نجحت قناة «ماسبيرو زمان» أن تعيد المشاهد من جديد لقنوات التليفزيون المصرى، بعد أن هجرها لسنوات طويلة، واستطاعت القناة التى تعيد تقديم تراث ماسبيرو فى إعادة البريق لتليفزيون الدولة الذى اعتبره البعض منتهى الصلاحية. عبر برامج تتميز بإيقاع سريع ورصانة فى الطرح تصل المتعة إلى جمهور «ماسبيرو زمان» الذى يتابع من خلالها حوارات مع أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف شاهين وأحمد مظهر ويحيى شاهين وأمينة رزق، وغيرهم من رموز الفن والأدب، الذين كانوا ضيوفا على مذيعين بقامة أمانى ناشد وسلوى حجازى وطارق حبيب، وصولا لجيل أحدث من المذيعين مثل نجوى إبراهيم وسلمى الشماع وسهير شلبى. يبدو نجاح «ماسبيرو زمان» مثيرا جدا فى ظل فشل قنوات ماسبيرو الأخرى فى جذب المشاهد الذى هرب للفضائيات الخاصة، وهو ما يعتبره البعض تفوقا واضحا لبرامج التليفزيون المصرى فى بدايته، فما يعتبره البعض الآخر نوعا من «النوستولوجيا» أو الحنين إلى الماضى، وأن المشاهدين يهربون من واقعهم إلى عالم الأبيض والأسود وأيام الطفولة والصبا. قالت الإعلامية سلمى الشماع: اتحاد الاذاعة والتليفزيون هو المدرسة الأم، حيث وضع الأسس والقوانين، وكان صاحب الفرز الأول وليس الثانى أو الثالث، لذلك كان ولايزال إنتاجه رقم واحد سواء فى الأشخاص أو فى المادة المقدمة، وذلك لأن مقاييس ومعايير الاختيار والاختبار كانت عالمية وفى منتهى الصعوبة، وهو ما تفتقده القنوات الحالية رغم كل إمكانياتها. وأضافت سلمى: البرنامج الواحد كان يحمل من الزخم والثراء ما يكفى لعمل العديد من برامج اليوم، فعلى سبيل المثال برنامج «زووم» الذى كنت أقدمه كان يحمل فى طياته نقدا وكواليس وقضايا فنية وضيوفًا على قدر عال من الثقافة والتخصص وهو ما تفتقده البرامج الحالية، ومن هنا تأتى فكرة ذهاب المشاهد إلى ماسبيرو زمان حيث يفتقد الجودة والمصداقية والأفكار التى تحترم عقله، كما أن هناك سببًا مهمًا ورئيسيًا وراء العودة للأعمال القديمة المعروضة بهذه القناة وهو أن معظم ما يقدم حاليا من برامج أو مسلسلات أو أفلام تفتقد الهوية المصرية، فأغلبها فورمات لأعمال أجنبية، بينما الأعمال الفنية القديمة كانت معتمدة على نصوص أدبية كبيرة يصل بعضها إلى العالمية. وأشارت إلى أن المشاهد حاليا تائه ما بين الأعمال الهندية والتركية والخليجية، والتى أدت إلى طمس هويته ولهجته المصرية، وجعلته يفتقد خصوصيته وانتماءه المصرى، موضحة أن السبب الرئيسى فى هذه الفوضى يرجع إلى مافيا الإعلانات التى تتحكم فى السياسات العامة للقنوات، والتى هدفها الأساسى ليس الارتقاء بالمشاهد بقدر ما ستحققه من مكاسب مادية. وتابعت سلمى: حتى لو كان ما يقدم حاليا من فن أو إعلام هو نقل لواقعنا الآليم، فليس من النضح أن نلف وندور فى فلكه، ولكن علينا أن نخرج به إلى ما هو أفضل، وأن نعلم الناس الارتقاء بالذوق والأخلاق عن طريق الفن والإعلام حتى يتعايشوا مع واقعهم ولا يلجأوا للهروب منه. وقال الناقد والمخرج أحمد عاطف: المادة المقدمة فى «ماسبيرو زمان» ذات جودة عالية، ولكن هذا لا ينفى أن ما يقدم الآن يخلو من مثل هذه الجودة، فكل جيل أو عصر له مميزاته وعيوبه، فالجيل القديم كان يمتلك الرقى فى التعامل واللمسة الرومانسية والإيقاع الهادئ، وهذا ما تفتقده دراما اليوم التى تتسم بالعنف والإيقاع السريع والغلظة، ولكن هناك أيضا عيوبًا تشوب الماضى منها البدائية والنقاء الأخلاقى الذى كان يصل إلى حد الوصاية الفنية، فمثلا على سبيل المثال أنا لا أحب مسلسل «ضمير أبلة حكمت» ولا مسلسل «رحلة السيد أبو العلا البشرى» مع كل التقدير والاحترام للفنانة فاتن حمامة والفنان محمود مرسى، لأنهما يشعراننا بأنه فن موجه. وأضاف عاطف: نحن المصريين نحب دائما فكرة الرجوع إلى الماضى، وكأنه جزء من تركيبتنا، وهذا الموضوع لا يعتبر ميزة، بالعكس فهو نوع من الهروب من الواقع. وأكد أن الشخصيات الفنية القديمة كانت تتميز بأنها تمتلك من الحضور والإيثار وقوة الشخصية، ما يجعل المشاهد يرتبط بها ويبحث عنها مرة أخرى على عكس الكثير من الفنانين الحالين. وقالت الناقدة ماجدة موريس: المشاهد حاليا يفتقد الكثير من نوعيات البرامج المحترمة والهادفة، مثل البرامج العلمية والدينية والتثقيفية مثل برنامج «العلم والإيمان» للدكتور مصطفى محمود، أو البرامج الحوارية مثل برامج طارق حبيب، وحتى البرامج الخاصة بالأطفال، كما يفتقد جزءًا مهمًا جدًا من تراثنا الفنى مثل الحفلات الغنائية والاستعراضية التى لا تعوضه عنها البرامج التافهة الموجودة حاليا، وهو ما جعله يلجأ لقناة مثل «ماسبيرو زمان» لأنها مليئة بكم هائل من تلك النوعية أو غيرها. وأشارت ماجدة إلى أن الفراغ الفنى والدرامى والثقافى فى القنوات الحالية، يرجع إلى أن القائمين عليها ليس لهم علاقة بالمنظومة الفنية والثقافية والإعلامية، وأن كل ما يهمهم هو جمع الأموال وتحقيق أهداف شخصية. وأكدت أن ما يحدث حاليا من ظاهرة متابعة المشاهد لقناة «ماسبيرو زمان» اختيار إنسانى بحت غير موجه، ولا يوجد من ورائه هدفا إلا البحث عن الذوق الرفيع والجودة المقنعة فى المادة المقدمة، والتى تفتقدها القنوات ذات الميزانيات الضخمة والتى تحسب بالملايين. وقال الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة: هذه الظاهرة تنقسم إلى جزئين، الأول هو فكرة الحنين للماضى والذى دائما يكون أفضل بحكم صغر سن الإنسان به ونظرته المتفائلة فى ذلك الوقت، وهو ما حققته «ماسبيرو زمان» فى ذلك الجزء، خاصة بما تمتلكه من مادة درامية وإعلامية وبرامج على قدر كبير من الجودة، كما أن الماضى الدرامى والفنى والإعلامى كان أفضل من الآن، وبالتالى «ماسبيرو زمان» تربط المشاهد بذكريات الماضى الجميل. وأضاف علم الدين: الجزء الثانى هو أن هذه القناة تلبى احتياجات نفسية يفتقدها المشاهد المعاصر، وهذه الاحتياجات متعلقة بالدراما والمسلسلات التى تفتقد الرقى والهدوء والرومانسية، والبرامج التى تفتقر العمق والوعى الثقافى والعلمى والتخصص، وهو ما يوجد بقناة «ماسبيرو زمان» رغم قدم موضوعاتها. وأشار إلى أن هذه القناة ظلمت لأنها لم تقدم لنفسها الدعاية الكافية ولا التسويق الجيد، موضحا أنه لو سوق لها ستأتى بإعلانات كثيرة وتمويل ضخم للإذاعة والتليفزيون، وعلى الهيئة الوطنية للإعلام أن تتبنى هذه الفكرة المهمة، وأن تضع خطة تسويقية تجلب رعاة بشرط البقاء على سياسة القناة وعدم التدخل فيما تقدمه حتى لا يتم تشويهها. من جانبه، فسر الدكتور سيد صبحى، أستاذ الصحة النفسية الإقبال على مشاهدة «ماسبيرو زمان» قائلا : للآسف أشكال الفنون الموجودة حاليا على الساحة لا ترقى إلى مستوى ما قدم فى الماضى، سواء فى الدراما التليفزيونية أو السينما أو الغناء أو حتى الشعر والأدب، وهناك اهتزاز فى الصورة الإعلامية والفنية، لأن الأشخاص المسئولين عنها ليسوا على المستوى المرجو والمطلوب، ولا على القدر الكافى من العلم والثقافة، وبالتالى فالمحتوى ضعيف وغير مرغوب فيه، وهو ما دفع بالمشاهد إلى اللجوء إلى قناة «ماسبيرو زمان» والتى وجد بها ما يفتقده من جودة فى الأعمال ورقى فى الذوق. وأكد صبحى أن هذا اللجوء لقناة «ماسبيرو زمان» أكبر دليل على إفلاس المنتج الحالى لعناصر الإشباع التى يحتاجها المشاهد، ودليل على سير العملية الفنية عكس رغبات ومتطبات الجمهور، موضحا أنها أيضا دليل على رفض المشاهد إلى الذوق السائد والذى اتهم كثيرا بأنه تلبية لرغباته. وأشار إلى أنه على القائمين على العمل الفنى مراجعة أنفسهم والاهتمام بالجزء النفسى الذى يفتقده الجمهور، والعمل والبحث والدراسة وراء تلك الظاهرة التى اجتذبت الجمهور إليها، وأن يحاولوا محاكاة «ماسبيرو زمان» برؤية عصرية منطقية ومتوازنة. وأكد الدكتور هاشم بحرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، أن عددًا كبيرًا من الناس كانوا يفضلون مشاهدة الأفلام الأبيض والأسود والأعمال القديمة حتى قبل ظهور قناة «ماسبيرو زمان»، مشيرا إلى أنها عندما ظهرت تزايد عدد الناس المتابعين لها، وذلك كنوع من العلاج النفسى غير الواضح لهم كأشخاص عاديين أو كنوع من الموازنة بين الحاضر والماضى. وقال بحرى: العنف كان موجودا فى دراما وبرامج الماضى، لكن بشكل مقنع وهادئ إلى حد ما، لكن حاليا العنف واضح وفج، مما كون عنفا أكبر فى اللا وعى لدى المشاهد، وهو ما ينعكس على سلوكه فى الوعى ويجعله يظهر بصورة عصبية أصبحت موجودة بشكل كبير فى الشارع المصرى كله، ومن هنا نجد الجمهور يقوم بمعالجة نفسه بنفسه من خلال اللجوء إلى «ماسبيرو زمان» للتقليل من الضغوط والعصبية والعنف الموجودين على القنوات الحديثة.