كما قلت ما أحوجنا جميعًا إلى الصديق الحق أو الصديق الوفى.. الذى إذا أصابك مكروه ذكرته فإذا هو نعم المعين.. أو أصابتك سراء فهو نعم الشريك.. لكن من هو هذا الإنسان النادر حقًا الذى تستطيع أن تطلق عليه لفظ «الصديق».. والذى هو مبتغى البشرية منذ القدم وفى الثقافة العربية القديمة نجد أن الصديق الوفى ضمن ثلاثة أشياء مستحيلة وهى «الغول والعنقاء والخل الوفى».. وأى شىء نادر بعد ذلك يطلق عليه رابع المستحيلات وهذه ثوابت قديمة عند العرب.. وأشهر ما قيل فى هذا الشأن بيتان من الشعر القديم.. «لما رأيت بنى الزمان ومابهم *** خل وفى للشدائد أصطفى»... «فعلمت أن المستحيل ثلاثة *** «الغول والعنقاء والخل الوفى». وبالرغم من ذلك فالصديق الوفى موجود على مر الزمان ولكنه من العملة النادرة التى يتعين الحصول عليها بذل الجهد والتدقيق.. وفى ذلك يروى أبو حيان التوحيدى قصة يحيى ابن زياد الحارثى الذى أرسل إلى عبد الله ابن المقفع يطلب صداقته.. فيرد عليه ابن المقفع بما معناه أن الصداقة رق وعبودية وإنه يكره أن يسلم نفسه لشخص قبل أن يتأكد من حسن خصاله.. وإذا أردت أن تحصل على صديق فابحث عمن يكون على شاكلتك متجانسًا معك بينكما كثير من أوجه الاتفاق وهذا هو أصل الإخاء والائتلاف الذى يدعمه العقل وحسن الخلق والدين وأن يكون كل منكما راغبًا فى صحبة أخيه.. وابحث عن السهل اللين البسيط الواضح رقيق القلب كريم السلوك الذى تعرف ما يسعده وما يغضبه وتعرف مبادئه وأهدافه وقيمه.. هؤلاء إذا صحبتهم أمنت وإذا استشرتهم نصحوك بما يحبون فالصديق من صدقك ولا يحسدونك ولا يستكثرون عليك نعمة ولا يغتابونك ولا ينقصونك ولا يمكرون بك ولا يغشونك ويكونون لك ردًأ وظهرًا ومعينًا. واحذر أهل القسوة والشدة غير المبالين بالناس والذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم كما عليك أن تحذر من أهل الكذب والخداع والمرائين والمتلونين.. ولا تغتر بحلو اللسان ولكن اتبع رأى الحكماء الذين قالوا «اعرف الرجل من فعله لامن لسانه» وقول الشاعر «لا تنظر إلى امرئ ما أصله *** وانظر إلى أفعاله ثم إحكم». فإذا عثرت على الصديق فاعلم إن الصداقة لا تنموا سريعا إنما هى مثل النبات تنموا ببطء وكلما زادت نسبة التجارب والخبرات بينك وبين صديقك أدى ذلك إلى تطور الصداقة بينكما وترسخها.. ولا تنسى أن الصديق مرآة صديقه وأن المرء على دين خليله فانظر من تخالل.. فالصديق الحق هو نعمة كبيرة لا يعرفها إلا الذين يفتقدونها.. فإذا حصلت على الصديق فكيف تحافظ على هذه الصداقة؟