تُعد الفجالة المكان الأكثر شهرة لتجارة الأدوات المدرسية فى مصر، وتشهد هذه الأيام زحامًا شديدًا، فما إن تطأ قدماك منطقة رمسيس إلا وتجد نفسك وكأنك اقتربت من مدرسة كبيرة تضم جميع المراحل التعليمية، فالأطفال والطلاب بصحبة أولياء أمورهم، كل منهم قد جعل من المنطقة مقصدًا لشراء ما يلزمه قبل انطلاق العام الدارسى، بأقل الأسعار الممكنة. التجار يجدون فى هذه الأيام فرصتهم الكبرى لتعويض مواسم الركود التى تصيبهم خلال إجازة نهاية العام الدارسى، والتى تمتد لأكثر من 3 أشهر. يسعى كل منهم لتحقيق الربح عن طريق التّفنن فى جذب أنظار الأطفال الشغوفة التى يجذبها أحيانًا الشكل أكثر من المضمون، أما أولياء الأمور فيبحثون عن الجودة. كانت ل«روزاليوسف» جولة داخل سوق الفجالة لرصد ملامح حركة البيع والشراء، إلا أنه وسط الجدال على البيع والفصال فى السعر، كان بين أصوات الرجال والشباب العارضين لبضائعهم، بائعون من طراز خاص، فملامح البراءة والصوت العذب الرقيق تجذب إليهم الزبائن، خاصة من أقرانهم الصغار الذين يقبلون على الشراء من الباعة الصغار بعضهم لم يتجاوز ال10 أعوام، يبحث بين قاصدى السوق عن زبائن من أجل توفير ما يلزمه هو أيضًا لإتمام تعلميه الدراسى. فها هو الطفل حمادة يتحدث مع صديقه فى الفصل الدراسى عبدالرحمن، مؤكدًا له أنه انتهى من شراء الشنطة المدرسية كاملة بالكشاكيل والأدوات المطلوبة وجهز مصاريف الكتب الدراسية، وسوف ينتهى قبل الدراسة من جمع مصروفه، وأنه سيواصل خلال الأسبوع الأول مع العام الدارسى العمل فى بيع الأدوات المدرسية حتى لا يثقل على كاهل والديه، وبعد لحظات من الحديث افترق الصديقان ليقف كل منهما على فرش صغير على رصيف الفجالة. المشهد الصغير لم يكن لطفلين قدما إلى الفجالة لشراء أدوات المدرسة مع أولياء أمورهما كما هى العادة، بل لبائعين صغار ينافسان بمفروشاتهما كبار التجار فى سوق الفجالة من أجل شراء شنطة المدارس بأدواتها. أخذ حمادة يرتب بضاعته على فرشه الصغير الذى لا يتعدى الثلاثة أمتار، ليظهر فى أبهى صورة ليقبل الزائرون عليه.. قصة الطفلين على رصيف الفجالة لم تكن حالة منفردة، بل هناك عشرات الأطفال بينهم فتيات صغار جلسن من أجل تلك المهمة. حمادة: أعمل 12 ساعة يوميًا لشراء مستلزمات المدرسة اقتربنا لنستمع لقصص الباعة الصغار فى الفجالة من أجل شراء ما يلزمهم من الأدوات المدرسية، يقول الطفل حمادة محمود: «أنا طالب فى الصف الرابع الابتدائى، ومنذ عامين قررت الخروج للعمل من أجل التخفيف عن أسرتى وتوفير مصاريف المدرسة لنفسى، ببيع أدوات المدارس خلال إجازة الصيف لأساعد أسرتى المكونة من 5 أشقاء. يضيف حمادة: عندما قررت الخروج للعمل نصحنى أحد الجيران يعمل فى الأدوات المدرسية بالفجالة بأن أحضر للعمل فى موسم بيع أدوات المدارس، وهو ثلاثة شهور تبدأ من شهر يوليو حتى نهاية شهر سبتمبر، وكانت الفكرة ناجحة جدًا وخففت الحمل عن أسرتي، فأوفر ثمن الشنطة المدرسية بكل تفاصيلها وثمن الكتب الدراسية ومصروفى فى الدراسة والدروس، حيث إننى أحصل على أجر ثابت فى اليوم 30 جنيهًا وفى بعض الأحيان بأخذ بقشيش، فما أتحصل عليه فى الشهر يزيد على 3 آلاف جنيه. لم يتوقف حمادة عن الحديث وهو يخرج أدوات المدرسة للزبون الذى اقترب ليشترى منه كشاكيل بأقل الأسعار، قائلًا: «أعمل من الساعة 9 صباحًا حتى 9 مساءً دون توقف، وأتناول الثلاث وجبات الخاصة بى على الرصيف مع زملائى الأطفال فى المهنة وأصدقائى من الكبار، وفخور بما أقوم به لمساعدة أسرتي». عبدالرحمن: أتحمل صيحات التجار من أجل أشقائى الطفل عبدالرحمن على شاركه فى الحوار، قائلاً: «أقف لأشارك فى حركة البيع هنا فى الفجالة منذ عام وسط التجار الكبار الذين نخاف من صيحاتهم وغضبهم علينا فى بعض الأحيان، وخرجت للعمل من أجل توفير ثمن شنطة المدرسة التى أصبحت همًا يشغل معظم الأسر ولدىّ أشقاء أربعة». «كنت أريد أن أعتمد على نفسى»- أكمل عبدالرحمن حكايته مع سوق الفجالة»، قائلا: «خالى الذى يبلغ من العمر 19 عامًا بائع فى الفجالة للأدوات المدرسية، وهو من شجعنى لأنه لديه خبرة سابقة حتى دخوله الجامعة يعتمد فى جميع مصاريفه على الربح من بيع مستلزمات المدارس، وبعد موافقة والدتى ووالدى قمت بفتح فرش صغير بضاعته لا تتعدى ال300 جنيه. ونجح عبدالرحمن من خلال تجارته البسيطة على رصيف الفجالة فى توفير ثمن شنطته التى سيذهب بها للصف الرابع الابتدائى ومعها كل ما يلزمه من كشاكيل وأقلام وأدوات متنوعة تجاوزت قيمتها 700 جنيه، فالشنطة الدراسية بمفردها دون أدواتها تبدأ ب250 جنيهًا. عبدالرحمن يقول إن عمل الأطفال من أجل شراء شنط المدرسة بأدواتها ينقسم إلى نوعين، فهناك من يعملون تحت قيادة التجار الكبار، والنوع الآخر يمتلك فرشًا صغيرًا استطاع أن يُدبر أموال المعروضات عليه، وهذا النوع يغضب التجار ويطلبون منهم الرحيل فى أى وقت لذلك نفترش الرصيف بالقرب من بعضنا البعض ولا نزعج الكبار. فريدة: أتجاهل المعاكسات من أجل لقمة العيش بالقرب من حمادة وعبدالرحمن كانت تقف فتاة صغيرة على الرصيف وأمامها بعض الأدوات المدرسية، حرصت أن يكون فرشها بالقرب من شجرة لتستظل بها من شمس الصيف الحارقة، تقول فريدة محمد التى تحرص أن تكون فى حلة جميلة بملابسها المهندمة وشعرها المنسق: «أنا طالبة فى الصف الخامس الابتدائي، أحضر إلى الفجالة منذ 4 أعوام وأقف فى حماية أحد التجار الكبار بعد أن تواصلت معه والداتى وطلبت منه أن أقف على الرصيف، خاصة أننى طفلة يتيمة، أحرص فى الحديث مع كل من حولى ومن يرغب فى الشراء منى كونى فتاة، ولا أتحدث مع أحد سوى فى البيع والشراء فقط وأتجاهل المعاكسات، فقد حضرت إلى هنا من أجل الرزق فقط، كنت أتحصل فى اليوم العام الماضى على 25 جنيهًا، وزاد المبلغ هذا العام خمسة جنيهات، بعد أن وفر لى أحد التجار البضاعة بالدين للوقوف بها وسددت له ثمنها وما سيتبقى منها فى نهاية الموسم سأعيده له وأحصل على المال مقابلها. «البعض يتعجب أننى فتاة صغيرة أقف لبيع أدوات المدرسة، لكننى أحب المهنة وأسرتى لا تعترض فهى تساعدنا فى المعيشة وتساعدنى فى شراء أفضل شنطة فى السوق». عماد: بأحترم قواعد السوق عشان آكل عيش اقتربنا من فرش آخر - عماد هشام الذى لم يتجاوز عمره 9 سنوات، وقد وضع خشبة على بضاعته ووضع كف يده على وجهه وفى يده الأخرى علبة أقلام ملونة يلوح بها، يقول: «منذ عمر ال6 سنوات وأنا أبيع للزوار وأكسب بعرق جبيني، كل ما فى الأمر أننى متوقف عن حركة البيع حاليًا بأمر التاجر فالسوق لها أصول فقد طلب منى التوقف لمدة ساعة عن العمل لأعطى لغيرى الفرصة فى العمل، وهذا لن يوقف رزقى، فالرزق وفير، وأنا أحترم قواعد السوق عشان آكل عيش ومن أهمها تنفيذ أوامر التاجر، وأن أعترف دائمًا بأن الزبون على حق، وأحاول إرضاء الزبون وفرش البضاعة أمامه بكل أشكالها وتفاصيلها، ولا يتحرك من أمامى قبل الشراء، وهذا يؤكد أننى نجحت فى مهمتي، وفى حالة اعتراض الزبون بسبب ارتفاع الأسعار هذا العام أقف أمامه وأشرح له حال السوق بثقة وأن الأسعار زادت هذا العام 25 % ولابد أن نتحمل سويًا الأمر، وأن أسعارى الأفضل لأننى بائع رصيف». أحمد: رضا التجار الكبار تذكرة الوقوف على الرصيف أما أحمد رضا فقد حضر للبيع فى الفجالة لأول مرة هذا العام، يقول: «كنت أبيع فى مترو الأنفاق كتبا تعليمية للأطفال، لكن أماكن العمل تتغير حسب الموسم ونحن فى موسم به رزق أحرص على توفير ما يلزمنى من متطلبات قبل بدء العام الدارسي، فأنا فى الصف الثالث الابتدائي، وشقيقى أحضرنى ويتردد من وقت لآخر عن طريق مترو رمسيس للاطمئنان عليّ ومكسبى جيد جدًا على مدار اليوم فقد أحصل على 40 جنيهًا فى حالة زيادة الزوار وفى حالة هدوء السوق 35 جنيهًا، وأحاول التعامل والتقرب من الأطفال.. ومن العام المقبل سوف يكون لى مكان على الرصيف بجوار زملائى لكن هذا الأمر يتوقف على رضا الكبار فى سوق الفجالة». الحاج حسن الدين أحد أصحاب المكتبات فى سوق الفجالة قال: نرحب بعمالة الأطفال من أجل شنط مدارسهم لتخفيف الضغط على أسرهم، لذلك نساندهم فى الوقوف بجوارنا، خاصة بعد ارتفاع الأسعار، فشنطة المدرسة أصبحت مكلفة، فالشنط الصغيرة تصل تكلفتها حاليًا ل400 جنيه وتزيد بحسب المقاسات والأعمار السنية لتصل لنحو 500 و600 جنيه، فضلا على الأدوات المدرسية من كشاكيل وغيره وذلك بخلاف الكتب المدرسية والخارجية، وكلما زاد العمر والمرحلة العمرية فى الدراسة تزايدت أسعار تكاليف الشنطة، وسط الغلاء حيث ارتفعت أسعار الأدوات هذا العام 20 %.