فى منطقة تعج بالصراعات عمومًا، وبصراع الثروات والطاقة والغاز بشكل خاص، كان لا بد من تدعيم هدف وخطة الدولة المصرية الاستراتيجية الرامية إلى تحول مصر إلى مركز إقليمى رئيسى لتداول وتجارة الغاز.. وبعد الاكتشافات المصرية المذهلة التى غيرت خريطة الغاز بالمنطقة والعالم فى شرق المتوسط، تأتى اكتشافات الغاز الطبيعى فى منطقة البحر الأحمر، كورقة داعمة لوضع مصر فى هذا الصراع. تراهن مصر على منطقة البحر الأحمر لتحقيق المزيد من اكتشافات النفط والغاز الطبيعى، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مارس الماضى عن طرح أول مزايدة للتنقيب فى هذه المنطقة، وهو ما يعد إشارة لأهمية هذه المنطقة فى دعم موقف مصر لتكون الدولة المؤهلة لقيادة ملف الطاقة خلال الفترة المقبلة. وضمت المزايدة 10 قطاعات كبرى، وبتلك المزايدة طرقت مصر للمرة الأولى أبواب البحر الأحمر بحثًا عن ثروات النفط والغاز، وذلك بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية التى وقعت فى عام 2016، وتأمل مصر أن تضم هذه المنطقة احتياطيات تضاهى الاكتشفات التى تمت فى منطقة البحر المتوسط. مؤشرات مبشرة قال مدحت يوسف رئيس هيئة البترول الأسبق، إن هناك مؤشرات قوية للغاية للشركات العالمية التى قامت بعملية المسح السيزمى لوجود احتياطى كبير فى هذه المنطقة، وهو ما اعتبر عامل ترويج لجذب الشركات العالمية للتنقيب عن الثروات فى هذه المنطقة. وأكد الدكتور حسنى الخولى الخبير النفطى، أنه تم إنفاق نحو 750 مليون دولار لإجراء عمليات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد للبحر الأحمر، وهو ما أدى إلى وجود نتائج أولية لوجود كميات ضخمة من الغاز والنفط، وبالتالى بدء طرح المزايدات. وأضاف أن الاكتشافات التى تمت فى البحر المتوسط والدلتا المصرية كانت بمثابة الدافع للشركات العالمية للتنقيب فى منطقة البحر الأحمر أيضًا. ولفت إلى أنه كان هناك اكتشافات فى شمال البحر الأحمر وخليج السويس، وهناك أيضًا فى السودان على نفس الخط، فضلًا عن الاكتشافات التى أعلنت عنها المملكة العربية السعودية على الجانب الآخر من البحر الأحمر، وهو ما تعد مؤشرات قوية تمثل دافعًا وحافزًا كبيرًا للشركات العالمية للاستثمار فى هذه المنطقة البكر. وأضاف أن أحدث التقارير العالمية تشير إلى أن مصر ستصبح واحدة من العشر الدول الكبرى فى إنتاج الغاز الطبيعي، نتيجة للاكتشافات المتتالية. وتقدمت 8 شركات عالمية للمزايدة التى طرحت والتى من المقرر أن تغلق أغسطس الجارى، منها 3 شركات أمريكية وشركتان إيطاليتان. ثمار ترسيم الحدود عقب اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية فى إبريل 2016، بعام تقريبًا، قامت شركة جنوب الوادى القابضة التابعة لوزارة البترول بتوقيع عقدين مع شركتى شلمبرجير الأمريكية، وتى جى إس الإنجليزية لتجميع بيانات جيوفيزيقية بالمناطق المفتوحة بنطاق أعمال الشركة فى قطاعين، الأول يشمل المياه الاقتصادية بالبحر الأحمر، والثانى للمناطق البرية جنوب مصر، وذلك للإسهام فى تحديث البيانات المتاحة وإضافة بيانات جديدة لهذه المناطق فى عقد بلغت قيمته 750 مليون دولار. ورغم اختلاف الأرقام الصادرة عن الشركتين والتى تتراوح ما بين 23 تريليون و130 تريليون قدم مكعب، غير أن هناك تأكيدًا على وجود 5 مليارات برميل من النفط فى شمال البحر الأحمر بخليج السويس. وكل الشواهد تؤكد أن هناك احتياطيات ضخمة بهذه المنطقة، فهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، وفق تقديرات صدرت عنها فى نهاية عام 2017، كشفت أن مصر تمتلك احتياطيات تقارب 6 مليارات برميل من الزيت الخام و23 مليار برميل مكافئ من الغاز الطبيعى بالمياه الاقتصادية بالبحر الأحمر، إضافة إلى احتياطيات متوقعة من الغاز والزيت الصخرى بالمناطق البرية بجنوب مصر تقدر بحوالى 8 مليارات برميل مكافئ، وهى احتياطيات تتجاوز ما صدر عن تقرير الشركتين. تحالف استراتيجى نتيجة للعلاقات المصرية السعودية المتميزة، من المنتظر أن تكون المملكة العربية السعودية حليفًا استراتيجيًا لمصر، وذلك بعد الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعى فى البحر الأحمر التى أعلنت عنها شركة أرامكو السعودية. حيث أعلنت المملكة أنها ستكثف من عمليات البحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعى فى منطقة البحر الأحمر خلال العامين القادمين، وتسعى المملكة ومصر للحد من النفوذ القطرى والتركى فى هذا القطاع، الذى طالما كان أداة التمويل للجماعات الإرهابية التى هددت أمن البلدين، ويعزا لها كافة الحروب التى قامت فى المنطقة خلال الفترة الأخيرة. فى النهاية نحن أمام حرب اقتصادية للتحكم فى خطوط الطاقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تلك الحرب التى تخطو فيها مصر الخطوة تلو الأخرى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، لذلك كان عقد أول اجتماع لمنتدى غاز شرق المتوسط فى الإسكندرية منذ أيام أهمية كبرى تؤكد على أن مصر عازمة على المضى قدمًا فى مشروع تحويل مصر لمركز إقليمى لنقل وتداول الطاقة، وأنها لن تسمح لتركيا إلا بلعب الدور الذى تستحقه كممر لنقل الغاز من روسيا وآذربيجان إلى أوروبا. كما أدت الاكتشافات الأخيرة التى حققتها مصر بمجال الغاز فى السنوات الأخيرة، وعلى رأسها حقل ظهر، أكبر حقول البحر المتوسط بجانب الحوافز التى تقدمها الحكومة، إلى فتح شهية الشركات العالمية لإيجاد موضع قدم لها فى مصر سواء بالبحر المتوسط أو الصحراء الغربية أو الشرقية أو خليج السويس وكذلك البحر الأحمر. ومع دخول شركة إكسون موبيل أكبر شركة نفط فى العالم للعمل لأول مرة فى مجال البحث والتنقيب عن الغاز فى مصر، بعد فوزها بمزايدة للتنقيب بشمال شرق العامرية بالبحر المتوسط فى فبراير الماضى، أصبحت مصر محطة لاستثمار من جانب كبرى شركات البترول العالمية. ودعم هذا الموقف فوز شركة رويال داتش شل بخمسة مناطق دفعة واحدة، كما فازت شركات إينى الإيطالية، وبى بى البريطانية، وديا الألمانية ببعض هذه المناطق، ضمن المزايدتين اللتين طرحتهما وزارة البترول العام الماضى. وبدخول تلك الشركات تكون مصر، قد أصبحت ساحة للتنافس بين أكبر شركات الطاقة العالمية حيث بجانب هذه الشركات تعمل شركات مثل روس نفط الروسية ودانة غاز الإماراتية وبى جى البريطانية وبتروناس الماليزية، وهو ما يشير إلى المستقبل الواعد لقطاع الغاز والبترول المصرى خلال المرحلة المقبلة. مركز إقليمى وتسعى مصر للتحول إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز الطبيعى والبترول مستغلة إمكانياتها الكبيرة فى هذا الشأن، وقطعت الحكومة شوطًا كبيرًا فى طريقها نحو تحقيق هذا الهدف عبر عدد من الإجراءات التى نفذتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وتشمل مميزات مصر كمركز للطاقة البنية التحتية المطورة جيدًا، والخبرات فى القطاع، وقوة الطلب المحلي، وموقع البلاد الاستراتيجى بين أوروبا وآسيا، والذى يسمح لها بتصدير الغاز غربًا وشرقًا اعتمادًا على الأسواق. وتأمل مصر فى الاستفادة من محطات التسييل، التى لم تستغل لفترة طويلة بالقدر الكافى والتى تحول الغاز إلى غاز مسال، لتصدير الغاز لأنحاء البحر المتوسط إلى جانب غاز جيرانها. ويتيح زيادة إنتاج الغاز والبترول لمصر الاكتفاء الذاتى منهما، وعمل قيمة مضافة سواء من خلال التكرير أو المشروعات البتروكيماوية، وفى نفس الوقت تصدير هذه المنتجات للخارج وزيادة تدفقات العملات الأجنبية وزيادة نمو الاقتصاد، وأيضًا التحول لمركز كبير لتداول هذه المنتجات. وبدأت مصر الإنتاج من حقل ظهر فى ديسمبر 2017، بمعدل إنتاج 350 مليون قدم مكعبة غاز يوميًا، وذلك فى العام الذى شهد بدء الإنتاج أيضًا من 3 حقول أخرى للغاز الطبيعى وهى آتول، ونورس، وشمال الإسكندرية. وتضاعف إنتاج حقل ظهر عدة مرات، منذ بداية تشغيله، ليزيد حاليًا على 2.1 مليار قدم مكعبة يوميًا، وتتطلع وزارة البترول لزيادة معدلات الإنتاج إلى 3 مليارات قدم مكعبة يوميًا خلال العام الجاري. وحققت مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى فى سبتمبر الماضي، مع زيادة الإنتاج من هذه الحقول وعلى رأسها ظهر، وهو ما أدى للتوقف عن استيراد شحنات الغاز المسال من الخارج. وتسعى مصر لتصدير نحو 2 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز هذا العام، وذلك مع زيادة الإنتاج من الحقول القديمة والمكتشفة حديثًا.