على مدار السنوات الثلاث الأخيرة تعرضت مصر لما يعرف فى علوم السياسة بالانكشاف الاستراتيجى بسبب اشتعال المناطق الحدودية لتكون بؤرا لتصدير الإرهاب فى سيناء عبر غزة، والتى كان مخططا لها أن تكون عاصمة جاذبة للعناصر الإرهابية فى المنطقة ولولا العمليات العسكرية التى طهرتها من هذا الدنس، دفع العناصر الإرهابية لتغيير استراتيجيتها وتحويل بوصلتها إلى المنطقة الغربية والواحات والاستفادة من طبيعتها الجغرافية وطول الحدود مع ليبيا والسودان، إضافة إلى سهولة تهريب البشر والجماعات ونوعيات السلاح المتقدمة والذى راح بسببه 21 من خيرة جنودنا على أيدى الغدر! هذا التحول فى التخطيط ونقل النشاط الإرهابى إلى محافظة الوادى الجديد، أكبر محافظات الجمهورية، مترامية الأطراف وما تضمه من واحات أصبحت بؤرا للقاعدة وداعش وعناصر السلفية الجهادية التى انتشرت أفكارها ولاقت رواجا لدى سكان الواحات!
المتابع لما يحدث فى المنطقة الغربية التى تقع فيها واحات مصر الجميلة من سيوة وحتى الداخلة والخارجة مرورا بالبحرية والفرافرة والعوينات يتأكد أن هذه المناطق تحولت منذ قيام الثورة الليبية فى 17 فبراير إلى بؤر تمركز لتنظيم القاعدة بعد أن ساعدت جماعة الإخوان الإرهابية فى السنوات الثلاث الأخيرة التيارات المتطرفة على الانتشار فى هذه المناطق بطريقة لم يتوقعها أحد حتى إن شباب وشيوخ أغلب هذه المناطق اعتنقوا أفكار التيار السلفى، وبعضهم إما انضم لجماعة الإخوان وأصبح من المؤيدين لها، وتحولت المساجد هناك إلى مراكز لهذه التيارات!
تأثير هذا الأمر لم يتوقف فقط على السياحة التى هربت من هذه المناطق بعد أن كانت مقصدا مهما ليختفى السائحون ويحل محلهم المتطرفون.
سيوة فقدت بريقها ورونقها وتبدلت أحوالها وحتى أهلها تغيرت طبيعتهم، للأسف، فى الفترة الماضية، فبعد أن كانت واحة السلم والهدوء وصفاء النفس، أصبح كل هم أهلها البحث عن المكسب السريع وركوب سيارات الدفع الرباعى الحديثة واقتناء أحدث أنواع الأسلحة!
وفى الفترة الأخيرة زاد نشاط الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر عبر واحتى سيوة وجعبوب الليبية مع تجارة الأسلحة والمخدرات!
وهو الأمر الذى استغلته جماعات السلفية الجهادية وأنصار الشريعة وبيت المقدس والإخوان ونقل النشاط الإرهابى من سيناء إلى صحراء مصر الغربية لتخفيف الحمل هناك والاستفادة من الحدود الطويلة غربا مع ليبيا وجنوبا مع السودان.
ففى هذه الواحة تكونت عصابات خاصة بالمهربين من كل الجنسيات الأفريقية خاصة من السودان والصومال وإريتريا الذين يبدأون رحلتهم من شمال السودان إلى صعيد مصر حتى الفيوم، ومنها إلى مطروح، وأحيانا الواحات البحرية التى أصبحت محطة للوصول إلى سيوة، ثم إلى واحة جعبوب فى ليبيا والتى تتمركز فيها جماعات كثيرة من المتطرفين، وهذه الرحلة رغم صعوبتها الكبيرة فإنها أصبحت منتشرة وتبدأ من ثلاثة آلاف جنيه تسعرة التهريب وتصل إلى خمسة آلاف جنيه رغم أن هذه المنطقة من أصعب المناطق لأن بها بحر الرمال العظيم، وهو أصعب مكان يمكن السير فيه لأن العديد من أبناء سيوة وأبناء الواحات أصبح لهم طرق ودروب يعرفونها ويستخدمون فيها سيارات الدفع الرباعى المجهزة للسير فى هذه الرمال التى يعرف عنها أنها فى الماضى ابتلعت جيش قنبيز ولم يتم العثور عليه حتى الآن!
والغريب أن واحة سيوة الجميلة التى ظلت حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضى مغلقة على سكانها ولا يعرف طريقها الغرباء، أصبحت الآن تشهد جنسيات مختلفة من الجماعات المتطرفة وجماعات التهريب سواء المصريين منهم أو العرب.
سيوة التى كانت أهم مقصد للسياحة البيئية والعلاجية فى العالم والتى يأتى إليها السياح الأجانب بطائرات الشارتر للاستمتاع بطبيعتها، فجأة وبالتحديد بعد أحداث 25 يناير تحولت إلى ما يشبه الوكر لعمليات التهريب خاصة منطقة «بهى الدين» التى تقع قبل الواحة بعشرة كيلومترات، وعند دخولك هذه المنطقة تجد أشهر المهربين والمتطرفين من ليبيا والصومال وسوريا وتونس والجزائر وغيرها من الجنسيات!
ولم تكن منطقة بهى الدين هى المنطقة الوحيدة التى يتم التهريب منها حول منطقة سيوة، بل هناك منطقة «أبوشروف» والتى تشتهر هى الأخرى بتجارة السلاح، لدرجة أن أبناء سيوة الذين كانوا فى الماضى يرفضون نهائيا حمل السلاح أصبحوا يعرفون، بل يقتنون كل أنواع الأسلحة!
بعض شباب الواحة أكد أن عمله فى التهريب يدر عليه أموالا طائلة قد تصل فى الأسبوع الواحد إلى ثلاثة آلاف جنيه، وهو يعمل فى كل أنواع التهريب سواء تهريب البشر أو السلاح أو حتى المخدرات، وكل شىء وله ثمن!
جماعة الإخوان المسلمين تركت لهم الحبل على الغارب، وكأنها كانت تعرف أنه فى يوم من الأيام قد تكون خارج السلطة وتستغل الموقف لصالحها، والدليل على ذلك بعد انتشار التيار السلفى وانضمام عدد كبير من أبناء الواحة إلى جماعة الإخوان المسلمين استغلت الجماعة الإرهابية هذه المنطقة للهروب إلى ليبيا لدرجة أن عددا كبيرا منهم هرب إلى ليبيا عن طريق سيوة وكان صفوت حجازى فى طريقه للهروب إلى ليبيا عبر محطة سيوة!
أما تنظيم القاعدة فقد استغل هذا الموقف لصالحه خاصة ذراعه اليمنى فى ليبيا خاصة تنظيم أنصار الشريعة والمتواجد عدد كبير منهم فى واحة جعبوب التى تبعد عن مدينة سيوة ما يقرب من 60 كيلومترا داخل الأراضى الليبية، وبدأوا دخول هذه المنطقة والخروج منها بطرق سهلة ويسيرة بعدها يستطيعون التجول فى الصحراء المصرية للوصول إلى أى مكان يريدونه سواء فى الواحات البحرية أو الفرافرة أو الوادى الجديد، بعد أن حصلوا على سيارات حديثة تستطيع السير فى بحر الرمال والوصول إلى أى مكان يريدونه.
ولأن أغلب الجماعات المتطرفة تعمل جميعا مع بعضها البعض، فقد بدأت جماعة أنصار بيت المقدس فى الاتصال بهذه الجماعات خاصة بعد أن ضاق الخناق عليها فى منطقة سيناء وبدأ عدد من أفرادها فى الهروب إلى المنطقة الغربية، وبالتحديد فى هذه الواحات لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أجهزة الدولة حتى يشعر الجميع بأنهم فى كل مكان واستعانوا بعدد من الجنسيات الأخرى المتواجدين بالفعل فى هذه الأماكن وبكثرة لتنفيذ عمليات إرهابية لذلك.
فالمتابع لهذه الجماعات فى هذه الأماكن كان يعلم تماما أنهم فى طريقهم لتنفيذ عمليات إرهابية أشد شراسة من العمليات التى تحدث فى سيناء، خاصة أن قوات الأجهزة الأمنية التى تقوم بالحراسات فى هذه الأماكن تقف فى مكان مكشوف وعدد أفرادها لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، حتى شهر مايو الماضى عندما استشهد 4 من جنودنا فى المنطقة مائة بالفرافرة تمت زيادتهم إلى 25 فردا، وكان اللافت التطور النوعى فى طبيعة ونوعية السلاح الذى تستخدمه الجماعات الإرهابية مثل «الآر بى جى» ومدافع الجرينوف، وغيرهما من الأسلحة الثقيلة التى يمكنها إبادة سرب كامل بطلقة واحدة مثلما حدث فى الواقعة الأخيرة عندما قام أحد الإرهابيين بإطلاق قذيفة «آر. بى. جى» على مخزن الأسلحة لأفراد السرية فقتل منهم 21 وإصابة أربعة آخرين.
لكن الأغرب أن جميع أجهزة الدولة كانت تعلم أن الخطر الحقيقى على مصر قادم من الحدود الغربية ومن ليبيا تحديدا وأن ما يسمى الجيش المصرى الحر يتم تدريبه على الحدود المصرية - الليبية ولم يحرك ذلك ساكنا، وكان هناك الإنذار الأول وهو مقتل الجنود الأربعة ولم يتحرك أحد فهل تتحرك أجهزة الدولة الآن ويبدأ تمشيط هذه الأماكن والقبض على المتطرفين سواء الأجانب منهم ؟؟؟؟؟؟