الزيارة الأولى لرئيس مصر عبدالفتاح السيسى إلى روسيا اكتسبت أهمية خاصة فى إعادة التوازن فى علاقات مصر الخارجية وتحقيق أهداف عسكرية وتنموية وفتح آفاق جديدة للتعاون فى المجال الدفاعى مع روسيا التى تبرز الآن باعتبارها البديل الأنسب لتزويد مصر بالمساعدات العسكرية، إضافة إلى عقد اجتماعات اللجنة الحكومية الروسية المصرية للتعاون الاقتصادى لتوسيع التبادل التجارى إلى 5 مليارات دولار سنويا. كل هذه المكاسب كانت حديث الصحف الروسية الكبيرة التى دارت حول لقاء النسر المصرى والدب الروسى فى مواجهة الحمار الأمريكى فقالت صحيفة «كوميرسانت» أن المراسل الخاص بها أندرى كوليسنكوف كان مصاحبا للرئيس الروسى والمصرى خلال جولتهما فى سوتشى، وأفصح عن الكلام الذى قاله الزعيمان خلال الجولة، وقال إن السيسى ذهب إلى مجمع التزلج والبياتلون «لاورا» على ملعب البياتلون، حيث كان فى هذا الوقت يتدرب فريق النساء الروسى، فضلا عن فريق الشباب للركض فى الجبال.
وفى الوقت نفسه سأل الرئيس السيسى رئيس الاتحاد الروسى الجديد للبياتلون إلكسندر كرافتسوف، قائلا: هل يمكن أن يأتى منتخبنا الوطنى إلى هنا للتدريب؟ رد عليه كرافتسوف: بالطبع بدون أى مشاكل فنحن ليس لدينا تدريب الأبطال فقط، ولكن لدينا منتخبات المستوى الثانى والثالث، ويقول المراسل إنه فى حقيقة الأمر الرئيس المصرى لم يشر إلى فريق عادى، ولكنه كان يتحدث عن تدريب القوات الخاصة المصرية لمشاة البحرية والشرطة النظامية.
أما صحيفة «إزفيستيا» الروسية فقد نشرت تحت عنوان «مصر تساعد روسيا على تعويض نقص المنتجات الزراعية»، إن أهم اتفاق من وجهة نظرها هو استعداد مصر لزيادة تصدير منتجاتها الزراعية إلى روسيا بنسبة 30٪ فى ظل الحظر الذى فرضته موسكو على استيراد المنتجات الغذائية والزراعية من دول الاتحاد الأوروبى، وأضافت: لقد بحث الرئيسان أيضا إمكانية إنشاء مركز لوجيستى مصرى على البحر الأسود، ومركز آخر فى مصر، وتسوق الصحيفة تصريحات الرئيس بوتين التي قال فيها: إنه سيعطى الأوامر للجهات الروسية المعنية لتبسيط وتسهيل دخول المنتجات الزراعية المصرية إلى السوق الروسية.
وتعتبر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لروسيا بمثابة نواة لتدشين مرحلة جديدة للسياسة الخارجية المصرية، تخرج القاهرة بمقتضاها من كماشة واشنطن وتبدأها من موسكو، خاصة فى ظل تصاعد حدة الأزمات الإقليمية والدولية ووجود تباين فى كثير منها، وأن تلك الزيارة هى ترسيخ لمبدأ التوازن فى سياسته الخارجية، وأن هناك بدائل وخيارات كثيرة أمامه، مضيفا أنها تدعم استقلالية السياسة الخارجية بعد ثورة 30 يونيو، وذلك فى ظل الضغوط الواقعة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وما يمارسه الغرب عليها من ابتزاز، وعندما تتم الزيارة فى هذا التوقيت.
والزيارة تأتى فى ظل التوتر الذى شاب العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 30 يونيو، وظهور فرصة جديدة أمام الجانبين المصرى والروسى لإعادة دفء علاقتهما القديمة، حيث تحصل مصر على مساعدات عسكرية قيمتها 3,1 مليار دولا ر سنويا من الولاياتالمتحدة منذ توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل، وتلويح واشنطن بين الحين والآخر بوقف هذه المساعدات دفع مصر إلى البحث عن مصادر أخرى وفتح آفاق جديدة للتعاون فى هذا المجال مع روسيا التى تبرز الآن باعتبارها أنسب بديل لتزويد مصر بالمساعدات العسكرية.
وما يؤكد على وجود بوادر على هذا التعاون تأكيد الجانب الروسى أن هناك اتفاقا مع الجانب المصرى على توقيع اتفاقية تعاون مشترك فى المستقبل القريب بين القوات المسلحة الروسية والمصرية يتضمن إجراء مناورات عسكرية بين البلدين.
وهذا التطور يأتى بعدما ألغت واشنطن فى أغسطس الماضى مناورات «النجم الساطع» مع مصر واستعداد روسيا لتزويد مصر بأحدث الأسلحة وتوسيع تبادل الوفود وتدريب العسكريين المصريين فى المؤسسات التعليمية العليا التابعة لوزارة الدفاع الروسية، وبحث طرق تعزيز التعاون بين القوات البحرية والجوية فى البلدين، وتعزيد العلاقات العسكرية - التقنية خاصة أن القوات المسلحة المصرية تمتلك 40٪ من منظومة تسليحها بأسلحة ذات منشأ سوفيتى أو روسى، الأمر الذى يعد استكمالا لعلاقات قديمة واسعة لم تنقطع يوما بين القوات المسلحة المصرية والسلاح الروسى، وتطابق وجهاتهما من قضايا الأمن على النطاق الإقليمى والدولى.
وأخيرا وأثناء عرض التليفزيون الروسى لتقرير مصور له عن تاريخ العلاقات المصرية - الروسية، تجاهل تماما الرئيس المعزول محمد مرسى، وتحدث عن تاريخ العلاقات المشتركة بين البلدين فى عهد رؤساء مصر السابقين وهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والرئيس محمد أنور السادات والرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتناول التقرير العلاقات التجارية المشتركة بين البلدين، وذكر التقرير المصور أن العلاقات التاريخية بين موسكووالقاهرة بدأت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووصلت إلى أوجها فى عهد الرئيس أنور السادات، مشيرة إلى أن السادات قام بطرد الخبراء السوفيت قبيل حرب أكتوبر ,1973 مما أدى إلي فتور فى العلاقات بين البلدين، ثم عودة العلاقات تدريجيا بين البلدين فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عقب سقوط الاتحاد السوفيتى ويظهر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسى وهما يتجولان فى شوارع سوتشى والشعب الروسى يهتف لهما، وطلب الرئيس الروسى من طفلين روسيين مصافحة الرئيس السيسى قائلا لهما: قولا السلام عليكم لضيفنا.