«جاى الزمان».. من دموع «دينا» ابنة الشاعر الكبير «محمد حمزة» التى غلبها الألم والحزن عند رحيل والدها فى عام 2010. جاء الزمان إلى «دينا» ليقربها أكثر من الأب الشاعر الذى رحل وبقيت أعماله تتردد فى أذهان عشاق أغانيه العاطفية والوطنية. جاء الزمان ليعرف «دينا» أن رحيل الجسد لا يعنى رحيل الروح وأن الأعمال الخالدة الباقية هى الدواء الوحيد للخروج من أزمة الفقدان والغياب، «جاى الزمان» هو عنوان الفيلم الذى قامت «دينا» بإخراجه ليس فقط فى محاولة للبحث عن نفسها ولا عن والدها بل للتعبير عن زمن مضى ولم يمح. ولكن كيف تحول الحزن إلى فرحة بإنجاز وثيقة سينمائية تعبر عن مشاعر الحب والوفاء والامتنان من جيل حالى إلى جيل رحل.. حول الفكرة التى تحولت إلى فيلم وعن البداية التى انطلقت منها، بدأت «دينا» حديثها: بدأت فكرة صناعة هذا الفيلم منذ عام 2010 وكان والدى لايزال حيا، كنت أريد صناعة فيلم عن الفتاة التى انتحرت عند وفاة عبدالحليم حافظ، وكنت قد علمت أن هناك أكثر من حالة ومحاولة للانتحار بسبب موت عبدالحليم حينها تساءلت ما الذى يدفع أى إنسان للانتحار بسبب موت شخص ما، وعندما رحل والدى راودتنى فكرة الانتحار ولكن الفكرة تحولت لتكون رحلة بحث أحاول فيها اكتشاف والدى، الزمن الذى عاشه والأماكن التى تردد عليها والأشخاص الذين عرفهم، كنت أبحث عن والدى وعن نفسى لأخرج من حالة الرحيل والفقدان التى عشتها بعد وفاته، أدركت حينها أن الفتاة التى انتحرت عند وفاة عبدالحليم ما هى إلا النهاية المتوقعة لمرحلة ما فى تاريخ مصر. فى عام 1977 والتى أصبحت بعدها الحياة فى مصر أكثر قبحا، فهمت السبب الذى دفع هذه الفتاة للانتحار وهى أنها فقدت بموت عبدالحليم سبب وجودها فى الحياة علمت حينها أننى لا أريد الموت بل أريد الحياة.. وأخذت أحاول اكتشاف العصر الذى عاشه والدى وكيف كانت أغانى عبدالحليم فى وجدان جيل بأكمله ثم انتقلت إلى جيل آخر، كيف تأثرت الأجيال بالأغانى العاطفية والسياسية من «زى الهوى» و«مداح القمر» إلى «فدائى» و«عاش». أثناء بحثى عن والدى اكتشفت جزءا ومرحلة مهمة من تاريخ مصر ليس فقط مع أغانى الحب والأغانى السياسية الحماسية من هزيمة ومقاومة وحرب وانتصار، ولكن أيضا مع أغانى الهجر والسفر والفراق وعرفت أن هذه الأغانى قدمت فى فترة ازداد فيها السفر والهجرة من مصر. ∎ وكيف حقق لك الفيلم فكرة البقاء؟ الفيلم بالنسبة لى كان بمثابة المخرج من الحالة التى عشتها عقب وفاة والدى، عندما أرى الإنجاز الذى حققه وكيف تحيا أغانيه حتى الآن، حتى أثناء ثورة 25 يناير كان الميدان يعيد أغانى وطنية من تأليفه وهو ما أشعرنى أن هؤلاء الفنانين مازالوا أحياء بيننا طالما أن أعمالهم مازالت باقية.. ومع الوقت وأثناء عملى بالفيلم شعرت أننى أريد الحياة. ∎ وكيف بدأت رحلتك فى البحث عن والدك؟ بدأت من البيت من خلال عائلتى الصغيرة جدا فنحن ثلاثة إخوة فقط ومعنا ابنة عمى، نحن من تبقى من عائلتنا، ثم بدأت فى الدخول لعوالم أوسع فى مجلة «صباح الخير» التى كان يحبها والدى ويرسل إليها مقالاته لآخر لحظة فى عمره ثم الإذاعة.. حتى الأماكن السيئة التى أريد نسيانها مثل المستشفى التى توفى بها فقد ذهبت إليها أيضا، بعد أن كنت أبتعد عن مجرد رؤيتها فكنت أثناء عودتى للبيت أتجنب المرور من الشارع المتواجد به المستشفى القريب لبيتنا، وأثناء بحثى وجدت صورة صديقة لأمى كانت تعشق عبدالحليم لدرجة أنها حاولت الانتحار أيضا بعد وفاته، ومازالت حتى الآن تعيش فى زمن عبدالحليم على ذكراه وأغانيه. ∎ على الرغم من أن أغانى والدك - حتى الأغانى العاطفية - كانت تتميز بنوع من المقاومة فإن الحزن غلب عليك ولم تتمكنى من المقاومة مثله؟ بتأمل الأغانى التى قام بتأليفها والدى كنت أجد أنها أغانٍ عن الحب بالفعل، ولكنها كانت مليئة بالشجن والحزن مثل موعود أو حاول تفتكرنى حتى الأغانى العاطفية مثل زى الهوا نجده يقول فى عز الأمان ضاع منى الأمان.. ومع ذلك كتب أغانى خفيفة وكتب 14 زفة لعايدة الشاعر وشريفة فاضل.. ولكنه تمتع فعلا بفكرة المقاومة حتى مع أغانى الفراق، كان يتمتع بمقاومة كبيرة استطعت أن أجدها وأتمتع بها أنا أيضا مع الفيلم. ∎ هل يعبر عنوان الفيلم «جاى الزمان» عن هذه المقاومة؟ اخترت العنوان الأصلى لأغنية «أى دمعة حزن لا».. فقد كان عنوانها «جاى الزمان» وهو عنوان أكثر تفاؤلا وأملا حتى بالنسبة لى على المستوى الشخصى فالدنيا لا تتوقف فى مرحلة معينة بل الزمان آت بالجديد دائما. ∎ ارتباط والدك بعبدالحليم كان كبيرا، فهل لهذا السبب كان لحليم كل هذا الحضور فى الفيلم؟ يعتبر والدى ثانى أكثر شاعر كتب أغانى لعبدالحليم، مع الوضع فى الاعتبار أن والدى احترف العمل فى الستينيات أى بعد ظهور حليم بعشر سنوات، وقد كتب له الأغانى الطويلة وتعاون الثلاثى «محمد حمزة - بليغ حمدى - عبدالحليم حافظ» لسنوات طويلة واستمر والدى فى العمل مع عبدالحليم حتى بعد اختلافه مع بليغ حمدى. وعبدالحليم كان دائما شخصية لها حضور طاغ فى بيتنا، من خلال أغانيه وصوته المتردد دائما فى أرجاء البيت فقد كان معشوقًا من أبى وأمى، ولا يمكن أن ننكر أن الكثيرين تعلموا الحب من أغانى عبدالحليم وأن هناك دائما أغنية لعبدالحليم بين كل عاشقين، كما أن والدى كان يفتقده جدا ويتحدث عنه طوال الوقت، وقد تسبب موت حليم فى هزة نفسية كبيرة فى حياة والدى وانتقل من مرحلة إلى مرحلة ولم ينس أبدا كيف أنه كان يحضر للأغنية فى عام كامل من الربيع للربيع، كل أفراد عائلتى كانوا يعشقون عبدالحليم، أخى يتذكره لأنه كان يحب الأطفال ويهتم بهم جدا، خالتى كانت تكتب كل أغانيه. وعلى الرغم من أننى وأختى ولدنا بعد رحيله فإنه كان دائما موجودا بصوته معنا. پ دائما ما تكون صورة الفنان فى عيون جمهوره مثالية ومختلفة تماما عن صورته فى عيون المقربين منه الذين يتعاملون مع عيوبه.. هل كان والدك يتحدث عن عيوب عبدالحليم؟ أبدا.. والدى لم يذكر عبدالحليم إلا بالخير.. وكل أسرار عبدالحليم التى كان يعرفها لم يتحدث عنها مطلقا وكان دائما يقول سر عبدالحليم معه هو فقط. وليس من حق أحد الحديث عنه، فكانت هذه طبيعة شخصية والدى إذا أحب أحدا أجبره وفاؤه إليه بالحديث الطيب عنه وإذا لم يحب شخصا ما فقد كان يتجنب الحديث عنه. ∎ هل كانت هناك أغانٍ ترتبط بذكريات معينة بين الشاعر محمد حمزة وعبدالحليم؟ أذكر أن أول تعاون بينهما من خلال أغنية «سواح» كان هناك جملة بالأغنية تقول مشوار صعيب. فقال عبدالحليم لوالدى كلمة صعيب يقولها محمد رشدى وليس أنا، وطلب من والدى تغيير الكلمة لتكون مشوار بعيد حتى تلائم أكثر شخصية حليم، وأغنية موعود لم تكن هى التى من المفترض أن تغنى عندما غناها حليم فى إحدى حفلات الربيع، كانت الأغنية الجاهزة حينها مداح القمر، ولكن لأن الحفلة سبقتها رحلة علاج طويلة لحليم فى لندن فكانت موعود أكثر ملاءمة للتعبير عن حالته وعن الرحلة التى مر بها.∎