سأكتب تحت هذا العنوان فى ثلاثة محاور، الأول خلفية عامة عن أيام العدوان وما بعده، والثانى حول مرحلة حكم الفبرايريين بجناحيهما الإسلاموى والعلمانى وتقديم مبادرة للحوار والمصالحة الوطنية قبلتها مصر ورعاها المجلس العسكرى لكن المجلس الانتقالى رفضها بعد ذلك، والمحور الثالث يتعلق بالمقترح عنوان هذا المقال الحوار بين مؤتمر القبائل ومجلس النواب من أجل خارطة طريق للحل السلمى فى ليبيا. منذ ثلاث سنوات وخلال عدوان الناتو حتى الآن لم تفتر عزيمتى على أن المأزق الكارثة الذى تردت إليه ليبيا لا يمكن الخروج منه إلا بالحوار والمصالحة الوطنية، وبالفعل تقدمت لجنة التضامن والسلام - وهى منظمة غير حكومية ينشط من خلالها عدد من المثقفين السياسيين والدبلوماسيين - بمقترح إلى لجنة الشئون الخارجية بمؤتمر الشعب العام التى كانت تعمل بتواصل مع اللجنة الشعبية العامة للشئون الخارجية، وقد تم إطلاعنا على مشاريع لإخراج الشعب من دوامة الحرب الأهلية وذلك من خلال حل مرحلى توافقى، وبعد ذلك يقرر الشعب ما يراه، ولكن للأسف حال دون نجاح تلك المحاولات قرار مجنون من حمد أمير قطر الذى أقنع ساركوزى أن القذافى شخصية خطيرة لو بقى يشكل خطرًا عليهما وكذلك سيحرمان من الفوز بالجائزة الكبرى ليبيا وثرواتها من غير القذافى وقد كان ذلك بتحريض من عملاء الناتو أصدقاء برنار ليفى، ورغم أنهم لا يمثلون الشعب وقد أخذت الأمور بعد الشهر السابع مدارها بتدخل عسكرى مباشر من فرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر والسودان ودعم خليجى برعاية القطب الأعظم أمريكا. ∎∎ خلال شهرى أكتوبر وفبراير 2011 تواصلت النخب والمجموعات المحسوبة على ثورة الفاتح فى ظرف ومناخ يلفه الحزن ويؤطره المجهول لمستقبل وطن كان عزيزًا مهابًا عنوانًا لأمته وشعب إفريقيا والعالم الثالث وفر لشعبه الحد الأدنى على الأقل للعيش الكريم، فإذا به مخترق والحرب الأهلية مزقت نسيجه الاجتماعى وثلثاه على الأقل أصبح مهجرًا قسريًا فى ثالث تجربة تاريخية مر بها شعبنا بعد كل غزو خارجى، كانت الأولى أيام الأتراك، والثانية أيام الطليان والآن الثالثة بعد عدوان الناتو وقد توجه معظمهم إلى دول الجوار «مصر وتونس والجزائر» والباقى توزعوا فى العالم، ولابد من ملاحظة أن دول الجوار فتحت حدودها للمهجرين ولهم الشكر، ولكن ما حصل مع الليبيين أغرب من الخيال لم يعترف بهم أحد ولم تقدم لهم أى مساعدات طبقًا للقانون الدولى ربما لأنهم ضحايا خرق القانون الدولى ذاته. المهم فى الأمر: اجتمعت قيادات المهجرين وقدمت الاقتراحات المتعددة منها العسكرى والسياسى، وكان الرأى المسيطر هو تنظيم فى المقاومة ومواصلة القتال لتحرير بلادنا خاصة فى فئة الشباب ومعظمهم ذوو تجربة داخل ليبيا وخارجها، والمفارقة أنه فى تلك اللحظة من يقول بغير ذلك يعد متخاذلاً إذ لم يمض أبعد من ذلك ويهمنى وأنا أقدم شهادة أن القذافى ونظام الجماهيرية أنتج قيادات وطنية ذات خبرة وتجربة ورغم ألمها وقساوة ما تعانيه فقد كانوا عند المسئولية الوطنية وتصدوا للموضوع بشجاعة، وأن الأولوية للحوار والمصالحة الوطنية وكان السؤال الاستفزازى الذى يواجههم: «من سيحاوركم وهل تقبلون الحوار مع من تآمر مع الناتو وأسقط الجماهيرية؟»، وكان الرد عليه بسيطًا وحاسمًا نحن نحترم إرادة شعبنا ونثق فيه والحل من هذا المأزق التاريخى احترام العقل والمصلحة الوطنية وثقافتنا العربية الإسلامية فى إطار العرف والدين. تم تسليم هذه المبادرة إلى دول الجوار وهيئة الأممالمتحدة واستمر الحوار العاصف بين أنصار الشرعية لأن جمهور الشباب وبعض مراكز القوة كانت تريد إحباط هذا المسار وإعطاء الأولوية للقتال وكان يحمل شعار «قادمون» المعروف، المفاجأة أن المجلس العسكرى المصرى وافق على رعاية المبادرة واتخذ قراراً بأن يحملها المشير طنطاوى شخصيًا، وبالفعل زار ليبيا خلال شهر يناير 2012 وقابل رئيس المجلس الانتقالى وسلمه المبادرة وأبلغه موافقة مصر لاستضافة الحوار، لكن مصطفى عبدالجليل الذى لم يكن يملك قراره تراخى ولم يرسل الوفد إلا فى 2012/5/26 اختاروا شخصية إخوانية ومعروف دورها فى إسقاط نظام الجماهيرية وهى أمور لإرضاء الجانب المصرى وخلق التباس فى الشارع الليبى، خاصة أنصار الشرعية بأنهم يتحاورون مع الإخوان المسلمين ومع ذلك عقد الاجتماع احترامًا لدور مصر وما أبلغ به مدير المخابرات أن الحوار يقع بين الطرفين أهل سبتمبر وأهل فبراير وحضر من جانب أنصار الشرعية وفد من جمعية الأخوة الليبية الاجتماعية وتم تحديد جدول أعمال وكتب محضر أن الهدف من الحوار هو وضع خارطة طريق لاستفتاء الشعب الليبى لتحديد الخيارات التى تحددها الغالبية وطلب من وفد فبراير أن يعود ويطلب من المجلس الانتقالى موافقتهم الرسمية وتسمية وفد رسمى للحوار والمفاجأة أن المجلس أنكر أنه أرسل وفدًا للحوار مما اضطر رئيس المجلس الانتقالى لتقديم توضيح أن الوفد سافر بإذنه وتوقف الأمر هنا لأن الأحداث شهدت مدًا إسلامويًا بوصول الإخوان للحكم فى مصر وفى ليبيا ثم سيطرتهم مع التكفيريين على المؤتمر الوطنى وخضعت ليبيا إلى مرحلة عسف الوطنى وغياب القانون. ∎∎ تحدثت فى المحورين السابقين عن خلفية الأحداث منذ عدوان الناتو 2011 والذى لم أسهب فى تفاصيله لأنه معروف وهو تدشين لمشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة من أجل القضاء على الأمة العربية. التيار القومى الذى قاده بعد عبدالناصر الشهيد معمر القذافى وتجربة الجماهيرية خاصة بعد تأسيس الاتحاد الإفريقى والخلاص من آثار الحصار مثل لوكيربى والأسلحة النووية، هنا تم توظيف بعض المشاكل والمختنقات مثل قضية بوسليم وتأثيرات العولمة وسلبيات الدولة الإقليمية وطموحات الشباب المأخوذ بتأثيرات العولمة، كل ذلك تم فى إطار مشروع الربيع العربى الذى تقاطع مع مشروع الشرق الأوسط الجديد والذى بدأ بتونس ومصر وشهدا تحركا شعبيا أكثر من انتفاضة وأقل من ثورة لكن ما حصل فى ليبيا كان مختلفا إذ لم تكن نفس المظالم ولا الصعوبات الاجتماعية ولا الاحتياجات السياسية . المشكلة فى ليبيا صراع النخبة مع نظام الجماهيرية وتعلق بعضها بالنموذج الغربى وتحالف معهم الإسلاميون لأهدافهم ومشروعهم، ولذلك شنت على ليبيا الموجة الرابعة من الحروب تزامنا مع عدوان الناتو . والحرب الأهلية التى اخترقت ليبيا لأهداف لا تبررها. واليوم وبعد ثلاث سنوات عجاف عانى فيها الشعب الليبى وخاصة أنصار النظام السابق الأمرين وعاث الفاسدون فى البلاد طولا وعرضا توقفت التنمية، انتهكت الحريات، تقسم الليبيون واخترقهم فيروس العداء على مستوى الأسر والقبائل، وضاعت الدولة وسيطرت الميليشيات المسلحة على أمور البلاد، وبذلك لم تعد المعارضة محصورة فى أنصار النظام السابق وإنما بدأت دائرة الخلاف والمعارضة تنتشر وسط أنصار فبراير وبدا الرأى العام يتغير ويكتشف الحقيقة بعد أن سيطر المتأسلمون من الإخوان والتكفيريين ومظلتهم العنصرية الشعوبية التى تستظل بتركيا وقطر والهدف القضاء على العروبة وإظهار ليبيا كبلد للأقليات وجاء موعد 2014/7/2 موعد انتهاء المؤتمر الوطنى وحصل صراع بين أهل فبراير لأن أنصار الشرعية معزولون ومهجرون لا صوت لهم فى الانتخابات وهنا تفجر الصراع حيث تموضعت قبيلة الزنتان فى موضع معارض للمتأسلمين بقيادة مصراته وجاءت مبادرة اللواء خليفة حفتر لإعادة بناء الجيش الوطنى ومحاربته للمتطرفين وأنصار الشريعة فى شرق ليبيا وحصل خلال الأشهر الأولى هرج ومرج بين أنصار فبراير واعتقدوا أن الانتخابات ستحسم الموقف، ولكن المفاجأة أنها فجرت الأمور لأن النتيجة لم تعط أهل التطرف والإرهاب الأغلبية، ولذلك قرر هذا الفريق بقيادة مصراتة وحلفائها حسم الأمر بالقوة ووجهوا قوات الدروع المدججة بالصواريخ ومدافع الميدان لاحتلال طرابلس فدك مطار طرابلس وحطموا كل الطائرات وتحولوا إلى خزانات النفط ثم المقار الرسمية للدولة وواصلوا بقصف للأحياء السكنية .. وملامح مبادرة الحوار بين مؤتمر القبائل ومجلس النواب من وجهة نظرى تتركز على الآتى: - تشكيل لجنة مشتركة للحوار والمصالحة الوطنية. - الاتفاق على أن الهدف المباشر تأسيس دولة مدنية ديمقراطية والمحافظة على وحدة وسيادة هذه الدولة والهوية الوطنية التى يصوغها العرف والدين. - إعداد خطة طريق تؤدى إلى حقن الدماء وتنفيذ إرادة الشعب الذى يستفتى فى شكل ومضمون الدولة الجديدة التى يسكنها دستور يستفتى عليه الشعب . ∎ حال الاتفاق على خطة الطريق يتم تشكيل سلطة وطنية مؤقتة تعلن عن : أ- إعلان العفو العام باسم المجتمع فى كل ما ترتب على الحرب الأهلية بما لا يمس حقوق الأفراد فى الالتجاء للقضاء فى القضايا التى لا يقبلون التنازل فيها. ب- جبر الضرر والتعويض عما لحق المجتمع خلال الحرب الأهلية. ج- وضع إطار ونظام للحوار والمصالحة الوطنية تقوم على المصارحة بما تعنيه من تشكيل لجان للتحقيق والتعرف على ما لحق بأى ضحية من ظلم وتوثيق ذلك وعرض الصلح. ∎ فور الاتفاق على الحوار والمصالحة الوطنية يتم الاتفاق على وطنية مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والمؤسسات السيادية الأخرى. هذا مجرد اقتراح لفكرة آمنت بها وعمل من أجل تحقيقها وأرى اليوم الفرصة مواتية لتحقيقها دون إبطاء أو تردد.