فى الفترة الأخيرة غابت بشكل شبه تام برامج المنوعات والبرامج الثقافية التى كانت تحمل للمشاهد الترفيه والفكر والثقافة فى وقت واحد. هذا الخفوت والشكل السطحى الذى تظهر به مثل هذه البرامج الآن ربما يعود إلى غياب الإعداد الجيد، ضآلة ثقافة المذيع أو المذيعة، عدم اهتمام القنوات الحكومية وفى مقابلها سعى القنوات الخاصة فى تقديم الأسهل والأسرع. تحدثنا مع ذوى الخبرة، الذين يشهد التاريخ أنهم كانوا سببًا فى يوم ما فى نشر الثقافة الفنية. ومن أهمهم «د.درية شرف الدين»، ومن ينسى ما فعله برنامجها الشهير «نادى السينما» فى التطور بالذوق الفنى للجمهور. «د.درية» علقت على غياب برامج المنوعات الهادفة حاليًا، قائلة: «للأسف، لا يوجد على الشاشات المصرية برنامج واحد، نستطيع أن نقول إنه برنامج ترفيهى يحمل محتوى ثقافيًا أو حتى برنامج ثقافى متخصص، فبرامج المنوعات أصبح أغلبها نقلًا عن شكل أجنبى أو مجرد استضافة لمجموعة من الممثلين والممثلات. فلا توجد برامج عن السينما أو المسرح أو الفن التشكيلى ولا برامج أدبية للأدب العربى أو حتى الأجنبى، ولا توجد برامج شديدة المصرية. ولا أعلم إن كان الأمر مجرد استسهال أم ماذا؟. إلى جانب عامل مهم وهو عدم وجود المذيع أو المذيعة الكفء، مع كامل احترامى لكل المذيعين الذين جاءوا من ميدان الصحافة المكتوبة.. إلا أن التليفزيون والإذاعة يجب أن يكون لهم نجومهم، فليس كل صحفى يصلح أن يكون إعلاميا. فهذه مواهب مختلفة ولكل شخص موهبة تميزه عن غيره.. كذلك، الفنانون، الذين يجب أن يكون دورهم على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وليس فى البرامج «عمال على بطال»،فما يحدث خلط كبير فى الأوراق فالمذيعون المصريون الذين كانوا فى وقت ما، يتم تصديرهم للدول العربية فى زيارات سريعة لتعليم أبناء هذه الدول، لم يعد لهم وجود.. فما يحدث من أخطر ما يكون على الإعلام المصرى، كما أن ذلك يفقد مصر جزءًا كبيرًا من قوتها الناعمة، وهذا شيء محزن». وأوضحت «شرف الدين»، أن الموضوع لا يتعلق بالإعداد الجيد للبرنامج لأنه فى النهاية يكون عاملًا مساعدًا وليس هو العامل الرئيسى، فلابد أن تكون المذيعة أو المذيع على درجة عالية من الثقافة والمعرفة والإلمام بما يكتبه (المعد) لأنه فى النهاية يظل هو الواجهة التى تظهر للجمهور. وحول إمكانية الإصلاح قالت: «لابد من توافر الرغبة الحقيقية للإصلاح. وإعادة الامتياز للإذاعة والتليفزيون المصرى هى الحل الأول والأهم لهذه المشكلة. وهناك أكثر من وسيلة لعمل ذلك، فمثلًا، القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية لماذا هى ناجحة؟..لأنها تقدم إعلامًا صحيحًا، القنوات الإخبارية تعلم أنها متخصصة فى ذلك، والقنوات الخاصة بالمنوعات تعلم أيضًا ماهيتها والقنوات الرياضية والثقافية.. أما نحن فالأمور كلها مختلطة ولا تتناسب مع تاريخنا الإعلامى ولا يصح أن نظل طوال الوقت نقول إننا كنا الأوائل فالأهم أين نحن الآن؟». أما الناقد والإعلامى «يوسف شريف رزق الله» والذى قدم على مدار سنوات مجموعة من أفضل برامج المنوعات على شاشة التليفزيون المصرى، قال: «هناك العديد من العناصر والأسباب التى أدت إلى ذلك، منها عدم وجود إعداد جيد وعدم وجود مذيعين متخصصين ومحترفين، أيضًا، رغبة القنوات فى تقديم نوعيات معينة من البرامج هو ما أدى إلى عدم وجود برامج منوعات لافتة للنظر، تحمل مضمونًا قوىًا ومحتوى يحمل جزءًا من الثقافة.. فلا نجد حاليًا برنامجًا يتحدث عن السينما أو المسرح أو الموسيقى فجأة نظرنا حولنا فوجدنا فراغًا فى هذه النوعية فى التليفزيون المصرى والفضائيات.. هذا ليس معناه أنه لا يوجد لدينا عناصر لنجاح هذه النوعية. ولكن الرغبة الحقيقية فى وجودها غير موجودة. فالكل مهتم ببرامج «التوك شو» ظنًا منهم أن الجمهور لا يريد إلا هذه النوعية. مع أن هذا غير صحيح وأتمنى أن أرى قناه تأخذ المبادرة لإنتاج برنامج منوعات مختلفًا عما هو موجود حاليًا». وأشار «رزق الله» إلى أنه شاهد برنامجًا يقدم فى «مركب» من خلال ممثل لا يعرف ما هى مقوماته لتقديم برنامج، هل لمجرد أنه ممثل سيأتى بإعلانات؟. موضحًا، أن الموضوع أصبح «دمه ثقيل». وتابع: «هناك فكر غريب من القائمين على القنوات بالبعد عن الثقافة والمحتوى الجاد مع أنه غير مكلف ولايحتاج إلا إلى كاميرا ومذيع أو مذيعة (شاطرين)، مثلا تغطية حية لمسرحية أو عرض بالأوبرا، بدلا من أن أصبح الكل حبيس الاستديوهات، لا أحد يذهب إلى مكان الحدث وكأننا نرى إذاعة بدون صورة». المذيعة «إنجى على»، قدمت العديد من برامج المنوعات على شاشتى التليفزيون المصرى والفضائيات، من هنا أضافت رأيها حول هذه أزمة غياب برامج المنوعات قائلة: «لا يوجد برنامج منوعات هذه الأيام نستطيع أن نستمتع به أو نخرج منه بمعلومة إلا برنامج «صاحبة السعادة» للفنانة «إسعاد يونس»، ولا أستطيع هذه الفترة أن أضع يدى على شكل معين للإعلام، فهو غير واضح المعالم. فأنا مذيعة برامج منوعات منذ ثمانية عشر عامًا وما زلت أجلس أنا وكثيرين من جيلى بعد كل هذه الخبرة والدراسة والعمل نشاهد المشهد من بعيد ولا نعرف ماذا يحدث، وأحيانًا أصاب بالاندهاش عندما أشاهد بعض البرامج. فقد قمت بعدد كبير من اللقاءات مع مختلف الشخصيات المهمة ومنها الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» وعدد من الوزراء والمحافظين وكنت أعرف أن لكل مقام مقال، أما الآن نجد المذيعة تخرج بشكل غير لائق.. وأنا هنا لا أنتقد المظهر فقط، بقدر ما أنتقد عدم الدراية بالضيوف أو حتى توافر البديهيات التى تجعلها تميز الأمور، وتكون لديها قدرة على التصرف، ولا أنسى أننى فى بعض الأحيان كنت أقف أمام الكاميرا بدون إعداد أو تحضير ومع ذلك أتمكن من التصرف لأنه تكون لدى خلفية ومعرفة بالحدث الذى أقدمه». وبسؤال الناقد «نادر عدلى» قال: «لم يعد هناك وجود للبرامج الثقافية لأن التليفزيون المصرى هو من كان يقوم بإنتاجها، وبالتالى فهى محدودة جدًا أو تكاد تكون منعدمة فى القنوات الخاصة وحتى برامج المنوعات المعروضة على هذه القنوات، تظهر بشكل غريب خال من المتعة والمعلومة المفيدة وبما أن برامج المنوعات كان دائمًا ما ينتجها التليفزيون المصرى الذى يمر الآن بأسوأ ظروفه مما أثرعلى تواجدها، بعد أن كان يعتنى بها التليفزيون المصرى وخاصة فى اختيار فريق إعداد محترف. بينما الآن التليفزيون والفضائيات يعتمدون على صغار الصحفيين، غير المؤهلين لإعداد مادة ثقافية أو ترفيهية وكل الهدف من توليهم تلك المهمة هو قدرتهم على جلب الضيوف للبرامج بحكم معرفتهم بهم.. والضيوف ينجذبون للقنوات الخاصة وليس التليفزيون المصرى لأنهم يحصلون فى تلك القنوات على مقابل مادى». وعن تقديم بعض الفنانين لبرامج المنوعات قال: «هناك فنانون مستواهم الثقافى متواضع جدًا، حتى إن كان البرنامج على مستوى الدردشة والمتعة مع الضيف، نجد المذيع أو المذيعة لا يقدمون مادة أو معلومة تضيف للمشاهد. فهذه البرامج مسطحة تمامًا ولا يجذب المشاهد إلا بريق النجم المستضاف فقط». وفى النهاية أضاف: «للأسف لا أرى أى رغبة من الحكومة فى الاهتمام بما هو جاد فى البرامج الثقافية والمنوعات وأصبح لا يوجد أى توجه لتثقيف رجل الشارع، وللأسف نتائج ما يفعلونه ستظهر مستقبلًا إن لم تظهر حاليًا. فالقائمون على التليفزيون ما زالوا لا يدركون أن التطرف والعنف يحارب بالثقافة وإعمال العقل».