أثناء العرض الخاص لفيلم «رد قلبي»، من إخراج «عز الدين ذو الفقار»، والذى كان صديقًا للضباط الأحرار بصفته ضابطا سابقا فى الجيش المصرى، جاء «قيادات ثورة يوليو» ليشاهدوا الفيلم. وبعد مضى ما يقرب من ساعة منذ بداية العرض، ظهرت الفنانة «هند رستم» فى أحد المشاهد، وهى تؤدى إحدى رقصاتها على المسرح، ليعلو صوت من صالة العرض «أيوه كده يا عز»..ينتبه الجميع ويضحكون، وينظرون إلى قائل العبارة، ليجدونه..الرئيس الراحل «أنور السادات» !! هذه الحكاية وغيرها من قصص عديدة، كانت علامة على مدى اقتراب نجوم الفن من أبطال يوليو.. ولكل فنان عاصر هذه الثورة المجيدة حكاية، وقصة تؤكد مناصرة الفنانين لتلك الثورة.. وفى السطور الآتية انتقينا بعضا من هذه الحكايات، وإن كانت ليست أشهرها، ولكنها أكثرها تأثيرا فى نفوس من عاشوها: «فريد شوقى».. ثورجى الترسو. كان النجم «فريد شوقى» من كبار مؤيدى ثورة 23 يوليو، كما توضح سيرته الذاتية، المعنونة ب«فريد شوقى.. ملك الترسو»، للكاتبة «إيريس نظمى»، والتى نشرت فى يناير 1978. وفى هذا الكتاب حكى «وحش الشاشة»، أنه مع قيام الثورة، بدأت مرحلة جديدة فى حياته امتلأت بالعمل، والنشاط، والانطلاق، والنجاح، برفقة زوجته «هدى سلطان».. حيث اشتركا معًا فى رحلات، وحملات «قطار الرحمة»، وهى فكرة أطلقها الرئيس الراحل «محمد نجيب»، لجمع تبرعات لصالح الوطن، كان قد شارك فيها العديد من الفنانين المصريين. كما آثر أيضًا فى وجدان «شوقى» تسابق الفنانين والفنانات للاشتراك فى حفلات «حديقة الأندلس» الغنائية بدون أى مقابل، تحية للثورة، وأبطالها. ومع صدور القوانين الجديدة، وتحديدًا قانون تحريم ومنع تعاطى المخدرات، وتهريبها، وعقوبتهم التى وصلت للمؤبد والإعدام.. ولدت فى ذهن «العملاق»، قصة فيلم، «حميدو»، الذى عرض عام 1953، محققًا نجاحًا باهرًا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الفيلم، بل كان «شوقى» مؤثرًا أيضًا فى تعديل بعض القوانين، التى أقرت بعد الثورة بفترة زمنية قليلة، من خلال فيلمه «جعلونى مجرمًا»..حيث سرد النجم فى مذكراته تلك، إن «شقيقه كان ضابطا برتبة «ملازم ثان» فى إصلاحية الأحداث. وكان يقضى «شوقى» ساعات معه، ومن هنا خرجت قصة الفيلم.. وفى ليلة الافتتاح وجه الدعوى لوزير الشئون الاجتماعية - فى ذلك الوقت- أحد الضباط الأحرار «حسين الشافعى» لمشاهدة الفيلم الذى كان السبب والدافع الأول لإصدار قانون الإعفاء من السابقة الأولى، لإتاحة الفرصة أمام المخطئ ليكون إنسانًا صالحًا..وليبدأ حياته الكريمة. واستكمالًا لمشاركة «ملك الترسو» الفعالة، يحكى عن زيارته الثانية للرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، الذى طلب بدوره إنتاج فيلم عن حرب «العدوان الثلاثى»، اضطر «شوقى» لخوض مهمة مموهة ومتوارية وسط اشتعال الحرب، ودخوله مدينة «بورسعيد» تحت طلقات الرصاص، من أجل تصوير هذا العمل. ويقول: «فى ليلة مظلمة من ليالي عدوان 1956، وصافرات الإنذار تعوى. وأنا احتضن بناتى الخائفات، وبجانبى جلست زوجتى «هدى».. دق الباب دقات عنيفة، ووجدنا عددا من رجال البوليس الحربى قائلين: «اتفضل معانا يا أستاذ «فريد».. عايزينك حالًا.. فى مجلس قيادة الثورة»، فرد الأخير: «أنا معملتش حاجة»، فقالوا له: «ماتخفش مافيش حاجة.. اطمن يا أستاذ «فريد»». ثم تركت زوجتى وبناتى الباكيات، وأنا أتصور أنه الوداع الأخير». ثم أكمل أن عربة رجال الشرطة العسكرية التى ركبها، وقفت أمام مبنى لم يتبين ملامحه، لكنه اضطر لاجتياز عدة بوابات أولًا. وبعد دخوله من الباب الثالث، وجد أمامه الرئيس «عبدالناصر»، والذى وصفه «شوقى»، بأن نظراته مثل الصقر. متحديًا أى شخص، بمن فيهم هو نفسه «الممثل»، بأن يجيد التحكم فى نظراته بمثل تلك القوة والتركيز، كالتى شاهدها فى عينى الرئيس..ومن ثم حكى ما قاله «الزعيم» له، بأن: «لأهل الفن رسالة لا تقل أبدًا عن رسالتنا نحن رجال الثورة.. أنت شايف العدوان اللى بيحصل على «مصر»، عايزك تعمل فيلم عن الحرب والمقاومة فى «بورسعيد»..واخترتك أنت بالذات، عشان عارف إنك بطل شعبى محبوب.. وأريد أن أعرض هذا الفيلم أمام العالم كله». المثير هو محاربة «شوقى» العدوان بطريقته الخاصة من خلال الفن، وإخلاصه فى تأدية رسالته، وهو ما ظهر من خلال استكماله حكاية تصوير الفيلم.. حيث هرع فور خروجه من تلك المقابلة للبحث عن أربعة أشخاص تحديدًا، وهم: المخرجان «نيازى مصطفى، وعز الدين ذو الفقار»، وكاتبا السيناريو «السيد بدير، وعلى الزرقانى». وارتداؤهم جميعًا ملابس الصيادين، حاملين الكاميرات، والمعدات داخل «مشنات» السمك، وتغطيتهم بالقماش، للذهاب إلى مدينة «بورسعيد» عن طريق بحيرة «المنزلة». وبالفعل قاموا بتصوير الفيلم، الذى ذاع صيته عالميًا وصخب شديد حول العالم، نظرًا لنجاحهم فى تسجيل لحظات انسحاب القوات المعادية. شادية والضابط الأسمر. كانت «شادية» ضمن قائمة العمالقة فى عالم الفن، الذين أيدوا ثورة يوليو.. فبعيدًا عن حبها لمصر، ووطنيتها الشديدة التى جريت فى دمائها منذ ميلادها، وحتى وفاتها العام الماضى.. لكن ربما تكون أحد الأسباب، التى دفعتها لتأييد الثورة، قصة الحب الأولى، التى عصفت بكيانها من ضابط مصرى استشهد فى حرب 1948. وهى الحرب التى تعد أحد أهم الأسس، التى عجلت بقيام الثورة. «سيرة شادية.. معبودة الجماهير» التى نشرت عام 2011، سردت فيها «الدلوعة» كيف وقعت فى غرام شاب أسمر وسيم، وهى فى عمر السابعة عشرة، عندما دعيت لحضور حفل زفاف أحد أبناء الجيران. وبينما كانت تغنى وقعت أعينها على هذا الشاب، التى استمرت فى التحديق إليه طوال الأغنية، إلى أن جاء وحياها بحفاوة بعد انتهائها، وذهب كل منهما إلى طريقه. لكنه لم يذهب وحده، بل أخذ قلبها معه. ومرت أيام إلى أن وصلها أول خطاب منه، من الصعيد، حيث كان يعيش مع أسرته، واكشفت أنه يدرس بالسنة الأخيرة فى الكلية الحربية. كما اكتشفت أيضًا أنه يكن لها نفس القدر من المشاعر.. إلى أن قابلته بعدها بفترة عندما جاء إلى «القاهرة»، وسلمته كل خطاباته خوفًا من أن يكتشف أمرها عند أهلها، وفوجئت برد فعله المتفهم. وعليه أرسل خطابا بعدها بأيام، لكنه كان لأبيها، حيث أراد أن يطلب يدها. وبالفعل خطب عصفورى الحب، فى قصة غرامية قوية، كانت مستعدة فيها «شادية» للتخلى عن حلمها كمغنية بمنتهى السهولة فى مقابل إلا تخسره. ولكن لكل بداية نهاية، حيث تكمل «الدلوعة»، قائلة: «السعادة عمرها قصير، كأنه حلم رائع لا بد من أن أفيق منه فجأة.. فقد استدعى حبيبى فجأة للدفاع عن الوطن، والاشتراك فى حرب فلسطين عام 1948.. وكان يومًا عصيبًا يوم أن جاء ليودعنى، وهو يرتدى ملابسه العسكرية.. وكأن قلبى كان يشعر بالذى سيحدث، لا أعرف لماذا أحسست أنه آخر لقاء بيننا، وأنى لن أراه بعد الآن.. وصدقت مشاعرى لقد ذهب ولم يعد أبدًا..سقط حبيبى شهيدًا، واسمى يلتف حول إصبعه فوق دبلة الخطوبة». يذكر أن «شادية» اشتركت أيضًا كسائر الفنانين فى «قطار الرحمة»، نظرًا لأهدافه الإنسانية العميقة وفقًا لكلماتها، بمرافقة أمها «خديجة»، والعديد من زملائها فى الوسط الفنى، وذكرت منهم: «فاتن حمامة»، وزوجها، بجانب كل من: «محمد فوزى، وشكرى سرحان، وهدى سلطان، وعماد حمدى»، الذى نشأت بينهما علاقة حب، أدت إلى زواجهما فيما بعد. «محمد كريم» ومحاولة «نور بعد الظلام» أما المخرج، وكاتب السيناريو الراحل «محمد كريم»، وهو أحد أهم العلامات السينمائية، فقد أظهرت مذكراته، المعنونة ب«مذكرات محمد كريم..فى تاريخ السينما المصرية»، والتى نشرت عام 2006، أنه ضحى بفيلم كان قد أنجز كتابة أغلبه قبيل الثورة، من أجل إنتاج فيلم آخر يدور حول رجال الثورة. ويشير بأصابع الاتهام إلى الموسيقار «محمد عبدالوهاب» بأنه كان السبب فى إهدار هذا العمل، ونسبه لنفسه باسم آخر فيما بعد، على الرغم من ارتباط اسم المخرج مع الموسيقار لفترة زمنية طويلة، نظرًا لأن «كريم» كان قد أخرج له الأفلام السبعة، التى قام ببطولتها الأخير، من فيلم «الوردة البيضاء» الذى عرض عام 1933، حتى فيلم «لست ملاكًا» الذى عرض عام 1946. المخرج حكى معايشته لتلك الأيام تفصيلًا، فقال: «نحن الآن فى أول شهر يوليو سنة 1952، والحكومة على مأثور العادة مع الملك فى «الإسكندرية»، والناس تقرأ الصحف كل صباح لترى أنباء تأليف الوزارات وسقوطها، وهو الأمر الذى يتم بسرعة منذ «حريق القاهرة»». مضيفًا: تليفون من «عبدالوهاب» يطلب منى السفر للإسكندرية للاجتماع به هناك وعرض مشروع قصة أعدها المحامى «محمد كامل حسن»، وأسماها «الموسيقار»، ولم ترق لى. لكنه قال إنه معجب بها، ودفع لصاحبها 750 جنيها، مما أوقعنى فى ورطة بالغة.. لكنى وعدته بإدخال بعض التعديلات اللازمة لتصبح صالحة للسينما، ثم عدت إلى «لقاهرة» 3 يوليو، وأدخلت مع المحامى بعض التعديلات إلى أن فرغنا من نصفها.. وقبل أن يصل العمل لنهاية رغبت فى مراجعة التعديلات مع «عبدالوهاب»، وتم الاتفاق على اللقاء فى «الإسكندرية» فى 23 يوليو.. ولكن قبيل سفرى فى صباح هذا اليوم، جاءنى هاتف سمعت أن الطرق كلها مغلقة، وأن الجيش قام بثورة، وأسرعت إلى الراديو، وإذا ببيانات تذاع، ومارشات عسكرية تتلوها أن موضوع الثورة حق.. إذن فلا سبيل للإسكندرية حتى تتبين حقائق الثورة». ثم تساءل إن كانت تسطيع نداءات الجيش، وحركته أن تضع حدًا لمهزلة الحكم، التى عشاتها البلاد، وبلغت ذروة إسفافها فى الشهور الأولى من عام الثورة؟.. موضحًا أن اليوم التالى جاء، وجلب معه العديد من البيانات الثورية، والشعب ملأ الشوارع هاتفًا، ومع ذلك عاود المخرج اتصالاته لتجديد الموعد. وفى يوم 25 يوليو أكد أن اللقاء لم يشمل الحديث عن فيلم «الموسيقار»، بل عن الثورة، خاصة وأن «الإسكندرية» نفسها كانت تواصل مظاهراتها الصاخبة ضد الملك الطاغية. وفى يوم 26 يوليو عاد «محمد كريم» إلى «القاهرة» لاستكمال قصة الفيلم. إلى أن كتب خطابًا ل«عبدالوهاب» يوم 4 أغسطس يطلعه فيه، أن المحامى ليس جادًا فى استكمال القصة، لأنه أخذ حقها مسبقًا، وبالفعل توقف عمل القصة. وفى 18 أغسطس قام بزيارة إلى الكاتب الراحل «محمد حسنين هيكل»، الذى كان رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» حينها، وكانت المجلة تحمل حملة ظالمة –من وجهة نظر كريم- مستمرة على السينما العربية.. فحكى ما دار فى الزيارة، أن: «لفت نظرى صورة فى مكتبه لقائد عسكرى ذى ملامح قوية، فسألت عنه، فرد: «ألا تعرفه.. إنه البطل أحمد عبدالعزيز»، فعلق كريم: «سمعت عنه، وقرأت الكثير عن بطولاته»..ومن ثم تدفق «هيكل» شارحًا بطولة هذا الفدائى العظيم، ومواقفه فى حرب فلسطين، وأنهى حديثه فجأة، وسألني: «لماذا لا تخرج فيلمًا عن ثورة الجيش؟». وراقت لى الفكرة بمجرد إبدائها، ووعدته بإعدادها فى أسرع وقت، لكى أعرضها عليه، ونناقشها معًا.. وفى نهاية الزيارة وعده «هيكل»، بأن تخفف المجلة من الحملة على السينما ورجالها». أما تنفيذ الفيلم، فسرد أن إعداده للقصة تطلب أسبوعين، ثم ذهب لدار الأخبار، وصحب معه مدير الدار، الدكتور «قاسم فرحات»، والناقد «جليل البندارى» ليسمعا مع «هيكل» هذا الموضوع، الذى راق للأخير تحديدًا.. وبعد أن عاد «محمد عبدالوهاب» فى 5 سبتمبر من «الإسكندرية»، أقنعه بعد اجتماع صاخب بترك فكرة فيلم «الموسيقار»، ومن ثم تطرق للحديث حول قصته الجديدة، التى أسماها «نور بعد ظلام» التى تناولت حالة «مصر» قبل الثورة، وبعدها. وبالفعل سجل «عبدالوهاب» أغانى من الفيلم، وهو «الصبر والإيمان، والكاس بين إيديه»، وبدأ البحث عن البطلة، ورشحت الجرائد كلا من: «ماجدة، فاتن حمامة، شادية، وليلى مراد».. بينما قدم «محمود ذو الفقار» ل«محمد كريم» الفنانة «مريم فخر الدين»، التى وافق عليها مبدئيًا..لكن يبدو من بين السطور، أن «كريم» قد فكر فى النجمة «راقية إبراهيم» تحديدًا، لأنه وضع جملة اعتراضية أثناء السرد، كتب فيها: «كان هذا يجرى بينما كانت «راقية إبراهيم» نفسها فى «أمريكا». ثم سرد تفاصيل توقف هذا العمل أيضًا، بأنه: «فى 14 ديسمبر 1952، وافقت إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية على سيناريو الفيلم، وكان علينا أن نبدأ فى التصوير، لكن «عبدالوهاب» كان يرجئ بدء العمل من أسبوع لأسبوع، إلى أن فوجئت وسمعت أغنية «الصبر والإيمان» فى الإذاعة، وهى من أغانى الفيلم، وعندما سألته عن هذا الحادث الغريب، غير المسبوق، قال إن إذاعتها مجرد دعاية..وأذيع فى الصحف بعدها النبأ التالي: «اشترك الموسقار «عبدالوهاب» فى تمثيلية إذاعية باسم «الصبر والإيمان»، وقد أذيعت أول أمس، ونحن نعرف أنها أغنية من بين الأغانى التى سجلها «عبدالوهاب» خصيصًا لفيلم «نور بعد الظلام»، الذى كان يزمع إنتاجه فى العام الماضى، وإعطاء هذه الأغنية للإذاعة دليل على أن هذا الفيلم لن يرى النور».. وللآن لا أعرف ما سبب تنحى «عبدالوهاب» عن إنتاج الفيلم!!» ومع ذلك ظل «محمد كريم» مخلصًا، ليس ل«عبدالوهاب»، إنما للوطن، ففى 18 مارس عام 1953، طلب منه الموسيقار مقابلته فى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بإدارة الشئون العامة، من أجل إخراج نشيد «عاشت مصر حرة والسودان.. دامت أرض النيل فى أمان» للشاعر «مأمون الشناوى»، وتلحين «عبدالوهاب» تبرعًا، فحكى، أن: «طلبت أن يتحرك ضابط معى، وتم ترشيح اليوزباشى «وهى تعادل رتبة النقيب الآن» «جمال الليثى»، واتفقنا مع المصور، وفى أول شهر أبريل قمنا بتصوير أول منظر للنشيد، وانتهينا من التصوير فى 7 مايو، وفى عشرة أيام أنهيت عملية المونتاج، والطبع، وكان يوم العرض المقرر، هو 20 مايو». وكانت مدة هذا النشيد أربع دقائق ونصف، يحتوى فيها على 82 منظرا مختلفا، كل منظر منها يعبر بالكلام والصورة عن المعنى المراد. وعلق المخرج عليه قائلًا: «كنت سعيد جدًا بعدما عرض فى 11 يونيو 1953، وعبرت عن أملى فى التعاون بين السينما والجيش بعد تلك التجربة». ومن ثم كتب المخرج مقاله يطلب فيها التعاون بين الطرفين المذكورين. ماجدة.. وتمثيل مصر يبدو من مذكرات النجمة «ماجدة»، أنها كانت متضاربة المشاعر، أثناء قيام الثورة.. حيث كانت متأرجحة بين الحزن على رحيل الملك «فاروق» تارة، ومؤيدة للثورة تارة أخرة.. ولم يتضح إن كان كلا الشعورين نابع من داخلها، أم مجرد تأثر بعائلتها، التى اتسمت بنفس التضارب. كتاب «مذكرات ماجدة» الذى نشر هذا العام، للكاتب «السيد الحرانى»، أوضحت فيه «عذراء الشاشة» أنها تتذكر جيدًا العيون الباكية من قبل أسرتها، وأصدقائها حزنًا على رحيل الملك «فاروق»، نظرًا لرؤيتهم الخاصة، كونه مثلهم الأعلى فى النبل، والأخلاق، والوطنية !!! ورغم من أنها لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها، فإنها اعترضت على التهم كما وصفت التى لفقت إليه، بأنه زير نساء، ولا يفعل شيئا فى حياته سوى شرب الخمر..مؤكدة أن جميع خدمه، وحراسه حزنوا عليه حزنًا شديدًا. ثم أضافت أنها مع ذلك، لم تكن ضد الثورة المصرية أبدًا. كما أن عائلة «آل صباحى» كانت مساندة قوية قبل الثورة، وبعدها، وكان لهم دور وطنى كبير.. حيث كان أخوها «مصطفى» من أشد داعمى الثورة، الذى كان يجتمع بأصدقائه فى المنزل، من أجل مناقشة مكاسب الثورة بجلاء الإنجليز.. أما هى فقد توقعت بأن تحسن تلك الصحوة من وضع السينما المصرية أكثر وتدفعها للأمام، لأنها رأت من وجهة نظرها ، أن أى ثورة معتدلة، من الطبيعى أن يكون على رأس أولوياتها صناعة السينما، لأنه على أساسها تقاس الحضارات. مؤكدة أن حياتهم الأسرية أضحت فى حالة استقرار بعد تلك الفترة. وحسبما سردت «ماجدة» بأنها لم تشعر بسعادة، وفخر بنجاح فيلم «أين عمرى»، إلا عندما رشحها رجال الثورة، لأن يمثل الفيلم مصر فى مهرجان «برلين» ليكون دليلًا قويًا على اعتراف المجتمع الدولى، بأول فيلم مصرى يحمل هوية الدولة الجديدة «الجمهورية» بدلًا من «المملكة»، ولقد كانت سعادتى لا توصف بهذا الشرف العظيم، الذى منحته الدولة لى، وكانت هذه المرة الأولى فى حياتى التى أسافر فيها للخارج». هيتشكوك مصر.. رجل أفعال وليس أقوال. فى كتاب تكريم المخرج «كمال الشيخ»، الذى كتبه الناقد الكبير «كمال رمزى» تحت عنوان «نصف قرن من الإبداع»، يتضح مدى تأثر المخرج المصرى بثورة يوليو، لكنه قرر أن يؤيدها على طريقته الخاصة، من خلال تجسيد الأحداث بحرفية شديدة، على شاشات العرض الكبيرة. فحكى «هيتشكوك مصر»، أن فيلم «سادة المعارك»، الذى عرض بعد الثورة بعام، دارت قصته كما كان يريدها، بأن مجندًا من الريف يلتحق بالجيش، ومن خلال مشاهد الفيلم يتعرف الجمهور، كيف تطور هذا المجند إلى وضع أفضل، لأنه يتعلم الأسلوب المنظم، ويستمع للموسيقى، ويقوم بالكثير من الأنشطة الحضارية..فقال: «أردت أن أقول أن الجيش لا يأخذ الشخص القروى، ويعلمه ضرب النار فحسب، وإنما هناك أمور حضارية تعمل على تغييره». أما فى عام 1954، فسرد أن فيلم «الجلاء» كان مطلوبًا بسرعة، ولم يكن فى حوذته مادة، سوى بعض اللقطات، التى صورت أثناء ترحيل القوات الإنجليزية من القناة.. وعليه اتصل بأحد الكتاب السياسيين، الذى لم يستطع أن يتذكر اسمه أثناء سرده، من أجل كتابة تاريخ سريع عن قصة الاحتلال الإنجليزى ل«مصر» حتى الجلاء. بدرخان.. ومصطى كامل منعت حكومة العهد الملكى فيلم «مصطفى كامل» من الإنتاج، ثم من العرض.. رغم أن مخرج هذا الفيلم «أحمد بدرخان» أحد رواد صناعة السينما، ويحمل أصولا تركية ملكية، حيث كان جده «خورشيد طاهر باشا»، أحد القيادات العسكرية الأرناؤوطية التركية للجيش العثمانى فى «مصر». «بدرخان» أنفق على الفيلم مبالغ طائلة، أدت إلى استدانته فيما بعد، بالإضافة إلى تصويره إياه فى جو مريب يملأه التهديد. لكن بعد قيام الثورة، وإزالة الحواجز من طريق عرض الفيلم الوطنى، الذى يصور كفاح الشعب المصرى، عرض الفيلم فى سينما «ريفولى» فى 14 نوفمبر 1952.. بعد أن عانى مخرجه كثيرا من أجل خروجه للنور..لتأتى الثورة وتحقق حلما كان من الممكن أن يقضى عدم تحقيقه على واحد من أهم وأروع المخرجين فى السينما المصرية.