«إن محاولات توسع الناتو بالقرب من الحدود الروسية «ليست مجرد كلام»، ويجب الاستعداد إلى أى أعمال عدوانية».. هكذا صرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسى «دميترى ميدفيديف» فى اجتماع لهيئة مجلس رئاسة العلوم، عقد فى منتصف الأسبوع الماضى.. قد تكون إحدى نتائج العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، هى بالضبط الشىء الذى أشار إليه الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ولم يكن يريده، ألا وهو توسيع حلف شمال الأطلسى (ناتو)، بدءًا من «فنلندا»، و«السويد». أظهرت استطلاعات الرأى العام فى «فنلندا»و«السويد» تأرجحًا واضحًا لصالح الانضمام إلى (الناتو) منذ بدء الأزمة الروسية-الأوكرانية، إذ قدمت «فنلندا»- منذ أيام- تقريرًا عن الأمن إلى برلمانها، وكان محور النقاش حول الانضمام إلى حلف (الناتو). كما التقت رئيسة الوزراء الفنلندية «سانا مارين» مع نظيرتها السويدية «ماجدالينا أندرسون» لمناقشة التقرير، والنظر فى كيفية تعزيز أمن «فنلندا، والسويد» فى بيئة أمنية متغيرة. وقالت «مارين» إن «فنلندا» ستقرر ما إذا كانت ستقدم طلبًا للانضمام إلى الحلف فى غضون أسابيع. وردًا على ذلك، حذر «ميدفيديف»، أنه لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحديث عن أى وضع خالٍ من الأسلحة النووية فى منطقة البلطيق»، فى إشارة إلى الانتشار المحتمل للقدرات النووية الروسية فى المنطقة إذا انضمت «فنلندا، والسويد» إلى الحلف. فى ضوء هذه الأحداث، برزت عدة تساؤلات منها: لماذا ليست «فنلندا، والسويد» عضوين فى الناتو؟ أجاب الباحثون «كولين وول، بيير موركوس، شون موناغان» فى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن البلدين يتمتعا بتاريخ طويل من عدم الانحياز والحياد فيما يتعلق بالأمن والدفاع، والبقاء عسكريًا غير منحازين، وخارج حلف (الناتو). كما يفضل كلا البلدين اتباع سياسة أمنية متوازنة تجاه «موسكو». فمن ناحية، يتعاونان بشكل متكرر فى المسائل الدفاعية مع «الولاياتالمتحدة»، وحلف شمال الأطلسى، ودول شمال «أوروبا»، عبر ترتيبات، مثل: التعاون الدفاعى لدول الشمال، أو قوة المشاة المشتركة بقيادة «المملكة المتحدة»؛ ومن ناحية أخرى، وحتى بعد العملية العسكرية الروسية الأولى ضد «أوكرانيا» فى عام 2014، سعى كلاهما إلى الحفاظ على حوار قوى مع «موسكو»، وتجنب استفزاز جارتهما الشرقية القوية، التى تعد مصدر قلق خاص لفنلندا، التى تشترك فى مسافة 1300 كيلومتر مع الحدود البرية مع «روسيا». لم يمنع هذا النهج المتوازن «فنلندا، والسويد» من تطوير علاقة وثيقة مع (الناتو) فى العقود الأخيرة.. حيث ساهما فى العمليات والبعثات التى يقودها (الناتو) فى «البلقان، وأفغانستان، والعراق». وبعد العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، سرع (الناتو) تعاونه مع «هلسنكى، وستوكهولم» فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق السياسى. كما تمت دعوة البلدين لحضور اجتماعات وزراء الخارجية، والدفاع لحلف الناتو، وكذلك القمة الاستثنائية فى 24 مارس الماضى. كما شاركت القوات المسلحة الفنلندية والسويدية فى تدريبات الناتو الأخيرة على الجناح الشرقى. ما الذى تغير فى البلدين لوضع عضوية الناتو على جدول الأعمال؟ أظهرت استطلاعات الرأى العام الأخيرة تحولًا واضحًا، حيث أشار استطلاع للرأى فى مارس الماضى إلى أن ما يصل إلى 62 % من المواطنين الفنلنديين يؤيدون الآن الانضمام إلى الحلف، بينما عارض 16 % فقط الخطوة. يعد هذا تغييرًا كبيرًا عن نسبة 21٪ المؤيدة فى استطلاع عام 2017. وجدت دراسة استقصائية حديثة أن المشاعر متطابقة تقريبًا بين البرلمانيين الفنلنديين..حيث تعيد الأحزاب الرئيسية التى عارضت– عادة- عضوية (الناتو)، ومنهم حزب الوسط، والاشتراكيين الديمقراطيين، تقييم موقفها، بينما بقى حزب تحالف اليسار، هو الوحيد الذى بقى معارضًا رسميًا. قدم تقرير الحكومة الفنلندية، الذى بحث التغيرات فى البيئة الأمنية، وجهة نظرها بأن البيئة الأمنية قد تغيرت بشكل واضح نتيجة للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا». ونتيجة لذلك، فإنه يقيم معايير عضوية «فنلندا» فى (الناتو)؛ رغم أن الوثيقة لا تقترح تقديم طلب فورى، ويؤكد القسم الخاص بالحديث عن عضوية (الناتو)- مرارًا وتكرارًا- أن «فنلندا» ستصبح أكثر أمانًا تحت مظلة الدفاع الجماعى. أما بالنسبة لعملية صنع القرار على المستوى المحلى، فقد أشار التقرير إلى أنها لم تتم تسويتها بالكامل. فمن المحتمل أن تحتاج لجنة القانون الدستورى بالبرلمان الفنلندى إلى تحديد ما إذا كان تصويت الأغلبية كافٍ للتقدم لعضوية (الناتو). وقالت رئيسة الوزراء «سانا مارين» إنها تعتقد أن الهيئة ستتخذ قرارات فى غضون أسابيع وليس شهور. أما الشعب السويدى فقد نظر تاريخيًا إلى آفاق عضوية (الناتو) بشكل أكثر إيجابية من الرأى العام الفنلندى. فأظهرت استطلاع للرأى بعد العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» أن عدد مؤيدى الانضمام للناتو قد يكون الآن 59 %. وبالنسبة للأحزاب السويدية، فتدعم أحزاب المعارضة من يمين الوسط عضوية (الناتة)، ويبدو أن الديمقراطيين السويديين من أقصى اليمين يعيدون التفكير فى موقفهم المناهض للحلف. ومع ذلك، فإن الديمقراطيين الاشتراكيين الذين حكموا لفترة طويلة، والذين يقودون «السويد»- حاليًا- عارضوا تاريخيًا عضوية الناتو. ومع ذلك، الحزب يدير– الآن- مناقشة داخلية حول هذه المسألة. تقوم الحكومة التى يقودونها أيضًا بمراجعة سياستها الأمنية، تمامًا مثل فنلندا. ومن المتوقع أن تنتهى هاتان العمليتان فى الشهرين المقبلين. على كل، أكد البلدان أنهما يفضلان التقديم معًا، لأن تقديم طلب فنلندى مبكر سيضع ضغطًا قويًا على السويديين للانضمام، لأسباب ليس أقلها أن «السويد» قد تصبح بعد ذلك عرضة للمحاولات الروسية لترهيبهم. وقد تستدعى فترة النقاش الممتدة -أيضًا- التدخل فى العملية أو التهديدات لأى من الدولتين أثناء عملية الانضمام والانتقال. ولكن، إذا قررت «فنلندا، والسويد» تقديم طلب فى الأسابيع المقبلة، فسيأتى فى الوقت المناسب لقمة الناتو التاريخية فى شهر يونيو المقبل بمدينة «مدريد» الأسبانية، حيث سيتفقان -أيضًا- على مفهوم استراتيجى جديد لتوجيه أنشطته فى العقد المقبل. ماذا تقدم «هلسنكى، وستوكهولم» للتحالف؟ تمتلك «السويد، وفنلندا» جيوشًا متقدمة للغاية، وقدرات دفاع مدنى من شأنها أن تجلب قدرات وخبرات كبيرة إلى (الناتو). فمن الناحية العملياتية، «هلسنكى، وستوكهولم» مندمجتان بشكل جيد بالفعل فى (الناتو)، ويمكنهما القتال بسهولة تحت علم الحلف مع القليل من الاحتكاك العملياتى، بعد وقت قصير من الانضمام..حيث تتمتع البلدين بجيوش مهنية عالية الجودة، كما تتمتع –أيضًا- بقدرات متقدمة فى البحر، والبر، والجو، على سبيل المثال: تشترى «فنلندا» 64 طائرة من طراز (F-35)؛ كما ناقش البلدان زيادة ميزانيتهما الدفاعية فى السنوات المقبلة، بما فى ذلك الوصول إلى هدف الناتو المتمثل فى إنفاق 2٪ على الأقل من الناتج المحلى الإجمالى على الدفاع. يبدو أن فنلندا قد أدرجت هذا بالفعل فى تقريرها، وتوقعت زيادة فى ميزانيتها الدفاعية تصل إلى 1.5٪. هذا بالإضافة إلى أن وجود أعضاء جدد هى مسألة جغرافية.. حيث أوضح باحثى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنه رغم كون (الناتو) هو تحالف دفاعى، إلا أن «روسيا» ستنجذب إلى تخصيص موارد أكبر لحدودها مع «فنلندا» وبحر البلطيق، وهى منطقة حيوية للشحن الأوروبى، حيث ستضيف إليها «فنلندا، والسويد» قوات دفاع بحرية كبيرة. كما تستضيف «فنلندا» –أيضًا- المركز الأوروبى للتميز فى مكافحة التهديدات المختلطة، والذى يضم 31 عضوًا من جميع أنحاء (الناتو)، و«الاتحاد الأوروبى» كيف سترد «روسيا» إذا تقدمت جارتاها بطلب؟ الشاغل الأكبر بعد تقديم طلب فنلندى أو سويدى ليس ما إذا كان (الناتو) سيقبلهم؛ بل رد الفعل الروسى، فى الفترة التى تلى تقديم الطلب، ولكن قبل انضمامها رسميًا وتتم حمايتهما بموجب ضمان الدفاع الجماعى لحلف الناتو، قد تقوم «موسكو» بعدة تحركات، وقد بدأت– بالفعل- فى تهديد «فنلندا، والسويد» خطابيًا، كما انتهكت المجال الجوى الفنلندى، وشن هجمات إلكترونية على المواقع الحكومية. وأشار باحثى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» من المحتمل أن الرئيس الروسى قد أدرك -منذ فترة طويلة- أن «السويد، وفنلندا» متحالفتان بشكل وثيق مع (الناتو)، مع أو بدون عضوية رسمية. لذلك، فإن تنفيذ عملية عسكرية أخرى ضدهما لن يحقق الكثير بخلاف العقوبات الأشد، والمزيد من العزلة، والخسائر العسكرية لموسكو. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع «روسيا» من عمليتها فى «أوكرانيا» من قبل. يذكر، أن المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية «ماريا زاخاروفا» صرحت الأربعاء الماضى أن روسيا وجهت كل أشكال التحذيرات إلى «السويد، وفنلندا» بشأن عواقب انضمامهما المحتمل إلى حلف شمال الأطلسى، مؤكدة أن هذا الأمر ينذر بعواقب سلبية على الاستقرار فى شمال أوروبا. كما قالت-فى وقت سابق أيضًا- إن: «هدف الحلف من وراء ذلك، هو مواصلة بناء الإمكانات العسكرية، والتوسع الجغرافى لخلق تهديدات جديدة ضد «روسيا». ولكن، سبب تحول جيراننا الفنلنديين والسويديين فى منطقة البلطيق إلى جبهة جديدة للمواجهة بين الحلف «وروسيا» غير واضح». على كل، إذا تقدمت «فنلندا، والسويد» بطلب للانضمام إلى حلف (الناتو)، فسيكون الأمر متروكًا للقادة والسكان المحليين لأعضاء التحالف الثلاثين الحاليين، ليقرروا ما إذا كانت قيمة العضوية الفنلندية والسويدية تستحق المخاطرة بالوقوع فى صراع نيابة عنهم، بفضل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا». 2 3