2 بيولوجيين وتوفى آخر.. أبرز المعلومات عن أبناء كريستيانو رونالدو وجورجينا    خماسي يتقاسم صدارة الهدافين.. تاريخ مواجهات الزمالك والمقاولون العرب قبل مباراة الدوري    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل قضوا جوعا في غزة ودعوات عاجلة للتحرك    رئيس إسكان النواب: مستأجر الإيجار القديم مُلزم بدفع 250 جنيها بدءا من سبتمبر بقوة القانون    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي تل الهوا بمدينة غزة    ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما    اليوم، إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 بالموقع الإلكتروني، اعرف الموعد    شاهد، كيف احتفى جنود إسرائيليون بقصف وقتل مدنيين فلسطينيين عزل في غزة (فيديو)    انخفاض أسعار الفراخ الأبيض في أسواق أسوان اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق مبادرة "أمل جديد" للتمكين الاقتصادي    اليوم، إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ والجدول الزمني لجولة الإعادة    نتيجة تنسيق المرحلة الثانية أدبي.. الموقع الرسمي بعد الاعتماد    الخارجية الروسية: نأمل في أن يساعد لقاء بوتين مع ترامب في تطبيع العلاقات    أنس الشريف وقريقع.. مما يخاف المحتل ؟    غارات واسعة النطاق في القطاع.. والأهداف الخفية بشأن خطة احتلال غزة (فيديو)    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 12-8-2025 مع بداية التعاملات الصباحية    سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025 قبل استهلال التعاملات    "كلمته".. إعلامي يكشف حقيقة رحيل الشناوي إلى بيراميدز    وليد صلاح الدين: أرحب بعودة وسام أبوعلي للأهلي.. ومصلحة النادي فوق الجميع    مبلغ ضخم، كم سيدفع الهلال السعودي لمهاجمه ميتروفيتش لفسخ عقده؟    «زيزو رقم 3».. وليد صلاح الدين يختار أفضل ثلاثة لاعبين في الجولة الأولى للدوري    بطل بدرجة مهندس، من هو هيثم سمير بطل السباقات الدولي ضحية نجل خفير أرضه؟ (صور)    مصرع شخص تحت عجلات القطار في أسوان    لتنشيط الاستثمار، انطلاق المهرجان الصيفي الأول لجمصة 2025 (فيديو وصور)    4 أبراج «في الحب زي المغناطيس».. يجذبون المعجبين بسهولة وأحلامهم تتحول لواقع    من شرفة بالدقي إلى الزواج بعد 30 عاما.. محمد سعيد محفوظ: لأول مرة أجد نفسي بطلا في قصة عاطفية    "كيس نسكافيه" يضع الشامي في ورطة بعد ترويجه لأغنيته الجديدة "بتهون"    24 صورة لنجوم الفن بالعرض الخاص ل"درويش" على السجادة الحمراء    بالصور.. أحدث جلسة تصوير ل آمال ماهر في الساحل الشمالي    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    تحارب الألم والتيبس.. مشروبات صيفية مفيدة لمرضى التهاب المفاصل    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    موعد مباراة سيراميكا كيلوباترا وزد بالدوري والقنوات الناقلة    حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    أبرزها الماء والقهوة.. مسببات حساسية لا تتوقعها    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    19 عامًا على رحيل أحمد مستجير «أبوالهندسة الوراثية»    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلمسان "غرناطة إفريقيا"
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2011

تلمسان‏..‏ لوحة استثنائية لشموخ الماضي العريق تشد اليها الانظار بهدؤئها الاخاذ وتخطف اليها الابصار بجمالها البسام‏,‏ وتسكن قلوب زائرها بسحرها النفاذ هي الساكنه عند الخاصرين بين الساحل والهضاب غنية بآهلها الكرام واراضيها الخصبة بالزيتون والاشجار والاعناب. تلك المدينة الصغيرة في الحجم المتوهجة بعبقرية الموقع والتاريخ والزمان, المليئة بالاشجان والانغام والاحلام.
هنا تلمسان حيث الاشعار الصوفية المثقلة بظلال واحات الغرب الجزائري تتناغم بايقاعات الاولياء الصالحين والفاتحين وانطلاق سماحة الاسلام.
بها حطت الثقافة بافكارها حيث تتقاطع من خلالها أزمنة عديدة بفضل القدرة علي الفن والعشق والابهار لتجدد الدعوة بالتواصل والتألق والاشعاع, وتعلن لؤلوة المغرب العربي عاصمة للثقافة الاسلامية والابداع علي أرضها هنا الاشعار والألحان, التسابيح والانغام والقصائد التي تدعو الي التسامح والإيمان وسيمفونية الطبيعة المفعمة بالامن والامان والجمال.
اقرأ وعش الثقافة الاسلامية في تلمسان وشارك في فتح خزائنها وأسرارها الخفية وأسهم في تشكيل ورسم لوحتها الفنية, فهي التي اختزلت الجغرافيا لتفتح نافذه علي التاريخ والفنون الابداعية.
تتباهي مدينة تلمسان الجزائرية التي اختيرت عاصمة للثقافة الاسلامية هذا العام بتاريخها الثري العريق عبر امتداد العصور الامر الذي سمح لها بان تنال عن استحقاق لقب غرناطة إفريقيا فهي واحدة من مراكز الاشعاع الحضاري التاريخية المعروفة في المنطقة العربية التي ضربت بجذورها في اعماق عدة حضارات راقية, توالت عليها عبر الحقب التاريخية المختلفة وظلت عاصمة للكثير من الدويلات الاسلامية ولعل أشهرها حكم المرابطين وحكم بني زناته الذي بدأ عام2821 م وامتد لثلاثة قرون وايضا حكم الدولة الإدريسية والموحدين والمرينيين.
تقع تلمسان في شمال غربي الجزائر وتعتبر ثاني اهم مدينة في الجهة الغربية للجزائر بعد وهران وتبعد باقل من001 ميل عن الحدود الجزائرية المغربية, وقد تأسست المدينة فوق هضبة عالية لمنطقة أكادير لأغراض عسكرية من طرف الرومان الذين أطلقوا عليها اسم رماريا بمعني البساتين وترتفع عن سطح البحر باكثر من008 متر وهو ما جنبها التعرض للرطوبة وجعل مناخها جافا وهواءها عليلا وبحكم مناخها فإن تلمسان حارة في الصيف وباردة جدا في الشتاء حيث تساقط فيها الثلوج.
ويرجع أصل اسم تلمسان إلي اللغة الأمازيغية البربرية وأن هناك اختلافا في معناه فهناك من يري أن معناه المنبع الجاف بينما يقول البعض الاخر إن معناها مدينة الينابيع وربما هذا هو الأرجح, وهناك رواية شعبية تقول أن اسم تلمسان تكون من شقين عربيين تلم وانسان قبل أن تتحور وتصبح تلمسان وإن كان الأمازيغ هم السكان الأصليون, وأول من أرسي تجمعا سكانيا فيها فقد تأسست كمدينة في القرن الرابع الميلادي علي يد الرومان قبل أن يغزوها الوندال القادمون من أوروبا.
اشتهرت تلك المدينة بكونها واحدة من محطات طريق الذهب الإفريقي الي أوروبا.. انجبت رئيسين للجزائر هما أول رئيس للجمهورية الجزائرية الرئيس الاسبق أحمد بن بيلا من مواليد مغنية التابعة لولاية تلمسان والرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة, حيث عائلته من ندرومة التابعة إداريا لتلمسان, كما انجبت زعماء للحركة الوطنية مثل مصالي الحاج, الذي سمي مطار المدينة علي اسمه وافتتحه الرئيس الجزائري خلال احتفالات العاصمة الثقافية.
كما أنجبت العديد من الكتاب والأدباء والفنانين والمثقفين.. والطريق الي تلمسان يمر عبر الجزائر العاصمة التي تحولت الي باقات من الزهور وعقود من الياسمين تتفاعل مع حركات الاجنحة للأحلام المنغرسة في ماضيها والمندمجة في حاضرها والمشرقة لمستقبلها وأيامها البهية, هآنذا أري شوارع العاصمة تتعطر بنسائم الاغاني الاندلسية وتغتسل برائحة عطرها الهنية تذكرني بسنوات قليلة مضت حينما كانت الجزائر عاصمة للثقافة العربية حينما كنت أري مدنها تبدو كبساتين ثريه للثقافة الاسلامية تتزين سطيف بانواع اللوحات التشكيلية, وفي سيدي بلعباس تنقش المرآة الوشم وقصصها وحكاياتها السحرية, ومن قسنطينة إلي عنابة تنوعت الليالي المسرحية وفي مستغانم ظهرت الموسيقي الكلاسيكية ومن حسن حظي أني كنت علي موعد مع الفكر والثقافة والادب والفنون في مراسم تتوجها عاصمة للثقافة الاسلامية منذ أيام حيث بدأت الرحلة من مطار هواري بومدين في العاصمة الي تلمسان بحساب الزمن مدة أقل من ساعة في طائرة خاصة حملت أكثر من02 وزيرا للثقافة من الدول الاسلامية والعديد من رؤساء المنظمات الاقليمية والعربية والدولية, والكثير من السفراء العرب والاجانب المقيمين في الجزائر.
وصلت بنا الطائرة ذات صباح ربيعي إلي مطار مصالي الحاج, وهو ليس مدرج هبوط للطائرات التي تقل المسافرين نحو تلمسان من داخل الجزائر وخارجها فحسب, بل إنه واصل من معالم تلك المدينة التي تحفط ذكري أبنائها, ومصالي الحاج رائد الحركة الوطنية يحظي باهتمام بالغ واحترام لدي سكان المدينة, تماما مثلما تحفظ المدينة الكثير لأبنائها من كوكبه الشهداء الي ذخائر العلماء ورجال السياسة والفكر والادب والفن.
أري الآن من نافذة الطائرة سيدي بومدين شعيب الغوت الذي يرقد في أعالي المدينة فوق ربوة كسلطان تدين الناس له بكل الولاء, انه هنا منذ تسعة قرون خلت وتلمسان تعرف باسمه وهو يعرف باسمها مرقده الابدي بحي العباد العتيق بأعالي مدينة تلمسان مزار المحبين والمريدين والعشاق.
أنه أبومدين شعيب بن الحسين الانصاري الاندلسي ثائر منذ صغره فقد روي عن نفسه وهو أحد القلائل من أبناء جيله من الذين كتبوا تراجم سيرهم: قال ان اخوته كلفوه برعي الماشية التي خلفها والده المتوفي بإشبيلية ببلاد الاندلس وهو يرعي الاغنام كان يلتقي بالقراء والعلماء وطلبة القرآن, وكان يجد في نفسه ضيقا لانه لا يجيد فعلهم فكان يخبر اخوته بذلك فينهونه عن ترك الرعي فلم يجد سوي المغامرة وركب الأمواج نحو إفريقيا وهو شاب يافع, فطاف بين مراكش وفاس, ونال العلوم الشرعية وبرع في الجمع بين السلوك والعلم والعبادة فنال رضا مشايخه.
وفي طريقه الي المشرق قاصدا الرحيل الي بيت الله الحرام عام165 ه حيث استقر به المقام قليلا قرب تلمسان التقي بسكانها وعلمائها وأعجبه المقام بحي العباد المحاط بسلسلة غابية تبدو روعة في الجمال والخضرة وفي رحلة الحج ومناسكه التقي في جبل عرفات بالشيخ عبدالقادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية واخذ عنه في الحرم الشريف الكثير من الاحاديث النبوية وأسرار الطريقة ليكون بذلك ابومدين الغوث هو أول من أدخل القادرية الي بلاد المغرب العربي.
أبومدين شعيب يعتبر ايضا شخصية مجاهدة خلفت اثارا ومآثر في بيت المقدس حين جاهد في صفوف جيش صلاح الدين الايوبي في معركة تحرير الاقصي الشريف من الصليبيين, وحينما عاد الي تلمسان قال قولته الشهيرة ما أحلي العباد للرقاد فكانت اشارة علي الوصيه بالدفن في منطقة العباد وهو المكان الذي تعلم فيه وهو شاب يافع وكان يوم وفاته في غره محرم عام495 ه الموافق الثالث من نوفمبر8911 م عن عمر يناهز الخمسة والثمانين عاما.
استيقظت تلمسان صباحا باكرا وعلي غير عادتها تستقبل ضيوفها القادمين بعد ما ضبطت عقارب الزمن علي ايقاع الاحتفال وقد بدت لزائرها كعروس يوم زفافها في أحلي واجمل صورها منتظرة ضيوفها من كل جنس ولون, وقد قدمت سيدي بومدين حارسها الامين علي مدي العصور ليستقبلهم واحدا واحدا ويرفع يديه لهم ولتلمسان وأهلها بالدعاء.
نعم لقد كان الاستقبال حافلا والموعد منتظرا برسم مواعيد للحياة في ملكوت الابداع والفن والابتهاج مقدما باقة من الاماسي والليالي الابداعية في شتي الفنون والآداب وعوالم الفكر والثقافة.. هكذا تؤكد خليده تومي وزيرة الثقافة الجزائرية التي جعلت شعبها يجيد الرقص علي ايقاع الطباع الجزائرية واستطاعت أن تلقي بالثقافة في الشارع يحتضنها الشعب لتعيد لهم بهاء ورونق المكتبات والمسارح ودور العرض والسينما والفنون التشكيلية والأغاني وتفتح شهيتهم للفنون وتصالحهم مع هويتهم.
لقد سطرت تومي بلدها عاصمة للثقافة العربية عام7002 كأفضل ما يكون لتؤكد بعدها العربي والقومي, وجعلت الافارقة يرقصون ويغنون ويضحكون في بلادها عام9002 في المهرجان الثقافي الافريقي الثاني لتدعم انتماءها القاري, وها هي تلمسان تتزين كعاصمة للثقافة الاسلامية لتكمل المثلث العربي الافريقي الاسلامي, لكن خليدة تومي تريد ابعد من ذلك أن تكون بلادها جسرا لتحاور وتناغم الثقافات والحضارات وان تكون مركزا للاشعاع وتمنح تأشيرة العودة لحضارة المسلمين التي صنعت عبر التاريخ مجد الانسان.
تقول خليده: إن اختيار تلمسان عاصمة للثقافة الاسلامية يكمن في عدة اعتبارات أهمها انها المدينة الجزائرية التي تضم أكبر نسبة من المعالم التي تعود للفترة الاسلامية وكونها مدينة عبرت طريق الايمان نحو أوروبا ونحو أفريقيا وانطلقت منها قوافل الفاتحين لنشر الرسالة والحضارة الاسلامية لتتذكر أن قافلة فتح الاندلس قد انطلقت من ربوع ولاية تلمسان الحالية.. إنها كانت قبلة للمضطهدين حيث أنها كانت مدينة التسامح والتعايش السلمي بين الاديان لجأ اليها من ضاقت بهم الأرض حين طردوا جراء الحملة الصليبية, كما أن تلمسان هي من أنجت كبار الفقهاء والعلماء والمفكرين الذين يذكر لهم دوما أدوار مهمة في تاريخ الحضارة الاسلامية كما كانت قبلة للعلماء من مشارف الارض ومغاربها.
إن تاريخ الجزائر مرتبط بتاريخ تلمسان الغني بالتفاعلات والاحداث التي كان لها دور في نشأة الدولة الجزائرية.
كما تؤكد خليدة تومي أن هذه التظاهرة تشكل فرصة ثمينة لإعادة بعث الإبداع الفني لدي الجزائر وإنجاز مشاريع ثقافية ضخمة ودعم وتشجيع الانتاج الثقافي والفكري في البلاد, وتشير إلي أنه تم إنجاز خمس مناطق جديدة وقاعة للسينما ومكتبة رئيسية ومسرح للهواء الطلق وقصرا للمعارض ومركز للدراسات الاندلسية لسد الفراغ الكلي الذي كانت تعاني منه الولاية.
وأفصحت وزيرة الثقافة الجزائرية عن أن البرنامج الثقافي المصاحب للتظاهرة ثري وغني يضم مختلف الجوانب الثقافية والفنية علي غرار نشر005 عنوان, وتنظيم21 ملتقي دوليا وانجاز91 مسرحية واكثر من05 فيلما خياليا او وثائقيا و8 مهرجانات ثقافية, وأكثر من751 جوله فنيه بما يشكل896 عرضا في9 ولايات و51 اسبوعا ثقافيا وطنيا يضم كل ولايات الجمهورية واكثر من02 اسبوعا ثقافيا اجنبيا.
اما عن المستوي الخارجي فتقول تومي أن هذه التظاهرات تسهم في محو الصور النمطية السلبية التي ألصقت بالجزائر خلال محنتها وتعطي صورة اكثر إشراقا علي بلد يتطلع الي نهضة حقيقية ويسعي الي فرض وجوده في الساحة العالمية.
لنقترب أكثر من عمق المدينة ونتجول في شوارعها التي تتميز بنخيلها الباق وقلاعها العتيقة وأسوارها الممتدة علي شواطيء من الرمال الناعمة تم تشييدها علي النمط العربي الاندلسي.. نعم لم يخطيء جورج مارصي عندما سماها مدينة الفن والتاريخ.
الآن أغوص أكثر داخل المكان والزمان لحظة أن أعادت لي عقارب الساعة قرونا موغلة في عمق التاريخ ووسط طريق مسنود بحقب أثيلة من الكفاح والنضال والتضحية وسط سهول خضراء وحقول اشجار الزيتون التي تمتد علي الطريق ومن حولي مدينة القباب البيضاء والخضراء والزوايا والمساجد والقلاع وأضرحة أولياء الله الصالحين أكاد اسمع صيحة الفاتح العظيم ابوالمهاجر دينار والصحابي الجليل عقبة بن نافع آتية من القيروان لتستقر في تلمسان وتنطلق عبر البحار لتنشر الاسلام وتقيم مناره للتوحيد تتوارثها الاجيال.
ادلف الي مركز الدراسات الاندلسية الإمامة بالمنصور بهندسته المعمارية المستوحاة من الطراز الاندلسي والمخصصة لتوثيق مراحل مختلفة من الحضارة الاندلسية, التاريخ والفلسفة والعلوم الدقيقة والشعر والغناء والفن والآداب والموسيقي والخط العربي, كما يحوي مكتبه متخصصة في مجالات العلوم الاندلسية والحوار بين الحضارات, هذا المركز الذي حدثتني عنه خليدة تومي وزيرة الثقافة بكل فخر واعتزاز حتي شعرت انها تريد أن تشدني إلي ذلك الحنين وللزمن المفقود والأندلس الضائعة, حاولت أن أفلت من فخ الرومانسية وانصرف عن حلم دافيء غير أنني تذكرت قراءتي عن زمن الخليفة الحكم المستنصر بن عبدالرحمن الناصر رجل العلم والثقافة الأموي الاندلسي كانت قرطبة محط انظار محبي العلم من جميع أرجاء اسيا واوروبا وافريقيا, هذا الرجل الذي انشأ المكتبة الاموية اضخم مكتبات العالم وقتها, كان يشتري الكتب مهما بلغ ثمنها وان وصل الي يده كتاب من بلاد غير عربية اخضعه فورا للترجمة, وقام بنسخه فانتعشت صناعة الورق من انتعاش عمليه النسخ, بل وأوغل في حبه للعلم الي درجة ابتكاره ما يعرف الان في نظام الجامعات باسم التفرغ العلمي فكان يستقطب العلماء الذين يزاولون مهنة التجارة وغيرها كسبا لرزقهم ليتفرغوا للتأليف والبحث مقابل مرتبات مجزية يدفعها لهم وكان للعلماء من جميع بلاد العالم مكانه حتي تلاشت الامية في عهده وأسس جامعة قرطبة المناره العلمية العظيمة التي صنعت البنية التحتية للعلوم في أوروبا الغارقة حينها في الظلام وكان يختار لها أفضل الأساتذة والباحثين فصارت قرطبة مهوي أفئدة محبي العلم وموطنهم كابن رشد والقرطبي والادريسي وعباس بن فرناس.
وعلي هذا المشهد عرفت تلمسان في العصر الاسلامي حياة فكرية مميزة في مختلف العلوم والمعارف التي امتد اشعاعها الي الحواضر الاسلامية الكبري, وقد استفادت تلمسان من هجرات العلماء القادمين اليها من قرطبة وغرناطة بعد سقوط الأندلس فتعمق التحصيل وانتعشت التيارات والصوفية وبرز الفكر الأشعري في المعتقدات والمذهب المالكي في الفقهيات وظهر علماؤها الذين أناروا الحياة الثقافية في المنطقة أمثال أحمد ابوالعباسي وأحمد بن يحيي الونشريس والقطب سيدي يومدين والحسن أبوعلي ابركان وعفيف الدين التلمساني ومحمد ابراهيم العبدري ومحمد بن عمر الهواري, ومحمد الامام السنوسي, وان هذا العدد من العلماء لم يكن مصادفة لما كان يقوم به الأمراء والسلاطين من محبي الادب والعلم من رعاية لمختلف العلوم والفنون أمثال السلطان يوسف ابن تاشفين وأبي حمو الزياني الثاني صاحب كتاب واسطة السلوك في سياسة الملوك والسلطان يغمراش الذي جعل من تلمسان امثله لطلاب العلم.
تهمس وزيرة الثقافة الجزائرية في أذني نتجول سويا داخل قصر المشور الملكي وتقول: إنه لا يكفي فقط استعادة بعض الاعلام والمعالم, اننا نسير بخطي جريئة لتجديد يومياتها اننا نحاول ان نعيد بهاء وجه المدينة لان الوعي بالتاريخ يبدأ بتجديد عناصر الهوية بعيدا عن الانغلاق والانطواء اننا نحاول أن نجعل الماضي يتناغم مع الحاضر في سحر عميق.
ها أنا في قلب مدينة تلمسان..
لكن الدهشة لم تكن مفتاح دخولي هذه المدينة رغم انها زيارتي الاولي اليها لكن البهجة كانت عنوان المكوث شاركني هذا الشعور د. عبدالعزيز التويجري المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة الايسيسكو وسألته كيف تم اختبار هذه المدينة عاصمة للثفافة الاسلامية عام1102 ؟
اجاب: بناء علي القرار الذي اتخذه المؤتمر الاسلامي الثالث لوزراء الثقافة المنعقد بالدوحة1002 بالموافقة علي برنامج عواصم الثقافة الاسلامة واستنادا إلي قرار المؤتمر الاسلامي التاسع والعشرين لوزراء الخارجية المنعقد في الخرطوم2002 الذي كلف الايسيسكو بوضع تصور متكامل لبرنامج العواصم الثقافية الاسلامية من المناطق العربية والآسيوية والأفريقية علي أن تكون مكة المكرمة أول عاصمة للثقافة الاسلامية وقد تضمن هذا التصور الذي وضعته الايسيسكو والذي علي اساسه تم اعداد البرنامج العشري المعايير المقترحة لاختيار عواصم الثقافة الاسلامية والخطوط العريضة والتوجهات العامة للأنشطة المقترحة للاحتفاء بالعاصمة المختارة, ومن اهداف هذا البرنامج تعميق التضامن الاسلامي وتقوية العلاقات بين الدول الاعضاء علي جميع المستويات وتحديدا في المجال الثقافي والاشتراك في نشر المفاهيم الصحيحة للثقافة الاسلامية ومد اشعاع الحضارة الاسلامية وترسخ قواعد النهضة الثقافية الحضارية.
ومن قلب هذا المكان وجدت التاريخ يعانق الطبيعة وهو ما دفعني إلي طرح تساؤل الي واحد من أبرز ضيوف الاحتفالية وهو د.محمد العزيز ابن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ألكسو وهو استاذ متخصص في تاريخ الحضارة الاسلامية والتراث حيث يقول: رماريا الكلمة اللاتينية التي تعني البساتين جوهرة المغرب العربي أو أغادير الوصف او الاسم الذي يعني اشعاعها وجمالها ونقل تاريخها وقوة تأثيرها, أسماء متعددة لمدينة واحدة اسمها الان تلمسان روعتها جعلت عشاقها يكتبون: لو كان للمدن توائم لكانت تلمسان توآم الاندلس يقول ابن عاشور: الحديث عن تلمسان يبدأ من التاريخ القديم لمرحلة ما قبل الفتوحات اي ما قبل القرن الثالث الميلادي وهي الفترة التي عرفت دخول الرومان اليها, وبعد الفتح الاسلامي عرفت تلمسان ظهور دولة بني يفرن عام987 م قدم صاحب أغادير البيعة للملك الجديد ادريس الأول دون أي قتال فكان حكم الادارسة طيلة القرن التاسع الميلادي كما عرفت حصار المرابطين الذين فتحوها عام9701 م بزعامة يوسف بن تاشفين وبنوا فيها ضاحيه تاغرارت والموحدين الذين دام حكمهم04 سنة.. بعدها فتحها عبدالمؤمن بن علي الكومي علي اثر حصار3411 م ثم بني عبدالواد الذين دام حكمهم ثلاثة قرون بدءا من القرن الثالث عشر الميلادي.. الي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي هؤلاء الذين خلدوا وجودهم بتراث فكري ومادي زاخر الي أن ضعفت خبراتهم بفعل التدخلات الاسبانية في شئون القصر بالمشور فكانت من نصيب العثمانيين عندما دخل عروج تلمسان في سبتمبر7151 م واستحوذ علي الملك فيها.
وفي عام2481 دخل الاستعمار الفرنسي الي تلمسان حيث شرعت السلطات الاستعمارية في تغيير خريطة شوارع المدينة وازقتها ثم ظهرت بعد ذلك الحركة الوطنية ثم الاستقلال.
يبدو لي الان المشهد الجميل والنغم الاندلسي الاصيل, والاحتفالات التي سطرت فيها الدولة الجزائرية امكاناتها لتصبح في أبهي صورة وأجمل منظر واروع اخراج في ساحة الامير عبدالقادر بقلب المدينة التي اكتظت عن آخرها بجمهور من مختلف الشرائع وفيها اعطيت إشارة بداية الاحتفالات حيث توافدت الفرق الاستعراضية علي الساحة ثم انطلقت عبر الشارع الرئيسي الذي يربط بين وسط المدينة والمنصة الشرقية بالقرب من قلعة المشور الاثرية ويبدو المشهد اكثر من رائع عكست من خلاله الفرق المشاركة من مختلف انحاء الجزائر ما تزخر به البلاد من تراث وثقافة, ها هي تلمسان التي تنام علي07% من التراث الاسلامي الجزائري وها هي فرق الفنون الشعبية من مختلف دول العالم الاسلامي تجسد مدي الترابط والتلاحم.
ألبسة وأغان شعبية وفنون استعراضية وهالات من نور الابداع تتدافع في ربيع تلمسان وتنسكب من أعالي هضبة الاله ستي حيث روعة المنظر والمكان باتجاه المشور والمنصور والقلعة وكل مكان تتسامي في جانبيه رائحة العراقة والتاريخ وينعم معي في قلب المشهد ضيوف تلمسان الذين يستمعون الي فوانيس المحبة التي لبست ثوب الفن والفكر والابداع, ها هي تهدي للجزائر شموسا ساطعة وأعلاما أنجبتهم حديثا هاهو الشيخ محمد ديب, واسيني الأعرج, أمين الزاوي ربيعه جلطي, زينب لعوج, عمار بالحسن, عبدالملك مرتاض, حكيم ميلود, علي عبدون, بلقاسم بن عبدالله والشاب انور هم ابناؤها الذين يحلقون الان في سماء المحبه والوفاء والتجديد.
هكذا بدت لي تلمسان كامرأة جميلة عاشت صروف الزمن الجزائري قديما وحديثا وطوعت الجغرافيا بسلاسة فائقة وضربت في عمق التاريخ بحرفية بالغة ثم تركت أمرها لله عبر مناجاة يومية ترتفع من مسجدها الشهير ليحكي من وراء الأسرار في لوحة استثنائية شموخ الماضي العريق.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.