كتب مؤلف القصص المصورة الأمريكى «ديفيد هوبكنز» مقالاً على موقع Medium ذكر فيهِ : «رأيت مؤخرة كيم كارداشيان تتصدر موقع CNN وقبلها رأيت باريس هيلتون تُروج إلى Life style الخاص بها، وفى عام 2004 كنا جميعنا استسلمنا وقُمنا بتبنى الغباء، واعتبرناه إحدى القيم، لدرجة أن فريق Green Day قد أصدر ألبوماً غنائياً بعنوان American Idiot أو أبله أمريكا، بل إن الألبوم قد حصل على جائزة جرامى لأفضل ألبوم فى فئة موسيقى الروك ! .. والسؤال إذن : كيف يمكننا الإبقاء على صحتنا العقلية سليمة وسط عالم أبله ؟!». ورغم تطرف المقال بعض الشىء فى الربط بين انهيار الحضارة الغربية مؤخراً بالمسلسل الأمريكى الشهير Friends ! .. إلا أنه يطرح سؤالاً غاية فى الأهمية وسط ما نعيشه، والمدهش أن هذا السؤال دائماً ما نطرحه نحن فى عالمنا العربى نتيجة لما نتعرض له طوال اليوم وليس على فترات زمنية متباعدة فحسب!. «أم كُلثوم» أطالت فى وصلتها الغنائية فى أحد احتفالات ثورة 23 يوليو، مما ترتب عليه ظهور «عبدالحليم حافظ» فى وقتٍ متأخر بعدها ليغنى، فما كان له إلا أن قال : «أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب أصرا أن أغنى فى هذا الموعد، وماعرفش إذا كان ده شرف لى ولا مقلب»!.. ورغم محاولات العندليب الأسمر الكثيرة بعدها لمصالحة كوكب الشرق، فإن تلك المحاولات باءت بالفشل، بل إن اندفاع «عبد الحليم» أدى أيضاً إلى حرمانه من الغناء فى ذكرى الثورة لمدة ثلاثة أعوام بعد هذه الواقعة، وكما يروى الإعلامى «وجدى الحكيم» أن «عبد الحليم» كان يذهب طيلة تلك الأعوام الثلاثة فى موعد الحفل، ويجلس مع الفرقة «الماسية» فى مسرح «البالون»، ويتصل ب «على شفيق» مُنسق حفلات الثورة كل خمس دقائق، ويطلب منه السماح له بالغناء، لكن المشير «عبد الحكيم عامر» كان يرفض فى كل مرة، ويظل «عبد الحليم» مُنتظراً حتى الثالثة صباحاً، ثم يعود إلى منزله دون أن يُغنى! . وفى النهاية تم الصلح بين «عبد الحليم» و«أم كلثوم»، بعدما قبًّل العندليب يدها أمام الجميع فى حفل خطبة الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» عام 1970 وبالتأكيد عاد العندليب الأسمر مرةً أُخرى للغناء فى احتفالات الثورة. الخِلاف بين «عبد الحليم» و «أم كلثوم»، امتد ليطول «فايزة أحمد» أيضاً، فحينما غنت «فايزة أحمد» أُغنيتها الشهيرة «أسمر يا اسمرانى» فى فيلم «الوسادة الخالية» من بطولة «حليم» ذاته فى عام 1957 فقرر «عبدالحليم» بعدها غناء نفس الأُغنية، بعد النجاح الذى حققته، وهو ما أثار غضب «فايزة أحمد»، والتى قررت غناء أغنية ساخرة على نفس لحن «قولوله الحقيقة» ل«عبد الحليم»، فتغنى أغنية «هاتوا لى وابور الحريقة»! . «الشد والجذب» شىء طبيعى جداً أن تجده فى أى مجال، ومجال الغناء ليس بعيداً عن هذا، لكن كل مطرب كان يعلم أن له دوراً ما يقوم به، وأن صحة الشعوب العقلية والنفسية دفاعه الأول هو الفن، و«عبدالحليم» الذى ذكرنا مشاغباته لم يكُن لينسى هذا الدور، فهو الذى غنى «ضربة كانت من معلم» عندما قام الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» بتأميم قناة السويس.. وفيما بعد ثورة 23 يوليو، سنجد أيضاً أن الموسيقيين كان لهم وعى بأهمية دورهم فى الحياة العامة، فلا أحد يستطيع أن ينسى أغانى الشيخ «إمام» وأشعار «أحمد فؤاد نجم» حتى الآن. لماذا نتذكر كل هذا؟.. هل رغبةً منا فى المُزايدة؟.. «الكُرسى فى الكلوب» الذى ضُرِب مُجدداً بين «عمرو دياب» و«شيرين عبدالوهاب» هى أحد تلك الأشياء الضاغطة التى تجعلنا نطرح هذا، فبعد أن هدأت الأوضاع نسبياً بينهما، تعود «شيرين» بتصريحاتها الأخيرة فى تونس لتُشعل الأُمور مجدداً، فتؤكد تعمدها إهانة «عمرو دياب» فى فرح «عمرو يوسف» و«كندة علوش».. يعود فريق «شيرين» ليدافع عن موقفها.. ويعود فريق «عمرو» للرد.. فى حين أن «عمرو» قد يُلمح فقط للإعلام برأيه، لكنه كالعادة لا يرد دائماً بنفسه ويترك غيره ليرد عنه!.. مثل تِلك المرة التى قامت فيها مُديرة أعماله بتصوير فيديو حى بأمريكا بأحد المطاعم لتُثبت أن «صندوق الأغانى» يحتوى على أغانٍ ل«عمرو» ولا يحتوى على أغانٍ ل«شيرين»، وقالت فى معرض الفيديو : «ما أصوره أُهديهِ خِصيصاً لشيرين»! . هل انتبه «عمرو» أو «شيرين» لدورهما هنا كما فعل من سبقوهما من المطربين فى الأوقات الحرجة مثل التى نحن فيها الآن؟!.. بالتأكيد لم ننسَ أنه حتى «عمرو» و«شيرين» قدما شيئاً ما فى أوقاتٍ مختلفة، فنحن لا ننسى أغنية «مصر قالت» ل«عمرو دياب» إبان ثورة 25 يناير، ولم ننسَ أغنية «شيرين» الشهيرة «ماشربتش من نيلها» قبل ثورة يناير! .. لكن يبقى أن دور «شيرين» و«عمرو»- وغيرهما من المطربين الآن - يبدو باهتاً جداً مُقارنةً بما كان يعيه أسلافهم من الدور المُنوط أن يقوموا به فى تِلك الأوقات. وبالتالى فليس من المنطقى أبداً أن ننشغل بمشاجرة صبيانية بين «عمرو» وبين «شيرين»، نرفع كفوفنا فيها تهليلاً للأكثر قوة ونجومية وصِدقاً - كما نظن - بين اثنين من المفترض بهما أن يكونا على مستوى الاحترافية التى نظن أنهما اكتسباها، بحيث أن الكثير من الشباب يعتبرهما بمثابة ال Idol ! . وفى الحقيقة؛ فإن خِناقة «عمرو» و«شيرين» هى التى «عَدت الناس»قبل أن يطلق ألبومه «معدى الناس»، لتذكرنا باكتمال المأساة الإعلامية والفنية المستمرة، واستحضار كل ما يمكنه تفريغ عقل المشاهد المسكين الذى أُرهق وأُنهك من كثرة التفكير فى المستقبل الغامض رغم وعود الدولة مراراً وتكراراً بتحسين الأوضاع وأننا على الطريق الصحيح! .. وبدلاً من أن نرى الإعلام والفن لهما دور هنا فى مثل هذا التوقيت.. نرى إعلامية تستضيف زوجة وعشيقها وهى المعروف عنها سعادتها بعرض هذه النوعية من الحلقات! .. والإعلامية الأُخرى التى تظهر كأنها حامل لتشجيع ال Single Mother وأن أى امرأة من الممكن أن تدفع المال مُقابل أن تصير أمّاً لا أكثر!.. لماذا الآن؟.. وماذا كان رد الدولة؟.. توقيف الإعلاميتين عن العمل لثلاثة أشهر فقط! .. وبعيداً عن الأحكام الأخلاقية والدينية التى لا نضعها نصب أعيننا عند تحليل الأُمور، لكن ما نعيشه يجعلنا نتساءل ما الذى يريده الفن والإعلام فى هذا البلد فى هذا التوقيت تحديداً؟.. وما الذى تريده الدولة منها؟. إجابة السؤال أن الفن والإعلام بالشواهد «يقود البلاد إلى الكلاب» على حد التعبير الإنجليزى الشهير، أى أنه يساعد على انهيارها بمساعدة الدولة نفسها بصمتها مرة وعدم حل الأُمور بشكل أسرع مرة بل وبالتناقضات مرةً أخرى، ف «كشك الفتوى» مثال فى الوقت الذى تُعلن فيه الدولة أنها «مدنية»! .. تشجيع «رامز جلال» على مقالبه وبالتالى يأخذ أموالاً ضخمة مقابلها.. تشجيع «الخليل كوميدى» على «استظرافه» ليؤدى هذا إلى تعاقده مع «أمريكانا» وجنى الأرباح من هنا ومن هناك، ولن ننسى مُطربى المهرجانات بطبيعة الحال!.. كأن الدولة تُصدر رِسالة فحواها «كلما أصبحت تافهاً ربحت أكثر»!. لا نريد أن نحجر على أحد، لكن فى الوقت الذى لا يحاول الإعلام أو الفن أو الدولة تحديداً الموازنة، وذلك بتقديم فرص للعديد من الموهوبين المُستحقين للدعم، ولعل مثال صندوق دعم السينما والأفلام المُستقلة أحد الأمثلة والذى ناقشناه من قبل فى ملفٍ خاص، بل إن الدولة قد تركت القطاع الخاص فى الفن والإعلام رغم كل الصفات التى نعلم جميعاً مدى سوئها فى هذا القطاع ليكون له اليد العُليا، وكله بهدف تشجيع الاستثمار.. ولكن أين دور الدولة؟.. ماذا تُريد الدولة من الإعلاميين والفنانين الحقيقيين أن يفعلوا وسط هذا كله؟.. وهو ما يعود بنا إلى لجوء هؤلاء لمسألة تمويل الأعمال من الخارج، لكن يصطدمون بموقف الدولة منه حالياً بالاتهام ب «العِمالة»!.. ونعود ونُكرر: بصراحة ماذا تريد الدولة من الفنانين والمُثقفين الحقيقيين وهم يرون هذا كله وبعدها افتتاح المتحف السعودى فى القرية الفرعونية المصرية؟! .. إذن هل أصبح غريباً تبادل النقر بين «شيرين» و«عمرو»؟! . مؤخراً قام وزير الصحة والرياضة السويدى «جابرييل ويكستروم»- الذى اشتهر بوسامتهِ وصِغر سِنه - بإعادة «أقلام الدولة» التى كان يستخدمها فى عمله إلى الحكومة مرةً أخرى، بعد خروجه من الوزارة التى قضى بها 3 أعوام.. فى الوقت الذى نجد فيه لدينا الكشف عن الكثير من قضايا الفساد مؤخراً.. الدفع بالفنانين والمُثقفين الحقيقيين لحالة من اليأس والاستسلام.. المسألة أكبر بكثير من مشاجرة بين «عمرو وشيرين».. المسألة أصبحت لا تُحتمل ولا تُطاق.