أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    مصر وجنوب السودان.. خطوات هامة نحو تعاون مثمر في مجال المياه    المقاومة العراقية تستهدف قاعدة جوية إسرائيلية في مدينة إيلات    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    عاجل.. مقتل امرأة وإصابة 24 في قصف روسي على خاركيف ومحيطها    سيف زاهر يكشف موعد تحديد الرباعي المشارك ببطولات الأندية الإفريقية    أحمد سامي: كنا قادرين على الفوز ضد الزمالك بأكثر من هدف والبنا لم يكن موفق    حملات تموينية على المخابز السياحية في الإسكندرية    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    أنغام تتألق ب "فنجان النسيان" في حفلها ب دبي (فيديو)    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    الجرام يتجاوز ال3500 جنيه.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم في الصاغة بعد الارتفاع    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    طاقم حكام مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سينما فلسطين» تشرب من نفس كأس ظلم القضية
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 12 - 2015

خلال مسيرة الفيلم العربي برزت محاولات جادة وطموح للتعبير عن الواقع الفلسطيني، ولكن هذه المحاولات سرعان ما اختفت تحت وطأة طوق الاحتكار السينمائي الذى كان يعمل بوعي ويقظة للحيلولة دون قيام سينما عربية هادفة،
إلا أن تطور الأحداث السياسية دفع بالضرورة إلى سينما جديدة، لكنها هى الأخرى لم تكن بمستوى الطموح بقدر ما كانت بمستوى الأحداث، لذا جاء أغلبها إصلاحيا فى موضوعه ومثقلا بتركات الفيلم التقليدي في شكله، لكن عمق الجرح الفلسطيني أفرز قدرات شابة مؤمنة بالجماهير ودفعها نحو تحقيق أفلام سينمائية تتحدث بجرأة عن القضية الفلسطينية، وعن المقاومة المسلحة التى يخوضها الشعب العربي الفلسطيني.
"فتاة من فلسطين"
شغلت قضية النكبة الفلسطينية عام 1948، التي أعقبها تأسيس دولة إسرائيل، وتشريد أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم، خيال الكثير من المبدعين العرب الذي قدموا أعمالا فنيه تناولت هذه الفترة، وكانت البداية من خلال المنتجة السينمائية الواعية وإحدى رائدات السينما المصرية "عزيزة أمير" التى أنتجت، وكتبت قصة وسيناريو فيلم ( فتاة من فلسطين) بطولة «سعاد محمد، ومحمود ذو الفقار، وصلاح نظمي»، الذى تعرض لقصص الفدائيين الفلسطينيين الذين يفضلون الموت على الاحتلال الصهيونى، من خلال قصة فتاة فلسطينية تدعى سلمى، هاجرت من بلادها إلى القاهرة بعد مقتل والدها على يد عصابة عسكرية صهيونية، وفى القاهرة تعيش مع أهل أمها، وترتبط بقصة حب مع ابن خالتها، ضابط الطيران عادل الذى يذهب للحرب، وتصاب طائرته، ويكاد يفقد حياته، ويتوهم بأن رصابته التى حدثت له تعيقه عن الزواج، وتبدأ معاملته مع سلمى تتغير للأسواء، ويعاملها بخشونة حتى تبتعد عنه، لكنها ترفض، وتصر على أن تظل بجانبه!
وبعد النجاح الجماهيري لهذا الفيلم عاودت المنتجة عزيزة أمير الحديث عن فلسطين في فيلمها (نادية) عام 1949 الذى قامت ببطولته مع "محمود ذوالفقار، شادية، شكري سرحان، صلاح نظمي، سليمان نجيب"، إخراج فطين عبدالوهاب، الذي يدعو إلى عدم التخلى عن فلسطين "فليس من أخلاق العربي أن يسكت على الظلم، ويقفل على نفسه بابه ويسيب جاره تحت رحمة المغتصبين" كما جاء على لسان البطلة ، ثم تدور باقي الأحداث التى تتحدث في كثير منها عن فلسطين.
«الله معنا»
وبعد صمت أربع سنوات، تعود السينما إلى أجواء حرب "فلسطين 1948 " فتقدم ما بين" 1953 – 1956" ثلاثة أفلام هى «الله معنا» و «أرض الأبطال» «وداع فى الفجر» التى تتناول صفقة الأسلحة الفاسدة التي تسببت في خسارة الحرب، لكنها كانت مفجرة لثورة يوليو« 1952» والتخلص من النظام الملكي الفاسد، وفى الأول يتحدث عماد حمدي بلهجة تفيض بالشجن، عن ذلك الوطن المغتصب، نتيجة الخيانة والفساد، والفيلم قصة إحسان عبدالقدوس، بطولة "فاتن حمامه، عماد حمدي، ماجدة، حسين رياض، عمر الحريري"،إخراج أحمد بدرخان، أما الثاني «ارض الابطال» فيتحدث عن صدمة أحد الشباب عندما يعلم أن والده الثري يقوم بتوريد أسلحة فاسدة إلى الجيش، مما يتسبب في فقدان الابن لبصره خلال إحدى العمليات، الفيلم قام ببطولته كوكا وعباس فارس، إخراج نيازي مصطفي، أما "وداع في الفجر" والذى ظهر فيه "حسني مبارك" ككمبارس متكلم، فتدور أحداثه حول أحمد الضابط فى سلاح الطيران الذى تسقط طائرته فوق خطوط الأعداء، ويقع في الأسر، ويعلن اسمه في عداد المفقودين، تضع زوجته طفلا، ويستولى عليها الحزن واليأس، لولا عناية مدرس شاب كان يسكن بجوارها، وكان يحبها في صمت ويكتم هواه، ثم يرد إليها نبأ رسمي بوفاة زوجها، فتصاب بصدمة شديدة، تنتهي بشلل في ساقيها، وتدور باقي الأحداث التى تنتهى بظهور الزوج من جديد ليقلب الأحداث!
«أرض السلام»
كان فيلم "أرض السلام" الذى صور عام" 1956 وعرض 1957 "بطولة "فاتن حمامه وعمر الشريف، فايدة كامل"، إخراج كمال الشيخ، من أول الأفلام التي صورت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه لم يخرج من نمطية الصورة الذهنية عن القضية، حيث يصور الفيلم معارك الفدائيين من أجل تحرير فلسطين، والصعوبات العديدة التي يلاقونها جراء نسف خزانات الوقود، وبعد انتهاء العمليات يعود "البطل والبطلة" دون أن يتمكن الإسرائيليون منهما، وتنمو علاقة صداقة ثم حب ينتهي بالزواج.
«صلاح الدين الأيوبي»
يعد فيلم " الناصر صلاح الدين" واحدا من أهم الأفلام التى أنتجت عام 1963 تدور أحداثه حول فترة من حياة القائد صلاح الدين الأيوبي، وهي فترة الحروب الصلبية ومحاولة صلاح الدين إثبات أن القدس كأرض ومكان مقدس للمسلمين فالفيلم يناقش قضية الأرض.
ورغم أهمية الفيلم إلا أن كثيرا من الباحثين والنقاد أخذ عليه إنه كان فيه إسقاط واضح جدا على قضية القومية العربية والعروبة، وكأن المقصود من الفيلم إبراز شخصية الرئيس "عبد الناصر" وليس صلاح الدين، إضافة إلى تصوير صلاح الدين في الفيلم على أنه منقذ العرب والعروبة وهو ما كان يريده "عبد الناصر" فلم يكن صلاح الدين عربيا من الأساس بل كان كردي الأصل.
الفيلم قصة يوسف السباعي، سيناريو وحوار محمد عبد الجواد ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوى، بطولة أحمد مظهر،نادية لطفي، صلاح ذو الفقار، حمدي غيث، عمر الحريري، محمود المليجي، ليلى فوزي،إخراج يوسف شاهين.
«فداكي يا فلسطين»
كانت فترة الستينات هى الأكثر غزارة في تاريخ السينما المصرية، ورغم هذا ابتعدت تماما عن القضية الفلسطينية، ولم تتناولها في أحد الأفلام المصرية الروائية، حيث أننا لم نشاهد أي عمل سينمائي يذكر حول فلسطين التي شهدت عدة أحداث أليمة، وإن كانت بعض الأفلام التسجيلية تحدثت عن أثار حرب فلسطين، لكن ومع حدوث النكسة بدأ وعي المنتجين والفنانيين المصريين والعرب يختلف ويشعرون أن عدوهم واحدا، لهذا ما أن طلبت الفنانة الراحلة سناء جميل كما روت لي فى حديث بيننا لمجلة "الأهرام العربي" للقيام ببطولة الفيلم اللبناني " فداكي يا فلسطين" الذى أنتج عام 1969 ، حتى سارعت بالموافقة والسفر إلى الأردن لتصوير الفيلم هناك، والذى شاركها بطولته "محمود سعيد، طلحت حمدي"، إخراج أنطوان ريمي، تدور أحداثه حول أم تعشق بلدتها فلسطين، وتدفع أولادها الثلاثة إلى الإنضمام إلى منظمة فدائية حيث ينخرطون فى حركة المقاومة المسلحة بعد أن يتأكد لهم أن السبيل الوحيد لتحرير بلادهم، يجب أن يمر عبر فوهة البندقية، ويستشهد الثلاثة فى أرض المعركة، وعندما تعلم الأم باستشهادهم لم تبك ولم تنهار، ولكنها قالت : " أولادي فداكي يا فلسطين".
ونفس الأمر حدث مع الفنانة سهير المرشدي ففى عام 1971 قامت ببطولة الفيلم السوري " السكين" عن قصة الكاتب الكبير غسان كنفاني " وشاركها البطولة رفيق سبيعي، وبسام لطفي"، وإخراج خالد حماده، والذي عالج جانبا من القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر.
رائعة «المخدعون»
يعتبر الفيلم السوري "المخدعون" الذى قام بإخراجه المصري توفيق صالح، هو أيقونة أفلام القضية الفلسطينية، لا يضاهيه إلا فيلم " كفر قاسم" لبرهان علوية، و"المخدوعون" مقتبس عن رواية "رجال تحت الشمس" للكاتب الفلسطيني "غسان كنفاني"، والتي تناولت أوضاع مجموعة من العمال الفلسطينيين في العراق، وتبرز مشاهد النكبة من خلال ذكريات أحد العمال عن قريته التي غادرها عام 1948.
ويقول المخرج الكبير توفيق صالح عن هذا الفيلم : " لا أبالغ حين أتحدث عن شعوري بالاغتراب داخل بلادي، وعندما تسود الظلمة لابد أن تبحث عن شعاع من النور، وهناك وطن كبير أنتمي إليه وبوسعي أن أفعل شيئا له، وقد استقر عزمي منذ أكتوبر 1969 على أن أهبط فى دمشق!.
ومن ثم يمثل " المخدعون" طفرة فى وعي القضية الفلسطينية، وتدور الأحداث حول ثلاثة من الفلسطينيين ممن شردهم الاحتلال الإسرائيلي خارج أراضيهم، واتخذت مصائرهم خطوطا متباينة، ويتابع الفيلم قصة أبطاله الثلاثة، وكل على حدة فى ضياعه وتشرده إلى أن يلتقوا ويتفقوا مع سائق شاحنة على تهريبهم إلى الكويت عبر الطريق الصحراوي، لكنهم يموتون دون غايتهم قبيل بلوغ هدفهم.
وعن سبب إخراجه لهذا الفيلم قال صالح لي: شعرت بعد أحداث سبتمبر واستشهاد عبدالناصر أن شحنة الغضب لا تزيلها إلا شحنة أخرى ينفجر بها "رجال تحت الشمس"، الذى قام ببطولته "عبدالرحمن آل رشي، بسام أبوغزالة، صالح خلقي، عدنان بركات، يوسف حنا، ثناء دبسي.
«الظلال على الجانب الآخر»
أفرزت نكسة يونيو 1967 جيلا من المخرجين السينمائيين الواعين بالقضايا السياسية التى يمر بها العالم العربي، ومن أهم القضايا " قضية فلسطين"، من هؤلاء المخرج الفلسطيني المقيم فى مصر "غالب شعث"، حيث حاول طرح القضية الفلسطينية، دون افتعال، وبأسلوب بعيد عن الضجيج والثرثرة، من خلال فيلم "الظلال على الجانب الآخر" 1973، الفيلم قصة محمود دياب، سيناريو وحوارشعث، بطولة "نجلاء فتحي، محمود ياسين، محمد حمام، عايدة عبدالعزيز، محمد لطفي".، وقد طرح الفيلم جوانب من القضية عبر طالب فلسطيني يدرس في القاهرة، ويسكن مع أربعة من الشباب المصريين، داخل عوامة، بصورة أقرب ما تكون للرؤية الشاملة للأوضاع، ونفاذ البصيرة لواقع بليد، متخلف، وهزيمة أوسع، وأعمق من هزيمة 1967 العسكرية نفسها، لكن الهزيمة لم تكن النهاية، بل خطوة ضرورية ألزمت الجميع بالتفكير والتدبير بأن البندقية هي التي ستفتح الطريق للمستقبل، من خلال المقاومة.
«عملية شناو»
أثناء افتتاح أول دورة لمهرجان دمشق السينمائي عام 1977، تم عرض الفيلم الفلسطيني "عملية شناو" بطولة عدة نجوم عرب من مصر "عزت العلايلي، ماجدة الخطيب، من سوريا أسعد فضة، أديب قدورة، فضلا عن ممثلين من فلسطين والجزائر"، وقام بإخراج الفيلم سمير سيف.
وعن ظروف إخراجه لهذا الفيلم يقول سمير سيف: بعد إنتهائي من أول أفلامي "دائرة الانتقام" والذى لم يكن قد عرض بعد، اتصل بي الدكتور رفيق الصبان، بصفته مشاركا فى كتابة السيناريو مع الدكتور "على عقلة عرسان" لإخراج هذا الفيلم الذى يحكي قصة حقيقية جرت أحداثها فى سبتمبر عام 1973، قبيل حرب أكتوبر، عندما قام فدائيان فلسطينيان باحتجاز بعض ركاب القطار الذى يحمل المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى "قصر شناو" فى النمسا تمهيدا لإعطائهم جوازات سفر إسرائيلية وترحيلهم إلى إسرائيل، وكانت مطالب هذين الفدائيين إغلاق هذا المعسكر وإيقاف هذه الهجرة، وقد استجاب المستشار "برنوكرايسكي"، وأغلق هذا المعسكر، ويستطرد سيف ويقول: كان سبب تسجيل هذه العملية أنها حققت أهدافها بالكامل دون أن تراق فيها نقطة دم واحدة.
«الأقدار الدامية»
لم يتوقف الحديث عن القضية الفلسطينية وتداعياتها على حقبة معينة دون الأخرى ففى كل حقبة نجد فيلما أو اثنين يرجعان بنا إلى حرب فلسطين، فمع مطلع الثمانينات شهدت السينما المصرية عام 1982 فيلم جديدا عن النكبة هو "الأقدار الدامية" الذى يعتبر أول أفلام المخرج خيري بشارة صاحب أشهر الأفلام التسجيلية فى حقبة السبعينات، سيناريو وحوار الجزائري علي محرز، بطولة "نادية لطفي، يحيي شاهين، أحمد زكي"، ومجموعة من الفنانيين الجزائرين بحكم أن العمل إنتاج جزائري.
يبدأ الفيلم من خلال حفل في بيت اللواء المتقاعد "محمد حلمي باشا"، وفيه يعلن أحد الوزراء أن جلالة الملك أصدر أمره السامي بدخول الجيش المصري حرب فلسطين لطرد العصابات الصهيونية من هناك، ويضيف : منذ ساعات أعلن القائد العام للقوات المسلحة أن الحرب لن تستغرق أكثر من أسبوعين، ويستطرد وعلى حد تعبيره ستكون نزهة للجيش المصري فى فلسطين، وأصدر مرسوما لإستدعاء اللواء محمد حلمي للخدمة العسكرية مرة ثانية حتى انتهاء هذه العملية، لكن الأحداث تتطور سريعا وتحدث العديد من المفاجآت في الحرب وفى محيط أسرة اللواء حلمي باشا.
«ناجي العلي» الوطن والحرية
بعد " الأقدار الدامية" غرقت السينما المصرية طوال حقبة الثمانينات في أفلام المخدرات وتغيب الوعي، والكوميديا الساذجة الخالية من المضمون أوتقديم رسالة هادفة، باستثناء أفلام قليلة جدا لمجموعة من المخرجين المثقفين، من هؤلاء "عاطف الطيب" الذى قدم عام 1990 فيلمه المثير للجدل "ناجي العلي" الذى يعتبر أحد أهم الأفلام التى قدمت عن القضية الفلسطينة رغم إنه لم يتحدث عن معارك أو بطولات، فالفيلم كما قال لي الراحل الكبير نور الشريف: فيلم عن الوطن والحرية، الوطن فلسطين وهي القضية القومية الأهم ومحور الصراع العربي الصهيوني، والحرية هي المشكلة المركزية في وضعنا العربي.
النقطة الأساسية في الفيلم كانت عن القضية الفلسطينية من خلال مأساة فنان مبدع وملتزم، ولأول مرة نجد في السينما المصرية فيلماً يتعرض لرمز ثقافي نضالي فلسطيني، هو محور السرد فى الفيلم، من خلال استعراض أحداث وتواريخ تتعلق بفلسطين وقضيتها الوطنية، إلى أن يأتي الختام بتوقف قلب ناجي العلي، داخل مستشفى بلندن "عقب اغتياله" صيف عام 1987، الفيلم تأليف بشير الديك، إخراج عاطف الطيب، بطولة "نور الشريف، ليلى جبر، أحمد الزين، محمود الجندي".
«باب الشمس»
وبعيدا عن صورة البطل أو الضحية أو الصورة التقليدية للفلسطيني التى أعتدنا رؤيتها في كثير من الأفلام المصرية والعربية، قدم المخرج يسري نصرالله عام 2004 فيلمه الجميل " باب الشمس" المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للأديب اللبناني "إلياس خوري"، الذى يعد فيلما ملحميا تناول القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى منتصف التسعينيات، متحدثا فيه عن وقائع النكبة، وقد نجح " باب الشمس" فى ثنائية "الرحيل والعودة "، في تقديم القضية الفلسطينية التي حكمت المشهد السياسي العربي طيلة 67 عاماً بشكل أنساني وعقلاني اعاد للقضية نفسها حضورها الانساني في العالم حين عرض في أوروبا والعالم العربي وأعاد التذكير بأن فلسطين ليست مجرد عمليات تفجير وقتل وليست مجرد علم اسرائيلي يحرق أو مشاهد لقتل الاطفال والنساء بل هي تاريخ من لحم ودم.
أفلام تجارية استغلت القضية
وبعيدا عن هذه الأفلام الجادة التى حاولت تقديم حقائق موضوعية عن واقع الشعب الفلسطيني وثورته المسلحة، قدمت السينما العربية بمشاركة بعض الفنانيين المصريين نوعا من الأفلام التجارية، التى اعتمدت كليا على الخيال، بقصد الإثارة وجلب المتفرجين بأى ثمن، وقد استغلت هذه النوعية تعاطف الجماهير العربية مع الثورة الفلسطينية، فشاهدنا على الشاشة عصابات "ويسترن أمريكية"، تنكرت فى زي فلسطيني، ووضعت أقنعة "الكاوبوي"، وراحت توهمنا بأن حل القضية الفلسطينية هو الدخول مع إسرائيل فى معركة بالأيدي، وأنه لا حل على الإطلاق ما لم نعثر على بطل من الأبطال الخارقين للعادة، ومن هذه الأفلام الفيلم اللبناني "قصة عربية" للمخرج المصري خليل شوقي، وفيلم "الفدائيون" لفريد شوقي وغسان مطر، و"أصحاب ولا بيزنس" إخراج على أدريس، وبطولة "مصطفى قمر وعمرو واكد وهاني سلامة"، و"بركان الغضب" إخراج مازن الجبلي الذى يتحدث عن إنتفاضة الأقصى بشكل تجاري رخيص.
السينما السورية
وعلى عكس السينما المصرية التى قدمت صورة نمطية فى كثير من أفلامها، خاصة التجارية منها للقضية وللمقاومة الفلسطينية، قدمت السينما السورية عدة أفلام هامة تليق بالحدث، وتنوعت طرق التناول والمعالجة تبعا للرؤى الفكرية والفنية التي ينطلق منها صناع الفيلم، فغاصت في جوهر القضية، لافتة إلى جذور الأسباب وعبر أساليب بسيطة وهادئة تتيح وصول الفكرة بشكل مؤثر وفعال، من أهم الأفلام "ثلاث عمليات داخل فلسطين" من إخراج الفلسطيني "محمد صالح كيالي"، وفيلم "عملية الساعة السادسة" و"فدائيّون حتى النصر - 1971" إخراج سيف الدين شوكت، و"السكين – 1972" لخالد حمادة، عن رواية كنفاني أيضا "ما تبقّى لكم".
كما حظى الكاتب نفسه بالاهتمام في العقود التالية مع "عائد إلى حيفا -1982" للعراقي قاسم حول ، و" إكليل الشوك" للمخرج نبيل المالح عام 1969، وهو ينتمي إلى السينما الروائية القصيرة مدة الفيلم 20 دقيقة، و"رجال تحت الشمس" وكان عبارة عن ثلاثة أفلام روائية قصيرة تناولت القضية الفلسطينية من ثلاثة جوانب مختلفة، وهي "اللقاء" لمروان مؤذن، ويحكي عن حياة أفراد المقاومة الفلسطينية ، و"المخاض" لنبيل المالح الذي يدور حول ولادة الثورة الفلسطينية ،و"الميلاد" لمحمد شاهين الذي تحدث فيه عن ولادة الفلسطيني الجديد في المقاومة، كما قدما فيلمي "الزيارة" لقيس الزبيدي، و"اليد" لقاسم حول وهما مخرجان عراقيان عملا في إطار السينما السورية والفلسطينية.. كما حقق فيلم "مائة وجه ليوم واحد" لكريستيان غازي جائزة النقاد السينمائيين في مهرجان دمشق الدولي الأول لسينما الشباب 1972، وهو فيلم يستند إلى قصة عاملين فلسطينيين، ينتظمان في صفوف الثورة الفلسطينية، وفي عام 1974 أنتجت مؤسسة السينما بالتعاون مع مؤسسة السينما اللبنانية فيلم "كفر قاسم " إخراج برهان علوية عن قصة لعاصم الجندي.. ويعد هذا العمل من أهم أفلام القضية، إذ يتناول مجزرة قرية كفر قاسم التي قامت بها قوات الاحتلال الصهيوني، ويمزج الوثيقة بالرواية ضمن تحليل ناضج، وقدم المخرج مروان حداد فيلمه "الاتجاه المعاكس" عام 1975 ، "ليالي ابن آوى" و "ما يطلبه المستمعون" لعبد اللطيف عبد الحميد، "الترحال" ريمون بطرس، و"شيء ما يحترق" و"الهوية"غسان شميط و" والأحمر والأبيض والأسود" بشير صافية، فضلا عن "المتبقي – 1995" للإيراني سيف الدين داد، والذي قام ببطولته "جمال سليمان" مع عدد من النجوم السوريين، وقدم المخرج "ماهر كدو" عام 2009 واحدا من أهم أفلام القضية الفلسطينية، وهو "بوابة الجنة" حيث يرصد الفيلم الواقع الفلسطيني في الأشهر التي سبقت انتفاضة عام 1987، من خلال عائلة فلسطينية.
وفي النهاية يحسب للسوريين أن فلسطين كانت حاضرة في كثير أعمال السينمائيين المعاصرين منهم ، كما في "الليل" لمحمد ملص، إذ مثّلت روح هذا الفيلم، إضافة إلى أفلام عبد اللطيف عبد الحميد التي لا تخلو من الإشارات إلى فلسطين في سياق تصويرها لتأثير الحروب العربية الإسرائيلية على الناس البسطاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.