عندما تَذكر اسم المخرج الكبير «محمد عبدالعزيز» فلا بُدّ أن يتبادر إلى ذهنك العديد من أسماء الأفلام المهمة التى شكلت علامات سينمائية مضيئة، جعلت النقاد يطلقون عليه (خليفة فطين عبدالوهاب) ومحطات فنية قوية بدأت منذ أن عمل كمساعد لمخرجين عظام، أمثال «صلاح أبوسيف، وحسين كمال»، واستمر طوال مشواره الفنى الطويل مخرجًا لأفلام لا تُنسَى مثل (بكيزة وزغلول، وخلّى بالك من عقلك، وانتبهوا أيها السادة) ومسرحيات استعراضية، وغنائية نفتقد إلى مثلها الآن بشدة. مثل (شارع محمد على، وبهلول فى اسطنبول، وعفروتو)، ومسلسلات تحمل قيمة فنية عالية، مثل (حارة الطبلاوى، وأبو ضحكة جنان) بالإضافة إلى كونه أستاذًا أكاديميّا بمعهد السينما مارَسَ دورَه مع أجيال عدّة، ولايزال منذ عام 64 حتى الآن، وبالتالى، فإن الحوار الذى تحمله السطور التالية مع مخرج عبقرى بحجم «محمد عبدالعزيز» يحمل ثلاثة أبعاد؛ حيث استعدنا مع (المخرج) ذكرياته مع نجوم الفن فى الأعمال التى قدّمها، واستفدنا من خبرة (الأكاديمى) فى محاولة لتشخيص ما يعانيه الفن من تراجع، وسألنا (الأب) عن رأيه فى الخطوات الثابتة التى يمشيها الابن «كريم عبدالعزيز» خلال مسيرته الفنية.. وإلى نص الحوار توقفتَ عن الإخراج منذ 9 سنوات، وتحديدًا منذ أن أخرجتَ مسلسل (بابا نور) لحسين فهمى، بينما لم تُخرج للسينما منذ فيلم (لماضة) لشريهان عام 1999.. فما سِرُّ الغياب؟ - هناك أزمة نصوص كبيرة تواجه جيلى من المخرجين، وباستثناء بعض الأعمال الجيدة؛ فإن القيمة الفنية التى تقدمها السينما المصرية أقل بكثير مما قدمناه، وهو ما دفعنى أنا ومجموعة من المخرجين القدامَى إلى تكوين مجموعة عمل حتى نعود مرّة أخرى إلى الساحة الفنية. ممن تتكون هذه المجموعة؟ وما هى الإجراءات التى تقوم بها لتحقيق هذا الهدف؟ - وصلنا لاتفاقات بخصوص الإنتاج والتوزيع واختيار النصوص الجيدة، وأول مشروع سينمائى لهذه المجموعة سيخرجه «مجدى أحمد على»، وسيتبعه فيلم ل«عمر عبدالعزيز»، و«على بدرخان»، و«هانى لاشين»، وغيرهم من الجيل الذهبى للمخرجين، وللعِلْم فهناك خبرات كثيرة ليست فقط لمخرجين بل لمصورين، ومونتيرين وغيرهم جالسون فى منازلهم بينما لاتزال لديهم قدرة على العطاء. لكنْ هناك بعض مخرجى الجيل الذهبى قد لجأوا لإعطاء وِرَش متخصصة فى الإخراج فى محاولة لتعويض هذا الغياب.. لماذا لم تقدم على هذه الخطوة؟ - لأنى مرتبط بمعهد السينما ارتباطًا رئيسيّا، ولاأزال أمارِسُ دورى كأستاذ درّس لأجيال عديدة حرفية الإخراج السينمائى، وحرفية الدراما، ومع ذلك أنا أشجع الخطوة، ولستُ ضدها، فقد تكون السبيل إلى رفع الثقافة، ونشر الوعى السينمائى. من ضمن مسلسلاتك المهمة مسلسل (أبوضحكة جنان) الذى يتناول السيرة الذاتية لإسماعيل يس.. فى رأيك لماذا توقفنا عن تقديم مسلسلات سِيَر ذاتية رُغم ما نمتلكه من تاريخ حافل بالرموز؟ - تقديم مسلسلات السِّيَر الذاتية يحتاج دائرة بحث متواصلة، وجهدًا كبيرًا فى فهْم الشخصية، ودورها، ومستواها الفكرى، وعلاقاتها بالمحيطين بها، وهو جهد يفوق ما يُبذَل فى أى نص آخر، ولعل مسلسلات السيرة التى لم تكن بالمستوى اللائق افتقرت إلى الإعداد الجيد، والاهتمام بالتفاصيل، لكن فى المقابل أخرجت «إنعام محمد على» عددًا من المسلسلات الناجحة، مثل (أم كلثوم) و(قاسم آمين). وهل إذا عدتَ للإخراج التليفزيونى سيكون من بين خططك نَصٌّ لسيرة ذاتية؟ - بالطبع، أتمنى تقديم النص الذى يترددون فى تقديمه منذ سنوات، والذى يتحدث عن قصة حياة «بليغ حمدى»، كما أحب أن أخرج عملًا عن الرائد الاقتصادى «طلعت حرب»؛ خصوصًا أن له دورًا سينمائيّا فى إنشاء استوديو مصر. قلتَ فى معرض حديثك إن القيمة الفنية التى تقدمها السينما المصرية حاليًا أقل بكثير مما قدّمه جيلك من المخرجين، فى رأيك ما الذى ينقصنا لنقدم فنّا يشبه ما تم تقديمه فى الماضى؟ - لقد هجر القائمون على صناعة السينما حاليًا التنوع، ووضعوا أنفسهم فى منطقة ضيقة جدّا، فلم يعد هناك الفيلم الدينى الذى كان ينتظره المسلمون فى شتّى بقاع الأرض، كما قدّم «صلاح أبوسيف»، (فجر الإسلام)، ولم يعد هناك الفيلم الاستعراضى، أو الغنائى، وأصبح الاعتماد الكلى على الكوميديا، أو الفيلم الواقعى، الذى يدّعى صُنّاعه أنهم يعكسون الواقع، ولكنهم فى الحقيقة يشوّهونه. بالعودة إلى البدايات، حدثنا عن الفترة التى عملتَ فيها كمساعد مخرج ل«صلاح أبو سيف» فى (القاهرة 30)؟ - لم تكن بدايتى كمساعد مخرج مع «صلاح أبوسيف»؛ حيث عملتُ فى البدايات كمدير خشبة مسرح فى مسرح التليفزيون، ثم كمساعد مخرج ل«محمد سالم» فى أفلام التليفزيون، وفى السينما كان أول فيلم أعمل به كمساعد مخرج أول هو (القاهرة 30) ل«صلاح أبوسيف» الذى أعتبره أساس عشقى للإخراج السينمائى، فنحن أبناء حى واحد وهو بولاق، وكنت طفلًا وقتما اصطحبنى معه لأشاهد ديكور أحد أفلامه، ومن يومها وقد قررتُ أن أصبح مخرجًا مثله لأعيد صناعة الواقع مثلما يفعل.وقد عكفتُ على تحضير الفيلم مع «صلاح أبوسيف» لمدة 9 أشهر؛ حيث كان دقيق الاختيار جدّا، كما كان جريئًا فى اختيار «حمدى أحمد» للحصول على دور البطولة، لكن المشكلة التى واجهتنا هى رفض «سعاد حسنى» الاشتراك فى الفيلم فى مقابل إصراره؛ لأنه لا يرى غيرها فى الدور، لدرجة أننا صورنا 12 يومًا من الفيلم بينما ظل دور (إحسان شحاتة) شاغرًا رُغم المحاولات المستميتة من «هند رستم» للحصول على الدور، وكان سِرّ رفض «سعاد» هو خوفها من عدم تقبُّل الجمهور لها فى الأدوار الثقيلة؛ حيث كانت حينها تلعب بطولة أفلام مثل (الثلاثة يحبونها) وغيره من الأعمال، وتم إقناعها بعد معاناة فكان دورها فى (القاهرة 30) و(الزوجة الثانية) مع «صلاح» أيضًا من أهم أدوار حياتها. كيف يمكنك أن تصف رحلتك الطويلة كمساعد ل«حسين كمال»، فى العديد من العلامات السينمائية مثل (نحن لا نزرع الشوك، وأبى فوق الشجرة، وثرثرة فوق النيل، وأنف وثلاثة عيون) وغيرها من الأعمال؟ - كانت صداقة ممتدة وقوية؛ حيث كان من المفترض أن أكون مساعده فى إخراج أول أعماله (المستحيل) لكننى خُيّرتُ وقتها أن يتم تعيينى فى شركة الإنتاج المنتجة للفيلم من أجل أن أعمل به، فرفضت لأنى فضلتُ أن يتم تعيينى كمعيد فى المعهد وقتها، وفرّقتنا السُّبُل، ثم عُدنا للتعاون فى (نحن لا نزرع الشوك) وامتد التعاون سنوات طويلة حتى ذهبتُ إليه لأخبره أنى أريد أن أُخرج أول أعمالى، فقال لى (لولا حبى لك ورغبتى فى نجاحك لكنت احتفظت بك كمساعد لى إلى الأبد). حدِّثنا عن ذكرياتك مع فيلم (أبى فوق الشجرة)؟ - كنت مسئولًا عن تنفيذ كل استعراضات العمل (دُقّوا الشماسى، يا خلى القلب، جانا الهوا) بعد أن يصممها هو، لكن كان لى دور آخر وهو أن أكون همزة وصل بين المتخاصمين؛ حيث نشأ بينه وبين مدير التصوير «وحيد فريد» خلاف بعد أن اعترض الأخير أن تكون خلفية الأغنية التى ترقص عليها «نادية لطفى» بنفس لون بدلة الرقص، لكن «حسين كمال» أصر أن تبقى هكذا، كما نشأ بينه وبين «نادية لطفى» نفسها خلاف لأنه رفض أن يسمح لها بالسفر إلى تونس أثناء التصوير لرغبتها حضور أحد المهرجانات السينمائية هناك، كما حدث بينه وبين «عبدالحليم حافظ» مشاكل عديدة نتيجة العصبية الزائدة، فقد كان فيلمًا مليئًا بالمشاكل لكن الجمهور لم يشعر بها؛ حيث حدث الصلح بينهم بعد النجاح الذى حققه الفيلم؛ حيث بقى 43 أسبوعًا فى السينمات. (امرأة من القاهرة) أولى تجاربك كمخرج، ويؤرخ له كآخر فيلم بالأبيض والأسود؛ حيث كانت الألوان قد عرفت طريقها للسينما وقت عرضه، فهل قصدتَ ذلك؟ - لم أقصد ذلك بالتأكيد، لكن ظروف عرضه هى السبب؛ حيث قمتُ بتصويره، وتأخّر عرضه لسنوات، وعندما بدأنا عرضه كان معمل الألوان قد بدأ فى العمل داخل مصر، وكان المتفرج بدأت عيناه تنجذبان لصورة لم يعهدها من قبل فى السينما، لذلك لم يحصل على النجاح الجماهيرى المطلوب. كوّنتَ ثنائيّا كوميديّا فى (بكيزة وزغلول) لايزال يعيش حتى الآن.. فى رأيك ما سِرّ نجاح هذا الثنائى؟ - سِرّ نجاحه هو تصدرُّ ثنائى نسائى لبطولة عمل كوميدى، وهو شىء نادر حدوثه حتى الآن، فمعظم الكوميديانيين وقت عرض الفيلم كانوا ذكورا، كما أن الفيلم جاء كاستثمار لنجاح المسلسل الذى عُرض بالاسم نفسه، بالإضافة إلى أن سيناريو الفيلم كان مليئًا بالمواقف الكوميدية التى ينبع منها الضحك بشكل تلقائى. لماذا لا تفكر فى إخراج جزء ثانٍ منه ليعرض لنا حياة «بكيزة وزغلول» بعد أن كبرتا فى العمر؟ - فكرة رائعة؛ خصوصًا أن القصة تحتمل، وأتمنى تنفيذها؛ خصوصًا أنى أعتبر «سهير البابلى» كوميديانة من طراز فريد، وقد ارتبطتُ بالعمل معها فى أكثر من فيلم، منها (ليلة عسل، وانتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط). (خلّى بالك من عقلك) فيلم نفسى صعب.. لماذا أقدمتَ على إخراجه فى وقت كان تركيزك الأكبر فيه إخراج أعمال كوميدية؟ - لأنه قصة حقيقية عايشتها بنفسى، وعايشها معى «أحمد عبدالوهاب» السيناريست، لصديق كان طالبًا فى السنة الأخيرة من كلية الآداب قسم علم نفس، وكان مشروع تخرُّجه فى مصحة نفسية بدأه فى قسم الفتيات، فتعلقت به إحداهن، وعندما نقل إلى قسم الرجال تدهورت حالتها الصحية، فقرر أن يتزوجها، وحدثت فى حياتهما كثير من التفاصيل التى عرضها الفيلم، وهو بالمناسبة هو حاليًا أستاذ فى إحدى الجامعات. أقدمتَ على تجربة الفوازير مرّة واحدة فقط فى (المتزوجون فى التاريخ) لسمير غانم.. لماذا لم تكرر التجربة؟ - لأنى بذلتُ فيها مجهودًا ضخمًا جدّا على مستوى الديكورات والملابس التى كانت تختلف من عصر لآخر، والأحداث التاريخية التى تحتاج إلى تدقيق دائم. وفى رأيك.. لِمَ توقفنا عن تقديم الفوازير بشكل عام فى رمضان؟ - بسبب فقداننا للتنوع الذى تحدثتُ عنه من قبل، بالإضافة إلى فقداننا ل«فهمى عبدالحميد» المخرج الرائد فى هذا المجال، وبعد توقف «نيللى وشريهان وسمير غانم» عن تقديمها لم يعد هناك من يملأ مكانهم، والدليل كل التجارب التى باءت بالفشل. على ذِكر التنوع.. لماذا لم نعُد نرى المسرح الاستعراضى كالذى قدّمته فى (شارع محمد على)؟ -لأن صناعة المسرح بشكل عام قد اختلفت، وأصبحت تَذاكر المسرح غالية جدّا، نتيجة أن إيجارات المسرح مرتفعة السعر، بالإضافة إلى تفضيلات النجوم للدراما التليفزيونية عن المسرح الذى يعد أكثر ربحية بالنسبة لهم، مما تسبب فى ردة وانكماش، فأنا لاأزال أذكر فى أحد مواسم التسعينيات أنه كان هناك 22 عرضًا مسرحيّا جديدًا ما بين القاهرة، والإسكندرية، فأين ذهبت هذه الأيام!!. ما رأيك فيما يقدمه ابنك «كريم عبدالعزيز» فى السينما؟ - «كريم» يقدم فنّا راقيًا وجميلًا، وقد سعدتُ جدّا بمشاهدة فيلم (نادى الرجال السَّرى) الذى تخطى حاجز ال55 مليون جنيه حتى الآن، ويعجبنى فيه أنه واعى الخطوات، فبعد أن قدم فيلمًا خفيفًا وكوميديّا الموسم الماضى، يطل على جمهوره ب(الفيل الأزرق 2) فى موسم عيد الفطر، الذى بذل فيه مجهودًا خرافيّا لايزال يعانى من آثاره نفسيّا رُغم انتهاء تصوير الفيلم، لذلك أود أن أقول له (شكرًا لأنك طولت رقبتى وماخيبتش ظنى).