وثائق جديدة تخص وكالة الأمن القومى الأمريكية NSA تم الكشف عنها مؤخرًا وهى وثائق سرية نشرتها «إدارة استخبارات الإشارة» التابعة للوكالة فى إطار التعريف بعمل الوكالة، وكيف يؤدى الموظفون أو بالأحرى الضباط عملهم وأهمية إدارة استخبارات الإشارة التى تعد قلب وكالة الأمن القومى. فإدارة استخبارات الإشارة SID هى المسئولة عن رصد إشارات الاتصالات سواء بين أفراد أو حكومات، وسواء كانت اتصالات تليفونية أو فاكسات أو راديو إلى غير ذلك، ويتمثل عمل الإدارة فى رصد هذه الإشارات وتتبعها والربط بينها لأهداف التجسس والمراقبة. الوثائق المنشورة كتبها ضباط وكالة الأمن القومى فهى تشبه المراسلات، وبعضها تقارير عن كيفية سير عملهم ونجاحهم فى مهماتهم، لكنها وثائق ظلت سرية لأعوام حتى قررت الوكالة الإفراج عنها وسمحت بنشرها. تكشف واحدة من الوثائق عن قيام موظفى وكالة الأمن القومى وبالأخص إدارة استخبارات الإشارة بالتجسس على العراق منذ سقوطها فى يد القوات الأمريكية، وهو ما يسمونه فى الوثائق ب«تحرير العراق»، فمنذ عام 2005 بدأت الوكالة فى استخدام كامل طاقتها وكل ما تمتلكه من وسائل تجسس حديثة ومتطورة من أجل اختراق العراق سواء عبر وسائل الاتصالات أو الإنترنت. الأخطر فى هذه الوثيقة أنها تكشف مساعدة بعض المسئولين العراقيين لضباط وكالة الأمن القومى من أجل إتمام مهماتهم التجسسية، وهو ما يعنى تجنيدهم لموظفين عراقيين بشكل ما، ومن بين هؤلاء الذين تعاونوا مع الوكالة الأمريكية موظفو اتصالات تابعون للحكومة العراقية وبعض المتعاقدين على مشروعات اتصالات فى العراق والمدير التنفيذى والمديرون التقنيون لأكبر شبكة اتصالات فى العراق - كما تصفها الوثيقة - دون ذكر اسمها، فضلاً عن بعض مسئولى الحكومات العراقية المتعاقبة. وثيقة أخرى تم الكشف عنها تدور حول التجسس على العراقيين. وتشير الوثيقة إلى مشكلة واجهها ضباط وكالة الأمن القومى فى رصد اتصالات بتليفون محمول، فتعاون موظفو وكالة الاستخبارات الأمريكية معهم لحل المشكلة ونجحوا بالفعل فى التقاط الإشارات مجدداً. ويبدو أن حجم عمليات التجسس التى كانت تقوم بها الاستخبارات الأمريكية على العراق يفوق توقعات الجميع، حيث إنهم لم يكتفوا بمراقبة الاتصالات بكل أنواعها، بل فكروا فى إنشاء جهاز تجسس عراقى وتدريب العراقيين أنفسهم على أحدث طرق التجسس التى تتبعها أجهزة الاستخبارات الأمريكية. جهاز الاستخبارات العراقى الجديد تم تأسيسه بالتعاون مع جهازى المخابرات الأمريكى والبريطانى وأطلق عليه اسم «استخبارات الإشارة العراقية» أو Iraq SIGINT . العاملون فى جهاز الاستخبارات الجديد أو يمكن القول إدارة التجسس العراقية التابعة للاستخبارات البريطانية والأمريكية كانوا جميعاً عراقيين ذوى خبرة فى هذا المجال منذ عهد صدام حسين. قامت كل من وكالة الأمن القومى وجهاز الاستخبارات البريطانيGCHQ بوضع قائمة بأسماء المرشحين للعمل بالجهاز الجديد الذين تم التقاطهم واختيارهم نتيجة لسنوات من مراقبة وحدات استخبارات الإشارة المدنية والعسكرية العراقية. قام موظفو وكالة الأمن القومى بالتعاون مع ضباط الاستخبارات البريطانية بتحويل خبراء استخبارات الإشارة العراقيين من أهداف للتجسس إلى عملاء يتجسسون لحساب جهازى الاستخبارات الغربيين. قبل تجنيد خبراء استخبارات الإشارة العراقيين قامت وكالة الاستخبارات المركزيةCIA وفقاً لإحدى الوثائق بعرض المرشحين للتجنيد على جهاز كشف الكذب، بل قام خبراء وأطباء نفسيون تابعون للاستخبارات الأمريكية بالتحدث إليهم، والذين تخطوا الاختبارات السابقة أصبحوا عملاء للاستخبارات الأمريكية والبريطانية منذ ذلك الوقت، وبعد انتهاء التدريب بدأت وكالة الأمن القومى بتكليف عملائها بتنفيذ مهمات كانت أولاها رصد اتصالات العناصر الموالية لصدام حسين مع من سمتهم الوثائق «المتمردون فى بغداد»، وذهب عملاء وكالة الأمن القومى العراقيون إلى بغداد لتنفيذ مهمتهم، وهو ما كان يصعب على القوات الأمريكية والبريطانية القيام به. بينما تتحدث وثيقة أخرى عن الإجراءات التى اتخذتها بريطانيا فى أعقاب افتضاح أمر الادعاءات بوجود أسلحة دمار شامل بالعراق، حيث أصبح جهاز الاستخبارات البريطانى GCHQ مطالباً بتقديم تقاريره الاستخباراتية مزودة بأسماء المصادر، وما إذا كانت المصادر معروفة وموثوقًا بها أم مجهولة، وذلك لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة وهى كما وصفتها الوثيقة الحصول على معلومات مغلوطة من استخبارات دولة أخرى، والمقصود هنا هو الاستخبارات الأمريكية التى ضللت العالم بادعاءاتها عن وجود أسلحة دمار شامل فى العراق. الغريب أن الوثيقة تؤكد أن الاستخبارات الأمريكية نفسها لم تطلب من موظفيها التوثيق الشديد للمعلومات بعد سقوط صدام مثلما فعلت نظيرتها البريطانية. تشير إحدى الوثائق إلى التعاون الاستخباراتى بين وكالة الأمن القومى وجهاز الاستخبارات الحربية بالمجر والذى كانت الولاياتالمتحدة تهدف من ورائه إلى الوصول لمعلومات تخص أهدافًا عسكرية فى صربيا وأوكرانيا. أما التشيك فقد قام مسئولو وكالة الأمن القومى بزيارة مسئولى جهاز الاستخبارات الخارجية هناك لمحاولة التعرف على إمكانية التعاون بينهما. وتشير إحدى الوثائق إلى أن رجال وكالة الأمن القومى اندهشوا من استعداد مسئولى جهاز الاستخبارات التشيكى للتعاون معهم واندهشوا أكثر من قدراتهم العالية على تحليل البيانات والإشارات، خاصة فيما يتعلق بالأهداف الروسية. إحدى الوثائق المنشورة مؤخرًا تتعلق باختراق الشبكات الافتراضية الخاصة أو VPN ، وهى واحدة من أكثر الشبكات استخدامًا عندما يكون المستخدمون سواء أفرادًا أو شركات أو حكومات يريدون إخفاء بياناتهم وهوياتهم، إذ تقوم الشبكة بتشفير البيانات لحمايتها من السرقة، لكن الوثيقة تشير إلى أن وكالة الأمن القومى الأمريكية وتحديداً إدارة استخبارات الإشارة SID شكلت مجموعة عمل فى نوفمبر 2004 للقيام بمحاولات منظمة ودقيقة لاختراق هذه الشبكات. قامت مجموعة العمل تلك بكتابة تقارير حول نشاط الشبكات الافتراضية الخاصة التى تستهدفها فى عدد من دول العالم، وهو ما يسهل عملية اختراق هذه الشبكات فيما بعد بنجاح، ومن بين الدول التى ذكرتها الوثيقة مصر والأردن وسوريا واليمن والبحرين والسعودية والكويت وقطر ولبنان وألمانيا وفرنسا وروسيا وتركيا وعمان وإسرائيل وإيران والصين، بالإضافة إلى بعض الكيانات الاقتصادية والحكومية والمنظمات الدولية. وفقاً لإحدى الوثائق فإن وكالة الأمن القومى وقع اختيارها على إثيوبيا كونها دولة فقيرة وذات موقع ممتاز بالنسبة للولايات المتحدة فبدأت المنح والمساعدات الاقتصادية وإنشاء المراكز الطبية إلى غير ذلك لتصل فى النهاية إلى الهدف الرئيسى وهو استخدامها كقاعدة للتجسس على عدد من الدول الأفريقية المجاورة لها. أسست الوكالة مركز عمليات لاستخبارات الإشارة فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» تحت اسم «ليونز برايد» أو Liom`s Prede ، بدأ العمل فى المركز ب12 موظفًا إثيوبيًا ليصل العدد عام 2005 إلى 8 أفراد تابعين للجيش الأمريكى و103 إثيوبيين يقومون جميعا بعمليات تنصت وتجسس على الإثيوبيين من جهة وعلى الصومال والسودان واليمن من جهة أخرى. بينما تتحدث وثيقة أخرى عن عملية مشتركة بين الاستخبارات الأمريكية والاستخبارات البريطانية، حيث تشكلت مجموعة من الجانبين واتخذوا من قرية صغيرة فى بريطانيا مقرًا لهم وبدأوا عملية التجسس على اتصالات معمر القذافى عام 2005.