«أسطورة فنية لا تتكرر».. هكذا وصفت وسائل الإعلام العالمية والعربية، المطربة الكبيرة فيروز، التى توجها المستمعون العرب، أميرة على عرش الغناء، وأطلق عليها لقب «جارة القمر» لإحساسها المرهف، وكبريائها اللامتناهى واعتزازها بعروبتها واحترامها لجمهورها، الذى منحها من الحب والإعجاب والاحترام، ما لم تحظ به مطربة قبلها، باستثناء كوكب الشرق أم كلثوم. سفيرة ثقافة من المستوى الرفيع.. هكذا أطلق الإعلام الإيرانى على المطربة الكبيرة «فيروز»، والتى لم تحظ مطربة عربية بكل هذا التقدير والشعبية الكبيرة لدى الجمهور، مثلما حظيت به فى إيران. استطاعت فيروز أن تقدم عددًا كبيرًا من الأعمال المميزة على مدار أكثر من 65 عامًا، وقال عنها موقع «بالاترين» الإيراني، إن ما يميز «فيروز» عن غيرها من المطربات العربيات ليست قدرتها الصوتية الرائعة واختيارها لأغانيها فحسب، بل اعتزازها بكونها عربية الهوية وكبرياءها علاوة على أغانيها التى تناقش قضية سياسية استطاعت أن تحقق نجاحًا كبيرًا لا يقل عن نجاح أغانيها العاطفية مثل «يا بيروت»و«القدس». عشاق السيدة «فيروز» فى إيران كثر، فلا عجب أن تقرأ تعليقاتهم على بعض أغانيها المترجمة عبر مواقع التواصل الاجتماعى وأشهرها «فيس بوك» و«تويتر» التى يتحدثون فيها عن عذوبة صوتها وألحانها، وعبر المنتديات الإيرانية، نجد الكثيرين يتحدثون عن فرحتهم لحضور حفل لها سواء فى لبنان أو خارجها. وقال أحد رواد موقع «فيس بوك» الذى حكى عن تجربته الشخصية حين حضر حفلاً للست «فيروز» فى باريس منذ سنوات طويلة، ويدعى حسن تبار، مدون: «الله جميل يحب الجمال، على الرغم من أنها كانت تغنى بالعربية، إلا أنها استطاعت بإحساسها أن تترجم ما تشدو به بصوتها الملائكي، الذى يصل إلى جميع طبقات المجتمع باختلاف ثقافتهم، فهى خليفة السيدة أم كلثوم». وأكد «تبار» فى مقاله المنشور عبر مدونته أن إحساسها الراقى والعذب يصل إلى الجميع كاسرًا حواجز اللغات والثقافات، وهى ملكة لم يتمتع بها أى فنان. ونظرًا لشعبية فيروز الكبيرة فى إيران، التى تعتبرها مطربة استثنائية ترجمت بعض أغانيها للفارسية مثل «أعطنى الناى وغن»، و«رجعت العصفورة» و«سألتك حبيبي»، وغيرها من الأغانى لتظل فيروز تتربع على عرش الغناء، وتعبر بصوتها الحدود والقارات. ولا تثير فيروز الشهيرة ب«جارة القمر»، جدلا داخل الشرق الأوسط فقط لكنها السفيرة الساحرة للصوت العربى فى المجتمع الدولي، التى اهتمت بها الصحف العالمية وركزت على ما يتعلق بالنجمة اللبنانية الشهيرة حيث تصدر الميكس بين أغنية أديل المغنية البريطانية «Hello» وأغنية فيروز «كيفك أنت» التى تغنيها فتاة فلسطينية خلال أيام قليلة من إصدار الأغنية الإنجليزية، أعلى نسبة مشاهدة من بين كل الميكسات سواء على المستوى العربى أو الغربى. ونقل راديو «إن بى آر» الأمريكى الشهير، فى تقرير خاص عن «جارة القمر» تحت عنوان «فيروز.. صوت الأمل»، تصريحات خبيرة الموسيقى فى جامعة هارفارد فرجينيا دانيلسون، التى وصفت صوت فيروز بأنه جوهرة نادرة، وقادرة على الغناء باللغة العربية والموسيقى الغربية. وقالت دانيلسون: صوت «فيروز» مرن للغاية وتنتج هذا النوع الرائع من الحلى والتجويد التى هى جزء لا يتجزأ من الموسيقى العربية، مع سهولة كبيرة، فى الغناء دون الشعور بالإجهاد. ووفقًا للتقرير الأمريكى بدأت فيروز مهنة الغناء حين نال لبنان استقلاله، وكأنه ارتباط وثيق بتاريخ البلاد، وخلال الحرب الأهلية، الدامية فى لبنان، فى السبعينيات، رفضت فيروز مناصرة أى من الجانبين، وقررت عدم الغناء فى لبنان على الإطلاق، وأجرت عددًا من الجولات فى الخارج لتغنى عن بلدها لبنان. ومن المعروف أن معظم أغانى فيروز ركزت على الأوطان عامة، ولبنان خاصة فغنت للحرية ونمط الحياة الحديثة التى تغيرت سريعًا حتى أنها لم تترك لبنان فى الحرب اللبنانية، كان ذلك أحد أسباب حب اللبنانيين لفيروز، وتمجيدهم لها حتى أصبحت رمزًا لبنانيًا وعلمًا من أعلام البلاد. فى الحرب اللبنانية، لم تترك فيروز لبنان، بل ظلت فيه رافضة النزوح منه، ممثلة بذلك أعلى درجات حب الوطن والانتماء، وحتى حين فقدت ابنتها ليال، بعد أن تعرض منزلها لقصف صاروخي، ظلت على موقفها، وبقيت طيلة فترة الحرب منقطعة عن الغناء فى لبنان، حتى لا تحسب أنها منحازة لفئة ضد أخرى. ويقول ناصر الطائي، أستاذ مشارك فى علم الموسيقى بجامعة ولاية تينيسي، إنه بالنسبة للكثيرين فإن فيروز أيقونة غنائية وإنسانية غالية وجزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة وتقاليدها حيث تميزت طريقة غنائها وأزيائها بالحشمة والوقار، وأضاف أنها كانت همزة وصل بين الثقافات، ووصلت إلى الغرب، وفازت بمعجبين من باريس إلى لاس فيجاس حتى لو لم يفهموا كلمات أغنياتها. وفى تقرير آخر لصحيفة «الجارديان» البريطانية، قال إيان بلاك، المحلل بالصحيفة، إن فيروز واحدة من المطربين الأكثر احترامًا فى العالم العربي، وأن عشاقها يسمون «الفيروزيون» وأن صوتها وكلمات أغنياتها الراقية، جعلتها رمزًا فى المرتبة الثانية بعد كوكب الشرق أم كلثوم. ووفقًا للصحيفة، تمثل فيروز ثروة وطنية فى جميع أنحاء العالم العربى ولاقت إعجابًا منقطع النظير ورواجًا واسعًا فى العالم العربى والشرق الأوسط والعديد من دول العالم، وتعد من أقدم فنانى العالم المستمرين إلى اليوم، ومن أفضل الأصوات العربية، وأعظم مطربى العالم، ونالت جوائز وأوسمة مهمة وعالية، وكان من أهم الحفلات، التى نظمتها خارج الدول العربية، فى هولندا بأمستردام عام 2011، واليونان، بأثينا عام 2007، وسويسرا بجنيف عام 1999 فى الذكرى ال50 لتأسيس الصليب الأحمر، وفى بازل عام 2001، وفى فرنسابباريس عام 1979، فى الأولمبيا وكانت تعد من أعظم الحفلات فى العالم. وفى المملكة المتحدة بلندن نظمت فيروز أحد أهم حفلاتها عام 1962 فى قاعة رويل ألبرت هول، و1978 وباليديوم فى عام 1986، وفى رويل فيستيفل هول، وكنيسة سانت مارجريت فى 1994، وفى المكسيك بمكسيكو عام 1971، وفى البرازيل فى الأعوام 1961 و1970 و1981، والأرجنتين فى عامى 1961 و1970. وهزت فيروز الولاياتالمتحدة عام 1971 فى جولة فى حوالى 11 مدينة، و1981 أيضًا فى 11 مدينة وعام 1987 فى واشنطن، نيويورك، ماستشيوتس، ميشيجن، وعام 1999 فى لاس فيجاس، و2003 فى كونيكيت، وميشيجن، وكاليفورنيا، وفى أستراليا بمدينتى ملبورن وسيدنى عام 1984، وفى كندا بقصر الثقافة، والفنون بمونتريال أعوام 1971 و1981 و2005، وفى أوتاو عام 1981. وذكر التقرير أن سر تعلق شعوب العالم العربى بفيروز، من بينها مواقفها السياسية والتى أحيانًا كانت تتعرض للنقد بسببها ومن بين من هاجموا فيروز جماعات معادية لنظام البعث الحاكم بسوريا، عندما غنت فيروز فى دمشق عام 2008، وفى أواخر 2013، وكشف ابنها زياد عن حب والدته للسيد حسن نصر الله، ما أثار ردود فعل إعلامية وضجة واسعة. والمعروف عن فيروز أنها تلتزم عدم الرد على مهاجمتها والشائعات التى تطاردها منذ زمن طويل، مهما كلفها الأمر، وغنت فيروز للكثير من الأوطان والشعوب، وتكاد تكون الوحيدة من المطربين العرب الكبار التى لم تذكر الرؤساء والملوك فى أغانيها الوطنية، ما جعلها على مسافة واحدة من معظم التيارات السياسية.