كم شخصا حضر خطبة الجمعة فى مرحلة عمرية ما وسمع الشيخ يقول من على المنبر أن النساء هن سبب معظم المصائب التى تحيط بالرجال وإذا فتشت عن سبب تفكك الأسرة فابحث عن الزوجة ثم يغلف كلامه بصبغة دينية قائلا على النساء أنهن ناقصات عقل ودين.. نعم لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولكن فسر كلامه خطأ إما جهلا من هؤلاء المشايخ أو عمدا بقصد إهانة المرأة، هناك 5 حجج يسوقها العديد من المشايخ من أجل انتقاص المرأة وانتزاع حقوقها - بما لا يخالف شرع الله - وهذه الحجج الخمس تناقلت على ألسنة العوام بجهل بغيض أسفر عن نظرة دونية للمرأة عادت بها إلى عصور الجاهلية بل وصل الأمر لأن يدعو المقبلون على الزواج اللهم ارزقنا بمولود ذكر وليس أنثى.. نستعرض على الصفحات القادمة الشبهات الخمس التى استغلت كذريعة دينية ضد المرأة من أجل إخضاعها للرجل طوعا أو كرها ولا أحد يستطيع أن يناقش أو يجادل وإلا فقد ارتكب إثما عظيما..! الشبهات الخمس أو القضايا الخمس التى يعتمد عليها الكثيرون فى انتقاص أهلية المرأة هى بالأساس ذكرت فى القرآن والسنة وفسرت بشكل خاطئ «ميراث الأنثى نصف ميراث الرجل، وشهادة المرأة نصف شهادة الرجل، والنساء ناقصات عقل ودين، وما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة، والرجال قوامون على النساء» نستعرض هذه الشبهات الخمس استنادًا إلى كتاب «حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين» الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 2002 تحت إشراف وزير الأوقاف السابق الدكتور محمود حمدى زقزوق وجاء فى الكتاب الرد على 147 شبهة اختلقها أعداء الإسلام.
الشبهة الأولى: ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر
يستند من يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام متخذين من التمايز فى الميراث سبيلا إلى ذلك إلى قول الله سبحانه وتعالى «للذكر مثل حظ الأنثيين» لكنهم لا يفقهون أن توريث المرأة نصف من الرجل ليس موقفا عاما فى توريث الإسلام.
إن الفقه الحقيقى لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة وإنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها، درجة القرابة بين الوارث ذكرا كان أو أنثى وبين الموروث كلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب دونما اعتبار لجنس الوارثين.
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال فالأجيال التى تستقبل الحياة بأعبائها يكون نصيبها من الميراث أكبر من تلك التى تستدبر الحياة بغض النظر عن الذكورة والأنوثة ومثال على ذلك أن بنت المتوفى ترث أكثر من أمه وترث البنت أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة!
وثالثها: العبء المالى الذى يوجب للشرع الإسلامى على الوارث تحمله وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى ولكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للإناث بل ربما كان العكس هو الصحيح فقال الله تعالى «يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» ولم يقل الله فى عموم الوارثين والحكمة فى هذا التفاوت هو أن الذكر مكلف بإعالة أنثى _ هى زوجة مع أولادها بينما الأنثى الوارثة أخت الذكر إعالتها مع أولادها فريضة على الذكر المقترن بها فهى رغم هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها الذى ورث ضعف ميراثها أكثر حظا وامتيازا منه فى الميراث، فميراثها مع إعفائها من الإنفاق الواجب هو ذمة مالية خالصة لها لتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات الحياتية وتلك حكمة إلهية تخفى على الكثيرين.
كما أن هناك أكثر من 30 حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث ولا يرث نظيرها من الرجال فى مقابلة أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
الشبهة الثانية: شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف الإسلام من شهادة المرأة.. التى يقول مثيروها: إن الإسلام قد جعل المرأة نصف إنسان، وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل، مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى».
ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان هو الخلط بين «الشهادة» وبين «الإشهاد» الذى تتحدث عنه هذه الآية الكريمة.. فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد، ذكرًا كان أو أنثى، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد الشهادة فلا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات.
ومالنا نذهب بعيداً، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل سواء بسواء فى شهادات اللعان، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود : «والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
الشبهة الثالثة: النساء ناقصات عقل ودين
المصدر الحقيقى لهذه الشبهة هو العادات والتقاليد الموروثة والتى تنظر إلى المرأة نظرة دونية وهى عادات وتقاليد جاهلية، والأكثر خطورة من هذه الأعراف والعادات والتقاليد هى التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية ولقد كان الحظ الأوفر فى هذا المقام للتفسير الخاطئ الذى ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه فقال: «يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟»، قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟»، قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها» متفق عليه.
ذلك هو الحديث الذى اتخذ تفسيره المغلوط غطاء شرعيا للعادات التى تنتقص من أهلية المرأة الأمر الذى يستوجب وقفة مع تلك التفسيرات الخاطئة نكثفها فى عدد من النقاط:
أولا: الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح بعد علامات الاستفهام ففى رواية الحديث شك من الراوى حول مناسبة قوله هل كان عيد أضحى أم عيد فطر وهو شك لا يمكن إغفاله عند وزن المرويات والمأثورات.
ثانيا: أن الحديث يخاطب مجموعة من النساء ولا يشرع شريعة دائمة ولا عامة فى مطلق النساء والحديث عن الواقع القابل للتغيير والتطور شىء والتشريع للثوابت شىء آخر.
ثالثا: إن بعض روايات الحديث ومنها رواية ابن عباس ما يقطع بأن المقصود حالات خاصة للنساء لهن صفات خاصة هى التى جعلت منهن أكثر أهل النار لا لأنهم نساء ولكن كما تنص رواية ابن عباس يكفرن العشير.
رابعا: إن مناسبة الحديث ترشحه لأن يكون المقصود من كلام خير الخلق أجمعين مدحا وليس ذما فكيف يأمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفرحة فى العيد ويخرج ليذم النساء وهو الذى أوصانا بالقوارير كما أن الحديث به إشارة للرخص التى رخصها الله لعباده من إسقاط الصلاة والصوم عن الحائض وأن الله يحب أن تأتى رخصة وبالتالى هذا ليس نقصانا منها وأخيرا فهل يعقل عاقل أن يعهد الإسلام وتعهد الفطرة بأهم الصناعات الإنسانيه ألا وهى تربية الطفل حتى يصبح رجلا لمن هن ناقصات عقل ودين!!
الشبهة الرابعة: ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
يستند الكثيرون فى هذا الأمر إلى الحديث الشريف الذى يقول «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخارى وإذا كانت صحة الحديث من حيث الرواية هى حقيقة لا شبهة فيها فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل الدراية بمعناه الحقيقى مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام وذلك أن ملابسات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث تقول: إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينةالمنورة، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- «من يلى أمر فارس»؟
- « قال أحدهم: امرأة.
- فقال صلى الله عليه وسلم «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
وهنا نجد أن ملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات أكثر منه تشريعاً عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسى العام.
ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً «بالولاية العامة» أى رئاسة الدولة وقيادة الأمة.. فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية، التى كانت تمثل إحدى القوتين العظميينى فى النظام العالمى لذلك التاريخ.. ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط «الذكورة» فيمن يلى «للإمامة العظمى» والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل فى ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق.
وأمر آخر لابد من الإشارة إليه، ونحن نزيل هذه الشبهة عن ولاية المرأة للعمل العام، وهو تغيير مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث، وذلك بانتقاله من: «سلطان الفرد» إلى «سلطان المؤسسة»، والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص.
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية «قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون» «9».. وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار «قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد».. فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة فى الولاية العامة حتى الولاية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية «مؤسسة شورية»؟ أم «سلطانا فردياً مطلقاً»؟
الشبهة الخامسة: الرجال قوامون على النساء
فى المدينةالمنورة نزلت آيات «القوامة» قوامة الرجال على النساء.. وفى ظل المفهوم الصحيح لهذه القوامة تحررت المرأة المسلمة من تقاليد الجاهلية الأولى، وشاركت الرجال فى العمل العام مختلف ميادين العمل العام، فكان مفهوم القوامة حاضراً طوال عصر ذلك التحرير.. ولم يكن عائقاً بين المرأة وبين هذا التحرير.
وفهم المسلمون قبل عصر التراجع الحضارى، الذى أعاد بعضاً من التقاليد الجاهلية الراكدة إلى حياة المرأة المسلمة مرة أخرى، أن درجة القوامة هى رعاية رُبّان الأسرة الرجل لسفينتها، وأن هذه الرعاية هى مسئولية وعطاء.. وليست ديكتاتورية ولا استبدادا ينقص أو ينتقص من المساواة التى قرنها القرآن الكريم بهذه القوامة، بل وقدمها عليها.
وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم فى أية وحدة من وحدات التنظيم الاجتماعى، لأن وجود القائد الذى يحسم الاختلاف والخلاف، هو مما لا يقوم النظام والانتظام إلا به.
فلقد ربط القرآن هذه الدرجة فى الريادة والقيادة بالمؤهلات وبالعطاء وليس بمجرد «الجنس» فجاء التعبير: «الرجال قوامون على النساء» وليس كل رجل قوّام على كل امرأة.. لأن إمكانات القوامة معهودة فى الجملة والغالب لدى الرجال، فإذا تخلفت هذه الإمكانات عند واحد من الرجال، كان الباب مفتوحاً أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير دفة الاجتماع الأسرى على نحو ما هو حادث فى بعض الحالات!.