وسط هذا القلق الذى يعيش فيه العالم منذ بدء أزمة فيروس «كورونا» المستجد، اتجه البعض إلى مد يد المساعدة لغيرهم بلا مقابل.. وكرّسوا جهودَهم وأوقاتهم لمساندة المحتاجين لإيجاد حلول للمشكلات التى ظهرت بالتزامن مع الأزمة، وانطلقت العديد من المبادرات فى مختلف المحافظات تهدف إلى مساعدة الأهالى للتغلب على جشع التجار وارتفاع أسعار السلع الغذائية، من خلال شراء الخضروات والفواكه على نفقتهم وبيعها للأهالى بأسعار رمزية، فيما تخصصت مبادرات أخرى فى سد احتياجات الأسر الفقيرة، وتوفير الطعام لها.
أهالى قرية «العزيزية» بالبدرشين يبيعون الخضار واللحمة بسعر الجملة
يتقاسمون المهام فى سعادة وحماس؛ حيث تتجه مجموعة لشراء الخضار من أسواق الجملة، يأتى الليل ويجلسون معًا لتعبئة كل صنف فى أكياس منفصلة لتلاشى الزحام فى اليوم التالى.. هذا ما يحدث فى قرية «العزيزية» التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة؛ حيث أكد «محيى رشدان» أن المبادرة بدأت بالتزامن مع بدء أزمة «كورونا»: «الأشياء التى تقدمها المبادرة هى الوقوف بجانب أهلنا للحماية من استغلال بعض تجار الخضار واللحوم، قمنا بالشراء والبيع بسعر الجملة فى الخضار واللحوم اشترينا الذبائح من المربين وتم البيع وأجبرنا بذلك التجار للبيع بأسعار معقولة».
موضحًا أن المبادرة بمثابة منظومة متكاملة قائمة على التعاون، فالجميع يقوم بالبيع والشراء وليس هناك اختصاص لكل شخص: «بنخطط لكل يوم من اليوم اللى قبله، ونوزع نفسنا ونحدد من يشترى من سوق الجملة، وفى الليل نقوم بتعبئة الخضار فى أكياس بالوزن لنتلاشى الزحام، ردود الأفعال من الناس كانت إيجابية جدّا؛ لأننا منعنا استغلال التجار ليهم».
وقال «محمد صلاح»، أحد المشاركين فى المبادرة، إنهم يقومون بتوجيه الشباب ومساعدتهم منذ بداية المبادرة وتشجيعهم لاستكمال جهودهم: «هناك جوانب أخرى نقوم بها مثل التعقيم ومساعدة من تضرروا من الأزمة الحالية مثل العمالة غير المنتظمة، وتنظيم أيام صرف المعاشات حتى لا يكون هناك ازدحام».
تضم المبادرة عددًا من رجال وشباب القرية، الذين يعملون فى مهن مختلفة: «منهم المدرس ومدرب كرة القدم، ومنهم إمام وخطيب مسجد فى وزارة الأوقاف، ومنهم المهندس»، يلتقط منه أطراف الحديث «مصطفى طوغان» الذى أكد أنهم منذ لحظة انطلاق المبادرة وضعوا أمامهم المصلحة العامة أولًا من خلال ضبط أسعار السلع وتعقيم القرية أيضًا.
بينما أكد «محمد ياسر»، أحد شباب القرية، أنهم حريصون أن يكون لهم دور إيجابى فى ظل هذه الأزمة، وفى المقابل وجدوا ترحابًا وتعاونًا شديدًا من قِبَل الأهالى: «الناس بدأت تتعاون معنا، من لديه وسيلة نقل تبرع بها مجانًا لتساعدنا فى نقل الخضار من سوق الجملة وحتى منافذ التوزيع، وجانب آخر ساعد فى حمل أجهزة التعقيم وقسّمنا وقتنا، وتبرّع أحد رجال الأعمال أيضًا بجهاز أبخرة طاردة للبعوض والذباب، وبإذن الله مستمرون».
مبادرة «معاكى يا بلدى» و«أسواق الخير» فى الزيتون: التوصيل للمنازل مجانًا
فى الواحدة ظهرًا، بدأ شباب حى الزيتون فى نَصب شادر فى شارع العزيز بالله المتفرع من سليم الأول، أقبل الناس عليهم بمجرد أن لمحوا لافتات تحمل أسعارًا رمزية، أسرع الشباب المتطوعون بتوزيع الكمامات والقفازات عليهم، ونظموا عملية البيع والشراء لمنع التكدس؛ حيث يفصل كل مواطن عن الآخر 40 سم.
«داليا فتح الله»، من سكان حى الزيتون، أكدت أن المبادرة أقيمت برعاية اللواء «حاتم باشات» نائب الزيتون والأميرية وعضو البرلمان الإفريقى: «بنحضّر من أسبوع لمحاربة غلاء الأسعار، أنا مديرة مكتب اللواء حاتم وجالى شكاوى كتيرة من ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة؛ خاصة الخضار اللى فى متناول الناس العادية وسعره وصل ل 30 جنيه».
من هنا جاءت فكرة إقامة شوادر لبيع الخضار والفاكهة بأسعار رمزية لتوفير احتياجات المواطنين ولإجبار التجار على تخفيض أسعارهم: «الشادر الجاى هيبقى فى سراى القبة، الدنيا اتزحمت مننا شوية بس قدرنا ننظمها وفيه تعقيم، وعاملين كل الاحتياطات، والتاجر اللى معانا جايب حاجات رخيصة ومستمرين لحد رمضان عشان ننزّل سلع رمضان بأسعار مخفضة، بدأنا بالطماطم والبصل والتوم والبطاطس».
تتألف المبادرة من 15 شابّا وفتاة من أبناء الزيتون تطوّعوا لمساعدة الأهالى وتنظيم العمل بالمبادرة، بينما اختصت «داليا» بمراقبة الأسعار ومقارنتها بأسعار سوق العبور: «فى أول يوم للمبادرة الأسعار كانت أقل من سوق العبور، ومن لحظة ما فرشنا وزّعنا الكمامات والقفازات على الناس اللى بتشترى».
يفتح الشادر أبوابه منذ الثامنة والنصف صباحًا، ويبدأ إقبال المواطنين عليه فى العاشرة.. بينما يقول «محمد حلمى»: «عملنا خدمة توصيل مجانية عشان نتجنب التكدس والزحام، ولتشجيع المواطنين على البقاء فى بيوتهم، وبيقوم بالتوصيل شباب متطوع بسيارتى الخاصة وبعد الشغل يتم البدء فى توزيع الخضار على أهالينا».
قرية «منيل شيحة» ب أبو النمرس تطلق تروسيكلات لبيع السلع فى الشوارع الرئيسية
حينما شعر أهالى قرية «منيل شيحة» التابعة لمركز ومدينة أبو النمرس بمحافظة الجيزة، بجشع التجار واستغلالهم لأزمة تفشى فيروس «كورونا»، قرروا أن يتعاونوا معًا لخدمة المواطنين، اتجه مجموعة من أبناء القرية إلى سوق العبور وقاموا بشراء الخضار بسعر الجملة ثم بدأت مرحلة فرزه وتوصيله للمنازل، «هيثم نفادى»، أحد أبناء القرية وقائد المبادرة، يقول: «أطلقنا تروسيكلات تقف على الشوارع الرئيسية لبيع الخضار بسعر الجملة ليصل نصف كيلو الليمون ب 5 جنيه والبطاطس 2.5، فرق كبير من هذه الأسعار وسعر التاجر».
لم تتوقف جهود أهالى القرية عند هذا الحد؛ حيث قاموا بشراء 3 عجول وذبحوها وبيع كيلو اللحمة ب 82 جنيهًا: «المبادرة بدأت من دخول فيروس كورونا، وبنقدم خدمة توصيل السلع للمنازل، وقدمنا خدمات للعمالة غير المنتظمة، وسجلنا بياناتهم على موقع وزارة القوى العاملة فى حين إن فى مكتبات كانت بتسجل البيانات بمقابل مادى، جهزنا شنط مجانية للأسر الفقيرة تحتوى على سلع استهلاكية».
مؤكدًا أنهم منذ البداية يتبعون خطوات ثابتة ويقسّمون المهام عليهم؛ حيث تقوم مجموعة بالذهاب للأسواق ومجموعة تتولى مهمة التعبئة والتجهيز، وثالثة منوطة بالبيع المباشر وأخرى للبيع غير المباشر عن طريق الكول سنتر: « من ضمن الخدمات إننا قومنا بالتنسيق مع المجالس المحلية باستلام مواد للتعقيم من وزارة الصحة وعقمنا الشوارع والمحلات، العوائق كانت مادية لأن كلها جهود ذاتية وبنحاول نوفر ماسكات وجوانتى لفريق العمل».
وأضح «نفادى» أنه واجه العديد من الصعوبات، منها تقديم بعض الجزارين لشكاوى كيدية ضده: «كان عندنا مبادرة للحمة وبدأنا عملية البيع والشراء، وحضرت إلينا المباحث تسأل عن التصريح رغم حصولنا على موافقة شفوية، لكن رئيس المباحث والمأمور تفهموا الأمر وقالولى إنهم بيدعمونا ولازم نتبع الإجراءات الأمنية».
«زهران الحلبى»، أحد مؤسّسى المبادرة، أكد أنهم قاموا ببيع ثلثى الخضار الذى قاموا بشرائه ثم وزعوا الثلث الآخر على الفقراء بالمجان: «روحنا لاخواتنا فى قرية الهياتم بشوية مساعدات بسيطة مننا، لأنها قرية محجورة فى الغربية».
بالتزامن مع نهاية شهر مارس أطلق مجموعة من شباب منطقة «منشية السد العالى» خلف حديقة بدر مبادرة لبيع الخضروات والفاكهة بسعر الجملة، لمواجهة جشع التجار، وحينما ازداد إقبال الأهالى على الشراء اتجه الشباب لتوفير الأرز والسكر والزيت، «أسماء نعمان» أحد المتطوعين بالمبادرة، تقول: «بنطلع شنط الخير للأسر المستحقة والمتضررة من الأزمة، تعاونا مع أهل الخير عندنا ونظرًا للإقبال الشديد فتحنا أكتر من منفذ للبيع فى جميع المنطقة بدأنا ب 2 وحاليًا فى 5 منافذ فى أماكن متفرقة عشان نساعد الناس ونقربلهم المسافات وكمان نمنع التكدس والزحمة وبإذن الله جارى فتح منافذ أخرى».
يتلخص دور متطوعى المبادرة فى تخفيف العبء عن الأهالى وتلبية احتياجاتهم، لتجاوز الأزمة التى تمر بها الدولة بسلام ودون خسائر: «حابّين نوصّل فكرة إن كلنا واحد لازم نتعاون مع بلدنا فى الأزمة ونقف معاها وإن مينفعش شخص يكون عنده كل حاجة وجاره معندوش، وكلنا بنتعاون فى تعبئة الخضار فى الأكياس جاهزة على البيع أو وزن الخضار أو البيع المباشر للناس كلنا بنعمل نفس الأدوار بالتعاون مع بعض، واليوم بيمشى باجتهاد وحب من كل الموجودين فى المبادرة وحرصهم على العمل التطوعى ومساعدة أكبر عدد من الناس، ومسئول المبادرة بينزل يتعامل مع السوق وتجار الجملة وبيجيب لينا أقل سعر مع جودة كويسة.
تؤكد «أسماء» أنهم لم يواجهوا أى عوائق منذ انطلاق المبادرة، كما أنهم لقوا دعمًا كبيرًا من رجال الأمن المتمثلين فى قسم أول السلام: «رئيس المباحث قدرى الغرباوى والسادة الأمناء والظباط كانوا متابعينا جدًا وبنشكرهم من أول المأمور لأصغر رتبة، ردود أفعال الناس كانت مفرحة وكان فى إقبال شديد من الناس والحمد لله ناس كتيرة اتشجعت زينا وعملوا مبادرات لتخفيض الأسعار، وفى باعة خفضوا الأسعار نسبيًا، وهنفضل مستمرين لحد ما التجار يتراجعوا عن الجشع، وحابة أقولهم إحنا بلدنا فى أزمة والدولة بتسعى للحفاظ على الناس وتوفير احتياجاتهم وانتوا بتعملوا العكس فياريت تساعدوا الناس والدولة وتخليكم يد بيد معانا إحنا كلنا فى مركب واحدة وخير الناس أنفعهم للناس».
قرية «هويس سرابيوم» ب «فايد» توزع 250 شنطة أسبوعيًا على الأسر المتضررة
وسط أجواء يسودها الود والتعاون اجتمع أهالى قرية «هويس سرابيوم» التابعة لمركز فايد بمحافظة الإسماعيلية رجالًا ونساءً، عازمين على مد يد المساعدة إلى بعضهم بعضًا؛ حيث أطلقوا مبادرة لمساعدة الأسر الفقيرة، «شافعى أبو بكر» سكرتير القرية، يقول: «قمنا بتجهيز بعض متطلبات المنزل من خضروات وطعام وتوزيعها على مستحقيها على مستوى القرية وبعض الأماكن بالقرى المجاورة مساعدة منهم على تحمل أعباء الحياة فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد وقام بعض التجار بالمساعدة وتزويد التجهيزات بالخضروات والفاكهة كتبرع منهم ومساعدة منهم لتخطى هذه الظروف».