رغم مرور 10 سنوات على رحيل «مروان» فى لندن وسط ظروف غامضة، فإن الدولة الصهيونية لاتزال تسعى لهز صورته أمام الرأى العام المصرى والعربى بتقديم فيلم بعنوان «الملاك» يروج أن «مروان» كان عميلاً للموساد الإسرائيلى فى الفترة من عام 1969 وحتى عام 1975. والخطير أنهم كشفوا عن رغبتهم فى تنفيذ الفيلم وبخبث شديد فى نفس توقيت الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو. الفيلم الإسرائيلى يجرى التحضير له حاليًا بنظام الإنتاج المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة، وسيتم تصوير العديد من مشاهده فى لندن وهو مأخوذ عن كتاب «الملاك أشرف مروان والموساد ومفاجأة يوم الكيبور»، تأليف أورى بار يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا والذى خدم لمدة 15 عامًا بجهاز المخابرات الإسرائيلية، والذى يزعم فى كتابه أن «مروان» كان يمد الدولة العبرية بمعلومات مهمة عن تحركات الجيش المصرى بوصفه زوج ابنة الرئيس جمال عبدالناصر فضلا عن أنه كان يشغل كذلك منصب سكرتير الرئيس أنور السادات. يتولى إخراج فيلم «الملاك»، وهو الاسم الحركى ل«مروان» فى جهاز الموساد حسب مزاعمهم، المخرج الإسرائيلى أريئيل فرومان، ويقدم دور الرئيس السادات الممثل الإسرائيلى ساسون جاباى البالغ من العمر 69 سنة، إلى جانب ممثلين إسرائيليين آخرين، بينما لم يستقر المخرج على الممثل الذى يجسد شخصية مروان وهناك عدة ترشيحات من بينها الممثل البريطانى توبي كيل أحد أبطال فيلم «كينج كونج» فى نسخته الأخيرة.. الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الوطنى للإعلام، يفسر رغبة الدولة الصهيونية فى تأصيل هذه المزاعم بقوله: أنا دافعت فعلا عن أشرف مروان وكان ذلك من واقع الوثائق التى كانت موجودة لدى الدولة المصرية والتى تم الإعلان عنها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والدولة كانت متأكدة أن أشرف مروان لم يكن عميلاً مزدوجًا، وأنه تمكن من خداع إسرائيل ولعب دورًا مهمًا جدًا فى الحرب، لذلك تحمل إسرائيل ضغائن كبيرة لهذا الرجل وتحاول تشويه صورته، ورغم الظروف الغامضة لمقتل أشرف مروان إلا أنه من الواضح جدًا أن إسرائيل كان لها دور، ولا أستبعد أن يكون هذا الفيلم جزءًا من نفس الحملة التى تسعى من خلالها إسرائيل لتشويه أشرف مروان، لأن هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر ووقع المفاجأة الاستراتيجية الخارقة أصاب إسرائيل فى الصميم، وليس من السهل أن تفوت ذلك لأشرف مروان. وأضاف: لابد أن نعرف إسرائيل حتى لو لم تكن فى مقدمة أعداء مصر الظاهرين، فإنها لا تزال العدو المحتمل والعدو الأكبر لمصر، ومن المؤكد أنه فى عمق نوايا إسرائيل أن مصر مازالت تشكل أكبر خطر عليها فى المنطقة، خاصة أن مصر من أكبر الدول الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، ليس على مستوى الشارع فحسب ولكن أيضًا على مستوى المثقفين والنقابات، وهذا يجعل هناك حالة غليان من مصر. ورغم وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، إلا أنه ليس هناك تعاطف مع الجانب الإسرائيلى، إن الشعب المصرى كان لديه عوامل كثيرة جعلته يرفض إسرائيل، فمنذ بداية القرن العشرين وقضية مصر الأولى هى الدفاع عن فلسطين، ولانزال ندافع عن هذه القضية حتى الآن. وعن إمكانية نجاح الفيلم فى تشويه صورة أشرف مروان قال مكرم: أيا كانت محاولات إسرائيل، فإن العقدة التى كانت لدينا كمصريين من إسرائيل تم التغلب عليها بعد نصر أكتوبر، فلم يعد هناك خوف منها، ولم يعد هناك وجود للأسطورة الإسرائيلية، كما أن الغرض من الفيلم ليس تشويه أشرف مروان فقط، ولكن تشويه جمال عبدالناصر وأسرته وكذلك تشويه مرحلة كاملة من التاريخ المصرى الحديث. عن الترويج الصهيونى بإصرار لفكرة أن أشرف مروان عميل مزدوج قال الباحث والمحلل السياسى طارق البرديسى: الرئيس الأسبق حسنى مبارك قال إن أشرف مروان كان شخصية مهمة فى الخداع الاستراتيجى، وكان يسمى «درع الخداع»، كما أن هناك قيادات كبيرة جدًا أكدت على الدور الذى لعبه أشرف مروان فى الخداع أثناء حرب أكتوبر، ومن المستبعد على شخص كان زوجا لابنة الرئيس جمال عبدالناصر وسكرتيرا للرئيس السادات أن يكون عميلاً مزدوجًا، وإذا كانت هناك بعض الآراء تؤكد ذلك فهذا يمكن أن يكون عملا مخططًا له من جانب المخابرات المصرية نفسها، بمعنى أنه كان عميلا مزدوجا برعاية المخابرات المصرية التى كانت تعرف كل التفاصيل وتعطيه بعض المعلومات لكى يسربها للإسرائيليين، فضلاً عن أن أشرف مروان كان شخصا من الصعب اختراقه، وأكبر دليل على ذلك أنه ظل لفترات طويلة يتولى مناصب حساسة فى الدولة، كما أنه حتى اغتياله كان يعتبر من رجال الدولة. وأضاف: ربما اختارت إسرائيل هذا التوقيت لتقديم هذا الفيلم عن أشرف مروان وتسميه «الملاك» لأن الوطن العربى كله يتعرض لمشاكل سياسية واستراتيجية، ومن الطبيعى أن تحاول إسرائيل تشويه أسماء نعرف أنهم أبطال مثل مروان وغيرهم، ونحن نعيش ما يسمى بحرب الجيل الرابع التى تسعى لتقسيم المنطقة العربية، وهذا ما يسمى بالحرب الباردة التى بدأتها إسرائيل فى المنطقة منذ فترة ليست قصيرة. ومن جانبه قال «د.إبراهيم البحراوى» أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس: أهمية الفيلم أن إسرائيل تحاول أن تكسب المعركة المقبلة قبل أن تبدأ، ومحاولتهم تقديم شخصية بحجم أشرف مروان شاركت فى انتصارات أكتوبر وكانت مقربة من الرئيس عبدالناصر وإثبات أنه عميل هدفه تشكيك الأجيال المصرية فى أى قيادة مقبلة، وكذلك تأكيد إحساس التفوق لدى الأجيال الإسرائيلية الجديدة وإحساسهم بقوة جهاز الموساد وأنه قادر على اختراق أعلى القيادات فى مصر أو أى دولة أخرى. وأضاف: الحرب المقبلة ليس المقصود بها حرب الجيل الرابع أو حرب معلوماتية، ولكن هناك حربًا عسكرية ستشنها إسرائيل على مصر من 20 إلى 30 سنة قادمة لاسترداد سيناء، لأنه يكمن فى العقل الإسرائيلى أن أرض سيناء هى أرض إسرائيلية وبالتالى سيكون هناك حرب ستشنها وبالتالى هى تلجأ للتشكيك فى قياداتنا، وإذا كانت الظروف لا تسمح لهم بالحرب حاليًا إلا أنهم فى المستقبل سيلجأون لشن حرب على مصر، وأول طلقة عسكرية هى زعزعة الثقة فى الجيش والقيادات من خلال التشويه. وحول نجاح الفيلم فى تشويه صورة أشرف مروان قال: لابد أن يكون لدينا دائمًا تكرار ولا ننسى أنهم يلجأون دائمًا لحيلة التشكيك فى القيادة، وهذا الفيلم جزء من حملة لخدمة الفكرة الرئيسية، ومن خلال دراستى لإسرائيل اكتشفت أنهم خائفون جدًا على أولادهم من المصريين، فمنذ أن انتصرنا عليهم فى أكتوبر 1973 ولديهم خوف ويسعون لعمل شىء مضاد لذلك من خلال التشكيك فينا ويوصلوا رسالة لأولادهم بذلك، لذلك لابد أن يتوقف الكتاب المصريون والعرب عن ترديد نغمة أن أشرف مروان كان عميلاً مزدوجًا لأنهم بذلك يقدمون هدية كبيرة جدًا لإسرائيل على حساب أجيالنا القادمة.