صادرت السلطات السودانية (10) صحف سياسية- (الخرطوم، التيار، السودانى، الجريدة، الانتباهة، الرأى العام، آخر لحظة، ألوان، اليوم التالى، والأخبار)، وقررت تعليق صدور (الجريدة، آخر لحظة، الخرطوم، والانتباهة) إلى أجل غير مسمى.. وأصدر جهاز الأمن والمخابرات الوطنى الذى يقوم بمهمة الرقابة على الصحف منذ سنوات طويلة أوامره بالمصادرة والإيقاف دون إبداء أى أسباب، وكرر الجهاز مصادرته فى اليوم التالى بمصادرة صحف (التغيير، وأول النهار) بعد طباعتهما. وتعود أسباب المصادرة حسب تقديرات بعض الصحفيين إلى أن الصحف تناولت قضايا اجتماعية مثل انتشار جرائم اغتصاب أطفال المدارس ورياض الأطفال، بينما ينظر النظام الإسلامى التوجه إلى أن نشر مثل تلك القضايا من شأنه أن يمس بصميم أطروحته ويضرب مشروعه الأخلاقى المستمد من فكر الإخوان المسلمين وبعض الآراء الفقهية من السلف. وكان هدف النظام النهائى هو السيطرة على وسائل الإعلام ومنها الصحافة بإحكام قبضته الأمنية، وتمرير ما يريد دون أن تكون الصحف قادرة على الحصول على المعلومة فضلا عن نشرها. وتعانى الصحافة من الرقابة الأمنية المباشرة «رقابة قًبلية» عبر «ضابط» يرسله جهاز الأمن والمخابرات للنظر فيما هو مسموح للصحيفة أن تنشره وما هو غير ذلك، كما تعانى من الرقابة غير المباشرة عبر رؤساء التحرير الذين يتوقف الأمن كثيراً فى قبولهم فى هذه الوظيفة، رغم أن الصلاحيات وبموجب القانون لمجلس الصحافة والمطبوعات، حيث يضرب نوعاً من الرقابة الداخلية بطريقة العمل وفق المحاذير والخطوط الحمراء التى يرسمها الجهاز الأمنى! كما تزايدت حالات استدعاء الصحفيين من قبل الأمن والتحقيق معهم، إضافة إلى الاعتقالات وممارسة الضغوط على رؤساء التحرير للاستغناء عنهم وفتح البلاغات الكيدية فيهم عبر نيابة الصحافة. يذكر أن السودان من الدول الموقعة والمصادقة على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، ولكنه يعانى فى ظل النظام الحالى من جهة مواءمة وتكييف قوانينه وتشريعاته وإجراءاته وتدابيره القانونية ومدى الالتزام بها. ووصفت «شبكة الصحفيين السودانين» أكبر تجمع للصحفيين «لا تعترف به السلطات» فى بيان حصلت عليه «روز اليوسف» قيام الأمن بالمصادرة والإيقاف بمجزرة الصحافة السودانية التى يتبناها النظام وبأنها هجمة غير مسبوقة وهى استهانة متكررة ومكشوفة بالدستور الانتقالى لسنة 2005 الذى نص على حق كل مواطن حق لا يُقيد فى حرية التعبير وتلقى ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة وأن الدولة تكفل حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون فى مجتمع ديمقراطى. وكانت الشبكة قد نظمت إضراباً عن العمل لمدة يوم «الأربعاء» الماضى، وقامت بوقفة احتجاجية أمام مجلس الصحافة والمطبوعات وتقدمت بخطاب إلى رئيس مجلس الصحافة، تحث فيه المجلس على التحرك بفعالية من أجل إيقاف التدهور الذى أصاب الصحافة بسبب تدخلات الأجهزة الأمنية بمصادرة أعداد من الصحف بعد الفراغ من طباعتها وإيقافها المتكرر وطالبت الشبكة مجلس الصحافة بالعمل على دعم وحماية حرية الصحافة ووصفت الشبكة دور الصحافة السودانية بالوطنى والمعبر عن الكل السياسى والثقافى وأنها أى الصحافة «ظلَّت الحاضن الأبرز لكافة الآراء والأفكار ومن مختلف المشارب الفكرية، ولعبت دوراً مشهوداً إزاء القضايا الوطنية منذ ميلاد الحركة الوطنية والاستقلال». وأوضحت الشبكة فى خطابها عن الصحافة السودانية تسير وفقاً للتقاليد والأخلاقيات والقواعد المهنية المتبعة فى كل الدول، وأنها غدت بحق سلطة رابعة فى السودان وهى لا تزال تلعب دورها المحورى «المهنى» فى تقديم الخدمة الصحفية تجاه مجتمعها. وأدانت «شبكة الصحفيين» ما أسمته سيطرة النظام على الصحافة واستهداف الصحفيين، وقالت مخاطبة مجلس الصحافة: (نضع فى اعتبارنا مدى علمكم بحقيقة الوضع فى المجال الصحفى، الذى يشهد سيطرة تامة للسلطة التنفيذية على مجرى الصحافة وحرية التعبير إذ صارت الصحافة السودانية تعيش أسوأ مراحل تاريخها، من واقع اشتداد القبضة الأمنية على الصحف، واستمرار معاناة الصحفيين من الملاحقة الأمنية - التى أصبحت تأخذ أشكالاً متعددة من الاستهداف الممنهج، إضافة الى الأوضاع الاقتصادية المتردية التى تعيشها الصحف). عربياً أدان «التحالف العربى من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات» قرار السلطات السودانية بمصادرة ال (10) صحف وتعليق صدور أربعة منها، حيث عبرا عن رفضهما لهذه الإجراءات التى تنتهك مواثيق حقوق الإنسان والدستور السودانى حسب بيانهما الذى حصلت عليه «روز اليوسف»، كما أدانا تعدى الأجهزة الأمنية على الحريات العامة وحرية الرأى والتعبير. وقال سليمان سرى سليمان مسئول الإعلام بالتحالف العربى من أجل السودان فى تصريح ل«روز اليوسف»: «إن الرئيس السودانى دشن حملته الانتخابية بمجزرة الصحافة السودانية بمصادرة 14 صحيفة فى يوم واحد منتصف فبراير الماضى، وها هو قبيل تتويجه لولاية سادسة يكرر نفس السيناريو الذى ظل مستمراً لربع قرن من الزمان». ووصف التحالف فى بيانه الإجراءات التى اتخذها جهاز الأمن بأنها «مؤشر خطير، كونها ترسم ملامح المرحلة القادمة مما يعنى أن المستقبل مظلم للصحافة والصحفيين فى ظل أوضاع متردية لظروف المهنة، مع ارتفاع وتيرة الانتهاكات بالتضييق والمصادرة والقمع». وعبر التحالف عن رفضه لجميع أشكال الانتهاكات التى تستهدف الصحف والصحفيين، بداية من الرقابة على الصحف والمصادرة قبل وبعد الطبع الحظر وإغلاق الصحف وملاحقة الصحفيين، معللاً كل ذلك يأتى فى سبيل تكميم الأفواه ومنع الصحفيين من كشف الفساد وحجب الحقائق عن المواطنين. ووجه نداءً لجميع المنظمات الحقوقية الإقليمة والدولية وكل المؤسسات الصحفية، للعمل من أجل الضغط على السلطات السودانية للكف عن تلك الممارسة ورفع يدها عن الصحافة والصحفيين واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وأحدثت كارثة مصادرة الصحف وإيقاف بعضها عن الصدور تأثيراً كبيراً فى أوساط الفاعلين السياسيين من أحزاب وتجمعات حزبية، فقد أدانت (الجبهة الوطنية العريضة المعارضة) فى بيان لها مصادرة الصحف وإيقافها ووصفت أجهزة الأمن بأنها معتدية على امتداد عمر النظام على الحريات والصحافة بالرقابة والقمع والمصادرة قبل وبعد الطبع لتكبيد أصحابها خسائر مالية. وتضيف الجبهة الوطنية العريضة: «إن الأجهزة الأمنية السودانية ابتكرت ظاهرة العقاب الجماعى سعياً منها لفرض سياسة تكميم الأفواه ومصادرة حق المواطن والصحفى فى الحصول على المعلومات وتمليكها للرأى العام فى محاولة منها لإيقاف الكشف عن الفساد الذى سعى النظام لترسيخه ليصير سلوكاً اجتماعياً وثقافة عامة بعد أن سيطرت كوادره وتمددت بفضل سياسات الولاء داخل مؤسسات الدولة مما عرضها للانهيار الشامل». وأكدت الجبهة على أن حرية الصحافة حق من حقوق الإنسان وهى حق لا يقبل المساومة أو المهادنة أو التفريط وأن الشعب السودانى لن يحصل على حقوقه إلا بذهاب النظام. ودعت إلى هدم ما أسمته دولة الشمولية والقهر والظلم وبناء دولة الحرية والعدالة والمساواة، التى تكفل الحريات العامة وحرية الرأى والتعبير والنشر والحق فى الحصول على المعلومة باعتبار الصحافة سلطة رابعة فى المجتمع والدولة، وأن الديمقراطية المنشودة لا تستقيم من غير توفير القوانين والتشريعات التى تكفل حرية الرأى والتعبير بوصفها حقاً وليست منحة من أحد. ووصف تحالف قوى الإجماع الوطنى المعارض حكومة حزب المؤتمر الوطنى بأنها تسعى لأن تعيش فى الظلام لذلك تبقى على الرقابة بأشكالها المختلفة ومنها الرقابة المباشرة على الصحافة أو عبر فرض رسوم عالية على صناعة الصحافة ومدخلاتها وإلى التحكم بسوق الإعلان ليصل الأمر إلى استغلال بعض الصحفيين لتمرير أجندة النظام. وطالب بإيجاد صيغة يتشارك فيها الجميع تضمن التبادل الحر للأفكار والآراء وصولاً لمجتمع حر ومعافى وابتداع آليات لإيقاف مصادرة الأجهزة الأمنية للصحف ووحدة الناشرين والصحفيين وبدور أكبر للمؤسسات الصحفية مجتمعة لاسترداد الوطن عبر تغيير الحكم الشمولى الآحادى القائم على الإقصاء ومصادرة الآخر ورأيه واستبداله بوطن الحرية والديمقراطية.∎