رغم أن بعض الحقوقيين والنشطاء العرب، يحاولون مساندة الشعب السودانى فى مواجهة حزب المؤتمر الوطنى الحاكم الموالى ل«الإخوان»، فإن المساندة والدعم العربيين لا يزالان دون المستوى المطلوب، خاصة بعد أن نجح النظام السودانى فى تسويق نفسه بإعتباره داعماً للحقوق العربية مثل القضية الفلسطينية وغيرها، كما نجح أيضاً فى تشويه صورة معارضيه وإلصاق تهم عديدة أبرزها التشكيك فى وطنيتهم ووصمهم بالعملاء، وحوصرت أطراف المعارضة السودانية بآلة إعلامية ضخمة، عملت لصالح النظام والممسك بخيوطها من إذاعة وتلفزة وصحافة والمقيدة بقوانين وضعها النظام حسب مقاسه. وعندما عجزت المعارضة ومن خلفها منظمات المجتمع المدنى السودانية المحاصرة فى السودان عن كسر الاحتكار الإعلامى، أخذت تصوب جهودها نحو التواصل إقليمياً مع الميديا العربية وفى مقدمتها الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى فى مصر، حيث ترى أطراف سودانية عديدة أهميتها من أجل قضية الحرية والعدالة وإيقاف الحروب. ووجه نشطاء حقوقيون وصحفيون عرب انتقادات حادة للنظام السودانى وطالبوه بوقف انتهاكات حقوق الإنسان، ضد المدنيين فى كل مناطق الصراع فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ووقف عمليات الاختطاف الممنهج والاعتقالات التعسفية على أساس سياسى وعرقى، خاصة وسط الشباب والطلاب، وشددوا على ضرورة الضغط على الحكومة السودانية لإطلاق الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين والحقوقيين خاصة رموز المجتمع السودانى المعتقلين حالياً، وحذروا من أن استمرار النظام فى سياساته يهدد وحدة ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب. وأشارت رئيس تحرير صحيفة الأهالى المصرية ونائب رئيس حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى أمينة النقاش إلى أن الأنظمة الشمولية القمعية التى تحظر أنشطة الأحزاب وتقمع حرية الصحافة، مثل الحكومة السودانية التى لا تعلم أنها تتآكل من الداخل.. مضيفة: إن التاريخ برهن على أن غياب الحريات الديمقراطية والحريات الاجتماعية كان سببا فى سقوط امبراطوريات كبيرة، مثل الاتحاد السوفيتى ومنظومة الدول الاشتراكية وغيرها. وأكدت على أن هذا النوع من الأنظمة لا أمل فى بقائه، والشعب السودانى على أى حال كان فى طليعة الشعوب التى قدمت ثورتين سلميتين أسقطت ديكتاتوريتين عسكريتين فاشيتين فى العام أكتوبر 1964 وأبريل 1985، وبالتالى فكرة الربيع العربى بدأت لدى الشعب السودانى واستمرار مثل هذا النوع من الحكم، لم يعد مقبولاً لا عربياً ولا إقليمياً ولا دولياً. وأرجعت «النقاش» أزمة السودان ومنذ استقلاله نتيجة الخلط بين الدين والسياسة مما أدى لتخريب هذا البلد الكبير المتنوع الملىء، بالخبرات والثروات وهو الذى مهد لصعود الإسلام السياسى إلى السلطة بانقلاب عسكرى فى يونيو 1989، مشيرة إلى أن هذا النوع من الأنظمة لم يكن له أى فرصة للبقاء وبالتحديد الإخوان وتيار الإسلام السياسى الذى فشل فشلاً ذريعاً فى أن يبقى عامًا واحداً فى مصر. لابد أن يبقى له أثر فى القارة الأفريقية لأنهم يعملون فى كل هذه القارة برغبة فى إقامة ما يسمونه بالمشروع الإسلامى. وأشارت النقاش إلى أن الأزمة التى يمر بها السودان منذ الاستقلال هى عجزه فى بناء دولة حديثة بالقيم الديمقراطية الدولية المتعارف عليها، دولة تحفظ حقوق المواطنة وتقيم العدل الاجتماعى تساوى بين مواطنيها وتحفظ التراث الخاص بكل القوميات والثقافات، فى مجتمع متعدد مفتوح على كل الثقافات. ورأت أن المراهنة على القمع هى مراهنة على مجهول وفاشلة لأن الشعب السودانى وقواه الحية الراغبة فى النهوض بهذه الدولة ذات التاريخ والحضارة الممتدة لن يقبل باستمرار مثل هذا القمع. وطالبت «النقاش» بالحرية لكل معتقلى الرأى والضمير فى السودان وشددت على منظمات المجتمع المدنى العربية والدولية والإقليمية أن تتحرك من أجل حماية حياتهم وثانياً بالسعى للإفراج عنهم. من جهته، قال الأمين العام للتحالف العربى من أجل السودان حجاج نايل، إن الانتهاكات التى تتم فى السودان والتى تتعلق بالحق فى الحياة، أوالتنقل أو الحق فى العمل أو التوقيف والاحتجاز والتعذيب، لايمكن الحديث عنها فى منطقة دون الأخرى، مشيراً إلى أن الأزمة السودانية وصلت حد الخطوط الحمراء وأصبحت أزمة كلية وشاملة فى مجمل مناطق الصراع فى السودان. وأكد نايل أنهم فى التحالف ومنذ تأسيسه العام 2008 وحتى اليوم يعملون بشكل يومى ودءوب على تتبع هذه الانتهاكات، لكن القدرات اللوجيستية والفنية لهذه المؤسسة التى تضم نحو 145 منظمة غير حكومية على مستوى الوطن العربى ضعيفة مقارنة بإمكانيات الدولة السودانية التى تضخ أموالاً من الخزانة السودانية العامة، مشيراً إلى أن التحالف نشأ بشكل أساسى كرد فعل لصمت الإعلام العربى والإعلام الرسمى والحكومات والسلطات والرؤساء والملوك العرب على ما يحدث فى السودان، وأضاف: كنا نحاول أن نعوض جزءًا من هذا الصمت بالتعريف والتنوير بما يجرى فى الساحة السودانية، والحقيقة أن الأزمة السودانية وصلت مرحلة الانهيار الشامل، وتابع (نحن فى التحالف العربى رغم تأكيدنا على أننا لسنا طرفًا فى العملية السياسية ولسنا طرفًا ضد طرف، لكن غصباً عنا ودون إرادتنا نجد أنفسنا نحمل الحكومة السودانية والرئيس عمر البشير كل ما يحدث فى السودان). وحمل نايل النظام السودانى مسئولية التقسيم الذى حدث بين الشمال والجنوب، وقال إنه مسئول عن هذا التفتت الاجتماعى والثقافى، ومسئول عن التمييز الذى يحدث بسحق وضرب المدنيين بطائرات الإنتنوف، وقال: إن هذا النظام يقوم بارتكاب انتهاكات على أوسع نطاق ضد شعبه، وهو المسئول فى الأصل عن حمايته وصيانة كرامته وتوفير حقوقه وحرياته. واعتبر نايل اعتقال السلطات السودانية لنخبة من مؤسسات المجتمع المدنى والقوى السياسية والحزبية على رأسهم فاروق أبوعيسى وأمين مكى مدنى وآخرون، وهم يمثلون الصوت الوحيد الباقى فى السودان، تأكيداً على أن السودان وصل الى مرحلة الانهيار، وقال: إن مؤسسات المجتمع المدنى تواجه حصاراً عنيفاً مشيراً إلى إغلاق «مركز الدراسات السودانية» و«مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية»، ولاحقاً مركز الشهيد «محمود محمد طه» وإلغاء تسجيل اتحاد الكتاب، ومداهمة مقارهم والاستيلاء على كل ممتلكاتها، ومن تم اعتقال النشطاء فى المجتمع المدنى. وتابع (لكن على الرئيس عمر البشير أن يعتقل الشعب السودانى بأكمله حتى يضمن استمراره فى هذا الحكم). وأبدى الأمين العام للتحالف العربى من أجل السودان قلقه هما أسماه بضرب النظام للمدنيين فى جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وتعرض عدد كبير منهم للمجاعة، ومعاناتهم فى البحث عن الغذاء بالتقاط أوراق الشجر من الأرض للحصول على الغذاء والتدفئة، وأضاف: (فى الحقيقة إننا ننبه العالم ونصرخ مستنجدين بكل القوى الإقليمية والدولية والمحلية والسودانية فى محاولة للضغط على نظام البشير، لوقف كل أشكال الانتهاكات التى يتعرض لها المدنيون فى السودان وتوقف الصراع العسكرى والحروب، مشيراً إلى أنهم منذ فترة مبكرة قد نبهوا إلى خطورة تقسيم السودان، وهو ما حدث بالفعل، نتيجة لسياسات هذا النظام منبهاً إلى أنه الآن يصر على فصل دارفور وجنوب كردفان، وأضاف: «إن استمرار هذا النظام بممارساته سوف يدفع السودان لمزيد من الانشقاق والتفتت والتقسيم»، لرغبة هذا النظام فى محاولة سيطرة ثقافة واحدة وأفكار دينية لمجموعة معينة، على المجتمع السودانى بأكمله والذى يتميز بثراء شديد وتنوع معرفى وثقافى وعرقى ودينى، وقال (لابد أن ينتبه العالم لهذه المأساة). ورأى نايل أن الأزمة فى السودان لاتقل خطورة عما يحدث فى ليبيا وسوريا وفلسطين، وأن الإعلام العالمى يتحدث عن السودان، لكن الإعلام العربى يكيل بمكيالين يركز بشكل كبير على القضايا السورية والليبيبة والفلسطينية، بينما تتعرض الأزمة السودانية لإهمال جسيم للغاية إهمال يكاد يعصف بالدولة السودانية بأكملها إن لم ننبه إلى خطورة ما يحدث فى السودان. وأكد أن التحالف العربى كان له صولات وجولات عديدة مع جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى وسفراء بعض الدول العربية، وتم عقد أكثر من عشرين لقاء فى محاولة لتنبيه هذه المؤسسات، ودفعها لتتدخل بشكل مؤثر وفعال فى الأزمة السودانية، لكن هذا لايتم على نحو جيد، ويبدو أن الجامعة والحكومات العربية مصرة على أن تتعاطى مع الأزمة السودانية بمنطق أكدناه مراراً وتكراراً هو أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وعبر عن أسفه لكون كل الحكومات العربية تتعامل مع الرئيس البشير على هذا النحو. وحذر نايل من أن السكوت على الأزمة السودانية، سوف يدفع كل الأطراف إلى الهاوية وسيكون الثمن غالياً، لكن للأسف الشديد، المدنيون فقط لا غيرهم هم الضحايا، وحدد خيارين لحل للأزمة السودانية لا ثالث لهما، إما أن يرحل هذا النظام أو أن يغير سياساته بشكل جذرى ليتعاطى مع الأزمة السودانية بشكل مختلف، وأن يجلس الجميع للمفاوضات ويتم التوصل لحل شامل يضمن التنمية وحقوق الإنسان أولاً ثم يتعرض لحل الأزمة السياسية ثانياً. من جهته قال الفنان التشكيلى والناشط السياسى فى صفوف الجبهة الوطنية «محمد برجاس» إن الإبادة الجماعية جريمة ضد الإنسانية معتبراً ما يحدث فى السودان هو إبادة، مشيراً إلى أنها الآن بدأت تتحول إلى مرحلة خطيرة وتحت صمت كل بلدان العالم، وقال إن الجريمة عمت كل السودان والقاتل والمجرم واحد يمارس جريمته المختلفة من اعتقال وتعذيب واغتصاب وفى كل أرجاء السودان ولا حلول إلا بذهاب النظام بأفكاره وشخوصه وتهيئة البلاد إلى مرحلة التغيير السياسى الشامل. وأضاف: لأجل ذلك أناشد كل النشطاء والفنانين ومنظمات المجتمع المدنى والحكومات والشعوب حول العالم للتضامن مع الشعب السودانى فى مأساته الحالية بهدف عبور هذه المرحلة الصعبة لبلد خرج للتو من تقسيم أضر بالاقتصاد والجوانب الاجتماعية لعائلات انقسمت بين شطرى البلاد. وأضاف برجاس لابد أن تقوم منظمات المجتمع المدنى ئالعربى بالضغط على حكومة الخرطوم لإطلاق الحريات والإفراج عن جميع المعتقلين، ودعاً إلى العمل معاً من أجل إسقاط النظام فى السودان وتسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية، مؤكداً على أن ذلك هو الضمان الوحيدة لاستمرار الدولة السودانية.∎