على طريقة الحكى الشعبى عندما تكون الحكاية مضحكة رغم مأساوية مضمونها، تحكى الكاتبة والشاعرة ماجدة سيدهم أن صديقنا المشترك المقيم فى بلاد الفرنجة «د. رشدى دميان»، عندما كان فى زيارة خاطفة للإسكندرية، دار حديث بينه وبين سائق سيارة أجرة، وهو يتابع المشهد عبر نافذة (التاكسى) ويتحسر ويتأسى على ما آلت إليه شوارع المدينة. وفيما كانت السيارة تمر بأحد التماثيل المُتربة وغير الواضحة المعالم، بادرنى السائق بهذا السؤال: إنت تعرف التمثال ده بتاع مين يا باشا؟ فأجبته بدورى: لا أعرف، فقال على الفور وهو سعيد فى قرارة نفسه بأنه يعرف ما لا يعرفه غيره من الناس: «ده تمثال إسكندر الأكبر اللى بنى الإسكندرية، وعلى فكرة، هو بناها من حوالى 1000 سنة فاتت وهو كمان اللى عمل التخطيط بتاع الشوارع دى»، ثم استطرد قائلاً: وكمان البحر المالح كان موجود على الناحية اليمين، مش على الناحية الشمال زى دلوقتى. يقول الصديق رشدى أنه هنا أدرك تمامًا أنه يركب مع سائق سيارة أجرة مختل عقليًا، أو بدون عقل على الإطلاق، وفيما راح السائق يسترسل فى التأكيد على معلوماته هذه، سأل السائق - عندما لاحظ أن بعضًا من مظاهر الأناقة تبدو عليه: إنت اتخرجت من أى كلية؟ فرد عليه: «لا، لا مؤخداة أنا ماتعلمتش خالص»، قال له: طيب إزاى بتسوق سيارة أجرة وانت لا تعرف لا القراية ولا الكتابة؟ أجاب عّم مصطفى، وهذا هو اسمه: بالبركة كدا حضرتك.. زى الاسكندر بالظبط ما بنى الإسكندرية برضه بالبركة. طيب إزاى أخدت رخصة السواقة؟.. شوف حضرتك، أنا رحت لواحد مدرس ودفعت له مبلغ كده لا مؤاخذة، فقام كتب لى الشهادة بتاعة (نحن الأمية). هنا أجابه الصديق رشدى دميان بقوله: «فعلا معاك حق، هو كده تمام، فعلاً إحنا فى زمن (نحن الأمية)! أن مشكلة الأمية وارتفاع معدلاتها بشكل غير مقبول تظل هى العقبة الأخطر فى تحقيق معدلات التنمية المأمولة لإنسان هذه المنطقة. فلنرفع جميعًا شعارات سابقة ومن جديد كانت الهيئة العامة لمحو الأمية قد رفعتها ولم يتم تفعيلها.. دواوين حكومية بلا أمية.. وحدات قوات مسلحة بلا أمية.. نقابات بلا أمية.. مصانع بلا أمية.. تعالوا نرفض الأمية فى كل موقع.. ونرفض أن تُلقب القاهرة عاصمة المعز بعاصمة الأمية بعد أن بلغ عدد الأميين أكثر من مليون مواطن.. ولا نقبل أن تحتل مصر المركز التاسع على مستوى العالم فى ارتفاع نسبة الأمية.. فهل نأخذ مثل دولة كوبا التى استطاعت بإرادة سياسية ومجتمعية القضاء على الأمية خلال عام رغم ارتفاع نسبتها عما هو الحال لدينا.. هل من ضوء فى نهاية نفق الأمية المظلم بدلاً من المشاريع الجديدة التى قد نراها مجرد «نيولوك» لمشاريع قديمة..؟!