شاءت الصُّدفة أن تلعب بعضُ الراقصات الشهيرات دورًا سياسيّا رُغم أنوفهن. كل راقصة من هؤلاء كان كل حلمها أن تكون راقصة تمتع جمهورها ومشاهديها، سواء فى الملهَى الذى كانت تعمل به أو على شاشة السينما من خلال الأفلام التى شاركن فيها كراقصات. لكن الصُّدفة هى التى جعلت البعضَ يحتك بالسياسة فى أدوار مهمة ومؤثرة. حكمت فهمى والألمان كانت راقصة شهيرة جميلة ولها قوام ممشوق، ملامحها مصرية، كانت رائدة فى الرقص الشرقى، رقصت فى الفترة من 1937م إلى عام 1939م فى قصور ملوك أوروبا وزعمائها، ورقصت أمام هتلر وموسولينى وجورنج جوبلز وغيرهم، وبعد رجوعها إلى مصر تولت بطولة فرقة بديعة مصابنى براتب 30 جنيهًا، كما وُرد فى كتاب «راقصات مصر». سجنت حكمت فهمى لمدة عاميْن فى قضية التجسُّس مع الألمان، وتحكى هذه القصة فى مذكراتها قائلة:.. بدأت القصة فى العاصمة النمساوية فيينا؛ حيث كنت أرقص فى ملهى «الفيمنا»، وكان هناك شاب ظل يطاردنى بعربته يوميْن متتالييْن ويخاطبنى باللغة العربية مقدمًا نفسه لى على أنه طالب مصرى يدرس بألمانيا، ثم دعانى لتناول الغداء فقبلت دعوته.. ووصفته أنه «كان وسيمًا وجذابًا وبشرته خمرية ولبقًا وشيق الحديث، إلا أنه كان يمتلك غموضًا مبهمًا، وافترقنا ووعدنى بالحضور إلى محل عملى فى اليوم التالى ولم يحضر واختفى فى ظروف غامضة إثر اجتياح هتلر لأراضى النمسا»، الأمر الذى عجَّل بهروب حكمت من تلك المدينة تاركة وراءها الشاب الذى وقعت فى هواه من أول نظرة، ولم تكن تعرف أنه الشاب الألمانى «هاينز أبلر» الذى نجحوا فى زراعته فى القاهرة. كانت المخابرات الألمانية فى ذلك الوقت عينها على حكمت فهمى وتم اختيارها لتكون أول راقصة تعمل فى فندق الكونتنتتال أشهَر فنادق القاهرة فى ذلك الوقت، وتم ترتيب الميعاد الثانى فى الفندق لاستكمال المشوار؛ وتعترف «حكمت» فى مذكراتها أن المقابلة الثانية كانت مدبرة، وكانت هذه المقابلة هى بداية التعاون المباشر مع المخابرات الألمانية ضد قوات الاحتلال البريطانى فى مصر. وقد أسفر ذلك التعاون عن تنفيذ العديد من المهام الخطيرة، ولكن كان حظها سيئًا وسريعًا انكشف أمرُها وتم القبض عليها وإيداعها فى سجن الأجانب مع «أنور السادات وحسن عزت والفريق عزيز المصرى» وبعض المتعاونين الآخرين من المصريين مع الألمان، وظلت بالسجن نحو عامين ونصف العام، وبعد خروجها حاولت أن تعود للأضواء مرّة أخرى، ولكنها فشلت فى ذلك وقررت الابتعاد والإقامة مع ابنها إلى أن رحلت عام 1976م. ببا عز الدين «ضحية القصر» لقيت الراقصة اللبنانية الأصل ببا عز الدين مصرعَها أثناء عودتها من حفل لها بالإسكندرية فى أوائل الخمسينيات؛ حيث انقلبت بها السيارة، وقيل وقتها إن الحادث مدبر من قبل القصر الملكى، ولكن حدث معها عن طريق الخطأ، فالذين كانوا يودّون الخلاصَ منه هو الدكتور عزيز فهمى، أحد قيادات حزب الوفد فى ذلك الوقت. كان الدكتور عزيز ثائرًا على الأوضاع السياسية وكان نائبًا فى مجلس النواب عن حى الجمالية وكان معارضًا قويّا للقصر. كانت ببا عز الدين تمتلك سيارة نفس ماركة ولون سيارة الدكتور عزيز، مما أحدث التباسًا على منفذى الجريمة وحدثت بَلبَلة فى ذلك الموضوع والعديد من الأقاويل، والغريب أنه لم يتم تكذيب أىّ من هذه الأخبار من جانب القصر الملكى، والذى أكد صحة الخبر أنه بعد هذه الجريمة بأسبوع تم الخلاص من الدكتور عزيز بالطريقة نفسها. تحية كاريوكا المناضلة لعبت دورًا سياسيّا قويّا، واعتقلت بسبب منشور سياسى بعد ثورة 1952م بعنوان «ذهب فاروق وأتى فواريق»؛ لتمكث فى السجن 101 يوم حسبما جاء فى كتاب «فنانات فى الشارع السياسى» للكاتب حنفى المحلاوى . وتحدثت «كاريوكا» عن بداية شغفها واهتماماتها السياسية فقالت فى كتاب «راقصات مصر» للكاتب جليل البندارى: «أنا ثورية مثل كل أبناء «القناة» مدينة الإسماعيلية، فعمِّى قد شنقه الإنجليز ويوم دفنه زغردت نساءُ العائلة فرحًا باستشهاده، وعلاقتى بالوطنية بدأت من خلال حرب 1948م، وكنت أساعد الفدائيين بالمال والعمل، وكنت أحمل «طوربيدًا» لا يستطيع حمله الرجال فى باطن السيارة وكنت أدخل بها إلى أرض أخى الواقعة فى منتصف معسكرات الإنجليز التى أطلقوا عليها فيما بعد «تبة مريم» نسبة إلى أختى التى خبّأت فى يوم من الأيام الرئيسَ أنور السادات بعد اتهامه فى حادث مقتل أمين عثمان. وحكاية علاقتها بالرئيس الراحل أنور السادات عن طريق أختها مريم الذى حمته فى منزلها هربًا من الاعتقال على إثر اشتراكه فى حادث اغتيال رجل الإنجليز الأول «أمين عثمان» وزير المالية فى حكومة مصطفى النحاس، وكانت تسكن مريم أمام معسكرهم ولم يتخيل أحدٌ أن السادات يختبئ فى مكانهم لمدة عام كامل، وفى يوم كان معى فى سيارتى ولم يشعر منهم أحد». لم تكتفِ تحية كاريوكا بهذا الدور السياسى ولا بفرقة المسرح السياسى التى كوّنتها مع زوجها فى ذلك الوقت الفنان فايز حلاوة، ولكن كان لها دور نقابى قوى يشهد له، عندما انتخبت لأول مرّة عضوًا فى مجلس إدارة نقابة الممثلين عام 1955م، وقد رد لها اعتبارها بعد فترة اعتقالها. وواصلت العمل فى هذا المجال بحزم، وفى عام 1981م تم اختيارها وكيل النقابة ثم نقيبًا للمهن التمثيلية لمدة 15 يومًا لحين اختيار النقيب الجديد، وقد رشح زوجها فايز حلاوة نفسَّه لمنصب النقيب فى هذه الانتخابات، وفى عام 1987م رشحت نفسَها نقيبة لاتحاد النقابات الفنية أمام سعد الدين وهبة. سامية جمال راقصة مصر الرسمية الجميع كان يعلم علاقتها بالملك فاروق رُغْمَ نفيها الدائم لها، فاختارها لتكون راقصة مصر الرسمية، وكانت شاهدة على العديد من الأحداث السياسية بحُكم تواجدها فى قصر عابدين، وكانت تحضر معه بعض لقاءاته ببعض الزعماء السياسيين، وكان فاروق فى تلك الفترة منفصلاً عن الملكة فريدة، وحلمت سامية أن تحل محلها، ولكنه فضّل عليها الملكة ناريمان وقرر الخلاص منها بإبعادها عن مصر ودبَّر لها زواجَها من الأمريكى «شبيرد كينج»، وأقامت فى الولاياتالمتحدة وظلت هناك نحو عام ونصف العام ترقص فى الملاهى والكازينوهات، وبعد قيام ثورة 52م طلبت الطلاق وعادت إلى مصر وتزوجت الفنان رشدى أباظة لمدة 17 عامًا، وكان هو قصة حبّها الحقيقية وتخلت عن كل شىء بسببه وضحّت بفنها لكى تكون له زوجة متفرغة لحياته وعمله. نجوى فؤاد ووزير الخارجية الأمريكى جاء كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى إلى القاهرة لإجراء محادثات مكثفة لبدء المفاوضات بين مصر وإسرائيل «كما وُرد فى كتاب اعترافات راقصة مصر الأولى»، وأقيم له حفل ساهر بالأهرامات وقدمت وصلة الرقص نجوى فؤاد وكان مشهورًا بغرامياته، وافتُتن بنجوى للغاية وطلب أن يصافحها، وتوالت زياراته إلى مصر وحقق نجاحًا سياسيّا هائلاً، وفى كل مرّة يحرص على مشاهدة رقصات نجوى فؤاد التى دعاها لتقديم لوحاتها الراقصة فى الولاياتالمتحدة، وكانت قفزة كبيرة فى مشوارها؛ خصوصًا أنها كانت دعوة مفتوحة، وقيل وقتها إنه عرَض عليها الزواجَ. وكان هناك سؤال حائر فى ذلك التوقيت يشغل بال الكثيرين: لماذا استبدلت فيفى عبده بنجوى فؤاد وقفز اسمها مرّة واحدة وأصبحت نجمة الحفلات الدبلوماسية والسياسية؟ والإجابة هنا لدى الفنان سمير صبرى الذى كان يقدّم برنامجًا تليفزيونيّا بعنوان «النادى الدولى»، واستضاف فى إحدى حلقاته فيفى عبده وأثناء حديثها قالت إنها من مواليد قرية الرئيس المؤمن أنور السادات وأن قرية ميت أبو الكوم بالمنوفية لا تنجب غير العباقرة والموهوبين. انقلبت حياة فيفى عبده رأسًا على عقب بعد هذا التصريح الذى شاهده الرئيس السادات وزوجته جيهان السادات التى ثارت ثورة عارمة، واضطر الرئيس لاتخاذ عدة قرارات لإرضائها، وتم إيقاف البرنامج ومنعت فيفى عبده من حضور جميع الحفلات التى يحضرها الرئيس وكبار ضيوف الدولة، وتم استبدالها بنجوى فؤاد.