صنعت لنفسها مملكة من الرقىّ الفنىّ بعدد من الأعمال لم يتجاوز الخمسة، صعودها على المسرح حملها فى صورة «ايديث بياف» و«لين مونتى» ليتعدى من فضاء جزائر الغربة إلى فن الأندلس القديمة وسان فرانسيسكو.. هى تلك الشقراء التى حملت حلمها وعار وطنها الممزق إلى باريس قبل عِقدين من الزمن وقررتْ ألاّ تنام كشمس ألميريا.. وفى حوار خاص لمجلة روزاليوسف اجتمعنا ودردشنا فيما لا يعرفه الكثيرون عن حياتها ومشوارها الفنى. من وهران إلى باريس.. كيف كانت رحلة لينا دوران.
∎ المرأة والفنانة؟
صغيرة أُجبِرتُ على هجرة بلدى برفقة والدىّ وأخوىّ خلال العشرية السوداء التى مرت بها بلادى الحبيبة. ولأن والدىّ من المثقفين المعروفين فقد كانا من المهددين مباشرة بالقتل بعد أن فقدا العديد من الأصدقاء، مازلت أذكر صباح ذلك اليوم الحزين حين كنت راكبة بجانب أبى كى يوصلنى إلى المدرسة وفجأة انفجرت بنا سيارتنا وأحدثت صوتا كبيرا مخيفا، بسبب قنبلة تقليدية وضعت خلف أسفل السيارة.. الحمد لله بحفظ الله خرجنا سالمين ولكننى لحد الساعة أشعر برعشة كبيرة عندما أذكر ذلك اليوم وتلك اللحظات، أذكر الدخان والناس الذين جاءوا مسرعين من كل مكان لمساعدتنا. بعد ذلك هاجرنا إلى فرنسا لم أكن أعرف الفرنسية جيدا وكنت فى غاية الوحشة لعائلتى وأصدقائى ومدينتى، مع ذلك حاولت أن أنظر إلى الأمور بشىء من العقلانية وعملت على أن أستفيد من التنوع اللغوى والتفتح على الثقافات الإنسانية، فتعلمت المزيد من اللغات طوال سنوات دراستى الجامعية وتنقلاتى وأسفارى العلمية والفنية بباريس ونيويورك ودمشق وتونس، والمغرب ولندن وإسبانيا، والجزائر طبعا.
∎ كيف تسللت الموسيقى إلى روحك من الجو الأسرى لديك باعتبارك ابنة ثنائى مميز فى الأدب الجزائرى الروائيين «أمين الزاوى» و«ربيعة الجلطى»؟
- ما تقصدينه صحيح، بالفعل فولادتى ونشأتى فى بيت أديبين معروفين أثّر فى تكوينى ،كبرت فى بيت ملىء بالكتب واللوحات والموسيقى بكل أنواعها الجزائرية والعربية والعالمية، فى بيتنا كان يلتقى المثقفون والأدباء فتدور نقاشات أدبية وفكرية وفنية تعلمت منها الكثير وخاصة فن الإنصات والكلام واحترام رأى الآخر، صحيح أنا فخورة بأبى وأمى وعائلتى ولكن لدى خصوصياتى وشخصيتى المستقلة ولدى أجنحتى الخاصة فى تحقيق حلمى، وعشقى للموسيقى والغناء رافقنى منذ أن كنت صغيرة جداً وكبر معى وأصبح يحتل تفاصيل يومياتى.
∎ لماذا «لينا دوران» بدل «لينا الزاوى».. أى ما الذى يمثله الاسم المستعار لك فنيا؟
- اخترت اسم «لينا دوران» ببساطة من أجل تكريم مدينتى وهران ومن خلالها وطنى الجزائر، وهران التى ولدت بها وقضيت بها نصف عمرى قبل أن أجبر على تركها ثم أطير نحو العالم، هذا الاسم الفنى لينا دوران كان وعدا منى لمسقط رأسى وطفولتى وهران فوفيت به، ورغم حبى لاكتشاف الثقافات الانسانية المختلفة إلا أننى بقيت وفية لجذورى لا أتنكر لها أبدا.
∎ ألميريا.. كيف تم اختيار هذه الأغنية؟
- نزلت ذات مرة بمدينة ألميريا أثناء أحد أسفارى ففتنت بهذه المدينة الأندلسية الجميلة. اخترت «ألميريا» عنوان الكليب لأنها وجه من وجوه تاريخ الأندلس المشع، تلك المرحلة من التاريخ التى تعتبر رمزا للتسامح الثقافى والدينى، بحيث كان السكان يعيشون جميعا فى تناغم لا يفرقهم اختلاف معتقداتهم الدينية ولا أصولهم وجذورهم، بالنسبة لى فإننى أظن أن هذه الفترة التاريخية لابد أن تصبح رمزا للمستقبل تطمع البشرية لتحقيقه، أنا سعيدة لكون كليب «ألميريا» موزع بين ضفتى الأبيض المتوسط لأننى أريده أن يكون جسرا حقيقيا بين الشرق والغرب لكونه مزيجا ثريا من اللغات والألبسة والرقصات والآلات الموسيقية.
∎ باعتبارك الآن فرانكو جزائرية.. فيم تشترك الثقافتان الشرقية والغربية؟
- هذه الثقافة المزدوجة مفيدة جداً على المستوى الإنسانى وإلإبداعى بحيث حين أكتب نصا من أجل الغناء فأطمح أن يعبر عن الإنسان حيثما كان، أنا لا أملُّ من الشرب من منابع فنية مختلفة، فى البداية هدهدتنى أصوات جميلة وقوية مثل الشاب حسنى وأم كلثوم وفيروز وفى فرنسا اكتشفت شارل آزنافور وإيديث بياف ثم استمعت لمايكل جاكسون ولويس آرمسرون وآخرين، الآن أغنى بالعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، لا أختار لغة كى أهمش اللغات الأخرى، ففى قناعتى أن كل اللغات جميلة ومعبرة عما يجول فى الصدر والعقل والروح.
∎ «سان فرانسيسكو».. «لا آخر غيرك».. «مايكل جاكسون»... «الغربة».. ماذا شكل هذا المزيج فى حياة لينا دوران؟
- هذا المزيج يمثلنى.. إنه ثمرة أسفارى واكتشافاتى إنه مزيج من الموسيقى الشرقية والجاز والبوب.. إلخ.. لا أستسيغ فكرة سجن الفنانين فى أنماط محددة، لأننى لا أومن بالحدود فى عالم الموسيقى، الموسيقى عالم مفتوح .يروق لى أن أمزج أنواعًا متعددة من الموسيقى أريد أن أكون حقيقية وصادقة وما يشغلنى بالأساس، هو إشراك الجمهور طاقة أحاسيسى حين أغنى شىء مهم وأساسى فى رأيى أن يظل الفنان صادقا يحترم جمهوره فيحترمه جمهوره.
∎ رسالة إلى أحبائك وكلمة أخيرة؟
- شكرًا أقولها لعائلتى الصغيرة وكذلك إلى جمهورى الذى هو عائلتى الكبيرة شكرًا لجميع من يتتبع تجربتى وينتظر بحب أغانىّ الجديدة لأنهم جميعا يدفعون بى فى المغامرة أكثر، مغامرة الغناء، ويجعلون من صعودى وغنائى على المسرح لحظات تبادل وتواصل إنسانى فريد من نوعه، ثم شكرا لك أنت وشكرا لمجلة روزاليوسف على هذا اللقاء الحميمى.. أحبكم.