قدم المحقق الخاص «روبرت مولر» إلى وزير العدل الأمريكى تقريره النهائى منذ أسابيع، بشأن التحقيق فى قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، بعد نحو عامين من التحقيقات المستمرة.. وخلص التحقيق إلى أن «مولر» لم يجد أدلة «تواطؤ»، أو «تآمر» ضد أى من أعضاء حملة «ترامب» مع الحكومة الروسية، من أجل تدخل الأخيرة فى الانتخابات الأمريكية، رغم وجود اتصالات مؤكدة بين بعض من المقربين من الرئيس الأمريكى الحالى، والروس خلال فترة الحملة الانتخابية. وعلق وزير العدل الأمريكى، أن تقرير «مولر» يصف «التواطؤ»، بأنه «اتفاق، ضمنى أو صريح، بين حملة «ترامب»، والحكومة الروسية على التدخل فى الانتخابات». ويعد هذا التقرير - وإن كان يحوم حوله الشك حتى الآن- اتهامًا صريحًا لعدد من وكالات الاستخبارات، وعلى رأسها «مكتب التحقيقات الفيدرالى» FBI، بتصديرهم تهمة للرئيس الأمريكى «ترامب»، وسواء كانت التهمة حقيقة أم لا.. فالتاريخ الاستخباراتى الأمريكى، الخاص بوكالتى (CIA)، و(FBI) ملىء بالتهم والقضايا التى قاموا بتلفيقها للأبرياء، بمعرفة مسئولى «البيت الأبيض»، وفقًا لعدد من الوثائق، التى تم الكشف عنها خلال السنوات القليلة الماضية. قتل أبناء «كوبا» ليس سرًا أن الحكومة الأمريكية سعت لاغتيال الرئيس الكوبى «فيدل كاسترو» لسنوات، ومع ذلك، فإن القضية غير المعروفة لأغلب الناس، هى أن جزءًا من المخطط الأمريكى لتغيير النظام الكوبى، الذى أعدته وكالات الاستخبارات الأمريكية وقتها، تضمن خطة لتفجير مدينة «ميامى»، وإغراق قارب ملىء بالكوبيين الأبرياء، لافتعال فوضى داخل «الولاياتالمتحدة»، يستطيع «البيت الابيض» استخدامها كذريعة للتدخل فى «كوبا»، بعد تلفيق التهمة إلى «كاسترو»، وبعض الكوبيين بأنهم المُتسببون. الخطة تم الكشف عنها فى عام 2017، عندما رفعت «المحفوظات الوطنية الأمريكية» السرية عن 2800 وثيقة ترجع لعهد الرئيس الأمريكى «جون كنيدى»، ويذكر أنها كانت مؤامرات اشترك فى تخطيطها كل من: «وكالة الاستخبارات المركزية» CIA، ووزارتى الخارجية والدفاع الأمريكيتين، وغيرهما من الوكالات الفيدرالية، التى سعت إلى طرح أفكار لإسقاط «كاسترو»، وزرع الاضطرابات داخل «كوبا»، ويذكر أن جميع الجهات السابقة ظلت لسنوات تنكر تفكيرها فى مخططات كتلك إلى أن تم الكشف عن الوثائق التى فضحت المخططات. تضمنت إحدى هذه الخطط مؤامرة، عرفت باسم «عملية نورث وود»، التى قدمها الجنرال «ليمان ليمنيتزر» إلى «وكالة الاستخبارات المركزية»، نيابة عن «هيئة الأركان المشتركة» الأمريكية، ملخصًا فيها «تسع حجج»، يمكن أن تستخدمها وكالة (CIA)، والحكومة الأمريكية، من أجل تبرير التدخل العسكرى الأمريكى فى «كوبا». وكشفت وثائق رسمية لوكالة (CIA) - فى جزء من مؤامرة «نورث وود»-، كيف خطط المسئولون الأمريكيون لشن حملة إرهابية حقيقية، أو محاكاة، يلقى فيها اللوم على اللاجئين الكوبيين، بأنهم مصدر للإرهاب فى الداخل الأمريكى. فى عملية عرفت باسم «Operation Mongoose»، أو «عملية النمس». وكتب فى نص الوثيقة: «يمكننا تطوير حملة إرهابية شيوعية كوبية فى منطقة «ميامى»، وفى مدن «فلوريدا»، وحتى فى «واشنطن» يمكن الإشارة فيها إلى الحملة الإرهابية التى سيتسبب فيها اللاجئون الكوبيون الذين يبحثون عن ملاذ فى «الولاياتالمتحدة».. يمكن أن نغرق قاربًا من الكوبيين فى طريقهم إلى «فلوريدا»، سواء بشكل حقيقى، أو محاكاة، ويمكننا أيضًا تعزيز المحاولات الرامية إلى قتل اللاجئين الكوبيين فى «الولاياتالمتحدة».. من خلال تفجير بضع قنابل بلاستيكية فى مناطق يتم اختيارها بعناية». ولكن، فى النهاية، فشلت «عملية مُنجوس» فى إقصاء «كاسترو» من السلطة، أو التدخل فى الشئون الكوبية، وتم تعليق الخطة، إلى أن توقفت بسبب «أزمة الصواريخ الكوبية» فى عام 1962. وبعيدًا عن مخطط قتل المدنيين، وتلفيق القضية للأبرياء، كشفت وثائق أخرى عن عدد من المخططات، التى طالما عكفت وكالة (CIA) على ابتكارها، بما فى ذلك: خططها سيئة السمعة لاستخدام أجهزة قاتلة ضد الزعيم الكوبى الشيوعى لاغتياله، مثل: انفجار السيجار التى كان يشربها «كاسترو»، واستخدام بذلة مسمومة، وقذيفة متفجرة لقتله، وغيرها الكثير. «رسالة الانتحار» إلى «لوثر كينج» نظرت الحكومة الأمريكية إلى المناضل الأسود «مارتن لوثر كينج» فى البداية باعتباره تهديدًا قويًا، فقد كان نضال «لوثر كينج»، ومناداته للسلام، والمحبة، والمساواة، والعصيان المدنى السلمى، قد أخاف «مكتب التحقيقات الفيدرالى» لدرجة جعلت العملاء يرسلون إليه، وإلى زوجته عدة رسائل غريبة، وتسجيلًا شريطيًا، تضمنت كلمات نابية، بلغة مشحونة عنصريًا، وألفاظًا وإساءات جنسية للناشط الحقوقى، تحرضه على قتل نفسه..كما ادعوا عليه فى الرسالة، ومن ثم أمام العامة، بأنه زير نساء يعيش فى عالم الخطيئة، من أجل تشويه صورته. ففى عام 1961، علم مكتب (FBI) أن «ستانلى ليفيسون»، المعروف باسم «ريد»، أو «الأحمر»، أصبح مستشارًا مقربًا ل«كينج»، وفى العام التالى، وافق نائب رئيس «الولاياتالمتحدة» سابقًا، «روبرت كينيدى» على التنصت على المكالمات الهاتفية فى منزل ومكتب «ليفيسون» وتسجيلها.. فى الوقت نفسه تقريبًا، بدأ «كينج» فى انتقاد ممارسات مكتب التحقيقات الفيدرالى فى الجنوب، متهمًا مدير (FBI) حينها «إدجار هوفر» بالفشل فى إنفاذ قانون الحقوق المدنية، وندد بالممارسات العنصرية لرجال الشرطة الجنوبيين. وفى خريف عام 1963، مدد مكتب (FBI) مراقبته ل«ليفيسون»، وغيره من المقربين إلى «كينج».. حيث قام عملاء المكتب بزرع أجهزة التنصت فى منزل «كينج»، ومكاتبه، ولكن لم يكتشف «هوفر» شيئًا عن وجود أى حيلة شيوعية يُخطَط لها، وعليه ادعى - فى المقابل - أنه بدأ فى التعرف على حياة «كينج» الجنسية خارج إطار الزواج، مشيعًا أنها كانت «حياة مزدحمة»، وهو ما كُتب ل«كينج» فى الرسالة، بألفاظ وجمل سيئة، مثل: «صاحب الأعمال الزانية»، و«الفجور الجنسى»، و«صديق الشر القذر»، و«ذو المحادثات والكلمات الشريرة» و«السلوك غير الأخلاقى». وبعدها، بدأ موظفو ال(FBI) فى نشر معلومات - غير معروف مدى مصداقيتها - إلى الصحفيين المقربين للمكتب، حول ما كان يفعله «كينج» فى غرف الفنادق، على أمل تشويه سمعة زعيم الحقوق المدنية. ورغم هذا، لم ينجح مكتب التحقيقات الفيدرالى أبدًا فى إلحاق أضرار بصورة «كينج»، وبعد نصف قرن، صار يُنظر إليه كنموذج للشجاعة الأخلاقية، والكرامة الإنسانية، أما «هوفر»، على النقيض من ذلك، فقد ألصقت به تهمة «مروج الشائعات» عالميًا تقريبًا. حملات التلاعب الإعلامى ل(CIA) منذ الأيام الأولى للوكالة، حاولت - ولاتزال تحاول- التحكم فى تدفق المعلومات إلى الجمهور، ففى كتاب «Legacy of Ashes: A History of CIA»، أو «تراث الرماد: تاريخ وكالة المخابرات المركزية»، وثّق «تيم واينر» الصحفى السابق فى جريدة «نيويورك تايمز»، مدى تأثير أول مدير مدنى للوكالة «آلن دوليس» على شركات الإعلام الكبرى. فكتب: «حافظ «دوليس» على اتصال وثيق مع الرجال الذين أداروا جريدة «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، والمجلات الأسبوعية الرائدة فى البلاد.. فكان يمكنه التقاط الهاتف، وتعديل القصة العاجلة». كما لاحظ «وينر»، أنه خلال فترة وجود «دوليس» فى الوكالة، قام «ببناء آلة للعلاقات العامة، والدعاية، ضمت أكثر من خمسين مؤسسة إخبارية، وعشر دور نشر، فضلًا عن تعهدات شخصية من رجال ذوى نفوذ واسعة بدعمه». وفى عام 1977، كشف الصحفى الأمريكى الشهير «كارل بيرنشتاين» أيضًا عن جهود وكالة المخابرات المركزية للتأثير على منظمة الأخبار، فى مقال نشرته جريدة «رولينج ستون».. حيث كشف فيه أن: «أكثر من 400 صحفى أمريكى.. خلال الخمسة وعشرين عامًا الماضية (من عام 1977) قاموا سرًا بمهام لوكالة (CIA)، وفقًا للوثائق الموجودة فى مقر الوكالة نفسها». أدلة مزورة الدكتور «فريدريك وايتهورست»، وهو محامٍ وكيميائى، كان يعمل فى مكتب (FBI) كعامل إشراف خاص، وقد لاحظ فى أوائل التسعينيات ممارسات مقلقة فى مختبر التحقيقات التابع للمكتب. وقال «وايتهورست» إنه: «كانت هناك تغييرات فى التقارير، وتغييرات فى الأدلة، واتخاذ شهادة أشخاص خارج مجالات خبرتهم فى المحاكم».. وهو ما اعتبره «وايتهورست» انتهاكات لحقوق الإنسان. وبعد أن فشل رؤساؤه فى اتخاذ أى إجراء تجاه ما اكتشفه «وايتهورست»، نقل الرجل مخاوفه تلك إلى وزارة العدل الأمريكية، لكنه واجه انتقامًا كبيرًا ومستمرًا من «مكتب التحقيقات الفيدرالى»، الذى انتقد بشدة مزاعمه، وهاجم مصداقيته، وتم طرده من منصبه فى مختبر الجريمة بالمكتب. وجاءت استقالة «وايتهورست» الطوعية، بعد يوم من طرده، كجزء من صفقة تسوية مكونة من 16 صفحة، بعد أن وافق مكتب (FBI) على دفع 1.166 مليون دولار. ورغم إجراء تحقيقات فى أقوال «وايتهورست»، فإنها فشلت فى تحقيق أى عدالة وقتها، لكن بعد عشر سنوات، تمت تبرئة «وايتهورست» أخيرًا، وأكد المفتش العام لوزارة العدل الأمريكية «مايكل برومويتش» فى دراسة جاءت فى أكثر من 500 صفحة، أن هناك حاجة لإجراء إصلاحات كبيرة فى مختبر ال(FBI)، وتمت إدانة عدد كبير من العاملين. التجسس.. ومعلومات كاذبة ذكرت جريدة «نيويورك تايمز» أن المفتش العام بوكالة الاستخبارات المركزية «ديفيد باكلى»، أوضح فى صيف عام 2014، أن الوكالة تجسست على موظفى مجلس الشيوخ الأمريكى، الذين كانوا يبحثون عن تاريخ التعذيب الأسود ل(CIA).. حيث اخترق ضباطها شبكة الكمبيوتر، التى كانت تستخدمها لجنة الاستخبارات، التابعة لمجلس الشيوخ أثناء إعدادهم تقريرًا عن برنامج «الاعتقال والاستجواب»، التابع ل(CIA).. وقال مسئول مطلع - رفض ذكر اسمه للجريدة - عن استنتاجات التقرير، إن التحقيق اكتشف أيضًا أن الضباط أنشأوا هوية مزيفة عبر الإنترنت من أجل الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر التى يستخدمها موظفو اللجنة. ثم أضافت الجريدة أن ضباط المخابرات المركزية لم يكتفوا بقراءة رسائل محققى مجلس الشيوخ فقط، بل أرسلوا إحالة جنائية إلى وزارة العدل الأمريكية بناءً على معلومات كاذبة. (FBI) قام بأعمال إرهابية، واتهم آخرين فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، استهدف مكتب (FBI)، فى مناسبات عديدة، الأفراد غير المستقرين، والمرضى عقليًا، فقد أرسلوا إليهم مخبرين لإغرائهم بارتكاب هجمات إرهابية، وقبل أن يتمكن هؤلاء الأفراد (المرضى) من تنفيذ الهجوم فعليًا، يتدخل المكتب مقدمًا ليحبط محاولاتهم، ويؤكد للجمهور أنهم نجحوا فى إحباط مؤامرة هجوم فاشلة. وفى عام 2011، أعطى الصحفى «جلين جرينوالد» عدة أمثلة على هذا التكتيك الخادع، مثل: حث مكتب التحقيقات الفيدرالى الصومالى - الأمريكى «محمد عثمان محمود»، الذى كان يبلغ من العمر حينها 19 عامًا، على تفجير قنبلة فى موقع مزدحم أثناء احتفالات عيد الميلاد فى «بورتلاند»، بولاية «أوريجون»، مشجعينه بالدعم والمال على مدار عدة أشهر، وذلك للقبض عليه فى اللحظة الأخيرة، ثم إصداره بيانًا صحفيًا يتباهى فيه المكتب بنجاحه. وفى أواخر عام 2009، قام المكتب أيضًا بإقناع وتمكين «حسام ماهر حسين صمادى»، وهو مواطن أردنى، كان يبلغ من العمر - حينها - 19 عامًا، بوضع قنبلة وهمية على ناطحة سحاب فى «دالاس»، كما أقنعوا مواطنًا أمريكيًا من أصول باكستانية «فاروق أحمد»، بقصف مترو «واشنطن». فى النهاية، يعد ما سبق مجرد أحداث صغيرة لسجل أسود كبير تحظى به وكالتا (CIA)، و(FBI)..ويبدو أن الأيام لا تزال تخبئ الكثير!