بقلم : محمد التابعى أشباه الرجال هؤلاء هم الذين كان محمود عبد اللطيف يؤمن بهم ويعتقد أن طاعتهم من طاعة الله!
كانت صدمة كبرى لهذا الفتى الأمى أو نصف الأمى أن يشهد بعينيه فى ساحة محكمة الشعب مصرع مثله العليا.
سمع بأذنيه - فى ذهول وهو يكاد يكذب أذنيه - سمع أن فعلته التى أقدم عليها جريمة وخيانة فى حق الوطن!.. وأنها جريمة بشعة نكراء لا يقرها دين الإسلام ولا يرضى عنها المسلمون سمع هذا بأذنيه!.. وممن؟!
سمعها من الذين حرضوه وأعطوه المسدس وأفهموه أن هذه هى أوامر قيادة الإخوان التى طاعتها من طاعة الله والرسول!
سمعها محمود عبداللطيف بأذنيه من هنداوى ومن الطيب ومن خميس حميدة، وسمعها أخيرًا من المرشد العام حسن الهضيبى.
وكان محمود يعتقد إلى يوم ارتكاب الجريمة أن هؤلاء جميعًا أقرب منه إلى الله!. وأن المرشد العام الإمام من أولياء الله بل لعله يلى مباشرة طبقة الأنبياء والمرسلين!
ثم سمع فى ساحة المحكمة ما سمع! ورأى المثل العليا تتهاوى أمام عينيه؟ وأدرك كيف خدعوه وضللوه.. وتخلوا عنه الآن!
ولم يكن بينه وبين جمال عبدالناصر عداء ولا ثأر موروث. ولكن هؤلاء القوم - أقطاب الجماعة! الإخوان الكبار الأقرب منه إلى الله والرسول؟ الذين تجب لهم الطاعة لأن طاعتهم من طاعة الله!.. - هؤلاء القوم كانوا أفهموه أن جمال عبدالناصر قد خان الأمانة وباع مصر فى اتفاقية الجلاء.
وها هو يسمع - وقد تولاه ذهول - ها هو يسمع هؤلاء القوم يقررون أمام المحكمة أن اتفاقية الجلاء لم تكن سبب اغتيال جمال عبدالناصر.. وأن الاغتيال كان أمرًا مقررًا سواء أكانت الاتفاقية أمضيت أم لم تمض!.. وأن جمال عبدالناصر لم يبع بلاده ولم يخن الأمانة!
ووقف محمود عبداللطيف ورأسه يكاد ينفجر والدمع فى صوته.. وقف يستنزل لعنة الله على الذين خدعوه وضللوه.. ويعلن ندمه وحسرته ويحمد الله على نجاة الرئيس جمال عبدالناصر.
والتفت إليه رئيس المحكمة قائد الجناح جمال سالم وقال:
- اقعد يا غلبان!
نعم. غلبان. ضحية. مسكين.
يسميه القانون (الجانى). ولكنى أسميه - وأنا أستسمح عدالة القانون - أسميه ضحية ومجنيا عليه من زعامة أو قيادة عصابة الإخوان.
أو هو جان ومجنى عليه.
وجنايته أنه صدق وآمن برسالة الإخوان، وأن زعماء الإخوان لا ينطقون عن الهوى ولا يصدرون فى أعمالهم إلا عن كتاب الله ولا يستهدفون سوى خدمة الإسلام وعزة المسلمين!
هذه هى جناية محمود عبداللطيف. الفتى الأمى أو شبه الأمى. جنايته التى جناها عليه المتعلمون المثقفون. والزعماء الذين أقسم بين أيديهم يمين السمع والطاعة.
فى معصية أو فى غير معصية؟
لهم وحدهم حق تفسير الكتاب! أما هو فإن عليه السمع والطاعة!
وهناك غير محمود عبداللطيف كثيرون.. عشرات بل مئات.
شبان وفتيان مسلمون امتلأت صدورهم بحماسة الشباب وقلوبهم بحب الله والرسول فذهبوا إلى جماعة الإخوان يطلبون مزيدًا من الهداية ومن نور الله! وأن تبصرهم الجماعة بأمور دينهم وأن تهديهم سواء السبيل.
وما أظن أن واحدا منهم خطر بباله وهو يطرق باب جماعة الإخوان أن الجماعة سوف تجعل منه قاتلا باسم الله الرحمن الرحيم!.. وغادرا لئيما باسم الدين الحنيف..
ما أظن أن أحدا منهم مر بباله هذا الخاطر وإلا لكان نكص على عقبيه.
شبان وفتيان فى مقتبل العمر تنقصهم التجربة وينقصهم الإدراك السوى والقدرة على وزن الأمور بميزانها الصحيح.
شبان سذج. آلات وأدوات سهلة طيعة.. تناولها زعماء الإخوان وقادتها وصاغوها فى القالب الذى أرادوه.. وأخرجوا منها آلات خرساء صماء، تتحرك بلا إرادة وتنفذ مشيئة سواها بلا تعقيب نزولا على حكم السمع والطاعة.. وأن طاعة القيادة من طاعة الله!
إن كانت هذه الآلات الخرساء الصماء تستحق التحطيم.. فأولى منها بالتحطيم والقطع الأيدى التى حركتها والرءوس التى فكرت ودبرت ورسمت لها خطط الاغتيال وأمرتها بالتنفيذ.
هؤلاء الشبان جميعهم ضحايا.. فليس الضحايا وحدهم هم الذين أريقت دماؤهم ظلما وعدوانا.. على أيدى هذه الآلات المسخرة الخرساء.
بل هناك كذلك الضحايا التى امتلأت نفوسها سما صبه فيها زعماء الإخوان ممزوجا بآيات الكتاب الكريم!
النفوس التى ضللت وخدعت باسم الله والصلاة على نبيه سيد المرسلين.. وقيل لها اقتلى وانسفى ودمرى فى سبيل الله.. لكى نحكم أو نقيم حكومة نشرف عليها نحن الهضيبى وحميدة ويوسف طلعت والطيب وهنداوى دوير.
هذا حديث الضحايا أو بعض الضحايا وبقى حديث المساكين.. والمساكين مثل الضحايا كثيرون.
ومنهم المساكين الذين لم يلدغوا بعد من جحر جماعة الإخوان. ولا يريدون أن يتعظوا بما وقع فى مصر.. ومن هنا لا يزالون يحسنون الظن بزعماء الجماعة و(دعوة) الجماعة ويتهمون مصر بالمبالغة والتجنى.
هؤلاء المساكين - فى سوريا الشقيقة - الذين يصدقون عبدالحكيم عابدين ومن معه.. ولا يصدقون حكومة مصر وصحافة مصر فيما تقوله وترويه.
هؤلاء المساكين فى القطر الشقيق لابد لهم أن يلدغوا من جحر جماعة الإخوان مرة ومرتين قبل أن يؤمنوا ويصدقوا بأنها جماعة قد جعلت سلاح دعوتها القتل والاغتيال والتدمير والإرهاب..
وقى الله سوريا الشقيقة شر ذلك اليوم. ولكنه يوم آت لا ريب فيه.
يوم تمسى سوريا وتصبح فإذا فى جيشها خلايا وأسر ومنظمات.. وفى قوات الشرطة والأمن خلايا وأسر ومنظمات.. وبين طوائف الطلبة والعمال إرهابيون ينفذون ما يؤمرون به ويعتدون على حياة زعمائها وساستها وقضاتها الذين يحكمون بغير ما يريد زعماء الإخوان.
ويوم تصبح الدور الآمنة العامرة بالسكان فى أحياء دمشق وحلب وحمص وحماة مخازن للمتفجرات.
يومئذ سوف تفيق سوريا على أصوات الرصاص والقنابل.. ويفيق معها هؤلاء المساكين المخدوعون المضللون ليجدوا أن زمام الأمر قد أفلت من يد القانون ومن أيدى الأمن والجيش.. لأن مرافق البلاد على رأسها أعضاء من الجهاز السرى.
وقوات الأمن على رأسها ضباط إخوان أعضاء فى الجهاز السرى.
وفى الجيش خلايا يرأسها إرهابيون أقسموا يمين السمع والطاعة للسيد السباعى المرشد العام.