فى فيلم «يا رب ولد» عانى «محمد الأسيوطى» تاجر الخشب الذى جسد شخصيته وحش الشاشة فريد شوقى من مشكلة ظلت تقلقه طوال حياته وهى أن لديه ثلاث بنات وليس لديه «ولد» يحمل اسمه ويتحمل العبء من بعده، وخلال أحداث الفيلم الذى عالج قضية المساواة بين الجنسين فى إطار كوميدى تعرض «الأسيوطى» لوعكة صحية ألزمته الفراش لفترة طويلة، وبعد أن عادت إليه عافيته اكتشف أن فتياته الثلاث استطعن إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن كادت أن تخرج عن السيطرة ورجع الأب إلى ورشته فوجد كل شىء مستمرًا كما كان يقوم به بنفسه. 35 سنة كاملة مرت على الفيلم الذى جرى إنتاجه عام 1984 لتتحقق قصته بشكل واقعى من خلال قصة «ورشة بنات» التى تحمل تأكيدًا جديدًا على أن عمل الفتيات فى المهن التى كانت قديمًا مقتصرة على الرجال فقط أصبح أمرًا طبيعيًا فقد وجدنا النساء مؤخرًا يقدن الأتوبيسات والتوك توك والتاكسى، ويعملن فى الحدادة والنجارة وحتى البناء، هنا فى «ورشة بنات» فتاتان حاولتا مساعدة والدهما بطرق مختلفة ليقف على قدميه من جديد بعد وعكة صحية واقتصادية كادت أن تقضى على مسيرته المهنية. لم يعد شيئًا غريبًا أو غير مألوف أن ترى ورشة صغيرة فى أحد الأحياء الشعبية تجلس بداخلها فتاة تمسك بيدها إحدى أدوات النجارة وهى جاثية على ركبتيها بجانب دولاب خشبى، لتعيد ربطه من جديد، أو أن تجد أخرى تعاونها فتقوم ببعض الأعمال الداخلية. مصممة ديكور بالصدفة «ورشة بنات» هو الاسم الذى أطلقته المهندسة «مى» على مشروع والدها الصغير الذى نهض من جديد بعد عودتها من الإمارات فتقول: لم أكن قبل عام 2014 أهتم بمجال النجارة أو الصناعة الخشبية فأنا خريجة آداب وسافرت إلى الإمارات للعمل فى مهنتى الخاصة بالتدريس، وأثناء إقامتى فى دبى حصلت على منحة لدراسة الديكور ولم أكن أعلم حينها فيم تفيدنى ولكن بعد عام عدت إلى مصر وعلمت كيف أستخدمها. تقول مى: كان والدى لديه ورشة نجارة يتقاسمها مع شريك له منذ سنوات طويلة ولكن لم تكن هناك أوراق تثبت هذه الشراكة أو التعاقد وبعد حدوث خلاف بين أبى وشريكه فى العمل كان نتيجة الخلاف فقدان أبى كل شىء لاعتماد شريكه على أن أبى ليس له فى ذريته أولاد وأيضًا بناته لن يكونا على علم بتفاصيل العمل. تضيف الفتاة العشرينية: أصبح وضعنا المادى متدهورًا للغاية حتى وجدت صدفة على جروب «حد يعرف» فتاة تتساءل عن قطعة خشبية «ديكور» إذا كان أحد يستطع تصميمها أتيت بها لأبى وقال إنه يستطيع عمل أى ديكور خشبى، فاتفقت معه أن آتى له بالتصاميم المختلفة ونقوم بتنفيذها سويًا حتى نرى كيف يؤول بنا الوضع، وبالفعل بدأنا العمل معًا وكنا نقوم بذلك فى منزلنا فيمكن القول إننا بدأنا من تحت الصفر. قامت أختى الصغرى بنشر بعض من هذه التصميمات على مواقع التواصل الاجتماعى وبالفعل حصل ما لم نكن نتوقعه أتى إلينا فى البداية طلب واحد وبالفعل حصلت على أول «عربون شغل» وكانت قيمته 200 جنيه وكتبت إيصالًا بالمبلغ، وبعد أن تسلمت «الزبونة» الشغل المتفق عليه كانت داعمة لعملنا جدًا، وشيئًا فشيئًا دارت العجلة وبدأ نطاق شغلنا يتسع رويدًا رويدًا حتى تواصلت معنا إحدى الشركات الكبرى ووصل الأمر إلى تصدير عملنا إلى بعض الدول العربية وكانت هذه الخطوة بمثابة نقلة قوية فى مسيرتنا. الأب: فخور بزوجتى وبناتي الأسطى محمد وهو والد «مى» أكد أنه لطالما كان يفتخر بوجود بناته فى حياته فهو لديه بنتان وطفل صغير، ولم يكن يكترث على الإطلاق للأحاديث الجانبية من قبل الصنايعية والمارة عن كونه يترك بناته تعمل فى ورشة النجارة ومعهما زوجته، ويختلطن بالصنايعية وغيرهم، بل على العكس كان مطمئنًا جدًا عليهن. ويضيف: كنت أتحدث دائمًا عن مساعدة زوجتى وبناتى لى، والعمل بيننا كأسرة مقسم داخل الورشة فزوجتى وأم البنات هى المسئولة عن الإدارة فى الورشة والحسابات والتعاقدات مع العملاء، كما أنها تساعد فى أعمال النجارة فى وقت المواسم والضغط وابنتى الصغرى مسئولة عن التسويق على السوشيال ميديا لكل أعمالنا حتى إنهما أطلقتا على الورشة اسم «ورشة بنات»، أما أنا والمهندسة مى فنقوم بأعمال النجارة والتصميم، وهى من تقوم بشراء الخامات والنزول للتجار والاتفاق معهم وأصبح الجميع فى السوق يعرفها، وأصبحت هى أساس كل شىء. وكأنه يتذكر تلك الفترة العصيبة من حياته التى فقد فيها الأمل فى العودة للعمل يقول الأسطى محمد مبتسمًا: «بمساعدة بناتى وزوجتى لى استطعت أن أنشئ ورشة النجارة الخاصة بى مرة وأخرى والمهندسة مى تعمل معى يوميًا فى الورشة». مراتى مدير عام الورشة والدة مى وهى إحدى الأذرع الأساسية فى الورشة هى المسئولة على عملية الحسابات قالت: «لم يعد هناك فرق بين الفتيات والشباب فى أى شىء وابنتاى يوميًا تؤكدان ذلك بعملهما ووقفتهما مرة أخرى بجانب أبيهما بعد أن فقد كل شىء وبدأ من جديد بعد دعم الفتيات له، وهذا شىء يدعونى دائمًا للفخر بهما وبما فعلتا، وعن مستقبلهما فى العمل معه بعد الزواج أكدت أن للبنات حرية الاختيار باستكمال العمل فى الورشة مرة أخرى إذا تزوجتا أم لا. هنا التقطت «مى» طرف الحديث قائلة: «من الصعب أن أترك عملى مرة أخرى بعد أن صنعت كيانًا واسمًا لى، خاصة أن لدى أهدافًا أرغب فى تحقيقها مثل أن يكون التصدير بعد ذلك بتوقيع اسم مصرى بالخارج، لذلك على من يرغب فى الزواج منى أن يعرف صعوبة تركى ما أحب بعد كل ما عانيت أنا وأسرتى». وأوضحت مى أنها تقوم مع والدها بصناعة غرف كاملة ويأتى إليها عملاء من المحافظات المختلفة وليس فقط القاهرة أو الجيزة، وبعد أن كانت تواجه بعض المشاكل فى البداية مثل تقليل الصنايعية من وجودها ومحاولاتهم المستمرة فى خداعها أو الشغل بقلة ضمير واهتمام على اعتبار أنها لن تقدر على هذا العمل ولا تفهم فيه الكثير قررت أن تتواجد دائمًا مع العمال وفى الأسواق والتعامل المباشر مع كل من له علاقة بمهنة النجارة لتثبت بعد فترة وجيزة أنها قادرة على ما يمكن لبعض الرجال عمله، مضيفة أنها مؤخرًا أصبحت تقوم بالدهانات أيضًا الخاصة بالغرف والبراويز وغيرها حتى لا يمكن لأحد أن يغالطها.