شهيدان وإصابات جراء قصف إسرائيلي لمنزل بحي الصبرة جنوب مدينة غزة    بايدن: قرار ضرب روسيا بالأسلحة الأمريكية قد يجر الغرب إلى الحرب    الجيش الأمريكي يعلن تدمير 8 مسيرات وزوارق مفخخة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    رسوب مدرس الرياضيات ورفاقه فى الاختبارات التحكيمية بلقاء مصر وبوركينا فاسو    الأرصاد تحذر: طقس شديد الحرارة نهارًا والعظمى بالقاهرة 41    خالد الجندي يحذر من ذبح الأضاحي في أفريقيا: نصب    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    انسحاب عاجل للاحتلال يرسم الطريق ل نجاح مقترح الهدنة في غزة (تفاصيل)    ترقبوا، محافظ المنوفية يكشف موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بأسوان    مصطفى قمر ومنى زكي وإيمي سمير غانم فى حفل زفاف جميلة عوض (صور)    بعد أولمبيا باريس.. هبة طوجي تفتتح فعاليات مهرجان موازين الموسيقي بالمغرب    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    بيسكوف: من الواضح أن الغرب سيتخلص من زيلنسكي    رئيس معهد التخطيط يدعو للاستثمار بدلا من الاستدانة: القروض تخلف مخاطر كثيرة    بيوصلوا رسالة لمصر، خبير يكشف بالأرقام أكذوبة إنتاج الكهرباء من سد النهضة (صور)    بعد تعاونهما في "باب الرضا".. "مصراوي" يًثمن ويُشيد بموسسة مصر الخير    معوض: مواجهة مصر أمام غينيا بيساو صعبة بسبب الأجواء.. وهذا سر عدم ظهور زيزو وإمام عاشور بمستوى جيد    وليال عشر، تعرف على أهمية ثالث يوم في الليالي العشر من ذي الحجة    هل يجوز محاكمة الموظف تأديبيًا بعد بلوغ سن المعاش؟.. التفاصيل    9 أيام راحة للموظفين.. تعرف على موعد وعدد أيام اجازة عيد الأضحى    تحديث تطبيق انستا باي الجديد.. تعرف على طريقة تحويل الأموال لحظيا    حالة يعفى فيها الموظف من مجازاته تأديبًا في قانون الخدمة المدنية    تفاصيل إصابة إمام عاشور في مباراة بوركينا فاسو    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    اليوم.. الأوقاف تفتتح 21 مسجداً بالمحافظات    متحدث الكهرباء: قبل انتهاء العام الحالي سينتهي تخفيف الأحمال    تحرير 30 مخالفة في حملات لتموين الأقصر للتأكد من التزام أصحاب المخابز والتجار    إنفوجراف لكلمة مصر نيابة عن «المجموعة العربية» في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    حصول مصر على 820 مليون دولار من صندوق النقد الدولي    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    هتوصل لأرقام قياسية، رئيس شعبة الذهب يصدم المصريين بشأن الأسعار الفترة المقبلة (فيديو)    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    بعد انخفاض الأخضر.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الجمعة 7 يونيو 2024 في البنوك    السجن 7 أعوام على سفيرة ليبية في قضايا اختلاس    طريقة عمل البسبوسة بالسميد، مثل الجاهزة وأحلى    حسين حمودة بعد حصوله على جائزة الدولة في الأدب: "حاسس إن في حاجة أقدر أقدمها لبنتي"    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    السنغال تسقط في فخ الكونغو الديمقراطية    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا الثانوية العامة الجزء الأول    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    بعد ثبوت رؤية الهلال .. إليك أفضل أدعية العشر الأوائل من ذي الحجة    سعر البطيخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    عضو اتحاد المنتجين: استقرار في أسعار الدواجن خلال 10 أيام    ملخص وأهداف مباراة هولندا ضد كندا قبل يورو 2024    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    غانا تقلب الطاولة على مالي بثنائية في عقر دارها بتصفيات كأس العالم 2026    حظك اليوم| برج الحوت الجمعة 7 يونيو.. «القمر مازال موجود في برج الحوت المائي ويدعم كل المواليد المائية»    نجل فؤاد المهندس: والدي كان يحب هؤلاء النجوم وهذا ما فعله بعد وفاة الضيف أحمد    عيد ميلاده ال89.. أحمد عبد المعطي حجازي أحد رواد القصيدة الحديثة    بينهم 3 أطفال.. إصابة 4 أشخاص إثر تصادم "لودر" الحي بسيارة أجرة ببورسعيد    "طاغية".. بايدن يهاجم بوتين أثناء مشاركته في ذكرى إنزال النورماندي    مصرع سيدة صعقا بالكهرباء في منزلها بالدقهلية    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكمة في الحكم!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 27 - 07 - 2013

في القصص القرآني تم الحديث عن أكثر من ملك من الرجال، لكن الملكة الوحيدة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم هي ملكة سبأ، فقد حدثنا عن ملكها وحكمها، وما لها من الحكمة عند استشارتها لقومها عندما جاءتها رسالة النبي سليمان عليه السلام، ولكن الرجال أهل الشوري يفوضونها في التصرف، فعرضت عليهم اقتراحاً بإرسال بعثة بهدايا وانتظار نتائج هذا الاقتراح، فهي تفضل السلام وحل الموضوع بالطرق الودية لأنها تعرف أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.


مدخل: تنسب الملكة بلقيس إلي الهدهاد بن شرحبيل، واختلفت المراجع التاريخية في تحديد اسمها ونسبها، كما أنه لا يوجد تاريخ لسنة ميلادها ووفاتها، وهي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها، وجاءت قصتها في القرآن الكريم بدون أن يذكر اسمها في الآيات من 22 إلي 44 من سورة النمل ضمن أحداث قصة النبي سليمان عليه السلام.
مشهد 1 استطلاع: كان قوم بلقيس يعبدون الشمس ويسجدون لها وهذا ما رأه الهدهد الذي كان قد بعثه النبي سليمان ليبحث عن مورد للماء، حيث كان النبي سليمان يعلم لغة الطير: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر..) النمل .16
وتبدأ قصة ملكة سبأ بعد عودة الهدهد بالأخبار: (.. أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين)، فقد وجد الهدهد في طريقه مملكة سبأ وعلم أحوالهم: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)، فوجدهم تحكمهم امرأة لها ملك كبير ولكنه عاب عليهم عبادتهم الشمس: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ).
وقد أراد تعالي أن يوضح لنا ألا نستصغر أي كائن، فالهدهد علم ما لم يعلمه النبي سليمان والذي أراد أن يري مدي صدق كلام الهدهد، وأرسل إلي بلقيس ملكة سبأ برسالة تدعوهم إلي طاعة الله ورسوله بأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه.
مشهد 2 التشاور: وكانت رسالة سليمان للملكة تحمل الكثير من الاعتداد بالنفس، ومع ذلك فإن الملكة حين قرأت الرسالة استشارت وزراءها: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِي إِلَي كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَي وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، ومع أنها صاحبة النفوذ والتصرف فإنها عرضت الأمر علي وزرائها وقرأت الرسالة علي مسامعهم، وكانت من الذكاء بأن وصفت الرسالة بأنها كتاب كريم، في إشارة منها للوزراء حتي لا يأخذهم التكبر ويعتبروا الرسالة مهينة لهم فتنطلق منهم صيحات إعلان الحرب.
وتأتي الفتوي في القرآن الكريم بمعني طلب الرأي وليس لطلب الحكم الشرعي في الحلال والحرام، مثلما طلبت ملكة سبأ: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي..) النمل ,32 فالفتوي هنا تعني طلب الرأي لإيجاد الحل الأمثل للخروج من مشكلة لذلك فهي تحتاج إلي دراسة من المختصين، كذلك كان طلب ملك مصر: (.. يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي..) يوسف .43
كانت بلقيس من رجاحة العقل بحيث علمت من ألفاظ الرسالة أن سليمان ليس ملكاً عادياً، ومع ذلك كان رأي وزرائها: (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)، لذلك خالفت وزراءها الرأي عندما أشاروا عليها باللجوء إلي القوة: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).
ورأت أن ترسل إليه بهديةٍ لتعرف إن كان ملكاً عادياً فسوف تغريه الهدية وإن كان ملكاً نبياً فلن تغريه الهدية، ولتعرف أكثر عن ملكه وجنوده: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، ولكن النبي سليمان رد عليهم بقوة منكرا صنيعهم ومتوعدا إياهم: (.. قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).
عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان وعظمة سلطانه، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلي الشام حيث مقر النبي سليمان عليه السلام.
مشهد 3 الإسلام: وكان عرش بلقيس موجودا في سبأ عندما تركتها وسافرت، إلا أن النبي سليمان عليه السلام أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها قبل أن تصل إليه: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، فتطوع أحد الجان بأن يأتيه به قبل نهاية اجتماع النبي سليمان بهم.
لكن أحد الموجودين كان يملك قدرة أكبر مما يملك الجان: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ..)، ثم أمرهم بتغيير معالم عرشها ليري إن كانت بالذكاء الذي يليق بمقامها: (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ).
وكان من ذكائها حين سألها عن عرشها: (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ..)، فلم تؤكد أنه هو لعدم علمها بالقدرة التي يمكنها جلبه من مملكتها، كما أنها لم تنف ذلك لأنه يشبه عرشها.
وكان النبي سليمان قد أمر جنوده ببناء قصر من الزجاج علي الماء به قاعة طويلة تنتهي إلي عرشه: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ..)، وظنت بلقيس أنها ستمشي في الماء فكشفت عن ساقيها حتي لا يبتل ثوبها، ولما رأت ما أتاه الله تعالي لسليمان اعترفت بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله: (.. قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فلماذا أسلمت الغرض من إدخالها الصرح أن تعتقد أنها ستمر من فوق الماء لأن الزجاج كان شفافا لا يري، فكشفت عن ساقيها، فهنا قال لها سليمان عليه السلام إنه صرح ممرد من قوارير، ففهمت ملكة سبأ أنه ليس كل ما لا يُري غير موجود، فهي كانت تعبد الشمس لأنها تراها، ولكن هناك إلها وراء الشمس لا نراه، ولكنه موجود بفعله في الكون وهو المستحق العبادة. كانت رسالة تخاطب العقل فما كان منها إلا أن استجابت.
إن الله تعالي ذكر في القرآن حالة امرأة حاكمة وهي ملكة سبأ ولم ينكر وجودها كملكة، وإنما أنكر سجودها وقومها للشمس، وقد كان سلوكها حكيما مع قومها في الاستشارة وطلب الرأي، لم تغتر بالمستشارين أولي القوة والبأس الشديد وإنما قدرت العواقب، مما يدل علي استحقاقها للملك.
وفي القصص القرآني نموذجان للحكام أحدهما فرعون مصر والآخر ملكة سبأ، لقد كان فرعون مصر حاكماً مستبداً منفرداً برأيه، وملكة سبأ كانت تستشير من حولها، وبسياستها العاقلة تمكنت بلقيس من الوصول إلي النهاية الأفضل لها ولشعبها، بينما غرق فرعون وجنوده في قاع البحر، وهذا هو الفارق بين استبداد ملك هو فرعون وحكمة ملكة هي بلقيس.
إن ملكة سبأ تمثل نموذجا للمرأة التي تملك من العقل والحكمة ما يجعلها تنتقل من سلطة الباطل إلي الإيمان بالحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.