عندما يصبح «الوجود والعدم» وجهين لعملة واحدة.. «يبقى أنت أكيد» فى عزبة «الصبايحة» التى ربما لم يسمع عنها الكثيرون، ولن يسمع أحد فهى عزبة معزولة عن القرن 21 وكأنها تخرج من سطور حواديت القرون الوسطى حيث اللاشىء، فالغياب الكامل لمختلف الخدمات هو سيد العزبة والبيوت التى تغرقها الترع والمصارف المفتوحة فى الطرقات والأطفال حفاة بالشوارع وأعمدة الضغط العالى بالبيوت، يعيش فيها أكثر من 5 آلاف مواطن، تحتاج إلى أكثر من ساعتين للوصول إليها بعد أن تستقل مترو المرج الجديدة، عبر خمس مواصلات للوصول إلى العزبة الموجودة بين الزراعات والتى يعيش أغلب أهلها فى حالة شديدة من البؤس والفقر الشديد. إنها الصبايحة التابعة لمركز الخانكة محافظة القليوبية. الأهالى مطحونون بين الإهمال والتهميش والبلطجة والمخدرات وخطف الأطفال وبين أنصار الجماعة الإرهابية، التى تتمركز فيها بشكل كبير و فى حالة اشتباك دائم مع الأهالى البسطاء المؤيدين لثورة 30 يونيو. روز اليوسف اقتربت من المهمشين لنقل أصواتهم نزلت بين الأهالى فى يوم مفتوح معهم للتعرف على آلامهم ومشكلاتهم. بعد صولات وجولات «للتوك توك» فى مرتفعات ومنخفضات ومطبات الطريق المؤدى للعزبة، مع كتم الأنفاس من رائحة المجارى التى تغطى سماء الصبايحة، تقابلنا «أم يوسف» التى ترسم هموم هذه العزبة بقولها أعيش فى العزبة منذ 8 سنوات بعد زواجى ومجيئى من الشرقية، وهى عزبة معزولة عن أى خدمات فالصرف الصحى عبارة عن طرنشات تقوم بالنزح 4 مرات فى الشهر وتحصل من كل منزل على 150 جنيها، وفى حال عدم حضور العربات المخصصة لسحبها، تغرق العزبة وشوارعها فى المياه، فضلا عن البيوت أيضا التى تشققت جدرانها وأصحبت آيلة للسقوط. أم يوسف - كما قالت لنا - زوجها يعمل «أرزقى» مثل باقى رجال العزبة الذين يعملون فى المحارة والنجارة والكهرباء، لديها طفل منذ 6 سنوات وهى تجرى به على المستشفيات لإنقاذه من ضمور الأعصاب، وتتكلف نفقات علاجه 500 جنيه شهريا. ورغم كل ذلك ما زالت تحلم بعد ثورتين أن تتغير أوضاع البلاد إلى الأفضل وأن يجد زوجها فرصة عمل يحصل منها بشكل منتظم على مرتب يساعدهم على العيشة. وتكمل «أم آية» الصورة العبثية بقولها: التوك التوك الذى هو وسيلة المواصلات الوحيدة للتواصل بين العزبة ومنطقة أبو زعبل يتوقف، ولا يعمل، فمن يمرض فى المساء يتعرض للموت لأن عربة الإسعاف لن تدخل العزبة بسهولة. ومن المرض تنقلنا «أم آية» إلى نقطة أخرى وهى عدم وجود وحدة صحية ولا صيدلية، وأن أى مريض عليه أن يركب توك توك ب10 جنيهات للنزول إلى الخانكة أو أبوزعبل، مجبرا على الكشف فى العيادات الخاصة الذى يتجاوز سعر الكشف فيها ال50 جنيها، فضلا عن أسعار الأدوية. وهنا تسأل أم آية: أين الحكومة من العشوائيات التى وعدت الدولة بالقضاء عليها قبل وبعد الانتخابات الرئاسية. أما المفاجأة الحقيقية فهى أن نلتقى بالسيدة أم محمد صاحبة الفيديوهات الشهيرة التى هاجمت باسم يوسف وكانت تنزل التحرير فى 30 يونيو ضد الإخوان، وتعرضت لهجوم شديد عليها من عشاق البرنامج واتهمها بأنها عملية وممولة وتمتلك شاليها و5 ملايين جنيه، وعلى أرض الواقع نتعرف على منزلها البسيط وتقول: هذا منزلى الفقير بيت بلا سقف تغمره مياه الأمطار فى الشتاء، لا أمتلك بوتاجاز أو ثلاجة، أعيش بمعاش زوجى وأعانى من فيروس سى وأنفق شهريا مئات الجنيهات على الأدوية. أما الأخطر فهو أن أبناءها كانوا يخشون عليها من الخروج من المنزل نظرا لتكدس أعداد الإخوان المسلمين فى العزبة وفى منطقة أبو زعبل عموما، لأنها - حسبما قالته لنا - كانت من مؤيدى 30 يونيو، أن هناك منازل كاملة كان يحرقها أنصار المعزول لمؤيدى السيسى بالعزبة، فضلا عن السباب والشتائم التى نتعرض لها. أم محمد أضافت: بالرغم من كل الظروف القاسية «تحيا مصر» والشعب قادر يبنى البلد بعد خراب الإخوان، ويطهر البلاد من رجال الأعمال الخونة الذين يمولون الإرهاب والعنف. أما أم عبد الله - السيدة العجوزة وهى من أهالى العزبة وتجلس أمام بيتها - فتنقلنا إلى قضية أخرى وهى دور الإعلام وثرثرة بعض القنوات الفضائية بقولها: احنا مش مصدقين إن فيه إعلام وجرايد بتزور العزبة وتنزل تصورنا، لأننا كتير بنحس أن الدولة لا تعلم شيئا عن حياتنا، فلا توجد مياه صالحة للشرب بالقرية، ونضطر لشراء جراكن المياه بتكلفة 3 جنيهات للواحد من أبو زعبل، لأن مياه البلدية مخلوطة بالصرف الصحى عن طريق الطرنشات الموجودة تحت الأرض، ومن لا يملك شراء الجراكن فعليه شرب هذه المياه الملوثة. أضافت أم عبدالله: أهالى العزبة يعانون من أمراض الفشل الكلوى وفيروس التهاب الكبد الوبائى، فضلا عن مرض الأطفال بالصفراء والإسهال المتكرر والأمراض المعوية. وتطالب بإنشاء وحدة صحية توفر العلاج بالمجان لأهالى العزبة بدل اضطرارهم للانتقال إلى الخانكة أو أبوزعبل. الجماعة الإرهابية لم تترك أهالى العزبة فى بؤسهم وسوء معيشتهم ولكن امتدت يد العبث بهم بحرق كابينة الكهرباء لمنطقة أبوزعبل المغذية للعزبة وعدة قرى مجاورة لها. «عزة» تنقلنا إلى ملف فى منتهى الخطورة وهو استمرار ألاعيب الإخوان فى محاولة للتسلل إلى البرلمان من الطرق الخلفية وبنفس سيناريو برلمان 2012 وقالت: لم ينزل العزبة سوى الإخوان فى الانتخابات البرلمانية وقدموا وعودا كثيرة للأهالى بإدخال شبكة الصرف الصحى والمياه الصالحة للشرب، وإزالة أعمدة الضغط العالى للكهرباء، ولكن كلامهم كان مجرد وعود وهمية، ودعاية للحصول على أصوات للمجلس، وبعد أن علمت أنهم سيسلكون نفس الطرق قررت ألا أنتخب أحدا فى انتخابات مجلس الشعب القادم، طالما أن النواب يستغلون أصوات الفقراء وينسونهم بعد النجاح والوصول لكرسى المجلس.∎