يتابع العالم بأسره المأساة الإنسانية التى لحقت بتركياوسوريا بعد الزلزال المدمر الذى تسبب فى مقتل الآلاف، ومن بين المشاهد المؤثرة، يجد المسعفون صعوبة فى الوصول للمناطق المنكوبة مع نقص فى الأجهزة الهندسية وانخفاض درجات الحرارة التى وصلت لتحت الصفر، كما تسبب الطقس السيئ فى العثور على جثث مجمدة تحت الأنقاض. وتعرضت آلاف البنايات بما فى ذلك منازل ومستشفيات فضلا عن طرق وخطوط أنابيب وبنية تحتية أخرى لأضرار جسيمة فى المنطقة التى يسكنها حوالى 13.4 مليون نسمة، ولا تزال فرق الإنقاذ تحاول البحث عن ناجين رغم خروج أحياء من تحت الأنقاض بعد مرور أيام على الزلزال حيث تم إنقاذهم بعدما ظلوا أكثر من 60 ساعة تحت الأنقاض. أضرار بالمليارات وقال مسؤول كبير لوكالة رويترز «ستكون هناك أضرار بمليارات الدولارات»، مضيفًا إنه ستكون هناك حاجة لإعادة بناء سريعة للبنية التحتية والمنازل والمصانع. ومن المرجح أن تخيم الأسابيع المقبلة التى ستشهد انتشال الجثث وإزالة الأنقاض على فترة الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها فى 14 مايو والتى تشكل بالفعل أصعب تحدٍ للرئيس رجب طيب أردوغان فى عقدين قضاهما فى السلطة. كما من المتوقع أن تلحق الزلازل أضرارًا بالإنتاج فى المناطق المنكوبة التى تمثل 9.3 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالى لتركيا. وقدر ثلاثة خبراء اقتصاديين أن نمو الناتج المحلى الإجمالى قد ينخفض بما يتراوح بين 0.6 ونقطتين مئويتين فى ظل سيناريو يهبط فيه الإنتاج إلى النصف فى المنطقة، وهو أمر قالوا إنه قد يستغرق من ستة أشهر إلى 12 شهرًا للتعافى. وقال مسئول كبير إن النمو قد يتراجع نقطة أو نقطتين مئويتين دون النسبة المستهدفة البالغة خمسة بالمئة. وأضاف المسئول «بعض موارد الاستثمار المتوقعة فى الميزانية ستوجه لاستخدامها فى هذه المناطق». مشاهد مؤثرة اهتمت الصحف البريطانية بصورة واسعة الانتشار توضح مدى المأساة الناجمة عن زلزال تركياوسوريا، وناقشت تبعاته الإنسانية الجسيمة، وأشارت إلى أن مقاطع الفيديو والصور التى تعكس مدى الدمار صادمة ومؤثرة ومن بينها صورة من منطقة كهرمان مرعش التركية، مركز الزلزال، يظهر فيها رجل يمسك بيد ابنته الصغيرة المتوفاة بينما يحاول رجال الإنقاذ والمدنيون البحث وسط أنقاض المبنى المدمر. ووصفت وكالة «أسوشيتد برس» مشهد رجل سورى يحمل فتاة ميتة بين ذراعيه، وهو يبتعد عن حطام مبنى من طابقين. وأضافت إن الرجل وضع هو وامرأة الفتاة على الأرض تحت غطاء لحمايتها من المطر، ولفاها فى بطانية كبيرة قبل النظر إلى المبنى. وقالت إن جهود الإنقاذ تعرقلت بسبب استمرار عشرات الهزات الارتدادية والطقس الشتوى القارس البرودة والأضرار التى لحقت بالطرق المؤدية إلى المناطق المتضررة ومنها. بكاء وصلاة ونشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرًا بعنوان: «بكاء وصلاة وانتظار فى مدينة يعمها الحزن»، أشارت فيه إلى أن عمال الإغاثة كانوا يواصلون جهودهم على مدار الساعة فى شارع جانبى لمدينة شانلى أورفا التركية عندما خيم صمت مفاجئ وتوقفت المعدات عن العمل، ثم صرخ فريق الإنقاذ «هل يوجد أحد فى الأسفل هناك؟» وذكرت أنهم وقفوا من دون حراك لدقيقة فى صمت، بحثا عن رد لسؤالهم. وعندما لم يتناه إلى مسامعهم أى رد، واصلوا العمل. وقالت إن من بين أولئك الذين لا يزالون تحت أنقاض المبنى السكنى المنهار فى حى ينى شهير بالمدينة مصطفى عباك، مدرب كرة القدم المحلى الشهير، وزوجته هاسر وابنهما أحمد البالغ من العمر ستة أعوام. وأضافت إنهم ثلاثة فقط من بين عشرات الآلاف الذين حوصروا فى الزلزال المروع، موضحة أن عائلة هاسر بقيت يساورها الأمل قبالة حطام المبنى، تبكى وتصلى وتنتظر، بعد أن عجزت عن الوصول إليهم عبر الهاتف. وأوضحت الصحيفة أن شانلى أورفا هى عاصمة واحدة من 10 ولايات فى تركيا ومحافظات أخرى فى سوريا تعرضت لأسوأ كارثة طبيعية شهدتها المنطقة منذ عقود. وكانت المدينة تُعرف سابقًا باسم أورفا، وقد أضيفت لها كلمة شانلى، أى المجيدة، بسبب مقاومة شعبها ضد القوات الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى. وأضافت الصحيفة إن المجد الآن ليس ما يهيمن على الصورة، حيث تكافح العائلات للتعامل مع المأساة، وسط مشاعر تتراوح بين الحزن والغضب واليأس. وقال حاجى بولوت، وهو متقاعد بعيون محتقنة بالدماء، بينما كان ينتظر أخبار ستة أقارب مفقودين، تتراوح أعمارهم بين 22 و90 عاما، خارج مبنى سكنى آخر منهار: «أشعر أن هذا العالم لا معنى له». «الآن آمل فقط أن يخرج نصفهم بأمان». وقالت الصحيفة إن الأماكن التى تضررت من الزلزال تطغى عليها رائحة الغبار ودخان الحطب الذى تولد عن عشرات المواقد التى أشعلت فى الشوارع حتى تحصل فرق الإنقاذ والشرطة والعمال الآخرون على بعض الدفء. وأضافت إن معظم المحال أغلقت أبوابها أو دمرت وأصبحت الشوارع شبه مهجورة، حيث دفع الخوف من توابع الزلزال والمزيد من الانهيارات العديد من الناس لقضاء الليل فى سياراتهم على الرغم من البرودة الشديدة. وقالت إن الكثير من السكان لجأوا إلى القرى المجاورة، حيث يمكنهم البقاء فى بيوت زراعية من طابق واحد أو طابقين بدلا من المبانى السكنية المكونة من العديد من الطوابق. مساندة دولية وقدمت الدول العربية الجهود العالمية لإغاثة المتضررين من الزلزال المدمر حيث أمر رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال فى تركياوسوريا. وتشمل المبادرة تقديم 50 مليون دولار للمتضررين من الزلازل من الشعب السورى الشقيق، إضافة إلى 50 مليون دولار إلى الشعب التركى الصديق. كما وجه ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد بتسيير جسر جوى وتقديم مساعدات وتنظيم حملة شعبية عبر منصة (ساهم) لمساعدة ضحايا الزلزال فى سورياوتركيا. وسيّرت سلطنة عُمان جسرًا جويًا لنقل المواد الإغاثية للمناطق المتضررة من الزلزال فى سورياوتركيا، تنفيذا لتوجيهات السلطان هيثم بن طارق، وشاركت هيئة الدفاع المدنى والإسعاف العمانية فى عمليات الإنقاذ فى جنوبتركيا. وقد أصدر ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، توجيهات بتقديم مساعدات إنسانية إغاثية عاجلة إلى المتضررين من الزلزال الذى ضرب تركياوسوريا، وأرسلت الكويت طائرتين عسكريتين إلى تركيا، تمثلان أولى طلائع الجسر الجوى الإغاثى لضحايا الزلزال. ووصل فريق إغاثى وطبى من مصر إلى بلدة جندريس بريف عفرين شمالى حلب، لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، علما بأن البلدة من أكثر المناطق تضررا فى سوريا، وسقط فيها مئات القتلى ويُعتقد أن مئات العائلات لا تزال تحت الأنقاض. وانطلقت من تونس ثلاث طائرات عسكرية باتجاه مطار حلب بسوريا ومطار أدانا فى تركيا حاملة مساعدات إنسانية عاجلة وفرق نجدة وإنقاذ وفرقًا طبية مختصة، وبدأ الهلال الأحمر التونسى فى جمع المساعدات من أجل إرسالها للمتضرّرين من الزلزال، كما أطلق نداءات للأطباء والممرضين الراغبين فى التطوّع فى جهود إسعاف المصابين داخل المناطق المنكوبة جراء الكارثة. كما سيرت الأردن خمس طائرات إلى سورياوتركيا محملة بمعدات إنقاذ وخيم ومواد لوجستية وطبية ومساعدات إغاثية وغذائية ومنقذين أردنيين من فريق البحث والإنقاذ الدولى، وأطباء من الخدمات الطبية الملكية. وأكد المتحدث الإقليمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ساميويل وربيرغ أن الولاياتالمتحدة لا تعرقل أى مساعدات إنسانية تصل سوريا، سواء، عبر المؤسسات غير الحكومية أو الحكومة السورية، مما يعنى أنها مستثناة من العقوبات. وقال إن بلاده فى تواصل مع الحكومة التركية وكل المؤسسات غير الحكومية داخل سوريا بشأن تقديم المساعدات، مشيرا إلى أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو أس إيد»، ومنذ الساعات الأولى بعد الكارثة سمحت لكل المؤسسات التى تعمل معها منذ سنوات بسبب الحرب، بتخصيص كل الموارد المخصصة لها لمساعدة المتضررين من الزلزال. وأرسلت الصين فريقًا متخصصًا فى عمليات الإنقاذ بعد الزلازل إلى أضنة فى تركيا وأحضر الفريق، المكون من 82 فردا وأربعة كلاب بحث، 20 طنا من الإمدادات والمعدات. وقال التلفزيون الصينى إن هناك فرق إغاثة من عدة أقاليم فى طريقها إلى المناطق المتضررة أيضا. وقد أرسلت اليابان 73 من أفراد الإغاثة إلى تركيا مع معدات مثل أجهزة لرصد الأحياء وحفارات ومولدات محمولة ومستلزمات طبية ومواد غذائية. وأكدت الحكومة البريطانية إنه تم إرسال 76 متخصصا فى البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى أربعة كلاب ومعدات إنقاذ، وأن فريق طوارئ طبية بريطانيا سوف يقيم الوضع على الأرض. كما أرسلت إسبانيا طائرة عسكرية من طراز (إيه400) على متنها رجال إطفاء ومعدات، بالإضافة إلى طائرة إيرباص طراز (إيه 330) على متنها طواقم دفاع مدنى للعمل مع المنقذين. كما أرسلت سفينتين حربيتين (خوان كارلوس 1 وجاليسيا) إلى تركيا محملتين بمساعدات و500 فرد من مشاة البحرية. وخصصت منظمة الأممالمتحدة منحة عاجلة بقيمة 25 مليون دولار استجابة للزلازل التى ضربت جنوبتركيا وشمال سوريا، لتعزيز الاستجابة الإنسانية الطارئة. 1 2