عام 2003 كان اللواء طارق الجزار -حكمدار مديرية أمن بنى سويف- برتبة عميد شرطة، وكان يشغل آنذاك منصب رئيس مباحث قطاع شرق القاهرة.. لا يزال يتذكر تلك الجريمة التى كشف عنها بعد قرابة 35 يوما من البحث فيها.. استهدف البحث 5 محافظات ومصلحة السجون ومسجل خطر «تائب» ودبلة، وملابس، وكاسيت، وسيارة ريجاتا، ورقما مطبوعا فى صورة بطاقة مزورة. اللواء «الجزار» قال ل«الوطن»: تلقيت بلاغا من الأهالى بانبعاث رائحة كريهة من داخل شقة بمدينة نصر. انتقلت إلى مكان البلاغ، وتبين أن الشقة مؤجرة لشخص منذ حوالى 3 أسابيع.. وحضر صاحب الشقة وفتح الباب.. وكانت عبارة عن 3 غرف وصالة وحمام.. وعثرنا على جثة لشاب مذبوح ومصاب بطعنة فى رقبته.. والجثة كانت متحللة.. رجحت أن تكون الجريمة تم ارتكابها منذ أسبوعين، لأن مصلحة الطب الشرعى لم تتمكن من أخذ البصمة.. وبعد كده أنا أخدت صورة البطاقة اللى مستأجر بها المجنى عليه الشقة وتبين أن الوظيفة بتاعة المجنى عليه صحفى فى جريدة الأهرام.. انطلقت أنا وضباط المباحث إلى مكان عمله وبالاستعلام عن الاسم وعن وظيفته كصحفى أخبرتنا إدارة المؤسسة بعدم وجود أى شخص يعمل لديها بنفس البيانات أو فى نقابة الصحفيين. ذهبت على العنوان اللى فى البطاقة.. وكان فى قرية بمحافظة الشرقية.. الاسم الناس متعرفش عنه أى شىء.. بس قالوا إن فيه واحد نصاب كان عايش فى القرية منذ فترة.. فى نفس العنوان ونصب على سكان القرية كلهم وكمان نصب على أخته.. بس من حوالى 7 سنين وهو مبيجيش القرية.. الحيرة والغموض فى البحث.. دى جثة مين.. الصحفى ولا النصاب.. طبعا كان مر حوالى أسبوع من البحث ولم نتوصل إلى أى خيط أو دليل.. تذكرت كلمة مدير الإدارة العامة للمباحث آنذاك لما قال لى ربنا معاك فى القضية دى.. وبعد كده ذهبت إلى مكتب فحص بلاغات التغيب بمصلحة الأمن العام.. وتبين أن الملابس اللى كان المجنى عليه يرتديها والدبلة باسم سائق فى معرض سيارات بالإسكندرية ومتغيب منذ أسبوعين.. قلت لنفسى إن الجثة دى بتاعة مين.. السائق ولا الصحفى ولا مين؟.. بس اللى قاتل سرق عفش صاحب الشقة كله.. يعنى المتهم قتل المستأجر وسرق العفش وهرب.. أنا على طوال ذهبت إلى معرض السيارات فى الإسكندرية وناقشت صاحب المعرض وتعرفوا على ملابس السائق والدبلة اللى كانت فى إيده.. بس قالوا لى حاجة كمان.. إن المجنى عليه كان بصحبة واحد حضر إلى المعرض وأجّر سيارة ريجاتا منذ أسبوعين، أى من يوم اختفاء المجنى عليه.. وعرضت عليهم صورة البطاقة بتاعة المستأجر لشقة مدينة نصر.. قالوا هو ده اللى أجر السيارة.. ورحت تانى ل5 معارض سيارات فى الإسكندرية وتعرفوا على نفس الشخص اللى صورته وبياناته فى البطاقة. رجعت القاهرة واجتمعت مع فريق البحث بتاعى المكون من 27 ضابطا وأثناء المناقشة توصلنا إلى أن نفحص اسم صاحب البطاقة من خلال الرقم المطبوع.. وكان مر حوالى 25 يوما فى البحث عن تحديد هوية المجنى عليه والمتهم ودافع الجريمة.. توصلنا إلى تحديد هوية المجنى عليه.. بس لسه المتهم ودافع الجريمة.. اشتغلنا على الرقم المطبوع وعلى السيارة الريجاتا.. وبعد حوالى 5 أيام توصلنا إلى أن السيارة فى القليوبية.. تحفظنا عليها وتبين أنها مسروق منها الكاسيت وحاجة بسيطة.. وأخطرتنى مصلحة الأحوال المدنية أن الرقم المطبوع ل«شخص مسجل خطر» فى ذلك الوقت.. كشفنا عن تبين أنه متهم فى العديد من قضايا النصب.. وخرج حديثا من السجون.. هنا بدأت ملامح الجريمة تظهر أمامى.. ذهبت إلى مصلحة السجون ومباحث الأموال العامة وجمعت معلومات عن المتهم.. وعرفت من زملائه فى السجن أن واحد صاحبه من منطقة إمبابة كان محبوس معاه وخرج.. أخدت عنوان صاحبه ورحت إمبابة ولقيت ذلك الشخص، ملتحى، تاب من السرقة وفتح كشك.. وكلمته عن المتهم.. أخبرنى أن المتهم اتصل بيه منذ حوالى 3 أيام لبيع كاسيت مسروق.. قلت لنفسى كده الجريمة واضحة.. عملت كمين للمتهم فى إمبابه.. وألقيت القبض عليه.. 5 محافظات اشتغلت فيهم عن المتهم.. وأول ما ألقيت القبض عليه.. سألنى قال لى إنتَ عرفتنى إزاى.. قلت له «الاسم مزور.. بس العنوان كان صحيح.. والرقم المطبوع بتاع صورة البطاقة»، ضحك وقال لى «أنا قتلت السواق وسرقت 600 جنيه منه وتخلصت من السيارة بعد ما سرقت الكاسيت».. وسكت بعدها.