هالة العىسوى كيف يأتي الشهر الكريم والمصريون علي هذه الصورة من الانقسام الخطير..فريق يفطر في رابعة وفريق آخر يفطر في التحرير؟. كتيب صغير قديم فقد غلافه الخارجي واصفرت اوراقه حتي كادت ان تتآكل بفعل الزمن، لا يكاد يُري وسط اكوام الأسفار والمجلدات الضخمة التي اكتظت بها مكتبة أبي رحمه الله. وجدته بالصدفة المحضة اثناء عملية فرز وإعادة ترتيب لهذا الإرث الغالي الذي تركه سلفي الصالح. خطف عنوانه ناظريّ، فلحسن الحظ احتفظ الكتاب بغلافه الداخلي الرقيق ووثّق العنوان وأسماء مجموعة الكُتّاب التي سطرت صفحاته، لكنه خلا من اسم الناشر وسنة الطبع. بإطلالة سريعة علي عناوينه الداخلية يمكنك ان تخمن توقيت صدوره. العنوان هو: هؤلاء هم الإخوان.. بأقلامهم. بأقلام من؟ اليك المفاجأة. عميد الأدب العربي د.طه حسين، الكُتّاب الأساتذة محمد التابعي، علي أمين، كامل الشناوي، جلال الدين الحمامصي، والكاتب الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي الذي رحل عن دنيانا في مارس الماضي فقط. لعلك استنتجت عزيزي القارئ وعن حق- بأن عنوان اليوميات ليس من بنات افكاري، إنما من وحي هذا الكتيب الذي صدر لهدف تجميع مقالات هؤلاء العظماء في اعقاب حادث الاعتداء علي رئيس الوزراء المصري جمال عبد الناصر ومحاولة اغتياله فيما عُرف شعبيا وإعلاميا بحادث المنشية عام 1954 وتوجهت فيه اصابع الاتهام الي محمود عبد اللطيف عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي اعترف بقيامه بالجريمة بتحريض من هنداوي دويرعضو التنظيم الخاص للجماعة. تجري عيناك علي سطور " العميد" لتكتشف الا شئ تغير، وتتمتم في نفسك: ما اشبه الليلة بالبارحة. يقول د. طه حسين بعد استعراض لحالة النقاء والصفاء التي كان المصريون ينعمون بها في مقال بعنوان "رخص الحياة" :"..... لكننا نصبح ذات يوم فنكتشف ان فريقاً منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم في الوطن ولإخوانهم في الدين ولإخوانهم في الحياة التي يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا آخر غيرها من امور الناس" .........ويضيف: " ونحن نصبح ذات يوم فإذا الهول يتكشف لنا كأشنع ما يكون الهول واذا ببعض المصريين يمكرون ببعض واذا الموت يريد ان يتسلط علي مصر". وفي موضع آخر كتب العميد: " يقال ان حياة المصريين رخصت علي المصريين بأمر الإسلام الذي لم يحرم شيئا كما حرم القتل ولم يأمر بشئ كما أمر بالتعاون علي البر والتقوي ولم ينه عن شئ كما نهي عن التعاون علي الإثم والعدوان.......... هيهات ان الإسلام لا يأمر بادخار الموت للمسلمين وانما يعصم دماء المسلمين متي شهدوا ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله. المصالحة.. متي؟ أهاجت قراءة هذه المقالات في نفسي ألما عميقاً واستدعت تجربة لم تمض عليها أسابيع. كان مقدم شهر رمضان الكريم هو ذروة حالة الألم التي انتابتني وبالقطع انتابت آخرين غيري. إذ كيف يأتي الشهر الكريم والمصريون علي هذه الصورة من الانقسام الخطير.فريق يفطر في رابعة وفريق آخر يفطر في التحرير؟. اعضاء العائلة الواحدة ليسوا فقط مختلفين إنما منقسمون. راهنت علي عقلاء هذا الوطن من غير الرسميين، وأطلقت بالونة اختبار علي الفيس بوك بأنني مستعدة للذهاب الي فريق رابعة العدوية - ولست منهم بالطبع- لتناول الإفطار معهم في اول ايام الصيام ومعي من يرغب في مصاحبتي في تلك المهمة كبادرة للمصالحة وإحياءً لأخلاق ديننا الحنيف. تواترت التعليقات محذرة من عواقب هذه المغامرة، ومع ان البعض ابدي استعداده لتلبية الدعوة إلا انه سرعان ما تراجع. وفي المقابل لم أتلق أي استجابة من أصدقاء الفيس بوك من فريق رابعة. تسابق المعلقون في محاولة إفهامي ان معظم المتواجدين في رابعة مغيبون ومضللون .. غالبيتهم من البسطاء المنقادين وانهم سامعون طائعون لمشايخهم ولا يصدقون فيهم "العيبة" . علي الفور استدعت ذاكرتي سطور الأستاذ محمد التابعي في مقاله بالكتاب السابق بعنوان "الضحايا والمساكين" حين كتب يقول:" كانت اكبر صدمة في جلسات محكمة الشعب تلك التي اصابت الجاني محمود عبد اللطيف حينما رأي ان مثله العليا تتهاوي امام عينيه! زعماؤه.. زعماء قيادة الإخوان الذين طاعتهم من طاعة الله كما علموه ولقنوه! .. رآهم يتخاذلون ويجبنون ويكذبون ويحنثون في ايمانهم بالله العظيم وكل منهم يحاول ان ينجو بجلده ويرمي التهمة علي صاحبه وأخيه . سمع بأذنيه في ذهول وهو يكاد يكذب أذنيه- ان فعلته التي اقدم عليها جريمة وخيانة في حق الوطن وأنها جريمة بشعة نكراء لا يقرها دين الإسلام ولا يرضي عنها المسلمون . سمع هذا بأذنيه.. وممن؟ من الذين حرضوه وأعطوه المسدس وأفهموه ان هذه هي اوامر قيادة الإخوان التي طاعتها من طاعة الله والرسول". في يوم تالٍ من أيام رمضان طالبني صديقي المحامي السكندري حسام البساطي بأن يكون عنوان مقالي "لا تصالح" علي أساس انه لا تصالح مع من تلوثت ايديهم بدم الشهداء الذين سالت دماؤهم من كل الأطراف وبسبب تعنت الإخوان وربما بتحريضهم او دفعهم للموت. هنا من الضروري والأخلاقي ان نحدد معايير واضحة عندما نريد إجراء محاسبة للماضي. وعند تأثيم كل من تلوثت يده بدم مصري فعلينا ان نحصر كل هؤلاء في موجتي الثورة سواء بعد يناير 2011 او بعد تولي الرئيس المعزول محمد مرسي او بعد 30 يونيو. هكذا سنجد انفسنا امام مهمة عسيرة هي محاكمة نظامين مرّا علينا.. وهي عسيرة لأنها تستغرق وقتا لضمان العدالة. ولسنا بإزاء ترف استهلاك الوقت المطلوب لذلك بينما نعاني من انقسام مجتمعي خطير يهدد الدولة المصرية. والدولة نفسها تواجه تحديات ومخاطر وضغوط ومؤامرات خارجية جسيمة تسعي لهدمها وتقسيمها. المصالحة إذاً أمر حتمي لا غني عنه .. لكن متي؟ وكيف؟ وبأية شروط؟ وكي نهيئ المناخ المناسب لهذه المصالحة؟ اسئلة تعصف بعقلي فهل من مشاركات من قرائي الأعزاء؟ تعظيم سلام للجيش منذ 30 يونيو وحتي الآن أثبتت قواتنا المسلحة انها رمانة الميزان في اي خلاف سياسي يقع في البلاد. وانها من الشعب وللشعب. وانها تعلمت الدرس .. وفي هذه الموجة الثانية من الثورة المصرية تلافت الأخطاء التي وقعت منها اثناء الموجة الأولي واستعادت الالتفاف الجماهيري الذي فقدت نصيبا كبيرا منه بسبب أخطائها في السياسة والحكم فيما بعد 52 يناير. اليوم تبادلت القوات المسلحة والجماهير المصرية حباً بحب واستعادت البدلة الميري رونقها وبهاءها وجلالها لدي المصريين. ونجح حسن اختيار المتحدث العسكري في دغدغة مشاعر الناس وإثارة إعجابهم بهذا الجيل الشاب الذي يعطي الأمل في مستقبل واعد واستحقت نفس ال "تعظيم سلام" الذي كنت ارسلته لها في يوميات سابقة بعد ثورة يناير. السيسي اصبح نجماً متلألئاً في سماء الوطن امتلك ناصية القلوب وأصبح اسمه نغمة تتردد في كل بيت وعلي صفحات التواصل الاجتماعي. وأبدع المصريون بخفة ظلهم المعهودة في تركيب تنويعات لحنية علي اسمه من اشهرها يا سيسي أمرك.. أمرك ياسيسي. كل هذا جميل لكن دعوني اتوقف أمام جملة اعتقد انها لم تكن عابرة جاءت علي لسان المتحدث العسكري حول احقية الفريق اول عبد الفتاح السيسي في الترشح للانتخابات الرئاسية لو تقاعد من القوات المسلحة، ثم غمز ولمز في تساؤل أخير.. أليست هذه هي الديموقراطية؟ لم اكن احب ان اسمع هذه العبارة الأخيرة من المتحدث العسكري لأنه إن جيت للحق يا ولدي العزيز يا محطم قلوب بنات مصر ولو كانت لدي ابنة لتمنيت تزويجها لك الإجابة هي لا! .. لا ليست هذه هي الديموقراطية. وان جيت للحق كده وبيني وبينك كان الهدف الرئيسي لثورة يناير هو اقامة دولة مصرية مدنية حديثة لاهي عسكرية ولاهي دينية. وان جيت للحق برضه من حق السيسي او اي مواطن مصري آخر الترشح للرئاسة مادامت تنطبق عليه الشروط والمعايير الدستورية التي اتمني ان يضاف اليها نص دستوري بمدة زمنية معينة تفصل بين التقاعد الاختياري للشخص العسكري وبين تحوله الي مدني. كأنها فترة عِدّة. حتي لا نفتح باب جهنم مرة اخري لتدخل الجيش في السياسة. وتطويع الظروف او التحايل عليها من اجل الترشح للرئاسة فنجد شخصيات تتخلي عن صفتها العسكرية الراهنة من اجل الترشح لمنصب سياسي. قد نقبل كقطاع كبير من المصريين ترشح السيسي للرئاسة بل لعل كثيراً منا يتمنون هذا لكن دعونا نبتعد عن شخصنة الأمور ولانحيد عن اصوليات نظم الحكم. أخيراً..عزيزي العقيد احمد أراك تعجلت قليلاً في تصريحك هذا.