار ترامب لشئون الشرق الأوسط، إلى أن الرئيس المنتخب سيمارس «أقصى الضغوط» على طهران مجددا، وأضاف أنه يشعر أن إيران غيرت تكتيكاتها منذ إعادة انتخاب ترامب. سخرية «إسرائيلية» من جهه أخرى، سخرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية من تهديد الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب بفتح أبواب «الجحيم» على قطاع غزة إذا لم يُفرج عن المحتجزين الإسرائيليين، موضحًا أن تصريحات ترامب ليس لها أى أثر على حل الأزمة. وتهكمت الصحفية الإسرائيلية راشيل فينك، فى التقرير الذى نشرته هآرتس، واصفة أسلوبه بأنه تضمن جملا متلاحقة، ووعودا رنّانة مدعومة بادعاءات تنم عن تعالٍ وقدرة وقوة لا مثيل لها. وانتقدت فينك بعض المسئولين الإسرائيليين الذين ابتهجوا لتصريحات ترامب، مشيرة إلى وزير المالية اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذى شكر الرئيس المنتخب، وكذلك فعل الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج. أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد علّق فى بداية اجتماع مجلس الوزراء، قائلا إن ترامب «ركَّز على المكان الصحيح، وهو حركة حماس، وليس على الحكومة الإسرائيلية، كما جرت العادة». ووجهت الصحفية الإسرائيلية رسالة إلى ترامب نفسه، ولفتت انتباهه إلى أن قطاع غزة تحول إلى دمار وخراب، وأن عشرات الآلاف من سكانه قُتلوا، وهناك عدد أكبر من الجرحى والمشوهين، وأن من بقوا منهم على قيد الحياة اكتظت بهم الخيام المؤقتة، بينما تتجول الكلاب الضالة بين الأنقاض «لتقتات على جثث الموتى». وختمت رسالتها بسؤال لترامب عمّا إذا كان سيفتح أبواب الجحيم على غزة كما توعد. لكنها آثرت أن تجيب هى عن السؤال قائلة إن الفلسطينيين قد تجاوزوا الجحيم منذ وقت طويل، وإن الخبر العاجل أن ذلك الجحيم لم يحرر الأسرى. تهديد «البريكس» تهديدات ترامب لم تتوقف عند مصلحة الحليف الإسرائيلى فقط، بل اتجهت اقتصاديًا أيضًا لتصيب حلفاءه السابقين، حيث هدد الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 % على دول مجموعة البريكس، ما لم توافق حكوماتها على عدم إنشاء عملة جديدة بديلة للدولار الأمريكى. وكتب ترامب فى منشور على منصته «تروث سوشيال»: «انتهت فكرة أن دول البريكس تحاول الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفى الأيدى ونراقب». وتتكون المجموعة بشكل أساسى من كلٍ من: (البرازيلوروسيا والهند والصينوجنوب إفريقيا)، وتوسعت مع مطلع العام الجارى لتشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا. ورغم أن الدولار الأمريكى هو العملة الأكثر استخدامًا فى التجارة والأعمال العالمية، فقد دعت دول البريكس، مثل روسياوالصين، المجموعة إلى تحدى وضع الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية. وقد طرحت مجموعة البريكس اقتراحًا بإنشاء عملة جديدة فى قمة العام الماضى فى جنوب إفريقيا. ويبدو أن دونالد ترامب بدأ الحرب مبكرا لإنقاذ الدولار الذى يواجه محاولات دولية للتخلى عنه جزئيا فى استخدام التجارة، خاصة بعد معاناة الدول وتحديدا الناشئة منها من أزمات عدة خلال السنوات الأربعة الماضية، بعد رفع الفائدة على الدولار لأعلى مستوى منذ 22 عامًا فوق مستويات 5 % مما جعل دولا مثل تجمع البريكس تسعى إلى الحد من هيمنة الدولار الأمريكى على معاملاتها التجارية.. ويسيطر الدولار على 58 % من المعاملات التجارية العالمية، باستثناء التحويلات داخل منطقة اليورو- بالدولار الأمريكى، بينما تُستخدم العملة الخضراء فى 54 % من الفواتير التجارية الخارجية حتى نهاية 2022، وفق معهد «بروكينجز إنستيتيوشن». وفى أكتوبر الماضى، اتهم الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، القوى الغربية ب«استخدام الدولار كسلاح»، وجادل فى قمة مجموعة البريكس فى قازان بأن العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب فى أوكرانيا «تقوض الثقة فى هذه العملة وتقلل من قوتها». وقال بوتين: «لسنا نحن الذين نرفض استخدام الدولار.. ولكن إذا لم يسمحوا لنا بالعمل، فماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن مضطرون إلى البحث عن بدائل». يذكر أن دول بريكس تدعم النظام التجارى المتعدد الأطراف، كما تهدف إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية، بحيث أدى نجاح تخصّصاتها الإنتاجية وأسعارها المناسبة إلى زيادة عائدات التصدير التى تشكل أصلًا الاحتياطيات الأجنبية التى تغذّى الصناديق السيادية، وبذلك يمكن للقوى الاقتصادية الناشئة الجديدة أن تكتسب صفة القوة المالية لبلدان بريكس كى تصبح بالفعل القوة الاقتصادية فى القرن الحادى والعشرين، لكن لم ينجح الأعضاء حتى الآن فى التوصل إلى حل بشأن عملة بريكس الموحدة. نتائج عكسية محللون يرون أن تهديدات ترامب ربما تعكس المخاوف الأمريكية من فقدان هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى، وأن مثل هذه الخطوة التى يلوح بها ترامب قد تؤدى إلى تأثيرات متعددة على خطط وأهداف مجموعة البريكس.. وربما تدفع تهديدات الرئيس الأمريكى المنتخب المستثمرين والشركات إلى التردد فى إقامة شراكات مع دول البريكس- حال اتخاذ تلك الدول خطوات باتجاه عملة بديلة للدولار- خوفًا من تبعات هذه الإجراءات العقابية، ما قد يؤثر على تدفق الاستثمارات فى المنطقة. وفيما يتصل بتأثير التهديدات على خطط وأهداف مجموعة البريكس، يرى محللون أن تهديدات ترامب قد تأتى بنتائج معاسكة، لجهة دفع دول البريكس إلى تسريع جهودها لإطلاق عملة بديلة أو تعزيز استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى لتقليل الاعتماد على الدولار، وأن الضغوط الأمريكية قد تؤدى إلى تقوية التعاون بين دول البريكس، مما يعزز موقفها كمحور عالمى يسعى لموازنة الهيمنة الاقتصادية الغربية. تهديدات ترامب الاقتصادية لم تصب دول البريكس فقط، بل طالت أيضًا التعريفات بنسبة 25 % على جميع الواردات من كنداوالمكسيك، و10 % إضافية على السلع الصينية، متهما الدول بالسماح بالهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات. أثارت هذه التهديدات احتمال اتخاذ إجراءات مضادة من جانب المكسيك، ودفعت رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو إلى زيارة سريعة إلى مقر إقامة ترامب فى مار إيه لاجو لمناقشة هذه التصريحات. اشتعال الحرب التجارية مرة أخرى يعيد للأذهان التوترات التى حدثت بالعام 2019 بين الصينوأمريكا، لكن هذه المرة التهديدات «الترامبية» طالت عددا كبيرا من الدول، مما يجعل الأمر مؤثرًا بصورة كبيرة على الاقتصاد العالمى. 1 4