فى الثالث من مايو الحالى انطلقت فعاليات الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى بمشاركة واسعة وفعّالة من مختلف القوَى السياسية والنقابية والمجتمع الأهلى والشخصيات العامّة والخبراء. وفى هذه الجلسة اجتمع ممثلو جميع فئات المجتمع المصرى على طاولة واحدة ضمن خطة الدولة للسير بخُطى ثابتة نحو الجمهورية الجديدة؛ ليمثل بداية مَرحلة جديدة فى مَسيرة الحِوار الوطنى شعارها «مساحات مشتركة» من أجل الوصول لمخرجات جديدة تخدم الوطن والمواطن. وجاء الحِوارُ الوطنىُّ فى ثلاثة مَحاور؛ «المِحور السياسى والمِحور الاقتصادى والمِحور الاجتماعى» وانبثق عن المِحور الاجتماعى خَمس لجان فرعية تشمل التعليم والصحة والسكان والأسرة والتماسك المجتمعى والثقافة والهوية الوطنية. وفى هذا السياق؛ تحدثت ل«روزاليوسف» مع الدكتورة هانيا الشلقامى المقرّر المساعد للمِحور المجتمعى بالحِوار الوطنى وأستاذ بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والمنسق الإقليمى لمشروع «مسارات» من أجل العدالة للأسرة والمرأة. وتخوض حاليًا دراسة حول وضع المرأة فى مصر فيما يتعلق بقضايا الفقر والعمالة والتمكين لتحدّثنا حول المِحور الاجتماعى داخل الحِوار الوطنى وعن المرأة فى جلسات هذا الحِوار.. وإلى نص الحِوار.. حدّثينا عن دورك فى المِحور المجتمعى فى الحِوار الوطنى؟ - يتكون المِحورُ المجتمعى من عدة لجان «لجنة عن الأسرة، ولجنة عن القضية السكانية، ولجنة عن الشباب، ولجنة عن الهوية، ولجنة عن التعليم، ولجنة عن الصحة»، وأنا كمقرّرة مساعدة للمحور المجتمعى مع المهندس خالد عبدالعزيز مسئوليتنا تيسير الحِوار فى هذه الموضوعات بالتشاور مع السادة مقدمى اللجان، فلكل لجنة مقدم ومقدم مساعد.. وكل لجنة ستقوم بعمل أچندة بالموضوعات التى سيتم تناوُلها وقائمة بالخبراء ممن سيقومون بمناقشتها.. ونحن سنقوم بتيسير هذه المسألة ونتيح توصيلها لبعض المقترحات وتُشكل أچندة للعمل المجتمعى تُقدَّم للسادة الأمناء ويُرفع التقرير النهائى للرئاسة بحيث يعكس الآراء المختلفة ويعكس حلولاً للقضايا التى تهم الناس. وما أبرز القضايا التى تم طرحُها فى لجنة الأسرة والتماسُك المجتمعى؟ - تم طرح عدة قضايا بداخلها؛ منها العلاقات الأسرية، ووضع المرأة، الرؤية، رعاية الأطفال، فترة الخِطبة، والسادة مقررو اللجان يحددون الموضوعات من وجهة نظرهم ولا أفرض رأيى على القضايا المطروحة أو الأولويات. وأعتقد أن لجنة الأسرة من اللجان المهمة، لكنها من اللجان الصعبة؛ لأننا بين شِقّىّ الدولة والمواطن؛ لأن هناك فَرقًا بين القضايا المجتمعية التى يمكن للدولة التدخل فيها بشكل كامل، وبين ما هو مطلوب من المواطن أو الاحتياجات المطلوبة لتحسين وضع الأسرة.. وعند النقاش سيتضح الأمر أن هناك بعض القضايا لا بُدّ أن يتم نقاشها بشكل مختلف.. وفكرة الحِوار أن يكون بشكل علنى هو أن تتيح دوائر الحِوار مشاركة أوسع للمواطنين بحيث يتجاوب الناس مع ما يحدث فيه. ماذا عن قضايا الأحوال الشخصية والتعديلات الأخيرة على قانون الأسرة؟ - بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية؛ لأن هناك قانونًا عملَ عليه كلٌّ من وزارة العدل، والمجلس القومى للمرأة، والأزهر؛ لكن لا يزال لم يتم إصدار القانون الحالى بعد. فكان هناك آراء حول تناوُل الأمر فى المِحور المجتمعى. أن ننتظر حتى يخرج هذا القانون فربما هناك الكثير من القضايا المثارة تنعكس فى الشكل الجديد للقانون.. وهناك بعض من السادة الأمناء رأيهم أننا لا بُدّ أن نقوم بمناقشة قانون الأحوال الشخصية.. حتى الآن لا نزال فى مرحلة الإعداد للقضايا التى سيتم تناوُلها. علاوة على دورك فى الحِوار الوطنى، فأنت أستاذة فى علم الأنثروبولچيا وتقومين بدراسة المجتمع.. فما هى رؤيتك؟ - أرى أن التغيير والتطوير ليس مجرد قوانين، فربما تكون الدولة حَسنة النية فى أن تصبغ قوانين تحاول تحقيق العدالة المجتمعية أو العدالة الأسرية بين الأجيال وبين الرجُل والمرأة وداخل الأسرة، ولكن القصور فى التنفيذ قضية أخرى. ولكى تكون هناك عدالة فى التنفيذ لا بُدّ أن يكون أصحاب الشأن جزءًا من الحِوار العام. فلا يجوز أن تكون هناك عدالة للمرأة من دون حركة نسوية. لا يجوز أن يكون هناك حل للمشاكل التى تحدث للأسرة من دون أن يكون هناك إتاحة للحقوق السياسية والحقوق القانونية. بالطبع القوانين مهمة لأنها لو كانت قوانين ظالمة فلا بُدّ من تغييرها. فمن خلالها تقومين بإزالة العوائق وتحقيق مبادئ معينة. ولكن السّعى إليها لا يمكن أن تقوم به الدولة بمفردها، لا بُدّ أن تقوم كل المؤسّسات والأدوات والمجتمع نفسه. وبالطبع الأزمة الاقتصادية الحادة التى نمر بها تنعكس على الأسرة وتنعكس على حقوق الأفراد داخل الأسرة وتنعكس على جودة الحياة، وهو أمرٌ يجب أخذه فى الاعتبار، فحتى لو تغيرت القوانين ستعصف الأزمة الاقتصادية بكل ما تم بنيانه، فيمكن أن يكون القانون فى صفى؛ لكننى لا أستطيع الحصول على حقوقى لنقص الموارد.. ولا يجب علينا الوقوف على مجرد عمل قانون أو مشروع قانون أو برنامج وإنما علينا السعى من أجل إنجاح هذه الأمور كفاعلين مجتمعيين. كيف يمكن طرح تلك النقطة داخل الحِوار الوطنى لتحويلها من مجرد فكرة لتعميمها؟ - هناك جوانب أسهل من جوانب أخرى، فالمِحور السياسى يقوم على أشكال لتنظيم المجتمع مثل تنظيم الانتخابات، بينما مسائل الأسرة أو الهوية أو حتى السكان هى مسائل معقدة. فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بلجنة التعليم إذا أتاحت الدولة التعليم المجانى للجميع وهذا هو المأمول كيف ستحقق ذلك. البعض يقول تحسين وضع المُعلم، والبعض يتحدث عن تقليل أعداد الناس فى الفصول، عندها سأقضى على فكر الإتاحة للجميع، ولذلك المِحور المجتمعى التحاور فيه هو الأساس. فلو اتفق المجتمع على أن مجانية التعليم لها حرمة ولكى يتم ذلك لا بُدّ من زيادة الموارد التعليمية. ومن أين ستأتى زيادة موارد التعليم وكيف سيتم صرفها، لكن هنا لا بُدّ من النظر على شكل حوكمة التعليم والشفافية وحق الطلاب فى استخدام التكنولوچيا. وكل هذا فالحِوار المجتمعى، كل نقطة فيه تفتح موضوعًا آخر، فنحن نحتاج أن يتعلم أولادنا بشكل جيد ونحتاج مجانية التعليم وأن يكون التعليم عصريًا وحديثًا، ولكن كيف ذلك؟ أنا دورى كمقرر محور هو الدفع فى اتجاه ليس فقط الحلول؛ ولكن أدوات تنفيذها وتداعيات تنفيذها والتغيرات والترتيبات التى لا بُدّ أن تتغير للوصول لهذه النتيجة. كيف يمكن إنصافُ الأسرة المصرية وتحديدًا المرأة من خلال المِحور المجتمعى فى الحِوار الوطنى؟ - عندى رأىٌ شخصىٌ فى هذا الأمر وهو أن نحترم ونقدّر ونساند دور المرأة، فكل النساء اللاتى يعملن لديهن مسئوليات لرعاية أطفالهن، فالرعاية هى أمرٌ إمّا نفعله أو نحتاجه. فيمكن الحديث عن الأدوار التى وصلت إليها المرأة كوزيرة وقاضية وخلافه، لكن لا تزال لدينا إشكالية أساسية فى دور الرعاية؛ لأن المرأة والرجُل لديهما أدوارٌ فى الأسرة. والأسرة هى الوحدة الأساسية فى إعادة إنتاج المجتمع الصحى.. ما يحدث هو أن الأشخاص لا يتعرضون لمسألة هذا الدور وكيفية تسهيله وتمكينه. حضرتك عملتِ على مجموعة من الأبحاث الميدانية فى مجال الصحة والسكان.. حدثينى عنها؟ - قمتُ بمشروع مسارات لخدمة الأسرة وتمكين المرأة فى عام 2004 واستمر حتى عام 2010، ومن خلاله قمنا بعمل أول برنامج للتحويلات النقدية فى عين الصيرة وكانت بداية لبرنامج «كرامة وتكافل» من خلال مشروع مسارات وعملنا فيه أيضًا على فكرة مَحاكم الأسرة وعلى قضية الخُلع؛ حيث قمنا بعمل تحسينات وتطويرات فيها فكان برنامجًا بحثيًا نلاحظ فيه الأچندة التى نحتاج التفكير فيها لتمكين المرأة فى ذلك الوقت. وفى عام 2008 شرفتُ بتصميم برنامج «تكافل وكرامة» مع وزارة التضامن وتدريب القائمين عليه وكانت المرّة الأولى التى يتم فيها عمل تحويلات نقدية للسيدات لمساندة المرأة الفقيرة فى عين الصيرة، واستمر هذا البرنامج حتى عام 2014. وفى عام «2020 - 2021» قمتُ بعمل تقييم لبرنامج المدن الآمنة ضد التحرش. وفى الفترة من «2022 - 2023» قمت بعمل تقييم أثر لبرنامج «كرامة وتكافل» على العلاقات الأسرية فى الريف المصرى وكيف تغير دور المستفيدات من «كرامة وتكافل»، وكيف تعاملت النساء مع الاستقرار المادى الذى حصلن عليه من خلال التحويلات الشهرية، وكيف قمن بتعظيمه، وكيف تخطين مصاعب فترة الكورونا والأزمة الاقتصادية فى الريف، والآن أقوم برصد النتائج. ومؤخرًا قمتُ بعمل بحث عن عمل المرأة غير المستقر وعمل المرأة فى قطاع المنسوجات، والمرأة فى القطاع الصحى بكل درجاتها من الطبيبة للتمرجية للمعاونة، والعاملات فى قطاع التجميل؛ لكى نفهم تأثير العمل فى القطاعات المختلفة سواء بها استقرار أو لا على دور المرأة تجاه أسرتها، وكيف يمكنها أن توفيه. إذن؛ ما النتائج التى خرجتِ بها من تقييم الأثر لبرنامج «كرامة وتكافل»؟ - عندما ذهب هذا البرنامج للمرأة لم ينتج عنه اختلال فى علاقات النوع داخل الأسرة، فلم تعامل الزوجةُ زوجَها بشكل سيئ بعد أن أصبحت لديها نقود، ولكن على العكس استفادت النساءُ فى الريف من الاستقرار المادى وأصبحن قادرات على تعظيم المَبلغ لتغطية احتياجات الأسرة، ونتج عنه استقرار كبير فى العلاقات الأسرية.. فالمساندة المادية للدولة ليست فقط مداخلة لتقليل الفقر لكنها تنمّى العلاقات الأسرية والاستقرار الأسرى.. فتلك التحويلات النقدية سياسة اجتماعية لمساندة الأسرة لا تتعلق بأفقر الفقراء؛ ولكنها تأتى من خلال الموازنة وزيادة النشاط الاقتصادى فى البلد. هل ترين أن المرأة المصرية حصلت على التمكين الذى تحتاجه؟ - قبل الحديث عن تمكين المرأة دعينى أسأل أولاً: «ما المقصود بالتمكين؟»، بالطبع هناك مساواة وإتاحة لمراكز اتخاذ القرار، ولذلك لا بُدّ أن أقوم بتعريف كلمة «تمكين» لكى أعرف هل تحققت أَمْ لا. فمن الأمور الواضحة جدًا أن خروج بعض النساء الأقل دخلاً للعمل أدّى إلى إهمال الزوج لدوره كرَبّ أسرة.. هل يمكن اعتبار هذا الأمر تمكينًا؟ ولذلك لا بُدّ من تعريف شكل التمكين، فهل كل امرأة حصلت على قرض أصبحت ممكّنة؟ لا أعلم، ولكن أعتقد أن فى بعض الحالات «نعم» وفى بعض الحالات «لا»؛ لأن الضغوط عليها أصبحت أسوأ لأنها أصبحت هى مَن تقوم بالصرف على الأسرة كلها ولا أحد يساندها ويقال لها أنت الآن حصلت على التمكين.. فلو كانت هناك زوجة تعمل هل يمكن اعتبار دخلها مكملاً لدخل الأسرة أَمْ أنه أصبح الدخل الوحيد للأسرة. ولو أنه أصبح الدخل الوحيد للأسرة هنا زادت الأعباء. فالتمكين هنا غير حقيقى. فإن مسألة التمكين من النقاط التى تحتاج لتعريف باستمرار وبالتأكيد ستكون من القضايا التى سيتم طرحها فى المِحور المجتمعى. فما هو معنى وشكل التمكين.. فنحن أنجزنا كثيرًا فى نقطة التمكين، ولكن هل هو كافٍ، وهل أشكال التمكين اختلفت، وهل أچندة التمكين تحتاج أن تكون بشكل آخر بما يتناسب مع المتغيرات المجتمعية والاقتصادية والصحية. فقضية «الوصاية»- مثلاً- والتى تعرّفنا عليها من خلال مسلسل تليفزيونى هذا يعنى انسدادًا لقنوات التنمية المجتمعية، فأين دور المجتمع المدنى والمحليات والجمعيات الأهلية والنواب فى التوعية بوجود مشكلة. وأنا آمل أن يقوم المِحور المجتمعى بإيصال هذه الرسالة وأن تكون هذه القنوات فاعلة لأن دائمًا المجتمع يتغير. بعد اشتعال الوضع السوادنى، أصبح هناك الكثير من النازحين السودانيين فى مصر.. هل سيتم طرح هذه القضية على طاولة الحِوار الوطنى، وكيف يمكن أن تؤثر على المجتمع المصرى؟ - للأسف لا توجد لجان تتعلق بالنازحين أو غير المصريين المقيمين بمصر على طاولة الحِوار، وفيما يتعلق بقضية النازحين السودانيين هى قضية عشناها لعشرات السنين، وجاء وقت كان هناك الملايين من النازحين السودانيين بعد انفصال الشمال عن الجنوب. ومصر مرحبة دائمًا بمن يلجأ لها كضيوف، أتمنى أن يتم طرح القضية على طاولة الحِوار الوطنى وأن يكون الحِوار فيه من المرونة بالتعامل مع مثل هذه القضايا. 3 4 5