أثار جدلا واسعا بعد خروجه من مصر.. والكثير تساءل عن كيفية هروبه وإلى أين هرب ؟.. ترددت العديد من الأنباء عن مسئوليته المباشرة عما يحدث خلال الشهور الماضية فى مصر.. وأنه يدير العنف الذى لجأت إليه جماعة الإخوان بعد فض اعتصام رابعة العدوية.. كان ولا يزال محمود عزت هو الصندوق الأسود والغامض لجماعة الإخوان.. لذلك كان تهريبه إلى الخارج هو الشغل الشاغل لجماعة الإخوان ومكتب إرشادها فى يوليو الماضى.. فى السطور القادمة نكشف كيف خرج عزت من مصر ؟ وإلى أين ذهب ؟ وتفاصيل الفترة التى قضاها فى غزة قبل أن يرحل مضطرا إلى اليمن ونحدد أيضا المكان الذى يختبئ فيه الآن تحت حماية جماعة الإخوان باليمن ومسئولين كبار بالحكومة اليمنية).
فى عصر يوم الأحد الموافق 30 يونيو عام ,2013 ملأت الحشود الرافضة لحكم جماعة الإخوان المسلمين ولمندوبهم فى قصر الرئاسة د. محمد مرسى جميع ميادين مصر مطالبة بإسقاط النظام الإخوانى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة مطالبين الجيش المصرى بالتدخل لتنفيذ مطالب الثوار الذين وصل عددهم فى ذلك اليوم وفق أقل تقدير لعشرين مليونا من المتظاهرين.
وقتها كان مكتب الإرشاد بكامل رموزه يعقد اجتماعه قبل الأخير لبحث تطورات الموقف وكيفية التعامل مع الأوضاع التى تزداد تعقيدا كلما مر الوقت.
فى هذا الاجتماع حضر محمود عزت نائب مرشد الجماعة والصندوق الأسود للإخوان فى تمام الرابعة عصرا وعلى وجهه أشد علامات التوتر والتى لم يعتد رؤيتها من يعرفون الرجل جيدا، استمر الاجتماع حتى الساعة السابعة مساء وانتهى برفع تقرير عاجل ل (محمد مرسى) يطالبه بعزل الفريق السيسى من منصبه وتعيين أحد لواءات المجلس العسكرى فى منصب وزير الدفاع واقترح مكتب الإرشاد ثلاثة أسماء لهذا المنصب واتفق أعضاء مكتب الإرشاد على اللقاء صباح اليوم التالى للاستمرار فى بحث الأوضاع على أن يتم تكليف القواعد السفلى للجماعة بالنزول والاحتشاد فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر صباح اليوم التالى والموافق 1 يوليو 2013 اتصل أحد أعضاء جماعة الإخوان الذى يعمل داخل قصر الرئاسة ب (خيرت الشاطر) ليبلغه أن الفريق السيسى سيلقى خطابا للأمة بعد ساعات، فهرول أعضاء المكتب إلى مقر الإرشاد للاستماع إلى الخطاب فى حضور جميع الأعضاء لتحليل الوضع وبحث سبل التغلب عليه فى حال انحياز الجيش لمتظاهرى 30 يونيو ومطالبهم.
بعد أن استمعوا لخطاب الجيش الذى أمهل فيه الرئيس المعزول 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين، بدأ خيرت الشاطر وبديع فى تكثيف الاتصال بأسعد الشيخة وأحمد عبدالعاطى لإبلاغ الرئيس بضرورة اتخاذ قرار فورى بعزل الفريق السيسى من منصبه أيا كان البديل، وهنا أبلغهم الشيخة بصعوبة تواصلهم مع الدكتور مرسى أو لقائه لأنه سيلتقى الفريق السيسى بعد ساعات، وهنا أبلغهم الشاطر أن يطمئن الرئيس بخصوص الأوضاع الحالية، وأن يبغله أن أنصاره فى الشارع الآن بالملايين وأن الحشد مستمر فى ميدان رابعة العدوية وأن الأعداد المؤيدة تخطت أعداد المعارضين وألا يقلق من أى شىء ويتخذ قراره بسرعة وحسم.
كانت هذه الجلسة متوترة للغاية، وتحدث فيها عزت كثيرا عن احتمالية وقوف الجيش مع مطالب المتظاهرين، وأن عزل مرسى بات قاب قوسين أو أدنى وأن عليهم أن يبحثوا خطة بديلة للتعامل مع الأمر فى حال تنفيذ الجيش تهديده بعد 48 ساعة كما قال فى بيانه.
وانتهى الاجتماع فى حوالى الحادية عشرة مساء اتفقوا جميعا على بحث الخطة البديلة التى اقترحها عزت على أن يلتقوا فى صباح يوم 3 يوليو يوم انتهاء مهلة الجيش لإقرار هذه الخطة بعد الاستماع لخطاب الجيش، وأوصى بديع عددا من قيادات المكتب بالنزول لميدان رابعة العدوية وتكثيف الحشد.
فى 3 يوليو وصل محمود عزت وبديع والشاطر وعدد من أعضاء المكتب إلى مقر الاجتماع وبعد أن استمعوا لخطاب الجيش الذى أعلن فيه خارطة الطريق، اتخذوا قرارهم بإقرار عدد من الخطط البديلة سنقوم بسرد تفاصيلها فى وقت لاحق، واتفق جميع الموجودين على ضرورة خروج د. محمود عزت من مصر فورا ليكون حلقة الوصل بين الأعضاء فى الداخل وبين الكيانات الداعمة فى الخارج فى حال تطور الأمور، على أن يلحقه بديع والشاطر وحسين إلى الخارج فى حال تأزم الأوضاع أكثر من المتوقع، وطلبوا من محمود عزت الاتصال بجمعة أمين نائب المرشد الثانى والذى كان بالخارج وتحديدا فى لندن للعلاج وإبلاغه بعدم العودة إلى مصر حتى تستقر الأمور خرج عزت من مكتب الإرشاد وتوجه إلى منزله بمصر الجديدة وقام بجمع عدد كبير من أوراقه وملابسه وكان بانتظاره سيارة بسائق خاص أسفل المنزل نقلته إلى شقة أخرى داخل أحد أحياء الشيخ زايد بالسادس من أكتوبر، ومكث فيها عزت بمفرده أسبوعين كاملين منتظرا اتصالا هاتفيا من أحد أعضاء حركة حماس والذى كان يقيم بمصر منذ 2012 ليتولى تهريبه إلى غزه، وحرص عزت على شراء خط تليفون جديد حتى لا تستطيع الأجهزة الأمنية تتبعه ولم يتصل من خلاله بأى شخص طوال الأسبوعين اللذين قضاهما فى شقته بالشيخ زايد والمملوكة لأحد طلاب جماعة الإخوان.
فى 17 يوليو 2013 رن هاتف عزت وبعد عدة كلمات غير مفهومة ومتفق عليها تأكد من هوية المتصل الذى أبلغه أن الوضع فى سيناء مقلق للغاية وإمكانية الخروج من خلال الأنفاق صعبة بل تكاد تكون مستحيلة بسبب التضييق الأمنى الذى فرضته قوات الجيش هناك.. وطلب من عزت مهلة أسبوعا آخر للبحث عن خطة بديلة لتهريبه من مصر وتقلل نسبة الخطر التى قد يتعرضان لها فى حالة التسرع فى إتمام عملية التهريب.
بقى عزت فى الشقة أسبوعا آخر لا يتحدث لأحد ولا يتصل بأحد، ولكنه فقط يستقبل أحد شباب الجماعة بعد منتصف الليل ليمده بالطعام والشراب والأدوية والتأكد من سلامته 24 يوليو 2013اتصال جديد من عضو حركة حماس، يؤكد ل(محمود عزت) أنه نجح فى عمل خطة بديلة وخط سير مختلف لتهريبه من مصر وأنه سيأتى إليه بعد يومين والموافق يوم الجمعة حيث تكون الطرق خالية وقوات الأمن منشغلة بالتظاهرات المؤيدة لمرسى.
26 يوليو 2013 فى تمام السابعة صباحا كان د. عزت فى سيارة عضو حركة حماس وانطلقت السيارة متجهة إلى طريق مصر إسكندرية الصحراوى فى العاشرة تقريبا كان عزت يصعد ببطء درجات سلم العمارة القديمة داخل أحد شوارع حى الشاطبى بالإسكندرية ولم يبق بداخلها أكثر من ساعتين حتى استقل السيارة مرة أخرى بصحبة عضو حركة حماس واثنين آخرين متجهين إلى حى المكس بالهانوفيل حيث مراكب الصيد القابعة فى ميناء المكس وبمجرد وصولهم إلى المكس، كان كل شىء مجهزا ومعدا من قبل حيث استقبلهم أحد أصحاب المراكب الذى تقدمهم فى هدوء وكأنه يعرف دوره تماما، ودخل محمود عزت إلى قلب سفينة الصيد الصغيرة التى تحركت بأقصى سرعة لتصارع الأمواج حتى وصلت به مساء يوم 27 يوليو 2013 إلى سواحل جنوب قطاع غزة وكان فى استقباله عدد كبير من قيادات حركة حماس والذين استقبلوه بحفاوة شديدة بسبب العلاقات القوية التى تجمعه بحركة حماس منذ أن كان حلقة الوصل بين الجماعة والحركة منذ أكثر من عشرين عاما وأبلغوه أن هناك سفينتين آخريتين قد تصلان غزة فى أى وقت تحملان أربع قيادات إخوانية مصرية بعد تأزم الأوضاع هناك وحتى الآن غير معروف هوية هذه القيادات الأربع.
وبقى محمود عزت فى غزة تحت حماية حركة حماس ما يقرب من الثلاثة أشهر، وتنقل بين العديد من الفنادق الفاخرة والاستراحات الخاصة بقياديى حماس الكبار، والفترة التى أقام بها عزت بغزة كانت مليئة بالأحداث الساخنة تحديدا بعد اعتقال المرشد السابق للجماعة محمد بديع، وأصبح رسميا هو المرشد الفعلى لجماعة الإخوان حيث كان يدير ملفات عديدة خاصة بأفراد الجماعة داخل مصر وملف التحركات الدولية بالتنسيق مع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان.
ومعظم تفاصيل الفترة التى قضاها عزت فى غزة تحدثنا عنها من قبل ونشرت الصحف المصرية خلال الفترة الماضية العديد من التحقيقات التى تناولت هذه التفاصيل لذا لن نخوض فيها مجددا.
فى 10 أكتوبر 2013 قامت إحدى شبكات حركة حماس بمصر بإرسال رسالة إلى قيادة الحركة مفادها أن الجيش المصرى يبحث اقتحام قطاع غزة للقبض على محمود عزت.. فى الحقيقة لم يكن الأمر سوى مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة انتشرت فى مصر خلال شهر أكتوبر الماضى ولعل أجهزة أمنية كانت وراء هذه الشائعة، لبث الرعب فى قلوب قيادات حماس ولعل هذا ما حدث بالفعل بمجرد وصول هذه الشائعة لقيادات حماس، قرروا التجهيز فورا لإبعاد محمود عزت عن غزة بأى شكل.
اجتمعت قيادات الحركة بعزت فى فندق (بيتش هوتيل) بالطابق الثانى، وهو آخر مكان أقام به عزت فى غزة، وكان قد استأجر عدد 6 غرف بالفندق أقام فى واحدة والباقية أقام بها بعض قيادات الإخوان الذين هربوا إلى غزة وبعض عناصر حركة حماس المكلفين بحماية عزت داخل الفندق أو فى الخارج أثناء زياراته لمعسكرات التدريب.
خلال الاجتماع أوضح قيادى بحركة حماس أن موقف الحركة أصبح صعبا للغاية فيما يخص احتضان عزت وباقى الهاربين، وأبلغه أن عليه المغادرة فورا إلى مكان يريده وسوف تقوم الحركة بتسهيل ذلك حتى تتجنب الحركة أى صدام سياسى أو عسكرى مع الجيش المصرى.
كان أمام عزت خياران كما أكدت له قيادات حماس، إما السفر إلى لندن واللحاق بجمعة أمين وباقى الهاربين هناك، أو السفر إلى اليمن حيث وضع جماعة الإخوان هناك أفضل بعد الثورات العربية ويستطيعون حمايته.. وكان الخيار الثانى هو الأفضل ل (عزت) حيث تربطه باليمن علاقة خاصة منذ عشرات السنين وذلك بالإضافة إلى أن دخول اليمن مهربا أسهل بكثير من دخول لندن بطريقة مشروعة بعد إجراءات مكثفة.
فى 13 أكتوبر 2013 وصل محمود عزت إلى اليمن مهربا وغير معروف حتى الآن كيف استطاعت حماس تهريبه إلى داخل اليمن، وقصة محمود عزت مع اليمن تعود إلى ثمانينات القرن الماضى حيث عمل أستاذا بقسم المختبرات بجامعة صنعاء وكان له دور بارز فى تنظيم حركة الإخوان اليمنية، وجميع قيادات الجماعة فى اليمن يعتبرونه بمثابة الأستاذ والأب الروحى.
فى البداية أقام عزت فى صنعاء العاصمة اليمنية داخل فيلا فاخرة بمدينة (صرة) السكنية والفيلا يمتلكها رجل أعمال يمنى شديد الثراء وأحد ممولى جماعة الإخوان اليمنية وحظى مرشد الجماعة بحراسة مشددة طوال فترة إقامته فى هذه الفيلا.. وكانت تنقلاته محدودة بواسطة سيارة دبلوماسية مملوكة لدولة خليجية اقتصرت تنقلاته على زيارة عدد من قيادات جماعة الإخوان فى اليمن.. ولم يمكث فى صنعاء سوى أسبوع فقط حتى يتم تجهيز مكان آخر أكثر أمنا له بعيدا عن العاصمة وفى قلب الريف اليمنى وكان يقوم بإجراء اتصالاته لإدارة التنظيم فى مصر وإصدار التكليفات أو للتواصل مع التنظيم الدولى عن طريق هاتف محمول (الثريا) الذى لا يمكن تعقبه عن طريق أجهزة الأمن.
فى 20 أكتوبر 2013 انتقل عزت بسيارة خاصة إلى محافظة (الحديدة) وهى إحدى المحافظات الريفية فى اليمن، واستقر عزت داخل إحدى المزارع الخاصة.
المفاجأة التى أكدتها تقارير سيادية أن المزرعة التى يقيم بها محمود عزت فى ريف اليمن مملوكة لقائد عسكرى يمنى كبير ومازال فى الخدمة حتى الآن وهو اللواء على محسن الأحمر الذى يشغل الآن منصب مستشار الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى لشئون الأمن والدفاع وكان يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية وهو أحد المنتمين إلى جماعة الإخوان باليمن، والذى تورط منذ عدة أشهر فى إرسال وثيقة رسمية إلى قيادات الإخوان بمصر مختومة بختم مكتبه لطمأنتهم وعرض مساعدته لهم فى أى شىء قد يحتاجونه.
هذه الوثيقة التى تم تسريبها من اليمن ووقعت فى أيدى المخابرات المصرية، مما أدى إلى مطالبة السفارة المصرية لحكومة اليمن بتقديم تفسير واضح عن حقيقة هذه الرسالة. إلا أن الحكومة اليمنية ومكتب الأحمر نفوا تماما علاقتهم بهذه الوثيقة.
الأحمر هو عضو بارز فى حزب التجمع اليمنى للإصلاح وهو الذراع السياس لجماعة الإخوان، ويساهم هذا الحزب بشكل كبير فى احتضان قيادات الإخوان الهاربة من مصر وإمدادهم بكل ما يحتاجونه لإدارة الحرب على الجيش المصرى والسلطة الحالية.
مازال عزت حتى هذه اللحظة مقيما فى مزرعة الأحمر بالريف اليمنى واستطاع تكوين شبكة كبيرة من القيادات الإخوانية متعددى الجنسيات لإدارة الوضع داخل مصر وسوريا، وتردد كثيرا أن التمويلات التى يرسلها التنظيم الدولى للإخوان فى مصر وسوريا تدخل إلى اليمن عن طريق حسابات بنكية خاصة برجال أعمال وقيادات حزبية وسياسية تابعة لجماعة الإخوان هناك مما يؤكد أن اليمن أصبحت مركزا رئيسيا الآن لجماعة الإخوان بعد تفتتها فى مصر.. ومن اليمن تخرج جميع القرارات المهمة المتعلقة تحديدا بمستقبل جماعة الإخوان فى كل من مصر وسوريا خلال الفترة الحالية.