لأول مرة فى تاريخ السينما الإسرائيلية، يتم تجسيد شخصية الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» من خلال الفيلم المنتظر عرضه قريبا «الملاك».. ويبدو أن البحث عن ممثل يؤدى شخصية العدو الأكبر لإسرائيل كان من الصعب لدرجة اللجوء فى النهاية لممثل متفرق دمه بين العديد من الجنسيات فهو من عرب 48 أمريكى المولد، وكويتى الجنسية وهو الممثل «وليد زعيتر» الذى درس الفلسفة والمسرح بجامعة «جورج واشنطن». وشارك فى عدة أدوار صغيرة فى بعض الأفلام العربية، منها الفيلم الفلسطينى «عمر» الذى قام فيه بأداء شخصية الضابط الإسرائيلى. كما قدم عدة أدوار هامشية فى أمريكا، أهمها دوره فى الفيلم الأمريكى Sex and The City . فيلم «الملاك» مقتبس عن كتاب بنفس الاسم «الملاك: الجاسوس المصرى الذى أنقذ إسرائيل» من تأليف «يورى بار جوزيف»، وهو مدرس فى قسم العلاقات الدولية، فى كلية العلوم السياسية، بجامعة «حيفا» الإسرائيلية. ويتناول قصة حياة رجل الأعمال المصرى «أشرف مروان»، الذى يشتبه فى كونه عميلا مزدوجا، على الرغم من كونه صهر الرئيس المصرى «عبدالناصر»، والمستشار المقرب لخليفته الرئيس «أنور السادات». وسمى كل من الفيلم، والقصة باسم «الملاك»، لأنه - وفقا للادعاء الإسرائيلى - هو الاسم الذى كان يطلقه جهاز «الموساد» على «مروان»، كما ادعوا أيضا أنه واصل العمل لصالح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حتى عام 1998. الفيلم من إخراج «آريئيل فورمين»، وسيناريو «لوك جاريت، وديفيد آراتا». وقد انطلق من مبادرة شركة «تى تى في» للإنتاج الإسرائيلية، التى تنتج الفيلم بالتعاون مع شركة فرنسية. وقد قامت مؤخرا شبكة «نتفليكس» الأمريكية بشراء حقوق توزيعه وعرضه.. وكانت هذه الشركة قد قامت من قبل بشراء عدد من الأفلام الإسرائيلية، إلا أنها وللمرة الأولى من خلال هذا الفيلم تضخ أموالها فى فيلم مازال فى مرحلة الإنتاج. وقد أكدت مجلة «فاريتي» أن ميزانية الفيلم المقرر عرضه فى أغسطس 2018 بلغت 12 مليون دولار.. فى الوقت الذى رفض فيه أحد منتجى الفيلم «زافرير كوشانوفسكي» التصريح حول الميزانية الفعلية للفيلم لجريدة «هآارتس» الإسرائيلية، والتى ذكرت أيضا أن تصوير الفيلم بدأ فى لندن، فى نهاية يونيو الماضى، وعدة مناطق من المملكة المتحدة، ثم انتقل طاقم العمل إلى بلغاريا، أما المحطة الأخيرة فى تصوير الفيلم فسوف تكون فى المغرب وهناك تحفظ غريب حول أخبار هذا الفيلم من الشركة المنتجة التى تتعامل معه كما لو كان سرا حربيا. شخصية الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» لم تتطرق لها السينما الإسرائيلية من قبل ولم تقدم فى الأفلام الروائية، على الرغم من إنتاج عدة أفلام تنتمى للنوعيات السياسية ويتم فيها تجسيد شخصيات حقيقية، إلا أن شخصية «ناصر» كانت تظهر من خلال صور وثائقية تتم الاستعانة بها فى أجزاء معينة من الأفلام، مثل خطبه الرسمية. فمثلا حرب 1967 التى تناولتها إسرائيل فى حوالى خمسة عشر فيلما وهى الحدث الأكبر فى السينما الإسرائيلية بناء على توجهات ورغبة حكومتها.. فمثلا أحدث فيلم «الرجل الذى حاول منع حرب»، يتناول سيرة رئيس الوزراء الإسرائيلى «ليفى أشكول»، الذى كان وحده فى القيادة السياسية، والعسكرية - وفقا لما جاء ضمن أحداث الفيلم - يعارض الهجوم الإسرائيلى فى 1967 مما خلق فترة انتظار يملؤها توتر أعصاب القادة. كما انعكس هذا المزاج المتوتر أيضا على العلاقة بين «أشكول» و«موشيه دايان»، فتكررت مشاهد تظهر المطالبة الشعبية بالحرب وبإحلال «دايان» محل «أشكول». يذكر أن هذا الفيلم استعان ببعض المواد الحقيقية الأرشيفية للرئيس الراحل «جمال عبدالناصر».. مثلما يأتى فى أحد المشاهد التى يجتمع فيها القادة العسكريون الإسرائيليون فى اجتماع سرى، فنراهم يشاهدون أحد خطابات الزعيم «ناصر» وهو يقول: «اليهود يهددون بالحرب، ونحن نقول لهم أهلا وسهلا بكم، نحن مستعدون للحرب»، وكان الغضب واضحا على ملامح القادة، الذين بدأوا يعلقون على كلام «ناصر». وبالعودة لأوائل الأفلام عن حرب 1967 نجد الفيلم الإسرائيلى «الهدف تيران»، والذى عرض فى نوفمبر 1968 حول الأيام الأولى فى الحرب وتحديدا من الخامس إلى العاشر من يونيو 1967 الفيلم يدور حول إرسال فريق مكون من ثمانية من أفراد الكوماندوز الإسرائيليين، مع قبطانهم بالقوارب، فى مهمة انتحارية بعمق «سيناء» لتدمير محطة رادار عربية مهمة فى «شرم الشيخ» لتمهيد الطريق لغزو القوات الإسرائيلية.. فى أول مشاهد هذا الفيلم تظهر صورة الزعيم «عبدالناصر»، أثناء إلقائه نفس الخطاب الذى استعان به الفيلم السابق، لكن من خلال شاشة تليفزيون صغيرة، لشخص ما يتابع الخطبة. الظهور الأكبر ل«ناصر» جاء من خلال الأفلام الوثائقية التى استعانت بمادة أرشيفية ضخمة للرئيس الراحل منها لقطات وهو يخطط، أو يتفقد معدات الجيش، أو غيرها.. فعلى سبيل المثال فى فيلم «ثلاث ساعات فى يونيو»، وهو فيلم وثائقى عرض عام 1967 أيضا، نجد قصة ثلاث ساعات مصيرية فى حرب النكسة، والتى قضت فيها قوات الطيران الإسرائيلية على القوات الجوية المصرية والسورية والأردنية الفيلم قدم لقطات أرشيفية لخطب «عبدالناصر»، التى كان يحتفظ بها أرشيف الجيش الإسرائيلى، موقعا على اللقطات داخل الفيلم، بعلامة مائية تؤكد ملكيته لتلك المواد. إضافة إلى بعض اللقطات التى كانت تحتوى على عمليات تدريب الجيش المصري.. ولعل هذا الأمر يستدعى الانتباه والتأمل وطرح سؤالا فى غاية الأهمية وهو من أين جاء أرشيف الجيش الإسرائيلى بتلك المواد التى من المفترض أن تكون تحت حماية التلفزيون المصري؟! أيضا الفيلم الوثائقى «الستة أيام» الذى تم إنتاجه فى عام 1968 أى بعد الحرب بعام واحد، من قبل «دائرة الأفلام الإسرائيلية». وهو من إخراج «ألفريد شتاينهاردت، ويجال أفراتي» ويعرض الفيلم أيضا العديد من المواد الأرشيفية الخاصة بنشرات الأخبار الإسرائيلية والأجنبية، ومقابلات مع «إسحق رابين، يسرائيل تال، وديفيد إليعازر». كما يحتوى أيضا على بعض مشاهد للرئيس المصرى «جمال عبدالناصر»، ومقابلاته مع القادة سواء العرب، مثل الملك «حسين»، أو القادة الأجانب. ويحكى أبطال الفيلم عن مدى قلقهم من «ناصر» وتصريحاته. وبعد عامين من حرب 1967 تم عرض الفيلم الوثائقى «حرب بعد حرب»، الذى يتناول الوضع فى إسرائيل بعد هذه الحرب، وبداية حروب الاستنزاف، من خلال إعداد مذكرات سينمائية، وتقارير تليفزيونية حول هذه الفترة. وفى الوقت التى تدور فيه الحرب فى الأردن، والتى عرفت باسم «معركة الكرامة 1968» وبعض معارك الاستنزاف، تعيش «تل أبيب» فى حياة الترف، ويظهر ذلك من خلال ذهاب المواطنين الإسرائيليين إلى الملاهى الليلية.. ثم يكتشف قادة الكيان الصهيونى أنه لا توجد فرصة يدعو فيها القادة العرب إلى المطالبة بالسلام.. ويظهر ذلك من خلال عرض مشاهدات ل«عبدالناصر» ومقابلاته مع الزعماء العرب، مثل الملك «فيصل»، والرئيس الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات»، وصفقاته مع بعض الدول الصديقة.. إضافة إلى زيارات قادة الغرب ل«عبدالناصر» فى محاولة لإقناعه بالانحناء لعملية السلام مع إسرائيل.. كما يحتوى الفيلم أيضا على لقطات أرشيفية لخروج المظاهرات المؤيدة لبقاء «ناصر» بعد خطاب التنحى، ومشهد آخر أثناء صلاته فى أحد المساجد المصرية. ومن أحدث الأفلام التى تعرض مشاهد ل«عبدالناصر»، فيلم «تل الذخيرة»، الذى عرض عام 2001 هو فيلم وثائقى يستند إلى فيلم قديم، يدعى «الرصاص فى حرب الأيام الستة»، الذى أخرجه «فريدى شتاينهاردت» فى عام 1968 وكان يدور حول إعادة سرد بعض المعارك، التى وقعت خلال الحرب، وخاصة معركة «تل الذخيرة». التى تعد واحدة من أشرس المعارك التى حدثت فى حرب 1967 فى الجزء الشمالى من القدسالشرقية. أما فى الفيلم الجديد «تل الذخيرة»، فهو تحديث للفيلم القديم، من خلال إجراء العديد من المقابلات مع بعض ضباط قوات المظلات الإسرائيلية، الذين شاركوا فى المعركة نفسها، ولكنهم رفضوا المشاركة فى الفيلم القديم من قبل، لأنهم فضلوا تكريس الشهور القليلة التالية للحرب، لزيارة الجرحى الإسرائيليين، وعائلات جنود الاحتلال الذين سقطوا.. شمل الفيلم لقطات صغيرة جمعت بين القادة العرب و«جمال عبدالناصر» على طاولة الاجتماعات الخاصة، باعتبار أن العرب (الأعداء) يحاولون الاتفاق ضد الجيش الإسرائيلى.