حققت مصر طفرة كبيرة في اكتشافات الغاز الطبيعي ، ولاسيما في منطقة البحر المتوسط ، الأمر الذي مكنها من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز، وأصبحت مركزا إقليميا ليس فقط للإنتاج ولكن أيضا لتصدير الغاز والاستثمار في هذا المجال، وحدثت هذه الطفرة الكبيرة بعد أن وقعت مصر مع قبرص اتفاق نيقوسا عقب ثورة 30 يونيو 2013 الذي أعاد ترسيم الحدود بين البلدين، وهو الاتفاق الذي أثار غضب تركيا التي تطمح في أن يكون لها نصيبا من الموارد الطبيعية الموجودة بالمنطقة ،وتسعى لأن تكون جزء من اتفاق جديد وهو الأمر الذي ترفضه القاهرة بشدة ،وأيضا الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر قبرص جزء منه ويدافع عن مصالحها. فى هذا الصدد قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن مصر بدأت اكتشافات الغاز الطبيعي منذ أربع سنوات، ففي يناير 2014 أعلنت وزارة البترول المصرية فوز شركة إيني الإيطالية بحق امتياز للبحث عن الغاز في منطقة "شروق" على بعد 200 كيلو متر قبالة السواحل المصرية شرق البحر المتوسط، ولم يمر أكثر من 20 شهرا حتى أعلنت شركة إيني الإيطالية اكتشاف أكبر حقول البحر المتوسط ليرتفع حجم إنتاج مصر من الغاز إلى 6.6 مليارات قدم مكعب بعد اكتشاف حقل ظهر نهاية 2018. وأضافت أن هذه الاكتشافات جعلت مصر مقصدا للاستثمار الأجنبي، واحتلت القاهرة بفضلها المركز الأول على مستوى دول شرق المتوسط في إجراء عمليات البحث عن الغاز في منطقة البحر المتوسط، حسب دراسة أصدرتها منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوبك" حول مستقبل الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، بعنوان (واقع آفاق الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط). ونقلت الإندبندنت عن الأمين العام للمنظمة عباس علي النقي،قوله في الدراسة، إن منطقة شرق المتوسط حصلت على قدر بالغ من الأهمية في السنوات الأخيرة بعد عدة اكتشافات متتالية للغاز في تلك المنطقة من العالم، مشيرا إلى اكتشاف حقل (أفر وديت) في المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص، واكتشاف حقل ظهر بمصر. وحسب الدراسة، تعد مصر أولى دول شرق المتوسط في إجراء عمليات البحث عن الغاز في منطقة البحر المتوسط، وذلك عبر طرح مزايدات عالمية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، إذ تعود البداية الفعلية لنشاط مصر في فتح مياه البحر المتوسط أمام شركات البترول العالمية في منطقة المياه العميقة إلى عام 1998، عندما طرحت الهيئة العامة المصرية للبترول جولة الترخيص الأولى، التي تضمنت ثمانية قطاعات في مساحة إجمالية 170 ألف كيلو متر مربع، من بينها ثلاثة قطاعات بحرية في منطقة البحر المتوسط، التي أثرت عمليات البحث والاستكشاف في تحقيق اكتشافات عريضة للغاز. و تابعت الدراسة، أن الفترة من 2002 إلى 2015 شهدت نشاطا مكثفا في طرح المزايدات العالمية للبحث عن النفط والغاز في منطقة المتوسط ودلتا النيل، التي لاقت إقبالا واضحا من شركات البترول العالمية مثل (بي. بي) البريطانية، و هي شركة (بريتيش بتروليوم) سابقا ، وشركة (إيني) الإيطالية وغيرهما، وعلى أثر ذلك حصل عدد من الشركات العالمية على حقوق الامتياز في عدد من القطاعات البحرية، ونجحت في تحقيق اكتشافات أسهمت في تحقيق قفزة كبيرة لقطاع الغاز الطبيعي في مصر، وهو الأمر الذي كان له انعكاس واضح على مسار التنمية في مصر. وأكدت الدراسة أن الاكتشافات المتتالية للغاز في مصر، التي بدأت و تيرتها تتصاعد منذ عام 2000 ساهمت في دعم الاحتياطي المتبقي من الغاز، وجذب الاستثمارات الأجنبية لإنشاء بنية أساسية لتصدير فائض الغاز، حيث قامت مصر بإنشاء محطتين لتصدير الغاز الطبيعي المسال في مدينتي دمياط وإدكو عام 2005، إضافة إلى خطي أنابيب لتصدير الغاز إلى دول الجوار، وهما خط الغاز العربي لتصدير الغاز إلى الأردن وسوريا ولبنان، وتقدر طاقته التصميمية بنحو مليار قدم مكعب غاز/ يوم والخط البحري لتصدير الغاز إلى فلسطين بطاقة 677 مليون قدم مكعب غاز/ يوم، وحققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في سبتمبر الماضي، مع زيادة الإنتاج من هذه الحقول، وعلى رأسها (ظهر)، وهو ما أدى إلى التوقف عن استيراد شحنات الغاز المسال من الخارج. كما نقلت الصحيفة البريطانية عن تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول باتحاد الصناعات المصرية، قوله إن اكتشافات الغاز الطبيعي على أرض مصر في السنوات الأخيرة خلقت حالة من الثقة في مزيد من الاكتشافات مستقبلا. وأضاف أبو بكر أن اكتشافات حقول (ظهر) و(نورس) و(أتول) و(غرب الدلتا) وغيرها غيرت من خريطة الشركاء الأجانب المتعاقدين مع مصر، إما بالاستمرار، وإما دخول شركاء جدد للبحث والتنقيب في مصر سواء في البحر المتوسط أو البحر الأحمر. وقال طارق الحديدي، الرئيس الأسبق لهيئة البترول المصرية للصحيفة البريطانية إن الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز، وعلى رأسها اكتشاف ظهر كان لها تأثيرا إيجابيا جدا وعناصر جذب دفعت المزيد من الشركات العالمية للدخول إلى مصر والاستثمار فيها بمجال التنقيب عن البترول والغاز. وكشف حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، أن الوزارة طرحت مزايدة جديدة للتنقيب عن النفط في 10 قطاعات بالبحر الأحمر، محددا آخر موعد لتسلم العقود هو الأول من أغسطس من العام الحالي 2019، مؤكدا أن مناطق التنقيب في البحر الأحمر قد تشهد اكتشافات كبرى من الغاز الطبيعي. وأضاف عبد العزيز، أن الوزارة توسع عملياتها الاستكشافية بجميع المناطق البرية والبحرية وطرحها عبر مزايدات عالمية. لافتا إلى أن مصر قامت بترسيم حدودها البحرية مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي أتاح لها إقامة مشروع لمسح جميع المياه في البحر الأحمر. وقال حمدي، إن إكسون موبيل تتبادل دور أكبر شركة في العالم في هذا المجال مع شركة شل، وبالتالي دخول شركة بهذا الحجم إلى مصر سيدفع مزيدا من الشركات إلى محاولة الوجود في المزايدات المقبلة، ويشجع على مزيد من اكتشافات الغاز والزيت الخام. لافتا إلى فوز شركة شل بخمس مناطق للاستكشاف، وفوز شركة إيني بمنطقتين يعتبر امتدادا للتعاون بينهما وقطاع البترول المصري، الذي يعود إلى سنوات طويلة، والثقة المتبادلة، ومؤشرا على أن مصر لا تزال واعدة في مجال الاستكشاف والإنتاج. ولفتت صحيفة الاندبندنت إلى أن مستحقات الشركاء الأجانب تراكمت بعد ثورة يناير 2011، حتى وصلت إلى نحو 6.3 مليار دولار في عام 2011 - 2012، ثم بدأت الحكومة المصرية تقليصها تدريجيا بالسداد تشجيعا للشركات للبحث والتنقيب وزيادة الإنتاج. وأكد حمدي عبد العزيز للصحيفة البريطانية، أن مستحقات الشركاء الأجانب تقلصت في ديسمبر الماضي إلى نحو مليار دولار فقط، لافتا إلى أنه مقارنة ب1.2 مليار دولار في شهر يونيو 2018 يعد تأكيدا على أننا نسير في الطريق الصحيح. ومصر تمتلك عددا من حقول الغاز الطبيعي بمنطقة البحر المتوسط، وكان للحقول دورا كبيرا في تحويل الطاقة الإنتاجية لمصر من إنتاج الغاز من 3.8 مليار قدم مكعب إلى 6.6 مليار قدم مكعب غاز، بما يعني أن الاكتشافات البترولية على مدار الثلاثة أعوام الماضية أسهمت في تحقيق مصر اكتفاء ذاتيا من الغاز. ويعد حقل ظهر أكبر حقول الغاز الطبيعي في مصر ومنطقة البحر المتوسط، ويطلق عليه كثيرون حقل الأرقام القياسية نتيجة الإسراع بتنفيذه والإنتاج المبكر منه في وقت قياسي منذ اكتشافه مقارنة بحقول مماثلة على مستوى العالم، بإجمالي استثمارات 44 مليار دولار. أما حقل سلامات فيقع شمال دمياط البحرية بالبحر المتوسط، ويحتل المرتبة الثانية بعد حقل ظهر،و تقدر احتياطاته الأولية من الغاز ب1.2 تريليون قدم مكعب غاز. وهناك أيضا حقل أتول الذي يقع شمال دمياط البحري، ويتراوح إنتاجه بين 300 مليون قدم مكعب و400 مليون قدم مكعب غاز، وتقدر احتياطاته ب 1.5 مليار قدم مكعب غاز. أما حقل نورس فيقع بدلتا النيل، وأعيد اكتشافه في عام 2015، وتم إعادة الحقل إلى الحياة بعد توقفه عن الإنتاج، ومن ثم الوصول بمعدلات إنتاجه إلى نحو 1.2 مليار قدم مكعب غاز يوميا. بينما يقع حقل نيدوكو بمنطقة خليج السويس، ويبلغ إنتاجه 300 مليون قدم مكعب غاز يوميا. لكن اكتشافات مصر من الغاز الطبيعي وتنقيبها الذي لا يزال مستمرا في البحر المتوسط أثار غضب تركيا التي تطمح في السيطرة على الغاز بهذه المنطقة ولاسيما تلك المحيطة بقبرص التي تعتبرها أنقرة جزء من أراضيها. وأعلنت أنقرة مؤخرا أنها ستقوم بعمليات حفر وتنقيب في غرب قبرص في سبتمبر المقبل ، بشكل قد يتعارض مع اتفاق نيقوسا الذي أبرمته مصر مع قبرص والذي ينظم عمليات الحفر والتنقيب بالمتوسط. وكانت مصر قد أعادت ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط وذلك بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بين مصر وقبرص، فيما تشهد العلاقات المصرية التركية توترات سياسية كبيرة منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين على إثر احتجاجات شعبية في يوليو 2013. وبناء على هذا الاتفاق حذرت الخارجية المصرية تركيا من اتخاذ أي إجراء أحادي الجانب فيما يتعلق بأنشطة حفر أعلنتها في منطقة بحرية غرب قبرص. وقالت الخارجية إن إقدام تركيا على أي خطوة دون الاتفاق مع دول الجوار في منطقة شرق المتوسط، قد يكون له أثر على الأمن والاستقرار في المنطقة ، مشددة على ضرورة التزام كافة دول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه. ويرى عدد من الخبراء اتفاق قبرص ومصر على التنقيب في البحر المتوسط ، استفز تركيا التي ترى أن لها الحق في هذه الثروات الطبيعية حيث إن هناك جزء من جزيرة قبرص أعلن التمرد والانفصال بدعم من أنقرة وهو الجزء الذي قد يعلن دعمه لأردوغان بينما القبارصة اليونانيون فيفضلون التعاون مع المصريين، ووفقا للخبراء لن تمانع تركيا التنقيب في المتوسط ولكن عن طريق اتفاق جديد تكون هي جزء منه وهو أمر يتطلب حلا سياسيا قد يكون صعبا حاليا في ضوء توتر العلاقات بين القاهرةوأنقرة. وكانت مصر وقبرص وعدد من الدول الأوروبية قد وافقت على تأسيس منتدى الشرق الأوسط للغاز في القاهرة، من أجل تنسيق سياسات الغاز في المنطقة، كما أن قبرص كانت قد وقعت اتفاقية مع مصر لربط حقول الغاز القبرصية مع "محطات التسفيل" المصرية لإعادة تصديره، وهذه المسألة تعزل أنقرة فيما يخص موضوع الغاز، وبالتالي تركيا تشعر بأن هذه المسألة ضد مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك، حيث ترى أنه لا يمكن لقبرص اليونانية أن تستأثر بموضوع الغاز لوحدها، لذلك أعلنت أنها ستبدأ الحفر في هذه المنطقة، وهذا ما أوجد مشكلة مع الاتحاد الأوروبي أيضا والذي يعتبر قبرص جزءا منه، وهو ما دفعه للتصريح عن استعداده للدفاع عن قبرص ومصالحه. ومن اللافت اختيار تركيا لهذا التوقيت للتصعيد بشأن التنقيب في المتوسط ، بينما هي منشغلة بعدد من الملفات الخطرة داخليا وخارجيا ، حيث أزمة الانتخابات البلدية ، إضافة إلى الملف السوري ، إلى جانب الأزمة التي نشبت مع واشنطن بسبب إصرار أردوغان على شراء منظومة إس 400 الدفاعية الروسية ، لكن وفقا للخبراء كان هذا التوقيت المثالي لقبرص للتحالف مع مصر من أجل ترسيم الحدود في المتوسط ، وعلى ما يبدو تحاول أنقرة تفويت هذه الفرصة عليها. وليست هذه المرة الأولى التي تحاول فيها أنقرة التشكيك في اتفاق نيقوسا المبرم بين مصر وقبرص ففي 5 فبراير من العام الماضي صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده لا تعترف بهذا الاتفاق الذي تم إبرامه في عام 2013،بينما ردت الخارجية المصرية على هذه التصريحات بشكل حاسم مؤكدة أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، حيث إنها تتسق وقواعد القانون الدولي وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأممالمتحدة ، مشددة على أن أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة، تعتبر مرفوضة وسيتم التصدي لها.