تحت رعاية الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري, والدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة, و مقرر لجنة الفنون التشكيلية الدكتور صبري منصور ، ندوة مستقبل الفنون أقيمت ندوة تحت عنوان "مستقبل الفنون التشكيلية في مصر" على مدار يومين بالمجلس الأعلى للثقافة, حوت العديد من الحوارات والمقترحات من جانب عدد كبير من الفنانين خروجا بمقترحات تنهض بالفن التشكيلي المصري . محيط : رهام محمود استهل الندوة الدكتور صبري منصور حيث تحدث عن بداية الفنون التشكيلية والمجتمع الثقافي في مصر, وما قدمه الرواد من إنجازات, وما جاء بعد ذلك من حركة عكسية أسفرت عن وجود سلبيات وعزلة الفنون عن الجمهور, مؤكدا أن لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة تعقد أملا كبيرا على المؤتمر لكي تستعيد الفنون التشكيلية مكانتها الجديرة بها في وعي الشعراء والكتاب والمثقفين المصريين, لأن نصرها والدفاع عنها هو دفاع عن الخيال والإبداع الفني المصري في شتى صنوفه وتجلياته. الناقد عز الدين نجيب تحدث عن بحثه الذي يحمل عنوان "مجتمع بلا فن .. إلى أين نحو مخرج من حياة في حدها الأدنى" قائلا: إن مجتمع بلا فن هو مجتمع يحيا حياة بيولوجية في حدها الأدنى, حتى ولو كان للفكر والعلم والتكنولوجيا والنظام فيها مكان, لأن الفن هو إحدى الخواص الجوهرية للإنسان التي تميزه عن غيره من المخلوقات وعن الآلة والحاسوب. وبقدر ضرورة الفن للجماعة البشرية, فإن التواصل بين الفنان وبينها ضرورة حياة له, وإن انفصاله عنها نوع من الموت البطيء مهما بلغ من الإبداع والعبقرية, وإذا كانت الحضارة الأوروبية الحديثة قد أدت إلى فصم هذه العلاقة, بما تمنحه من حرية واسعة للفرد- ومن ثم الفنان- بعيدا عن مؤسسات الدين والدولة ولوازم الحياة, فقد انعكس ذلك سلبا على طبيعة الدور البناء والإيجابي للفن في حياة المجتمعات الغربية على مدار القرن العشرين, وصارت هذه الاتجاهات أنماطا يقتدي بها فنانو الشعوب ذات الحضارات العريقة- ومنها مصر- بعد أن كانت مشاعلها الحضارية وفنونها المتقدمة النور الهادي لحضارات ودول في العالمين القديم والوسيط, فالفنون بعدت كل البعد عن الشعب لأنها تغذيها عوامل تكنولوجية حديثة إضافة لتوقف الإبداع الشعبي عن مساره. المجتمع والفنان في قفص الاتهام ومن بين أسباب الوصول لهذه الحالة مؤسسات المجتمع الحكومي والمدني, والفنان المبدع نفسه, فالمتاحف وقاعات العرض والندوات الفنية خالية من الجمهور في معظم الأوقات, وفي مناخ التراجع الثقافي وتدني الوعي والارتداد إلى السلفية, انتشرت في المجتمع ثقافة معاكسة للثقافة التشكيلية, ذات مرجعية تتذرع بالدين, ولم تقتصر هذه الثقافة على الطبقات الشعبية التي أخذت بفتاوي مبتسرة من الأحاديث الدينية, ومضللة لمحدودي المعرفة والإسلام, وبات على الفنان أن يواجه عدة حواجز مرتفعة. ومن ناحية الفنان فإن أغلب ما يأتي في المعارض يكون غير مبني على فكر, ففي الخمسينات نجد الفرق شاسع في المشروع القومي للنهضة, وهذا الدور أصبح غائبا عن الساحة, وفكر الفنان جاء بحثا عن التواجد الآمن. ثم طرح الناقد عزالدين لبعض المخارج من الأزمة أمام كل من الفنان والدولة وهي: أن يقف دعاة التجريب والتجديد وقفة حاسمة أمام أنفسهم لتقييم ما حدث, والبحث عن لغة جديدة تبتعد عن الحذلقة والاستعراض والتغريب, وتستهدى بملامح التراث والهوية المصرية, ولا تتعالى على فنون الشعب، وأن يتجه الفنانون إلى تكوين جماعات على أسس فكرية, من شأنها خلق قواسم مشتركة بين الفن والمجتمع, ولابد أن يمارس النقاد والفنانون دورا كفاحيا تجاه مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة والتعليم والإعلام, لتشق قنوات بين الفن والمجتمع وإشاعة الثقافة الفنية والذوق الجمالي. ويجب أن يتوجه الفنانون لإرساء مشروع فكري وثقافي على المستوى القومي يضع كلا من المبدع والمجتمع في طريق مشترك نحو مستقبل أفضل لكليهما, ومن الضروري أن يرتفع النقد إلى مستوى القضايا الجمالية المهمة, وأن يبلور التوجهات الفكرية والثقافية التي تتضمنها الأعمال الفنية, وأن يتوجه الناقد نحو القاريء العادي بلغة سهلة بعيدة عن الاستعراض اللغوي. ويجب أن يلتزم صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة بدعم دور النشر الخاصة والجمعيات الأهلية ماليا لإصدار كتب ومجلات خصوصا بالفن التشكيلي للخروج من أزمة النشر. ما قيمة الحداثة بدون الارتباط بالشعب؟ د. ماري تريز استعرضت بحثها "ملابسات الحداثة في الحركة التشكيلية المصرية", ومنه نعرف أن حركة الحداثة ظلت في الثقافة المصرية تتعرض للنكوص نتيجة تفجر الأزمات المستمرة بين الحركات الأصولية المتشددة , والمتطلعين إلى الحداثة في الإبداع, حتى بات من المحال تجاهل مسار الحداثة الملتبس ومتناقضاته. وأضافت إن مشروع الحداثة في الفن التشكيلي لن يستمر في مساره دون التفاعل الخلاق مع غيرة من الأنشطة الثقافية, سواء انتمت إلى الثقافة الرسمية "الرفيعة" أو المهمشة "الشعبية", وسواء ارتبط مفهوم الحداثة بالأصالة أو التجريب, كما يتطلب من الفنان عدم الانغلاق في حلقة ضيقة. كليات الفنون .. هل تقتل الموهبة ؟ وبعد ذلك بدأت المداخلات فقال الفنان إبراهيم غزالة أن مستقبل الفن التشكلي في مصر يبدأ على الأقل بعد 25سنة, لأننا لو فكرنا بتطويره حاليا نكون مضيعين للوقت, واعتبر أن الجيل الحالي لا أمل فيه , بمعنى أننا نبحث في الأجيال اللاحقة د. ابراهيم غزالة في المدارس والروافد التي توصل لكليات الفنون الجميلة ، فالطالب المصري يدخل هذه الكليات المتخصصة بلا أدنى خلفية فنية مناسبة تعينه بمشواره الفني , وأضاف: كما أن نظام التدريس هو نظام قاتل للموهوبة, فيوجد قوة تدفع الحركة التشكيلية للخلف, ونحن لن نجد مجتمعا تكنولوجيا دون فن, فمنظومة الحياة الأوروبية مليئة بالفن, لكن مشكلة المصريين أننا نناقش الفن في لوحة. د. ياسر منجي قال أن المجتمع يخرج عن طابعه الشرقي, فنحن نرى ادعاء جارف كالفيدو آرت يكون مسروقا من جهات مختلفة, ومأساة صالون الشباب أن السنة القادمة سوف نرى أعمالا لم نراها من قبل, فالمنافسة تكون على الغلو والتكلف الشكلاني. اقترح أحد الحاضرين أن تطلب اللجنة رسميا من وزارة التربية والتعليم بأن تعود مادة التربية الفنية في المرحلة الإعدادية والثانوية مادة أساسية وليس مادة نشاط ليصبح لها أهمية يمارسها الطالب بجدية, فإما أن تظهر مواهبه أو تنمي إحساسه بالفن, وبهذا عندما يدخل الطالب كلية الفنون يكون لديه اساس فني, وتكون قد ظهرت موهبته ورغبته الحقيقية في ممارسة الإبداع, ولابد من إعادة النظر في مناهج كليات الفنون لأنها قديمة تكاد تكون منتهية الآن لأننا نخطو نحو الحداثة وجميع نظريات الفن نظريات علمية موجودة, ويجب أن توجد أكاديميات كما يحدث في أوروبا. نحن نتشبه بالغرب بلا هدف د. أمل نصر أكدت أن التأثر بالفن الغربي يحدث به حالة انتقاء كل ما هو غريب وشاذ ودعوة لتشبه بلا هدف, وبدلا من النظرة التشاؤمية رأت أننا يمكننا إيجاد مخرج حتى في ظل عدم تفعيل توصيات المؤتمر, أما الدكتور غزالة فاعتبر أن وجود الفنانين في بيت وزارة الثقافة مع عدم تنفيذ التوصيات يعد تبرئة ذمة ، وفي هذه الحالة لا يكون هناك جدوى من إقامة المؤتمرات . افترض د. خالد البغدادي أن تطبع بوسترات وتوزع مجانا مع الصحف وبذلك سيدخل البوستر حوالي مليون منزل وسيشاهده أكثر من شخص داخل المنزل. يقول د. محسن عطية أن الموهبة تحتاج إلى تعريف, فتفاجيء د. غزالة بهذا الاقتراح وقال إن فكرة تعريف الموهبة شيء مستحيل, لكن من الممكن تحديد مستوى الطالب في الاتجاهات المختلفة, وأن توضع خطة دراسية لطالب الفنون بحيث يدرس أكاديميا أولا وبعدها يترك بساحة الفن بحسب إمكانياته الحقيقية ، والمؤسسات الأكاديمية غير مسئولة عن تخريج فنانين . الناقد عزالدين نجيب اقترح ان يطلق كشاف المواهب في المدرسة لاكتشاف مواهب الطلاب وتنميتها في سن مبكرة. كارثة: الالتحاق بكليات الفنون لا علاقة له بالموهبة الناقد كمال الجويلي تحدث عما يحدث اليوم من دراما التعليم في كليات الفنون بالتحاق جميع طلابها الجدد سنويا تبعا للمجموع في الثانوية العامة, وليس للاستعداد والموهبة كما كان يحدث في الماضي, وأصبح الملتحق بها يغادرها حاملا شهادة دون أن يمارس أي تجربة بالمعنى الصحيح, وقد يدخلها طالب يكره الفن, وأضاف: من الواجب أن يسهم الجميع في دفع الحركة التشكيلية إلى الأمام من خلال خطوات تدريجية مثل ما فعلته لجنة الفنون التشكيلية مؤخرا من إقامة مسابقات لإبداع جداريات في بعض المواقع من العاصمة, وهو ما تم أخيرا كنموذج يمثل إحدى البدايات. وسام بشير في مداخلة عن البحث الذي قدمه الدكتور مصطفى الرزاز حول حوار الفن المصري مع الغربي ، تساءلت إلى أي مدى تعوق الدراسات الأكاديمية إبداع الفنان ؟ معتبرة أن فرقا ما لابد وأن يقام ما بين الفن والحرفة.
شرح د. الرزاز تاريخ الفن من سنواته الأولى القديمة وحتى الحديثة, وأشار إلى دور الجماعات الفنية على الرغم من اختلاف وتباين أهدافها في فتح آفاق الحرية والتجديد والطموح في الحركة الفنية المصرية, مصطفى الرزاز وصولا إلى جيل الشباب الذي ينحت مع الفاعلين من الأجيال السابقة بحيوية في شق أخاديد جديدة لمستقبل الفن في مصر المعاصرة. اقترحت الفنانة احلام فكري أن تكون فنون الميديا وغيرها لها مادة تدرس في كليات الفنون, فعروض الميديا التي يقدمها الفنانين المصريين لم تبنى على أساس, وأضافت أنها حين تعلمت في كلية الفنون الجميلة درست أكاديميا ثم أصبحت فنانة . د. أمل نصر تحدثت عن أزمة الفنون التشكيلية في مصر, وفرضت تساؤل "هل الفن التشكيلي للنخبة أم هو ضرورة إجتماعية"؟ واجابت: هو تلك الردة الحضارية التي يعيشها الآن المجتمع المصري, والتي بدأتها مرحلة السبعينات من القرن الماضي, بسقوط المشروع القومي المصري, واضافت: ان مستقبل الفنون التشكيلية في مصر يرتبط بمستقبل الوعي العام, ولكي نسترد هذا الوعي يجب ان نمضي في اتجاهين متوازيين: الأول دراسة تاريخنا, والتواصل مع فنوننا المصرية في جميع مراحلها, والثاني هو توجيه جانب كبير من طاقاتنا وإمكاناتنا لدراسة العلوم, فللأسف أننا منذ هزيمة يونيو انتابنا الإحساس بتخلفنا التقني الذي ما لبث أن شجع النزعة إلى عبادة التقنية, وقد أدى هذا إلى إحساسنا بالدونية إزاء الغرب المتقدم تقنيا. وواصلت: الفن اليوم يجب أن يكون ضرورة أكثر من أي وقت مضى فهو السلاح الوحيد والأخير للمحافظة على وجودنا وسط هذا الذوبان الذي يتلاشى فيه كل شيء أمام الحصار الأمريكي, ولاشك أن حل هذه الأزمة يحتاج إلى توجه جماعي ووعي عام ومراجعات جدية لكل المجالات. ومايزال فنانو مصر ينتظرون ما ستسفر عنه توصيات المؤتمر من ثمار إيجابية تغير خريطة الفن التشكيلي ببلادهم.