«رُب ضارة نافعة» والضار هنا هو ما قام به تنظيم إخوان الشياطين من سحب تحويلات المصريين بالخارج «بعيدا عن البنوك المصرية» إلى عملائهم بالداخل نظير عمولة أقل من عمولة البنوك ومقابل سعر أعلى للعملة الأجنبية مما كبد مصر خسائر بلغت 5 مليارات جنيه خلال العام المالى 2015/2016. أما النفع مما حدث فهو إيجاد وسائل وطرق لاستثمار الثروة البشرية المصرية المغتربة بعيدا عن أسلوب التحويلات العقيم أو طرح أراضٍ بالدولار وهو ما انتبه إليه البنك الدولى وأفرد له دراسة حديثة ثرية بالأفكار الجديدة الناتجة عن «استقصاء» قامت به مجموعة عمل مكونة من «مريم مزغنى مالوش وسونيا بلازا وفانى سالساك» بعنوان «حشد جهود المغتربين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تحقيق التكامل الاقتصادى وريادة الأعمال». وضمت عينة البحث مغتربين من دول منطقة الشرق الأوسط مثل مصر وتونس والجزائر ولبنان والأردن والضفة وغزة. وسوف نتناول الدراسة من خلال منظورين الأول هو كيف تستفيد الدول من مغتربيها وواجباتها ناحيتهم،والثانى هو ما يطلبه المغتربون من حكوماتهم وما يستطيعون تنفيذه لمساعدة أنفسهم وبلدانهم الأصلية. أوضحت الدراسة أن هناك ما يقرب من 20 مليون مواطن من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون خارج بلادهم. أى ما يمثل نسبة 5 % من سكان المنطقة حسب البيانات الرسمية للأمم المتحدة. وقد بلغ إجمالى تحويلاتهم لبلادهم 53 مليار دولار فى عام 2014 وهناك بلدان مثل لبنان والأردن تلقت تحويلات تمثل أكثر من 10 % من إجمالى الناتج المحلى لهم، وعادة ما تنظر الحكومات إلى الهجرة أو العمل بالخارج باعتباره موردا إيجابيا لها لأنه يقلل من الضغوط الواقعة على سوق العمل المحلية فى ظل ارتفاع معدلات البطالة ويحد من نسبة الفقر من خلال تحويل أموال المغتربين لأهاليهم. وتحتل مصر المرتبة الخامسة فى قائمة تضم 10 دول بالمنطقة فى اعتمادها على تحويلات المصريين حيث تحتل التحويلات نسبة 6.8 % من إجمالى الناتج المحلى وقد أتت الضفة الغربية وغزة فى المرتبة الأولى تليها لبنان فالأردن فاليمن ثم مصر فالمغرب ثم تونس وجيبوتى والجزائر وأخيرا إيران. وقد توقعت الدراسة عدم نمو التحويلات الوافدة إلى المنطقة إلا بقدر طفيف خلال عام 2017 وبوتيرة أبطأ كثيرا من التحويلات الوافدة إلى سائر المناطق الأخرى واستندت إلى مؤشرات أولها أن التطورات الاقتصادية فى منطقة اليورو وانخفاض قيمة اليورو أمام الدولار سيؤدى إلى تباطؤ نمو التحويلات الوافدة إلى المغرب العربى على المدى القصير والمؤشر الثانى هو تأثير هبوط أسعار النفط وسياسات إحلال العمالة المحلية محل الأجنبية «السعودة» فى السعودية و«التكويت» بدولة الكويت على هذه التحويلات فى المدى المتوسط والطويل الوافدة إلى بلدان المشرق العربى (اليمن ومصر والأردن).مما يوضح أهمية إيجاد سبل لاستثمار تحويلات المغتربين حتى لا تواجه تلك الدول مشاكل فى حالة الانخفاض المتوقع. طرح سندات للمغتربين تعتبر آليه طرح سندات للمغتربين هى الجزء الأكثر أهمية فى الدراسة والملائمة لطبيعة المغتربين المصريين والذين تشكل فئة التكنوقراط نسبة كبيرة منهم ( فئة الموظفين وأصحاب المهن الذين لا يجيدون إنشاء مشروعات استثمارية خاصة بهم) وتشير التقديرات الجديدة إلى أن المدخرات السنوية للمغتربين من البلدان النامية بلغت 497 مليار دولار فى عام 2013 وتقدر حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مدخرات المغتربين بنحو 55 مليار دولار ويحفظ جزء كبير من هذه المدخرات فى شكل ودائع مصرفية ويمكن لسندات المغتربين مع تأمين منخفض القيمة وقيمة اسمية قدرها ألف دولار وعائد يتراوح على سبيل المثال من 3 % الى 4 % وأجل استحقاق مدته خمس سنوات التى يصدرها البلد الأصلى أن تكون جاذبة للعمال المهاجرين الذين لايحصلون حاليا على عائد تقريبا على ودائعهم فى بنوك البلدان المضيفة كما يمكن استخدام سندات المغتربين لتعبئة كسر من المدخرات على سبيل المثال عُشر مدخرات المغتربين السنوية أى أكثر من 50 مليار دولار لتمويل المشاريع الإنمائية. وتزيد احتمالية النجاح فى إصدار سندات المغتربين بالنسبة للبلدان التى لديها عدد كبير من المغتربين فى بلدان المهجر الأكثر ثراء وعلى النقيض من ذلك تقل احتمالية النجاح مع ضعف نظم الإدارة الرشيدة والحوكمة فى بلد ما وتزيد فرص النجاح عندما يكون لدى البلد المُصدر برنامج اقتصادى قوى وحافظة مشاريع جاذبة لتمولها سندات المغتربين وتعد ثقة المغتربين فى الحكومة بالغة الأهمية للنجاح فى إطلاق سندات للمغتربين وقد عبأت حكومتا الهند وإسرائيل أكثر من 40 مليار دولار غالبا خلال أزمات فى السيولة بالاستفادة من ثروة الجاليات المغتربة لمساندة احتياجات ميزان المدفوعات (فى حالة اسرائيل) وتمويل مشاريع البنية التحتية والإسكان والصحة والتعليم.. وقد أصدر العديد من البلدان الأخرى من بينها الفلبين وسرى لانكا وكينيا ونيبال وأثيوبيا - سندات للمغتربين مع تحقيق نسب متفاوتة من النجاح. ونظرا لأن التحويلات كبيرة وأكثر استقرارا من العديد من أنواع التدفقات الرأسمالية فإنها يمكن أن تعزز التصنيف الائتمانى السيادى للبلد المتلقى بشكل كبير وبالتالى تخفض تكاليف الاقتراض وتطيل أجل استحقاق الدين حيث بدأت وكالات التصنيف مؤخرا فى احتساب التحويلات ضمن التصنيفات الائتمانية للبلدان. سهولة إجراءات التحويل تأتى الإجراءات الحكومية الميسرة على رأس قائمة الأولويات لزيادة تدفق التحويلات ومنها تقليص تكلفة إرسال الأموال والتى يمكن أن تصل إلى عدة نقاط مئوية من قيمة التحويلات الأصغر وتعزيز التنافس فى تحويل الأموال ومساندة استخدام وسائل تكنولوجية حديثة لتحويل الأموال مثل الهواتف المحمولة وبطاقات الائتمان والأنظمة المستندة إلى الويب مما يساعد فى زيادة تدفقها بشكل مباشر. طرق جذب الحكومات للمغتربين للاستثمار فى بلادهم توضح الدراسة الدور المهم الذى يمكن أن تلعبه الحكومات فى تعبئة المغتربين شريطة أن تبدأ فى إدراك أهميتهم على مختلف المستويات وبطرق مختلفة وتتفاوت إجراءاتها فى هذا الشأن من اعتراف بسيط فى الخطابات العامة إلى تنفيذ بعض البرامج وأحيانا إنشاء مؤسسات لاستقصاء كيفية تشجيع السفارات للمغتربين على لعب دور اقتصادى فى بلدانهم وهو ما يتطلب وجود رؤية شاملة والتنسيق فيما بين الإدارات وتوافر المعلومات الدقيقة عن المغتربين والعدد الكافى من الموظفين وضرورة تغيير الحكومات من نظرتها إلى المغتربين واعتبارهم شركاء فى التنمية وليس مجرد مرسلين للتحويلات كما توجد لدى عدد من المؤسسات الإنمائية الدولية برامج نشطة لمشاركة المغتربين ومساعدة الحكومات فى تطبيق سياستها . واجبات الحكومات تجاه المغتربين يمكن أن تحقق الحكومات هذا الهدف بعدة طرق أهمها رسم خريطة للمغتربين وهو عمل بالغ الأهمية يجب أن تقوم الحكومات به وسيساعد ذلك فى إعداد برامج التواصل المحددة وتلك الموجهة لمختلف فئات المغتربين الذين لديهم مهارات واهتمامات مختلفة كما سيتيح للحكومات تعبئة المغتربين بسرعة أكبر. وقد تختلف برامج التواصل والأهداف تبعا لحاجة الحكومات الى تعبئة مواطنيها المغتربين للأكتتاب فى سندات حكومية أو سندات للمغتربين أو للاستفادة من خبراتهم وشبكاتهم المهنية ويجب أن تنظر الحكومة أيضا فى إلغاء مركزية انشطة التواصل والتعبئة للمغتربين الذين يحتفظون عادة بروابط قوية مع المدن والمناطق التى نشأوا بها. تشعر النخبة من المغتربين بحساسية خاصة إزاء التقدير الرسمى من الحكومات فى بلدانهم ويمكن للحكومات أن تشترك استراتيجيا مع مجموعة صغيرة من المغتربين فى برنامج للنخبة يعود بالنفع على البلد فقد أنشأت تونس مؤخرا برنامج السفراء الذى يستهدف المهنيين المغتربين ذوى المناصب الإدارية فى قطاع تكنولوجيا المعلومات من أجل الترويج لمشروع تونس الذكية ويمكن أن تعمل الحكومات بشكل استباقى على تسهيل التواصل بين المغتربين ورواد الأعمال المتواجدين داخل الوطن، وذلك من خلال تحسين تدفق المعلومات عن فرص أنشطة الأعمال وتواجد المغتربين حول العالم ومن شأن النوافذ الإلكترونية الخاصة بكل بلد والتى تربط المهنيين المغتربين بمشاريع ملموسة أن تكون مفيدة كما ستتطلب إعداد خرائط للمشاريع فى البلدان الأصلية ويمكن أن يساعد شركاء التنمية الذين يساندون رواد الأعمال المحليين فى إنشاء هذه النوافذ لأن مشاريعهم تخضع للفرز والفحص فى عملية اختيار تجرى بعناية. ويمكن أن تشجع الحكومات المغتربين على المساهمة فى أنشطة تنافسية للبحث والابتكار داخل أوطانهم كما يمكن أن يساعد المغتربون فى بناء البيئة المحلية للابتكار والبحث. كما يمكن للحكومات بمساعدة شركاء التنمية العالميين إنشاء شبكات لتبادل المعارف تسهل الاستفادة من مهارات المغتربين وتشتمل بعض المبادرات على برامج يرعاها الموجهون فى قطاعات أو صناعات معينة ومشاريع بحثية مشتركة وآليات لاستعراض النظراء وزيارات ومهام قصيرة الأجل ولزيادة منافع هذه الأنشطة سيتعين على البلدان إجراء مسح للموارد البشرية المتاحة بين مواطنيها المغتربين وإنشاء شبكات نشطة وتطوير أنشطة وبرامج محددة.. مايستطيع المغتربون تحقيقه لوطنهم الأم وأظهرت الدراسة تحمس مواطنى المنطقة المغتربين والتزامهم بشكل عام بمساندة تحقيق تنمية اقتصادية فى أوطانهم والعطاء لها ويعد ذلك صحيحا بغض النظر عن البلد محل الإقامة أو عدد السنوات فى الخارج أو مستوى الدخل ويمكن لهؤلاء المواطنين اجتذاب استثمارات أجنبية وتعزيز التجارة وريادة الأعمال وتسهيل نقل التكنولوجيا والمعارف ويمكن أن يكون هذا التأثير كبيرا لاسيما عندما تكون أنشطة التواصل والسياسات لا مركزية وتنبع من المستوى المحلى.. وتطرح الدراسة وسائل مساعدة المغتربين لموطنهم الأصلى وذلك من خلال تعزيز التكامل التجارى بين بلدانهم الأصلية والبلدان التى يقيمون فيها بشرائهم سلع وخدمات بلادهم الأصلية وهو ما يؤيد الحنين التجارى للمنتجات التى ينتمى صانعوها للأصل العرقى نفسه وهو ما يساعد في زيادة المعلومات عن الأسواق والأهم من ذلك يسهل المهاجرون التجارة الثنائية وتدفقات الاستثمار بين البلدان التى يقيمون فيها وأوطانهم الأصلية مستغلين معرفتهم ببلدانهم للاستثمار بشكل مباشر فهم يمتلكون معلومات مهمة يمكن أن تساعدهم فى تحديد فرص الاستثمار. وقد يقوم المغتربون بدور كبير فى تشجيع الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار فى بلادهم الأم، حيث تواجه تلك الشركات مشاكل مثل عدم اليقين ونقص المعلومات بشأن السوق وبالتالى يمكن الاستفادة من خبرات المغتربين وتبادل المعلومات حول القوانين واللوائح، حيث يمكنهم تسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى بلدانهم. نقل المعارف للوطن الأم ورغم أن عدداً من المغتربين استثمروا أو حاولوا الاستثمار فى بلدانهم فإنهم يعتقدون أنه يجب إعطاء الأولوية لمساعدة المهنيين ورواد الأعمال الشباب لكى يصبحوا أكثر تنظيما وإبراز أفكارهم ومشاريعهم بشكل أفضل وتحسين تسويق منتجاتهم وخدماتهم ومساعدتهم على الوصول إلى الأسواق. وتكشف الدراسة أن مواطنى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المغتربين لديهم رغبة محدودة فى الاستثمار في الأدوات المالية ويعد الاستثمار المباشر والعقارات هما أداتا الاستثمار المفضلتان ويعكس اختيارهم رغبتهم فى تعزيز اتصالهم ببلدانهم الأصلية ويأتى الاستثمار على سبيل المثال فى سندات حكومية أو تجارية أو حتى فى سندات المغتربين والبورصة فى المرتبة الأدنى بالنسبة لهم فالمهاجرون يفصلون بشكل واضح بين المساعدة التى قد يعطونها للأصدقاء والأقارب أو مجتمعاتهم المحلية وبين الاستثمارات التى يتطلعون إلى تحقيق معدل عائد جيد عليها لا يختلف كثيرا عما سيجدونه فى أى مكان آخر. وقد ذكر ثلث المشاركين فى الاستقصاء أن لديهم القدرة المالية على الاستثمار فيما استثمر ثلث آخر بالفعل فى بلدانهم الأصلية وبمقدور نحو نصف المشاركين استثمار أكثر من 10 آلاف دولار فيما يستطيع 8 % منهم استثمار ما يزيد عن 250 ألف دولار. مطالب المغتربين من الحكومات طالب المغتربون من الحكومات إنشاء مؤسسة خاصة بشئونهم والتوفيق بين المستثمرين والتجار ورواد الأعمال من جانب والمغتربين من جانب آخر وزيادة الخدمات فيما يتعلق بتشجيع التجارة والاستثمار من جانب القنصليات وأفاد المغتربون بأن مصادرهم الرئيسة فى استقاء المعلومات للتعرف على الفرص الاستثمارية هى الأصدقاء والأسر فيما لا يعرف سوى قليل منهم بالخدمات الرسمية المحددة والمخصصة للمغتربين ويود المغتربون أن تقوم السفارات على وجه الخصوص بدور أكبر فى تجميع رواد الأعمال والمهنيين داخل الوطن مما يزيد من فرص تكوين شبكات التواصل ويجب تنظيم هذه الفعاليات جيدا وإعدادهم مسبقا لتعظيم الاستفادة وتنفيذ المشاريع والصفقات التجارية كما يأتى توفير المعلومات عن المتطلبات التنظيمية وإنشاء دليل لمؤسسات الأعمال ضمن أعلى ثلاثة خيارات لدور السفارات. المعوقات أمام الاستثمار أعرب مواطنو المنطقة المغتربون عن مخاوف عميقة إزاء جودة مناخ الاستثمار فى بلدانهم الأصلية واحتل سبب ضعف بيئة أنشطة الأعمال بما فى ذلك الإجراءات الإدارية المعقدة المرتبة الأولى بنسبة 54 % ثم عدم الاستقرار السياسى 47 % ونقص المعلومات عن فرص أنشطة الأعمال 33 % ونقص المعلومات عن اللوائح التنظيمية 29 % وبيئة الاقتصاد الكلى غير المواتية 23 % وعدم وجود بنية تحتية جيدة «الطاقة.. الاتصال بالإنترنت» 22 % وقلة الأدوات والخيارات التمويلية 21 % وجاءت الجريمة والعنف فى المرتبة الثامنة بنسبة 12 % ثم انخفاض العائد على الاستثمار 9% ونقص رأس المال البشرى 9 % والنظام الضريبى 7 % وأخيرا ارتفاع تكلفة المعيشة 4 %.