حفلت كواليس القمم الثلاث، بمكةالمكرمة العاصمة الدينية المقدسة للمسلمين، يومى الخميس والجمعة الماضيين، بمشاهد نقلتها وسائل الإعلام، بينما تبقت مشاهد لا تقل أهمية فى دهاليز القمم. وقد شاءت إرادة المولى أن أكون ضمن الوفود المكلفة بتغطية القمتين الطارئتين الخليجية والعربية، ثم القمة العادية لدول منظمة التعاون الإسلامي. عقدت القمم بالتتابع، على خلفية الهجوم على السفن بالمياه الإقليمية للإمارات واستهداف محطات النفط بالسعودية، من جانب الحرس الثورى الإيرانى والحوثيين- وفق اتهامات أمريكية, أتت استجابة الدول العربية، لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، سريعة وقوية، بالتشاور مع مصر والإمارات. وكان التهديد الإيرانى كلمة السر ومناط الاهتمام فى القمم الثلاث، نجحت الرياض وأبوظبى بالتعاون، مع القاهرة، فى إصدار بيانين قويين عن القمتين الخليجية والعربية، أكد كل منهما أهمية ردع إيران بكل الوسائل ومنع تدخلاتها بالشئون الداخلية لدول المنطقة، ووقف تمويلها وتسليحها المنظمات الإرهابية، مثلما طالب العاهل السعودي. بينما طرح الرئيس السيسى فى كلمته بالقمة رؤية شاملة لحماية الأمن القومى العربي، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، بالحكمة والحسم، مكررا أن أمن الخليج ركيزة للأمن القومى العربي. لم تبعد القمة الإسلامية، فقد جاء بيانها الختامى شديد اللهجة ضد إيران، وهى من المرات النادرة التى تصدر قمة لمنظمة التعاون الإسلامى بيانا بهذه الحدة تجاه أحد أعضائها، بيان تحفظ عليه الجانب العراقي، سارعت طهران لرفض ما أسفرت عنه قمم مكة. بغداد سعت للوساطة بين طهران والعواصم الخليجية وواشنطن، ومازالت الأبواب موصدة، حتى الآن. ومن الأمور التى شدت الانتباه، ارتفاع مستوى تمثيل الوفد القطري، بقيادة رئيس الوزراء عبدالله بن ناصر آل خليفة، لأول مرة منذ فرض المقاطعة الرباعية على قطر قبل عامين. سرت همهمات فى أروقة القمة أن تلك المشاركة والمصافحة بين الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى ورئيس الوزراء القطري، بادرة على تقدم فى مسار حل الأزمة مع قطر، خاصة أن الدوحة وافقت على بيانات القمم الثلاث. لكن سرعان ما تبين أن الأمر ليس أكثر من مناورة؛ فبعد يومين من انتهاء القمة الإسلامية، تحفظ محمد بن عبدالرحمن وزير خارجية قطر، على بيانى القمتين الخليجية والعربية، وعلل ذلك بتعارضهما مع سياسات بلاده، وأنهما تجاهلتا القضايا المهمة فى المنطقة كفلسطين والحرب فى ليبيا واليمن، ولم تضع أسس الحوار لخفض التوتر مع إيران، وأضاف أن بيانى القمتين كانا جاهزين مسبقا ولم يتم التشاور فيهما. التحفظ القطرى على البيانين جاء بعد يومين من القمم، مع أن وفدها كان مشاركا ولم يرفض، بينما انسحب وفدها من القمة الإسلامية، خلال إلقاء العاهل الأردنى كلمته، دون تحفظ على بيانها. عادل الجبير وزير الدولة السعودى للشئون الخارجية هاجم قطر بشدة، واتهمها بتحريف الحقائق، وقال:إن الدول التى تملك قرارها تعلن مواقفها خلال مشاركتها بالمؤتمرات ووفق الأعراف المتبعة، وليس بعد انتهائها، مذكرا بأن بيان القمة العربية شدد على مركزية القضية الفلسطينية. وأوضح أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية أن التراجع القطرى يعود إما إلى الضغوط على الضعاف فاقدى السيادة أو النيات غير الصافية أو غياب المصداقية، وقد تكون العوامل هذه مجتمعة. وفى سماء القمة أطلقت إيران عددا وافرا من بالونات الاختبار، على لسان جواد ظريف وزير الخارجية واللواء رحيم صفوى المستشار العسكرى للمرشد الأعلي، منها دعوة طهران دول الخليج إلى إبرام (معاهدة عدم اعتداء معها)، وصولا إلى تشكيل (تحالف) من الطرفين، وأكدت أن القوات الأمريكية بالبحرين وقطر والكويت فى مرمى الصواريخ الإيرانية. لم تعر الدول الخليجية المبادرة الإيرانية اهتماما يذكر، بوصفها مجرد خداع لكسب الوقت، وطالبت طهران بتغيير نهجها، متهمة إياها بتعريض أمن المنطقة والعالم لأخطار داهمة. اللقاء بين الأمير محمد بن سلمان والسراج على هامش مشاركة الأخير بالقمة، جاء بروتوكوليا، ولا يعكس تغيرا جوهريا فى الموقف السعودى الداعم للجيش الليبي، فى رأى خبراء سعوديين تحدثت إليهم. خلال اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية، بذل جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا جهودا محمومة لتليين مواقف واستدراج الدول المشاركة، تجاه سياسات أنقرة، مثل مساندة إيران والإسلام السياسى ودعم ما يسمى بحكومة الإنقاذ الليبية بقيادة السراج، بمواجهة الجيش الوطنى الليبى بقيادة حفتر، نجح أوغلو جزئيا مع دول عربية. السعوديون أبدوا سرورهم بكثافة الحضور وحجم التضامن العربي، فى شهر رمضان وبجوار البيت الحرام، بما يعكس ثقل المملكة إقليميا ودوليا، وقوة التنسيق المصري- السعودي- الإماراتي. [email protected] لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبوالحسن