تجددت الاشتباكات بين قبيلتى «الرزيقات» و«المعاليا» فى إقليم دارفور غربى السودان للمرة الثالثة خلال عام عقب انهيار الهدنة الموقعة بينهما بمنطقة الطويشة قبل أسبوعين، وأدت تلك الاشتباكات إلى قتل وجرح المئات فى المعارك التى اندلعت الأسبوع الماضى. واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة من الطرفين بمنطقة (أبوكارينكا) بولاية شرق دارفور. وقدر عدد الحشد القبلى بأكثر من (60) ألفا حسب بعض شهود عيان من تلك المناطق، مما ينذر بأن عدد ضحايا المعركة الجديدة سيفوق حجمه أحداث عام 2014م والتى شكلت لها الحكومة لجنة قانونية خاصة أجرت تحقيقاً موسعا سلم إلى وزير العدل الحالى ولم تظهر نتائجه بعد! واستخدم بعض المقاتلين من قبيلة الرزيقات أنواعا من الأسلحة لم تكن موجودة بأيدى المواطنين طوال سنوات الصراع الدائر فى دارفور، حيث سقطت قذائف الكاتيوشا على مدينة (أبو كارينكا) التى تقطنها مجموعة المعاليا، حيث أدت إلى قتل سيدتين وحرق عدد من المنازل. وقبل اندلاع الصراع، وعد والى ولاية شرق دارفور الطيب عبد الكريم بنشر قوات من الجيش تفصل بين الطرفين وتحول دون وقوع الاشتباكات الدامية والتى تحولت إلى حرب قبلية بفعل صمت الحكومة التى كانت تعلم أن القبيلتين تحشدان للقتال منذ أيام مضت، ولكنها لم تحرك ساكناً حتى وقع القتال العنيف الذى يقدر البعض عدد ضحاياه بأكثر من (70) قتيلاً ومئات الجرحى من خلال إحصاء غير رسمى للضحايا فى المستشفيات الكبرى بولاية شرق دارفور. وتبادلت القبيلتان الاتهامات فيما بينهما، وقال مجلس شورى قبيلة «المعاليا» إن قبيلة «الرزيقات» شنت هجوما مباغتا على منطقة بخيت راح ضحيته مئات المدنيين، وذكر البيان أن المهاجمين قاتلوا بأسلحة ثقيلة وبعربات دفع رباعى حديثة. يونس فرح الناطق باسم مجلس شورى قبيلة الرزيقات قال: «الاشتباكات أدت إلى مقتل وإصابة أعداد كبيرة من المواطنين لم نستطع حصرهم بصورة دقيقة، وطالب فرح الحكومة بتحمل مسئوليتها فى تطبيق اتفاق الصلح الذى وضع كحل للأزمة فى مدينة مروى، والذي أقر بملكية الأرض بولاية شرق دارفور لقبيلة الرزيقات. حركة تحرير السودان بقيادة (عبدالواحد محمد نور) تأسفت على الأحداث، وحملت حكومة حزب المؤتمر الوطنى الحاكم المسئولية عن مقتل ضحايا الاشتباكات القبلية وقالت فى بيان: «إن الصراع المفتعل الذى تحركه وتغذيه أيادى نظام الخرطوم لأجل زعزعة الاستقرار وضرب النسيج الاجتماعى فى دارفور وكل السودان عبر سياسة فرق تسد لتحقيق مكاسب حزبية وذاتية ضيقة لا تخدم مصلحة الوطن أو القبيلتين الشقيقتين». وقالت الحركة: «النظام يسعى لإضعاف قوى الهامش السودانى بعدم توحدها لانتزاع حقوقها العادلة فى التنمية والتمتع بمواردها وثرواتها وكسر هيمنة الصفوة الحاكمة فى الخرطوم». واتهمت الحركة فى بيانها الحكومة السودانية بتأجيج الصراعات وتأجيج نيران الصراعات القبلية فى السودان، وقالت: «إن صناعة الحروب والأزمات والعزف على وتر تقسيم السودانيين إلى عرب وزرقة تارةً ومسيحيين ومسلمين تارةً أخرى هى من صنع النظام إلى أن وصل الحال بها إلى تجييش القبائل ضد بعضها البعض، فكان انفصال جنوب السودان نتيجة حتمية وطبيعية لهذه السياسات والممارسات البغيضة». وكانت أصوات لقيادات سياسية تنتمى إلى المجموعتين القبيلتين قد طالبت الحكومة بنشر قوات للفصل بين الطرفين فى وقت مبكر، إلا أن الاستجابة لهذا الطلب قوبلت بالإهمال من قبل السلطات المحلية والحكومة الاتحادية فى الخرطوم، وحمل «موسى السليك مادبو» النائب السابق بالبرلمان الحكومة مسئولية تجدد تلك الاشتباكات لعدم نشر قوات من الشرطة أو الجيش لتأمين الحدود الفاصلة بين الرزيقات والمعاليا، ووصف غياب السلطة المحلية فى تلك الأنحاء بأنه فراغ إدارى فى عموم الولاية. وفى السياق أدان الحزب الديمقراطى الليبرالى الحكومة الاتحادية وقال «إنه يأسف أشد الأسف لتطور الأحداث على الأرض، وناشد طرفى النزاع بالوقف الفوري لأعمال القتال والسماح للطواقم الطبية والإسعافية والقوافل الإنسانية الدخول إلي المنطقة فوراً». وأردف قائلاً: «إن سقوط ما يقارب المئات من القتلى والجرحى من الطرفين لهو خير دليل على عدم جدوى الحرب وهو مؤشر قوى يدعو الناس للعودة إلى الحوار والتفاهم». وناشد الحزب الديمقراطى الليبرالى حكماء القبائل في المنطقة والسودان عامة بالتدخل لوقف أعمال القتل والعنف والدعوة إلي حوار فوري غير مشروط يكون فيه مصلحة أبناء المنطقة والسودان. الأممالمتحدة المتواجدة بكثافة فى إقليم دارفور وعلى لسان منسق الشئون الإنسانية بالإنابة في السودان «قيرت كابلري»، عبرت عن بالغ قلقها من الأخبار التي تتحدث عن اندلاع قتال قبلي في أبوكارينكا وعديلة بولاية شرق دارفور. وقال كالبيري: «أشعر بقلق شديد لاندلاع القتال، لأن هذه المدن مليئة بالمواطنين ومعظمهم من النساء والأطفال والذين يحاولون العيش فى سلام، ويجب ألا يدفع هؤلاء ثمن تجدد النزاع. وهنا أود أن أذكر كل أطراف النزاع بأن لديهم التزاما بحماية المدنيين وأن يسمحوا لهم بالحصول علي المساعدات الإنسانية دون قيود». منى آركو مناوى رئيس حركة جيش تحرير السودان ناشد قبيلتى المعاليا والرزيقات بوقف الاقتتال والاحتكام إلى صوت العقل والشروع فى إجراءات للصلح بينهما، وقالت الحركة على لسان «مناوى»: (ونحن إذ نراقب أيادى الحكومة الآثمة فى الإعداد لهذه الحرب، نلاحظ أيضا تواطؤها لجعل هذه الحرب حتى تندلع حقيقة)، وتساءل مناوى عن حقيقة ما بثته وسائل الإعلام بأن الحكومة تعد لإرسال قوى للفصل بين الطرفين وقال: ما الغرض مما قيل عن وجود قوات ضخمة يرأسها لواءات لعزل الطرفين ومنعهما من الصدام؟! المجتمع المدنى السودانى أبدى تحركات أوسع من تحركات الحكومة السودانية، حيث نظم مجموعة من الصحفيين وقفة احتجاجية أمام القصر الجمهورى نهاية الأسبوع تطالب الرئاسة بالتدخل لإيقاف الاقتتال بين قبيلتى المعاليا والرزيقات بولاية شرق دارفور، ورفع الصحفيون لافتات (لا للحرب)، وأكد الصحفي لؤى عبدالرحمن من مبادرة «صحفيون ضد العنف» القبيلتين أن الوقفة هدفها توصيل رسالة للحكومة الاتحادية فى أعلى مستوياتها، بالتدخل العاجل لوقف نزيف الدم والفصل بين قوات القبيلتين ومساعدتهما على التهدئة، تمهيداً لاستئناف الحوار بينهما. من جهته طالب التحالف العربي من أجل السودان السلطات السودانية بتحمل مسئولياتها فى تفاقم الصراع في دارفور، بالصمت الرسمي وعدم التدخل منذ تفجر الصراع بين القبيلتين واحتواء هذه الأزمة، تارة بالتواطؤ وتارة بالانحياز لطرف دون الآخر وتغذية وتأجيج الصراع بين القبيلتين اللتين فقدتا مجموعة كبيرة من أبنائهما. وقال المسئول الإعلامى للتحالف العربى في تصريح ل«روزاليوسف» إن الصراع في دارفور أخذ بعداً إثنياً خطيراً، فبعد أن كان الصراع مصنفاً على أساس أنه بين (العرب والزرقة) فى دارفور تارة أوقبائل إفريقية وأخرى عربية، اتجه الآن لتسليح قبائل من ذات المجموعة الإثنية وتسليح أبنائهم ضد بعضهم البعض. وعزا تفاقم الصراع في المنطقة لغياب الإدارة الأهلية بعد أن قامت السلطات بحلها، وتعيين إدارة أخرى تتبع للنظام الحاكم. قيادى كبير من الإدارة الأهلية رفض ذكر اسمه قال إن الحكومة أعلمتهم بتصميمها إرسال قوات للفصل بين الطرفين، وأن قوات عسكرية تتبع للجيش تحركت من منطقة الدمازين بولاية النيل الأزرق فى طريقها إلى هناك، وأضاف أن إضعاف الإدارة الأهلية المتعمد من قبل النظام هو ما جعل هذه المشاكل تتفاقم وتصل مرحلة الموت الجماعى وهو أمر يؤسف له، ووصف القيادى الدارفورى الحكومة بعدم القدرة على التحرك بصورة صحيحة تحول دون توسع هذه المعارك وقال: بعض قوات الدعم السريع (مليشيات شبه رسمية) أغلبها من قبيلة الرزيقات وهؤلاء تريد الحكومة مساهمتهم فى حفظ حياة المدنيين وهؤلاء يمكن أن ينحازوا إلى قبيلتهم عند مواجهتها صراعاً مسلحاً، كما أن أبناء المعاليا ليسوا بعيدين عن التواجد فى قوات حكومية متعددة. وتنتمى كلا القبيلتين المعاليا المنحدرة من صعيد مصر والرزيقات أكبر القبائل فى دارفور إلى مجموعة القبائل العربية.∎