من خلال متابعتى لما تحدث به كل من المرشحين الرئاسيين عن تصوراتهما لمصر المستقبل، خلا حديثهما من الاهتمام بذكر مشروعهما للثقافة والفنون ضمن سياق اللقاءات الجماهيرية والإعلامية، بل الملاحظة الأكثر إثارة للدهشة أن هذه النوعية من الأسئلة غير مطروحة من المحاورين والمهتمين بالشأن العام عليهما بذات وضوح طرح ملفات حيوية كالتعليم والطاقة وغيرهما من الملفات الحيوية. إلا أن المثير للاهتمام الحديث عن الأخلاق واستعادة إطار القيم المصرية الحضارية، فى حديث المرشح الرئاسى المشير عبدالفتاح السيسى، وهو حديث مهم، فلا معنى للحياة كلها بدون إطار أخلاقى حاكم، والحديث عن الأخلاق فى تقديرى ليس حديثا عاطفيا، بل هو حديث القيمة، وإعادة ترتيب سلم القيم وهو أمر سيحدث عندما تستعيد الطبقة المتوسطة المصرية حيويتها وإحساسها بالمستقبل وهنا سوف تستعيد قدرتها على جذب المجتمع كله لاستعادة القيم النبيلة.
وهو الأمر الذى لا يمكن تحققه كما أشار المشير السيسى دون إعادة صياغة عمل مؤسسات الوعى، ولكنه خص منها الإعلام، بينما نطالبه بالنظر المدقق فى مؤسسات الصناعة الثقافية لأنها مؤسسات صناعة المحتوى وبدونها لن نستطيع التحرك الحقيقى نحو الأمام، لأن إنتاج التكنولوجيا وامتلاك مقدرة الخلاص من قيود الفقر والدخول لحداثة حقيقية شرطه التنمية الثقافية التى تدرك أن القيم الحاكمة لسلوك عموم المصريين هى شرط التقدم، ولذلك فعلينا أن نتذكر ونحن ننظر للمستقبل أن الحداثة الغربية والآسيوية هى ابنة قيم ثقافية تؤمن بأهمية العقل، ونجاحها المستقر والمستمر مرجعة لأنها إرادة العقل والعقد الاجتماعى للقيم وليس إرادة الفرد المستنير أو ثورة شعبية أو حتى نخبة مستنيرة، وهذا الإطار الحاكم للقيم يحتاج لأن نسأل عن دور للفن والثقافة يتجاوز إطلاق الاحتفالات الغنائية أو مؤتمرات النخبة وإنتاجها المعرفى لبعضها البعض، نحو مواجهة حقيقية لاستعادة دور الفنون والثقافة لتقديم صور جديدة يحتاج المصريون لإعادة إنتاجها من عالم الفن الافتراضى لعالم الواقع.
إنه السؤال الذى نحتاج لأن نسأله للمرشح الرئاسى بوضوح:
ما هو التصور الجديد لمستقبل الفنون والثقافة فى مصر؟ خاصة أننا نعيش فى عالم معاصر أصبحت فيه مراكز التأثير فى قوة الدول القوة الاقتصادية والعسكرية، مضافا إليها مراكز الثقل الثقافى المعنوى الرمزى الذى لا يقدر بثمن، ألا وهو مراكز العلم والفن والأخلاق، وهى مراكز الضرورة لضمان غياب أفكار الجهالة والخرافة والهروب للماضى.
فى تقديرى أننا نحتاج لمشروع ثقافى فنى يدعم فكرة ضرورية لمصر الآن ألا وهى فصل مشروع التحديث عن الصراعات الدينية والاجتماعية واعتقادات النخب لا يمكن صناعتها قسراً ولا يجوز إحباط نخب الداخل المجاهدة صبرا وعرقا ودما.
إن المشروع الثقافى المنتظر يجب أن يجعلنا نؤمن بأن قيمة العمل المؤسس على العقل هى قيمة خارج كل الصراعات للفاعلين الاجتماعيين وللقوى السياسية المختلفة.
إنها عملية البحث عن القيم الحاضنة والضامنة لنجاح مشروعات التحديث كيف؟ بالتأكيد لابد من خطط حقيقية لإصلاح مؤسسة الثقافة الرسمية ولدعم المؤسسات الخاصة نحو فنون وثقافة لاترتبط بولاء سوى لمشروع المستقبل نحو الحداثة المصرية الخاصة، التى لن تتحقق إلا بإعادة صياغة مؤسسات صناعة الوعى العام.
وأول خطوة جادة هى التخلص من إحساس خفى لدى الدولة والمجتمع بأن الثقافة والفنون أمر ترفيهى غير ضرورى، فعلينا حقا إخراجها خارج نطاق حسابات صناعة التسلية. هكذا نسأل وهكذا نتمنى!!