بين الوقائع التاريخية والثقافات «الشعبية» تستتر الأسطورة.. تجد لنفسها متسعًا من الحركة والانتشار.. تلعب على قواعد الاعتقاد، وتتغذى على عنصر الإبهار!.. لكن.. عندما تخضعها للبحث والتحقيق ستصيبك الصدمة لاشك! ومن بين سطور الأساطير ستجد النبى دانيال «من أنبياء اليهود» مستقرًا بجسده «مثل عديد من الشخصيات التاريخية» فى كل من العراق ولبنان وإيرانوفلسطين وعلى شاطئ المتوسط فى الإسكندرية! تزعم الأساطير التى نسجت حوله أنه كان ممن تم أسرهم ونقلهم إلى بابل إبان السبى البابلى لبيت المقدس وتدميرها فى زمن نبوخذ نصر، وكان الفرس يبقون على جسده لأنهم كانوا يتمطرون به إذ إنه كلما أخرجوا جسده للعراء تمطر السماء فكانوا يعتبرونها علامه مقدسة شريفة بينهم. ويقال إنه عندما تم أسر دانيال ونقله إلى بلاد ما بين النهرين فى بابل هو ورجال بنى إسرائيل كان الغرض من ذلك التسلية بهم إذ كان البابليون يحفرون حفرا كبيرة ويضعون فيها رجلا من بنى إسرائيل ويطلقون عليه أسدين - نمرين - ليأكلاه. وكانت هذه عادة البابليين بالتسلية. وهذا ما لم يحدث مع دانيال إذ إنهم عندما وضعوه فى الحفرة وأطلقوا عليه الأسود قام الأسدان باللعب معه والتمسح به وكأنما يطلبان العفو منه. وعندما حاول البابليون إعادة الكرة حدث نفس الأمر فعلموا أن هذا الرجل مقدس وأنه نبى وأكرموه وقدسوه. وعندما توفى كانوا يستمطرون به. وقام دانيال بعمل خاتم مرسوم عليه صورة رجل وأسدين يقفان على أكتافه شكرا لله أن نجاه من هذه الأزمة. ليست تلك هى الأسطورة الوحيدة فالأساطير بشأن النبى دانيال يصعب معها الفصل بين الحقيقة والأسطورة لندرة الثوابت فيها، فهذا النبى الذى اجتذب حب وتقديس أتباع الأديان والطوائف المختلفة ارتبط اسمه بالإسكندر الأكبر تارة وبحرب تموز بلبنان 2006 وداعش تارة أخرى. وقبلهم ورد ذكره فى روايات الصحابة وفتوحات المسلمين ومنها الرواية الشهيرة التى تتحدث عن الفتوحات فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأن الصحابة وجدوا خلال فتوحات العراق وفارس قوما يقدسون جثة لشخص ما وهذه الجثة لا يظهر عليها آثار تفسخ الجثث وعندما سألوا عن الجثة أخبرهم أهل تلك المنطقة بأنها لنبى مات لكنهم لا يستطيعون دفنه فعندها ذكر أحد الصحابة (أبو أيوب الأنصارى) بأن هذا النبى هو دانيال وقد أخبرهم النبى محمد صلى الله عليه وسلم بأنه دعا بأن يدفنه أصحاب نبى آخر الزمان فدفنه المسلمون حسب ما رواه الصحابة بأن أمرهم الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بتغسيله والصلاة عليه ودفنه وحفر أبوموسى الأشعرى ومن معه 13 قبرا ودفنوه ليلا حتى لا يعلم أحد مكانه ليعبدوه من دون الله حسب رواة قصة دانيال. فى مصر وعلى الرغم من أن شارع النبى دانيال، حيث يتواجد ضريحه ومسجده يعد من أشهر المحطات الثقافية فى الإسكندرية بسبب باعة الكتب الذين يصطفون على جوانب الشارع فى أكشاك يبيعون فيها كل أنواع الكتب العربية والأجنبية وفى مختلف التخصصات إلى جانب المجلات والمجلدات القديمة والحديثة، لدرجة أن ذاعت شهرة الشارع فى مجال بيع الكتب فى كل أنحاء العالم وعرف ب شارع الكتب، تزداد النبوءات والأساطير وأبرزها قصة الفتاة الجميلة التى ابتلعها الشارع ولم تعد. ويتردد أن الفتاة كانت فائقة الجمال تسير مع خطيبها فى وسط الشارع وفجأة انشق الشارع إلى نصفين وابتلع الفتاة وترك خطيبها وما هى إلا لحظات حتى عاد الشارع مرة أخرى إلى حاله القديم ولم يتمكن أحد من العثور على الفتاة مرة أخرى. هذه القصة ليست الأغرب كما أنها ليست الأحدث عن شارع النبى دانيال الذى اعتاد أعضاء الجالية اليهودية والهنود من البهرة التردد عليه بين الحين والآخر لزيارة صاحب الضريح، فإلى جانب هذه القصة والتى تعود لأربعينيات القرن الماضى، هناك قصة أخرى ترجع إلى الستينيات، حيث تردد أن أرض الشارع ابتلعت أربع فتيات عائدات من المدرسة كما انتشرت شائعة حديثة بابتلاع الشارع لفتاة صغيرة منذ 4 سنوات. والمثير أن تسمية الشارع الذى يعد أطول شوارع الإسكندرية كما يؤكد الأهالى عليها اختلاف شديد فهناك رواية حول بناء عمرو بن العاص لسور حول قبر النبى اليهودى دانيال وآخرين ينسبون التسميه للشيخ محمد دانيال الموصلى أحد شيوخ المذهب الشافعى الذى يؤكد المؤرخون بأنه قدم إلى مدينة الإسكندرية فى نهاية القرن الثامن الهجرى واتخذ من مدينة الإسكندرية مكانا لتدريس أصول الدين وعلم الفرائض على نهج الشافعية وظل بمدينة الإسكندرية حتى وفاته سنة 810 هجريا فدفن بالمسجد وأصبح ضريحه مزارا للناس فى الشارع المعروف باسمه. القصص والمزاعم التى نسجت بشأن الشارع لم يسلم المسجد والضريح منها أيضا فهناك مزاعم كثيرة بأن مقبرة الإسكندر الأكبر موجودة أسفل المسجد وتدعم تلك المزاعم وجود الجبانة الملكية فى تقاطع شارع النبى دانيال مع شارع فؤاد، ولعل أشهر الحواديت التى تدور حول هذا الاعتقاد هى قصة (الجرسون اليونانى ستيليو) الذى عاش فى الإسكندرية وحاول التنقيب أسفل المسجد مرارا منذ عام 1958بحثا عن مقبرة الإسكندر. وعلى غرار المكانة التى يحظى بها النبى دانيال لدى البسطاء من المصريين، تجتذب أضرحة له يعتقد البعض أنها تضم رفاته الآلاف من الناس من جنسيات مختلفة ففى مدينة كركوكالعراقية اعتاد الأهالى الذهاب إلى المزار للدعاء من أجل تحقيق الأمنيات وتخليصهم من الشرور والبلاء والفتن. ورغم الحرب والمحن التى فرقت العراقيين إلا أنهم اتفقوا بمختلف مكوناتهم، كردا وعربا وتركمانا مسيحيين ومسلمين شيعة وسنة دون فرق، على تقديسهم لشخص دانيال والتبرك بضريحه الذى كان بالأصل معبدا يهوديا ثم تحول إلى كنيسة مسيحية ليبنى عليها فيما بعد مسجدا له. كما يذكر أن أهل كركوك القدماء نظرا لمحبتهم له قاموا بدفن موتاهم بجانب المسجد حيث تعتبر المقبرة الموجودة بجانب المسجد من أقدم المقابر فى مدينة كركوك. وبالإضافة إلى العراق ولبنان التى كان يتواجد بها مقام قديم للنبى دانيال فى بلدة كونين الجنوبية والتى تبعد عن العاصمة بيروت بحدود 125 كيلوا مترا حيث يتردد أن النبى دانيال مر فى هذا المكان، ثم أقيم له مزار فيه دمر خلال حرب تموز 2006 وأعيد بناؤه عام 2007. توجد مقابر أخرى يعتقد أنها تعود إلى النبى دانيال إحداها تقع فى مدينة سوسةبإيران وقبر آخر فى قبرص. كما توجد مدينة صغيرة على بعد مئات الأمتار عن مدينة اللد فى فلسطين تعرف ببلدة دانيال أسوة بمقام النبى دانيال. كما يوجد مسجد آخر باسم النبى دانيال فى مدينة الموصل وبالأخص فى منطقة تسمى محلة اليهود وهو قديم جدا يعود إلى مئات السنين ويحكى أنه كان كنيسة ويرتاده الكثير من الزائرين من البلدان المجاورة ومثبت رسميا فى دوائر التسجيل العقارى وبلدية الموصل باسم جامع النبى دانيال وتردد أن داعش قام بهدمه أثناء احتلاله المدينة ضمن تدميره عشرات المراقد فى مدينتى الموصل وكركوك. وكما للنبى دانيال بركات ومعجزات فى البلدان العربية هناك معجزات أخرى فى دول ما يعرف ببلاد ما وراء النهر أو آسيا الوسطى وبالأخص أوزبكستان إحدى الجمهوريات الإسلامية التى انفصلت عن الاتحاد السوفيتى مطلع التسعينيات، حيث يتردد بين الأهالى أن النبى دانيال صاحب الفضل فى وجود عين ماء عذبة بجوار قبره بمدينة سمرقند ويقال إن الأمير تيمور البطل الأوزبكى الشهير أحضر جزءا من جسد النبى دانيال فى إحدى غزواته ودفنه فى سمرقند فى قبر طوله 20 مترا ثم انفجرت عين ماء عذبة صالحة للشرب يتبارك بها الأهالى حتى الآن. ومن البركات إلى الأزمات التى يثيرها النبى دانيال فى مصر، حيث يقود اسمه المطالبات باسترجاع أملاك اليهود، من قبل عدد من الجمعيات التى أسسها يهود سبق لهم العيش فى مصر، بادعاء وجود أملاك تم الاستيلاء عليها بطريقة غير شرعية من قبل الحكومة المصرية أبرزها جمعية النبى دانيال، التى تأسست عام 2003 بفرنسا، وسميت باسم أشهر معابد اليهود بالإسكندرية. وفى إيران أيضا فى مدينة تستر وهى مدينة أحوازية سنية تقع فى محافظة خوزستان أو عربستان وهى إحدى محافظاتإيران الإحدى والثلاثين ومركزها مدينة الأحواز العربية، يثير قبر النبى دانيال مشكلات دينية، حيث يعتقد الأهالى هناك بأن الشيعة واليهود يحجون إلى هذا القبر بشعائر شيطانية. فى هذا السياق أشار الأثرى د.محمود الحلوجى مدير عام المتحف المصرى السابق إلى أن أضرحة آل البيت والأولياء تندرج تحت ما يسمى ب الآثار الإسلامية، ومن بين تلك الآثار الإسلامية مسجد النبى دانيال المتواجد بشارع يحمل اسمه فى الإسكندرية وهو من أعرق شوارع الإسكندرية ومصر كلها ويعود تاريخه إلى الإسكندر الأكبر الذى بنى مدينة الإسكندرية، كما أنه يعتبر حاضنا للأديان السماوية الثلاثة وموحدا لها. وأكد أن شارع النبى دانيال به الكثير من المعالم الأثرية الدينية منها الإسلامى المتمثل فى مسجد النبى دانيال الذى ينسب إلى الشيخ محمد دانيال الموصلى أحد شيوخ المذهب الشافعى الذى ظل بمدينة الإسكندرية حتى وفاته ودفن بالمسجد وأصبح ضريحه مزارا للناس. وقال: لقد ارتبط هذا الجامع بعدة أساطير أشهرها أن النبى دانيال دفن فيه كما ارتبط أيضا بفكرة البحث عن قبر الإسكندر الأكبر إلا أن الأبحاث والحفائر التى أجريت كذبت ذلك. كما يوجد فى منتصف الشارع الكنيسة المرقسية ويوجد أيضا المعبد اليهودى، مشيرا إلى أن أضرحة آل البيت والأولياء، انتشرت فى العصر الفاطمى إلا أن النبى دانيال قصته مختلفة، حيث يتواجد له أضرحة فى كثير من الدول كنوع من أنواع التبرك ولا أحد ينظر له بكونه نبيا لطائفة معينة. وأوضح الدكتور مختار الكسبانى، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة مستشار أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق، أن جميع أضرحة آل البيت والأولياء تندرج تحت ما يعرف باسم مشاهد الرؤية أو مقابر الرؤية وهو مكان ما يتبرك به الناس ويقولون إنه ظهر فيه الشخص سواء نبى أو أحد الأولياء عن طريق الرؤية وليس الرؤية الحقيقية أو الوجود الحقيقى لذلك الشخص ثم يتخذ الناس حوله ضريحا وهناك نماذج كثيرة لذلك ونموذج النبى دانيال بالإسكندرية قيل إنه دفن به شخص مسلم يحمل ذات الاسم. وقال: إن فكرة النبوة نفسها أعطت للنبى دانيال هذه المكانة التى حظى بها فى الكثير من الدول فهم يعتبرونه نبيا من الأنبياء وهو مشهور عند المسلمين كما لدى الديانات الأخرى ولذلك بنى ضريح باسم رجل تبرك به الناس ويحمل اسمه.