مع تصاعد التوتر فى منطقة الخليج، وانتقال التصعيد إلى مرحلة الحشد العسكرى والمناوشات، استضافت المملكة العربية السعودية ثلاث قمم متتالية، لدول الخليج والدول العربية والدول الإسلامية فى مكةالمكرمة لمواجهة التدخلات الإيرانية، وبدأت أولى القمم الثلاث قمة لدول مجلس التعاون الخليجى الست، وتبعها على الفور قمة طارئة لجامعة الدول العربية التى تضم 22 دولة، باستثناء سوريا التى لا تزال عضويتها معلقة ولكن السؤال هنا: ماذا قدمت الثلاث قمم وما هى أهدافها وهل تم تحقيقها وماذا بعد انتهاء القمم الثلاث وماذا عن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى وكيف أسهمت مصر خلال القمم الثلاث وكيف كان اهتمام الإعلام الأمريكى والغربى بالقمم ونتائجها؟ للإجابة عن تلك الأسئلة لابد من قراءة المشهد كاملا بكل تفاصيله من خلال مجموعة من المشاهد المهمة. المشهد الأول هو جمع كل هؤلاء القادة من الدول العربية والإسلامية معا وهو الأمر الذى يوجه رسالة مهمة للمراقبين والأوساط السياسية سواء فى إيران أو فى دول العالم تؤكد على قوة العرب وقدرتهم على التوحد إذا لزم الأمر وفقا للتهديدات التى تقابلهم، وهو المشهد الذى بدا واضحا خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى وتأكيده على ضرورة التعامل بحزم وحكمة مع التهديدات وكلمة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز والذى قال فيها إن ما تقوم به إيران من تدخلات فى المنطقة يعد تحديا لمبادئ إرساء السلم، وشدد على ضرورة اتخاذ موقف حازم وحاسم ضد إيران، مطالبا العرب والمسلمين والمجتمع الدولى لاستخدام كل الوسائل لمنع إيران من التدخل فى شؤون الدول الأخرى. المشهد الثانى هو مشاركة السيسى فى القمتين العربية والإسلامية والتى أتت فى إطار حرص مصر على تدعيم وتطوير العلاقات مع الدول الأعضاء، سواء فى الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامى وليس الحرص فقط ولكن المساهمة أيضا بفاعلية فى جهود تعزيز العمل الجماعى المشترك لصالح الشعوب العربية والإسلامية، وكانت كلمة السيسى أمام القمة العربية واضحة، إذ تضمنت رؤية شاملة لمحاور الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة فى مواجهة التحديات الراهنة، وسبل تعزيز التشاور والتنسيق بين الدول العربية، وكيف تستطيع الدول العربية والإسلامية بلورة موقف موحد تجاه القضايا والأحداث الجارية فى العالمين العربى و الإسلامى، والتى يأتى على رأسها مكافحة التطرف والإرهاب والتصدى لنشر خطاب التمييز والكراهية ضد المسلمين. وكان مشهد مشاركة السيسى بارزا، حيث تعد مصر الدول الأكبر والأكثر تأثيرا فى المنطقة وأيضا فى العالم، ولذلك كان هناك لقاءات عديدة مع عدد من القادة العرب والمسلمين خلال تواجده فى يومى انعقاد القمم الثلاثة وذلك لتعزيز التعاون المشترك بين القاهرة والعالمين العربى والإسلامى، وشارك أيضا معه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بل وألقى كلمة مهمة أمام القمة طرح فى إطارها رؤيته تجاه التهديدات والتحديات التى تواجهها منظومة الأمن القومى العربى وأجرى لقاءات ثنائية مهمة مع عدد من كبار المسؤولين العرب، وهو ما يؤكد أهمية الدور المصرى فى توحيد الصف وهو مشهد يستحق الدراسة والتقدير. المشهد الثالث هو اختيار المدينة المضيفة لثلاثية من القمم رفيعة المستوى والتى كات فى أقدس مدينة وهى مكةالمكرمة، وهو يؤكد على محورية الدور الذى تقوم به المملكة فى محيطيها العربى والاسلامى. المشهد الرابع هو اهتمام السعودية بعرض الأدوات العدائية المستخدمة ضدها من قبل الحوثيين لدى وصول القادة العرب والمسلمين إلى المطار فى المملكة العربية السعودية، مثل طائرة بدون طيار مدمرة وصواريخ وقذائف هاون استخدمت فى تهديد السعوديين وتم إعطاء القادة شرحًا موجزًا للأسلحة التى عرضها العقيد تركى المالكى، المتحدث باسم التحالف الذى تقوده السعودية فى الحرب فى اليمن، هذا المشهد كان من أهم المشاهد والذى من خلاله تريد الرياض تأكيد قوة موقفها وصدق مخاوفها ليس فقط أمام القادة العرب والمسلمين بل أمام العالم وهو الأمر الذى نجحت فيه. المشهد الخامس هو غياب الأمير تميم حاكم قطر وحضور رئيس الوزراء القطرى الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثانى، مما يجعلها الزيارة رفيعة المستوى إلى المملكة العربية السعودية من قبل مسؤول قطرى منذ عام 2017، عندما قطعت المملكة ومصر والبحرين والإمارات علاقاتها مع الدولة الخليجية، يأتى هذا فى الوقت الذى شارك فيه وزير الخارجية التركى مولود داود أوغلو بالنيابة عن الرئيس رجب طيب أردوغان وهو التمثيل الذى يؤكد حقيقة الخلاف بين المحور العربى من ناحية والمحور التركى القطرى من ناحية أخرى. هذا المشهد أثار كثيرا واشنطن والتى حاولت دون جدوى التوسط لإنهاء الأزمة الدبلوماسية بين حلفائها الخليجيين، و قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتاجوس فى يوم انعقاد القمة الخليجية إن الولاياتالمتحدة ترحب بالجهود السعودية لمناقشة التهديدات الإيرانية فى المنطقة، مضيفة أن «وحدة الخليج ضرورية فى مواجهة إيران ومواجهة نفوذها ومكافحة الإرهاب ، وبالطبع لضمان مستقبل مزدهر للخليج» وهو ضمنيا يعد سعيا دبلوماسيا آخر لتوحيد الصف الخليجى من قبل واشنطن. المشهد السادس هو تركيز القمة الثالثة والأخيرة التى عقدت أمس الجمعة، إلى حد كبير على الدولة الفلسطينية واستقلالها أمام 57 دولة والتى أكدت فيها مصر من خلال كلمة السيسى وأيضا كلمات القادة المشاركين وكلمة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن على توحيد الموقف العربى والإسلامى حيال القضية الفلسطينية وأيضا موقف المملكة العربية السعودية الطويل الأمد من حل الدولتين للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى والذى كان واضحا فى كلمة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، تلك الكلمات والخطب جاءت فى الوقت الذى يحاول فيه البيت الأبيض ترويج خطته للشرق الأوسط للزعماء العرب قبل مؤتمر فى البحرين الشهر المقبل تقاطعه القيادة الفلسطينية. المشهد السابع هو مشاركة القادة بهذا الشكل ما يعطى انطباعا بأن العرب على كلمة وموقف واحد، حيث كان من أبرز المشاركين بالإضافة الى السيسى، الرئيس الفلسطينى محمود عباس ورئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى وأمير الكويت الشيخ صباح الصباح وعبد الفتاح برهان رئيس المجلس العسكرى الحاكم فى السودان، وهو أول مؤتمر دولى لبرهان منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير من السلطة فى أبريل. المشهد الثامن كان بعيدا عن مكة فى مكان آخر وهو إيران، حيث انتهز وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، لفرصة فى حوار مع قناة العالم الإيرانية ليرد على انعقاد القمم الثلاثة بتصريحات بها الكثير من الاتهامات والقليل من اليد الممدوة بالسلام لا سيما حين قال آه مستعد للذهاب إلى الرياض إذا تطلب الأمر وهو مشهد يؤكد أيضا أن إيران لا تريد حربا وفى نفس الوقت تتمادى فى موقفها العدائى ومستمرة فى عنادها فلا أجندة تفاوض واضحة ولا تهدئة ملموسة. المشهد التاسع هو الاهتمام الأمريكى والغربى بالقمم الثلاث، حيث كان اهتمام من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والإعلام الأمريكى والغربى وخاصة رفيع المستوى ومنه الأسوشيتدبرس وورلد تريبيون التابعة للمخبارات الأمريكية ومعهد ستراتفور الاستخباراتى الهام ولو فيجارو ولوموند الفرنسيتين والجارديان البريطانية وغيرها، والتي أكدت جميعها أن القمم مهمة، حيث إن جميع الدول المشاركة لديها مصلحة راسخة فى تجنب المواجهة العنيفة مع إيران، لأن الصراع المحتمل سيضر الاقتصاديات الإقليمية بشكل كبير عن طريق الإضرار بالسياحة والأنشطة التجارية، وقالت أيضا التقارير العالمية أن حضور رئيس الوزراء القطرى فى القمم يشير إلى أن المخاوف الأمنية المتبادلة تفوق النزاعات طويلة الأمد بين قطر ومجلس التعاون الخليجى.